°
, March 29, 2024 in
آخر الأخبار
قضايا

عبدالفتاح مورو لـ”العربي الجديد”: “الإسلام هو الحل” شعار فارغ


الحركة الإسلامية أخطأت عندما سارعت نحو السلطة(فضل سنا/فرانس برس)
حاوره: بشير البكر، صلاح الدين الجورشي

    عبدالفتاح مورو لـ”العربي الجديد”: “الإسلام هو الحل” شعار فارغ

* الإسلام هو الحل ” شعار فارغ”.. والإسلاميون ليسوا خياراً دائماً

* لم تدرك الحركات الإسلامية أن المطلوب حالياً هو نظرة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الراهن

* لا يوجد في أدبياتنا كحركة إسلامية مبحث خاص بالحكم في العصر الحديث من منظور إسلامي

* لم يكن أحد من أصحاب القرار في العالم يرغب في أن يكون الإسلاميون هم البديل عن تلك الدكتاتوريات التي أطاحت بها الشعوب

* الإسلاميون أخطأوا عندما تصوروا بأنهم البديل. لم يعملوا على جعل الحراك الثوري هو البديل عن الدكتاتورية

* الحراك عندي الآن هو حراك وطني، يجب ألا يعادي الكيان الإسلامي العام

*التحالف الدولي وجد لإعادة ترتيب المنطقة. هو مجرد غطاء لمشهد جديد

عبد الفتاح مورو شخصية تونسية جذابة ومثيرة للجدل. تاريخياً، يعتبر أول من بدأ في تونس بالقيام بنشاط دعوي، وهو طالب في كلية الحقوق، وعندما رجع راشد الغنوشي من دمشق، التقى الرجلان ليراكما خبرتهما مع آخرين، فكانت بذلك الخطوات الأولى نحو تأسيس الحركة الإسلامية التونسية، التي تعتبر حركة النهضة اليوم أهم تعبيراتها. وهو يُعتبر اليوم أحد أبرز وجوه الصف الأول في الحركة، وإن كانت آراؤه السياسية واجتهاداته الفكرية لا تعبر عن الحركة رسمياً.

– انتقلت معظم الحركات الإسلامية، ولا سيما الإخوان المسلمون في مصر، من مرحلة العمل السري إلى العلنية الكاملة بعد ثورات الربيع العربي، من دون القيام بالمراجعات الضرورية في مثل هذه الحالات. فما رأيك؟

* أرى من الضروري أن نحدد في البداية تعريفاً للحركة الإسلامية. هي ظاهرة بدأت تبرز مع شعور الأمة بثقل المستعمر، وإدراك بعض مفكريها بحالة التدهور الواسع لأوضاع المسلمين، مما حدا ببعض قادتهم أن يصفّوا حولهم جماعات لمحاولة تحرير بلدانهم وتقديم مشروع بديل.

مرحلة الاستعمار وسقوط الخلافة أكدا لدى هؤلاء الباعثين أن الهدف الحقيقي مما أقدموا عليه هو استرجاع ما يمكن أن يكون مقام الخلافة. وبذلك أصبح الهدف عندهم هو الحكم، واختزلوا الإسلام كله في تطبيق الأحكام، وهو ما جعل الحركة الإسلامية في تونس عندما تأسست، كانت تهدف إلى الوصول إلى السلطة والدعوة إلى التقيد بالشريعة، مع الأخذ بعين الاعتبار المراحل التي مرّت بها الحركة في فهم الشريعة والتعامل معها. وهو ما جعلنا لا نرى طريقاً آخر للالتزام بالإسلام إلا من خلال السعي الدؤوب إلى تحقيق هذا الهدف.

– يعني أن الحركات الإسلامية هي في النهاية حركات سياسية؟

*يقيناً، لأنها حركات تهدف إلى الوصول إلى الحكم، ولكن بدافع ديني. فهي ترى أن الإسلام فيه حكم، وأنّ تخلّف الأمة يعود إلى كونها لا تطبق الشريعة. فالقضية بالنسبة إليهم هي بناء كيان سياسي أو إقامة بناء قانوني. والشعار الذي رفعته الحركة الإسلامية في تونس بعد الثورة كان يومها الرغبة في تطبيق الشريعة، كأننا بذلك نختزل آلام الأمة وتخلفها في كونها فاقدة لمنظومة قانونية.

– لكن بالعودة إلى النشأة، يُلاحظ بأن الجماعة في البداية كانت تتبنى خطاباً دعوياً واجتماعياً، قبل أن تتحول إلى تبني خطاب سياسي مباشر؟

* هذا الكلام صحيح في ظاهره، لأن الحركة الإسلامية علمتنا أنه لابد من تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة، ثم الجماعة المسلمة لنصل إلى إقامة الحكم الإسلامي. هذه مراحل لا تلغي الهدف. قد تتوقف الحركة عند مرحلة ما لأن ظروفها لا تسمح لها بالتقدم، لكن كان الهدف النهائي ضامراً في أنفسنا ومن دون عنوان وهو الوصول إلى تحكيم الشرع. لماذا كفّر سيد قطب المجتمعات؟ كفّرها لأنها لا تطبق شرع الله، وهذا يعتبر سياسة. هذا أمر لا يُعلن، وإنما يبقى ضامراً داخل الأهداف البعيدة للحركة الإسلامية. وقد قام حزب التحرير باختزال هذا المعنى وذلك عندما انتقل مباشرة إلى الدعوة إلى إقامة الخلافة.

الذي لم تدركه هذه الحركات أن المطلوب حالياً هو نظرة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الراهن، وهو معنى لم يتسرب إلى أذهان الدعاة والحركات الإسلامية التي بقيت لديها صورة واحدة عن الإسلام وهي الصورة التاريخية. وهذا يفسر لماذا لا يوجد في أدبياتنا كحركة إسلامية مبحث خاص بالحكم في العصر الحديث من منظور إسلامي، أي عندما سنصل إلى الحكم ما الذي علينا أن نفعله. ويعود ذلك إلى أن المثال قائم في الأذهان وسنستمده من التاريخ عبر النقل الحرفي إلى الواقع إذا توفرت الظروف.

وتعتبر هذه من أكبر النقائص التي جعلت الإسلاميين يتعثرون عثرات مسقطة، ولا سيما بعد قيام الثورة. فهم بأي مشروع انتقلوا إلى ممارسة السلطة؟ ليس لديهم مشروع. كل ما فعلوه أنهم نقلوا المثال الغربي ليس إلا، والذي كنا ننتقده ولا نرى فيه صفة الإسلامية. لقد اتجهنا من دون أن نتساءل نحو البرلمان وقانون الأحزاب ورئاسة الجمهورية، واخترنا صلاحيات محددة، وكل ما اكتسبناه من الغرب.

– هل هذا يعني أنه لا يوجد بديل إسلامي؟

* لم يتبلور هذا البديل. أكثر من ذلك، المسألة لا تتعلق بإعداد بديل يحمل الصبغة الإسلامية، لأن الإسلام تجنب أن يعطي صورة محددة للحاكم وصلاحياته، وإنما اكتفى بالعموميات، فالرسول لم يصرح بالخليفة ولا بصلاحياته وصورته. كل ما قاله الرسول أن يوفر الحكم الحريات وكرامة الإنسان والعدالة، وان يكون الحاكم أميناً على الأمة، وأن يستمع إلى الناس ويشاورهم، لكن لم يضف إلى ذلك شيئاً آخر. ولهذا جاءت الطريقة التي اختير بها أبو بكر مختلفة عن تلك التي اختير بها عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، غير تلك التي اختارتها الدولة الأموية بعد ذلك.

– ماذا يعني في ضوء ما تقول إن الإسلام هو الحل؟

* هذا شعار فارغ درج على ألسنة الشعوب وعلى ألسنة قادة الحركات الإسلامية من دون وعي بمضامينه. وهو يشبه شخصاً مريضاً يأتي للعلاج فيقال له بأن الطب هو الحل. نظرياً القول إن الإسلام هو الحل صحيح، ولكن على مستوى المضمون الحل هو الذي سنقوم نحن باستنباطه وبنائه على قاعدة “أنتم أعلم بأمور دنياكم”، ولم يقدم لنا تفاصيل القضايا والبدائل.

هذه المسائل تدخل ضمن تصورنا لواقعنا وكيفية النهوض به. لقد سارعنا نحو الأشكال ولم نُعِد المضامين. بل لم نتساءل عن الأسباب التي أوقعتنا في التخلف، وهو السؤال الذي طرحه كل المصلحين في القرن التاسع عشر. وقد كان مؤسسو الحركات الإسلامية على علم به، لكنهم لم يطرحوه بنفس الحدة، ولم يجيبوا عنه.

– هل يُفهم من سياق حديثكم أن الحركة الإسلامية أخطأت عندما سارعت نحو السلطة رغم أنها لا تملك برامج وخبرات في مجال إدارة شؤون الدولة؟

* يقيناً، وقد كان هذا رأيي من الأول، ويبدو أن الأحداث أكدت ذلك. ماذا كانت أهدافنا قبل الثورة؟ كنا نسعى لكي يكون لنا موقع مع باقي الأطراف السياسية، يمكّننا من إبلاغ رأينا تحت شعار “خلوا بيننا وبين الناس”. قضيتنا ليست تقويض الأنظمة بالقوة. بين عشية وضحاها تغير هذا الهدف، وكنت قد صرّحت خلال الفترة الأولى من الثورة وطرحت القضية السياسية، وقلت إن الإسلاميين لا يحق لهم تجاوز الثلث من مقاعد البرلمانات التي سيؤسسونها، ونصحتهم بألا يكون رئيس الجمهورية منهم. وأذكر أن (القيادي في جماعة الإخوان المسلمين) عصام العريان يومها قد تبنى الموقف نفسه في مصر، لكن سرعان ما تم التراجع عن هذا الموقف في فترة وجيزة لم تتجاوز الشهر، إذ اختار الإخوان أن يكونوا الأغلبية في البرلمان، وأن يكون رئيس الجمهورية منهم.

– ما السبب الذي دفعهم إلى ذلك؟

* هم برروا ذلك بالقول أنهم لو لم يرشحوا محمد مرسي فإن الغلبة ستكون لمرشح خصومهم، مما سيعيد البلد إلى العهد السابق، وهذا خطأ لأنهم كانوا واهمين عندما تصوروا بأن العهد الماضي قد تغير. فالذي تغير هو الواجهة فقط. هم لم يفهموا ذلك، أو أنهم تحت وقع الفرح والحماسة أو بحسن الظن، أو لانعدام التجربة، اعتقدوا أن تغيير الأنظمة يكون بإزالة حاكم. هم لم يدركوا أن هذه الثورات جاءت لصالح الأنظمة القائمة، بمعنى أن هذه الأنظمة تخلصت من الورم الذي كانت تعاني منه. فالحكام الذين كانوا يقودونها تحولوا إلى أورام مسيئة لتلك الأنظمة.

– هل هذا الأمر ينطبق على تونس؟

* نعم يمكن أن ينطبق على تونس. الأمر يحتاج إلى تفكير، لأننا لا نملك إلى حد الآن رؤية واضحة لمعرفة ما الذي حصل بين يومي 13 و14 يناير/كانون الثاني، وأفضى إلى هروب الرئيس السابق (زين العابدين بن علي). لم نفهم حتى الآن الآلية التي تمت بها الأحداث، والتي لا يزال يسودها الكتمان. لكن المؤكد أن الذين يتمتعون بهذا الحراك ليسوا هم الذين تسببوا فيه، وإنما جيّروه لصالحهم.

– هل حصلت ثورة في تونس؟

* حصلت ثورة، وهذا أمر لا شك فيه. لكني لا أعتقد بأنه قد وقع قطف ثمار هذه الثورة لصالح النظام السابق. وقد سبق أن قلت إن الإسلاميين إذا اعتقدوا بأنهم خيار دائم في بلدانهم فهم واهمون، هم اختيار ظرفي، وأنهم لن يستمروا في الحكم لفترة تتجاوز ثلاث سنوات، وأنهم سيخرجون من السلطة بنفس الطريقة التي وصلوا بها، أي سيخرجون بالصندوق، وأخشى أن يخرجوا في وسط الصندوق.
فالحراك الشعبي، إذا لم يجد قيادات واعية توجهه، وفكراً يقوده ويحدد له أهدافه البعيدة والقريبة، يقع سرقة هذا الجهد. الذين قبلوا بالإسلاميين بحكم الواقع والصندوق، كانوا يخططون لإخراجهم من السلطة بالطريقة التي دخلوا بها. وهو ما حصل في تونس، وفي مصر بطريقة خلفت شرخاً عميقاً داخل المجتمع، إذ لم يكن أحد من أصحاب القرار في العالم يرغب في أن يكون الإسلاميون هم البديل عن تلك الديكتاتوريات التي أطاحتها الشعوب.

– أنت أيضاً تقول الآن بأنهم، أي الإسلاميين، لا يمكن أن يشكلوا بديلاً؟

* هم أخطأوا عندما تصوروا بأنهم البديل. لم يعملوا على جعل الحراك الثوري هو البديل عن الديكتاتورية. وهو ما يقتضي أن يكونوا ضمن الحراك الثوري وليس خارجه. الذي حصل أن الصف الثوري انقسم على نفسه، وهو ما أتاح الفرصة لعودة قوى الردة إلى العمل من جديد. لم يدرك الثوريون أو الذين يمكنهم أن يستفيدوا من التغيير، أن المرحلة الجديدة هي مرحلة تكاتف وتعاون، وأنهم ليسوا قادرين كأفراد على إقامة الصرح الجديد. لأنه ما المعنى من إزاحة الديكتاتورية إذا كان الهدف هو بناء ديكتاتورية أخرى.

– لو حاولنا سحب هذه المسائل على الحالة التونسية، فماذا يمكن أن نقول عن حركة النهضة؟

* في صفوف النهضة أفراد، بعضهم تم استبعادهم ثم استرجاعهم، كانوا على خلاف مع الرأي السائد. حركة النهضة سلكت طريقاً واحداً، والغريب أنها لم تتوقف لكي تفكر وتسمع الرأي المغاير. كانت رأياً واحداً، وهو ما جعلها تميل ميلة واحدة إلى أن اقترب أنفها من الحائط، ولم يبق سوى أصابع قليلة قبل أن يتحطم وجهها. حينها اضطرت إلى التراجع عن اختياراتها التي حددتها سابقاً. فحركة النهضة وضعت منذ اليوم الأول الخلاف الأيديولوجي كعنوان رئيسي، وذلك عوض أن تكون القضية بين الثوريين والرجعيين، وليست بين الإسلاميين والعلمانيين.

الثورة لم تأت لكي تطرح هذه القضية. هناك من يعيش اللحظة الراهنة ويواجه تحدياتها، وهناك المحافظون الذين يعيشون في الماضي، ومنهم إسلاميون يحلمون بعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، وأيضاً علمانيون يحلمون بتولستوي ولينين وستالين وبما حدث في الستينيات. وكلاهما يتحمل مسؤولية تعطيل الحراك وعدم دفعه إلى الأمام. وقد انخرطت حركة النهضة لمدة طويلة في الرد على العلمانيين، وهو ما أعطى فرصة حتى للذين لا يؤمنون بالديمقراطية أو المؤسسات مثل السلفيين الذين ليس لديهم مشروع، ولا يعترفون بالدولة. مشروعهم الوحيد هو موالاة الحاكم المستبد الظالم على شرط أن يحمل راية الإسلام. ولهذا اختزلوا قضيتهم في رفع راية يدافعون عنها. هؤلاء تسللوا في نطاق هذا الحراك.

– قبل متابعة رأيك في ما يتعلق بالظاهرة السلفية، قلت إن حركة النهضة استدارت قبل أن تصطدم بالجدار، كيف تفسرون هذه الاستدارة؟

* هي مسرحية، ولأنها أدركت بأنها قد تخسر كل أوراقها تحت ضغط خصومها.

– يعني قبلت بالثلث؟

* هي لم تحصل لا على الثلث ولا غيره، لقد خرجت بخفي حنين.

– واليوم هي على أبواب انتخابات تشريعية، فماذا ستفعل؟

* القضية مطروحة اليوم. فالذين سيواجهون الناخبين عليهم أن يسألوا عن الهدف من مشاركتهم. هل يرغبون في العودة إلى الحكم بمفهوم سلطة تنفيذية؟ بعضهم يصرح بذلك. لكن هناك من يقول إن المرحلة تفرض أن نكون حاضرين، وأن نكون طرفاً في الحكم، ولكن من موقع المجلس التشريعي. ولا أقصد بذلك أن نغير القوانين لنجعل منها إسلامية. هذا رأي غير صحيح، وإنما المقصود بتشريعات تدعم الإصلاح الإداري والجبائي والتربوي وإصلاح مختلف المنظومات.

– هل نجحت النهضة في طمأنة المجتمع التونسي؟

لا، حركة النهضة اليوم في ذهن الكثير من أبناء الشعب التونسي رقم لابد من بقائه، لكن أن تكون في وعي الجميع الحزب القادر على معالجة مشاكل البلاد ومواجهة التحديات، فهذا ليس رأي عدد كبير من التونسيين. ولهذا أنا توقعي أن الذين سيصوتون لصالح النهضة هم أبناؤها وأسرهم، لكن أولئك الذين كان حرياً بالنهضة بعد الثورة أن تهتم بهم، والذين ليس لهم عداء للإسلام، حتى ولو لم يرتق سلوكهم إلى درجة الالتزام الأخلاقي، ولن يكونوا في صف اليسار، هؤلاء لا يفهمون ما الذي تعنيه العلمانية، وبالتالي كان بالإمكان أن نجعلهم منحازين إلى النهضة، لكنها خسرت الكثير منهم.

– هل هناك إمكانية حسب رأيكم لتحقيق مصالحة أو تفاهم بين الإسلاميين والعلمانيين؟

* أنا لا أقرّ بهذا التقسيم في هذه المرحلة. المطروح حالياً ليس صبغ الحكم بصبغة علمانية أو إسلامية، فهذا موضوع لا معنى له.
النمط الواقعي السائد حالياً في تونس منذ عهد الحبيب بورقيبة، نريد الإبقاء عليه حتى لا نفتح الباب أمام إشكالية يصعب سدّها، إضافة إلى أن نمط الحكم لا يبت فيه السياسيون لوحدهم، وإنما هو اختيار مجتمعي، ويطرح في المجالات الفكرية والتربوية، وليست من اهتمام العموم.

– كيف تحولت السلفية في تونس إلى عنفية؟ وما حجمها الحقيقي؟ ومدى تأثيرها على المسار السياسي؟

* السلفية كفكر تأقلمنا معها منذ زمن بعيد، وقد وقع البتّ في الخلاف الذي نشب بين المسلمين في القرن الثالث والرابع، واصطف المسلمون بسببه صفوفاً مختلفة. وقد انطلقت القضية حول الأسماء والصفات بحكم التأثر بطريقة التفكير الإغريقية. وتم القول إن اختيار السلف أسلم، واختيار الخلف أعلم. الأول لا يخوض، ويأخذ بطريق النص كما هو، في حين يذهب الخيار الثاني إلى المعاني والمقاصد. لكن أن يقع إخراج هذه القضية من جديد، وأن تُطرح على الأمة اليوم وفي هذا السياق هذا أمر غير طبيعي. فكلام علماء الأمة الذين تجادلوا حول هذه المسائل لم يعد يحل مشاكل الناس اليوم.

القضية اليوم ليست الأسماء والصفات، وليست في تطبيق مذهب الإمام ابن حنبل والمالكي في الصلاة وعموم العبادات. فهذا المذهب انطلق من بلد فيه رفاه، وأصبح ذا وجاهة في العالم، فاستغلت هذه الوجاهة من قبل أطراف من داخله لا تفقه تحديات المرحلة لتمرير هذه القناعات.

الذي حدث الآن، أنه لأول مرة يتم فيها تمكين شباب عقائدي من السلاح. وهي سابقة خطيرة بعد أن جاءت قوات دولية ومكّنت هؤلاء في أفغانستان من تحقيق علمهم على أرض الواقع، ويعتقد الغرب بأنه تمكن من إخراج الروس من أفغانستان بفضل هؤلاء الشباب، لكن الاستخبارات الأميركية لم تدرك أن هذا الباب الذي تم فتحه يعسر سدّه. ومن نتائج ذلك أن أصبح السلاح هو هدف الشباب الذي يبحث عن أي بلد تضعف فيه سلطة الدولة لممارسة العنف فيه. وقد تم استغلال الدين في هذا المجال غطاءً لتحقيق أهدافهم. وهكذا تحولوا من فئة صغيرة إلى جيش كبير.

المسألة الآن لا تستوجب فقط وقفة من الإسلاميين والمتدينين، ولكن أيضاً من المجتمعات التي عليها أن تدرك الأسباب العميقة التي تجعل من شبابنا يرفع السلاح ضد الدولة. حصلت هذه الظاهرة في الغرب خلال الستينيات، لكنه استطاع أن يحصرها ويسيطر عليها لكونه يملك صحافة ومؤسسات ووعياً. أما المجتمعات التي لديها مؤسسات حامية، وليس فيها فكر فسيكون من الصعب محاصرة هذه الظاهرة. هناك من المسلمين من يعتقدون بأن الإسلام سيقوم على أيدي هؤلاء، لأن الطبقة الدينية بينت أن ولاءها للأنظمة المستبدة. فالسلفية اليوم ليست أمنية فقط.

– هل يعني ذلك أن هذه الظاهرة قد خرجت عن نطاق السيطرة في تونس؟

* لا، لم تصبح هذه الجماعات خارج دائرة التحكم، لأنها غير قادرة على مواجهة الناس، لقد خسروا وحوصروا. لو كانوا متغلبين لأصبحوا قادة. المشكلة أن هؤلاء يتغذون حالياً من الأزمة التي يتخبط فيها الجار (ليبيا). نحن نعيش وضعاً هشاً، ونخشى أن يُستغل ذلك لتهريب الأسلحة والقيام بعمليات خطيرة.

القضية اليوم تتجاوز تنظيم “داعش”، وما يجري حالياً يدعو إلى الضحك. هؤلاء لا يقاومون بهذه الطريقة، لأنهم يتسللون داخل البيوت، ولا يمكن قتل وقصف أسر بكاملها. أعتقد بأن هذا التحالف الدولي وجد لإعادة ترتيب المنطقة. هو مجرد غطاء لمشهد جديد.

– بماذا تنصح الإسلاميين اليوم؟ وما أهم الدروس التي تستخلص في نقاط من هذه التجارب التي عاشتها المنطقة خلال السنوات الأربع الأخيرة؟

* المشكلة اليوم تتجاوز الحركات الإسلامية، وتجعلنا نتحدث بالضرورة عن الإسلام نفسه. كيف؟ مشكلة الإسلام تكمن في الذين ينتمون إليه. هؤلاء جعلوا الإسلام هو الدين الوحيد القائم في داخله على العنف، ولم يستقر الأمر حتى الآن على اختيارات محددة ونهائية. فالمسيحيون عالجوا مشاكلهم في داخلهم، وحتى اليهود، رغم استمرار بعض النتوءات، أمكنهم أن يتحكموا في خلافاتهم الذاتية. المسلمون هم الأمة الوحيدة التي لم تتمكن حتى الآن من معالجة قضاياها الداخلية، لأننا أفرطنا في مسألة الحرية فجعلنا الاجتهاد قائماً على حرية الممارسة الفردية. وليست لدينا ضوابط للاجتهاد، إذ يكفي فتح كتب المطولات لتجد في القضية الواحدة سبعين رأيا، كلها يستند على نص وفهم. لم تتكون لدينا مرجعية على مستوى العلم، من شأنها أن تجعل الدين ينحو منحى محدداً، ولا سيما أن الكثير من المفتين أصبحوا موالين السلطة المستبدة، وهو ما أفقدهم مصداقيتهم لدى المؤمنين. وهو ما جعل جماعة “داعش” على سبيل المثال يفتون، ولهم نصوصهم التي يعتمدونها. فمثلاً ماذا يفعل اتحاد علماء المسلمين حالياً. يتحدث عن زرع الأعضاء وعن الربا والتأمين وغير ذلك من القضايا. وهذا جهد علمي محمود، لكن أين تأثيره على مستوى المجتمع وهل يشكل مرجعية ملزمة لدى الأمة؟

في الغرب، قامت الجامعات بصياغة مرجعية لها، وداخل هذه المرجعية هناك حدود، وداخل تلك الحدود هناك حريات واسعة، في حين أننا لم نتوصل حتى الآن إلى منهجية تساعدنا على إدارة شؤوننا الدينية وغير الدينية. الإسلاميون مطالبون بالحوار في ما بينهم، وأن يتخلوا عن الاعتقاد بأن كل طرف منهم حامل وحدَه نمطاً يطلق عليه المشروع الإسلامي.

– هل تعتقدون بأن التجربة التركية قد نجحت في التحكم بهذه المعضلة بفضل التوازن الذي حققته بين الدولة والدين؟

* الخطر يكمن في الانطلاق من تجربة من أجل تعميمها. هذا هو الخطأ، لأن هناك من يحاول أن يقنعنا بوجود نموذج إسلامي عالمي يمكن نقله وترويجه. أنا أرفض بالأساس حديثاً عن وجود حراك إسلامي عالمي. الحراك عندي الآن هو حراك وطني، يجب ألا يعادي الكيان الإسلامي العام. الإشكالات المطروحة هي عملية بالأساس وتنطلق من داخل الإطار الوطني، من دون أن ينفي ذلك وجود تعاطف مع باقي المسلمين. وفي هذا السياق، السؤال المطروح: كيف يمكن أن يساعدنا الإسلام على إصلاح هذا الواقع الوطني، وفي أي حدود؟

– يعني هذا أنه لا يوجد نموذج إسلامي؟

*هناك سمات عامة، ولا يوجد نموذج. لا نختلف في الحلال والحرام، لكننا نختلف في التطبيقات العملية.

– هل يعني هذا أن على الإسلاميين أن يتخلوا عن المعركة الأيديولوجية؟

* يجب عليهم ألا يعتقدوا بأن معركتهم أيديولوجية. المعركة الحقيقية هي تجنيد الشعوب من أجل العمل والبناء والتنمية، وألا يتعرض أي مواطن لانتهاك حرمته وحريته بسبب غطاء الرأس أو لحية أو سلوكه الفردي. الناس أحرار في ذلك، ولا يستطيع إخواني أو سلفي أن يفرض نمطاً محدداً على الباقين.

– ما موقف السلفيين منك؟

* أما الذين بيدهم مفاتيح الجنة فهم يرفضون أن أدخلها. وأما الذين يحرسون المقابر، فهم يرفضون أن أدفن فيها. أما الذين يلتقون بي في الشارع، فبعضهم قد عمد إلى الاعتداء علي. ولكن هذه أمور صغيرة ولا قيمة لها عندي.

– والنهضويون، هل يسمعون كلامك؟

* قلت هذا الكلام لهم وعلى أعمدة الصحافة. بعضهم يستمع، والبعض الآخر يسخر اعتقاداً منهم بأنهم هم الذين يتحكّمون بالماكينة التنظيمية. وهو شكل من أشكال الغرور الذي لا يساعد المصابين به على الوصول إلى الحقيقة.

– أخيراً، بهذا النمط من التفكير والطرح، ماذا تنوي أن تفعل في البرلمان القادم وأنت مرشح على رأس قائمة من قوائم حركة النهضة؟

* في اعتقادي أن تونس اليوم بحاجة إلى منظومات قانونية انطلاقاً من نص الدستور الجديد. فإبراز الحقوق وصيانتها جزء أساسي من الإصلاح، إلى جانب تركيز المؤسسات الحامية. هناك حاجة إلى الهدوء الذي يعقب الثورة. كذلك علينا أن نعوّد أنفسنا على التداول في السلطة وعلى احترام الاختلاف والتنوع. أما على المستوى الاقتصادي، فنحن في حاجة إلى مشروع، وليس أسلوب الترقيع الجزئي الذي ننتهجه حالياً. وهذا ما فعلته أوروبا أو أميركا بعد ثوراتهم. لدي مشاريع كما لدى الآخرين، لكن الأمر يحتاج إلى هدوء واتفاق على منهجية ومرحلية وضبط قواعد للعمل المشترك.

المصدر :

 http://www.alaraby.co.uk