°
, April 19, 2024 in
آخر الأخبار
دراسات اجتماعية

إسلامهم وإسلامنا – د محمد عضيمة

صديقي العزيز… لو كان الإسلام الذي يعيشه المسلمون عندك في فرنسا أو بريطانيا أو أميركا أو اليابان أو غيرها من هذه البلدان المتقدمة، يشبه الإسلام الذي نعيشه نحن هنا

في بلادنا، لكان موقفك من الموضوع مختلفاً بشكل جذري، فأنت كمسلم تعيش في تلك البلاد وفقاً لقوانين أحوال شخصية مدنية، ودساتير وضعية لا علاقة للإسلام أو أي دين آخر بها. وما تعرفه أو تعيشه يومياً من الإسلام لا يتجاوز بعض الأركان الخمسة المعروفة: النطق بالشهادتين، وصيام رمضان والصلاة خمس مرات في اليوم. هذا كل ما يعنيك من الإسلام في تلك البلاد كي ترضي ربك وضميرك كما تقول…
أما الزكاة على سبيل المثال فلك في تفسيرها شؤون…. تارة تصح لغير المسلم وتارة لا تصح، تؤديها لإمام الجامع أو لا تؤديها، لأنك تثق به حيناً وأحياناً كثيرة لا تثق. وهكذا تظل في حيرة من أمرك إلى أن تنتهي أخيراً بالجزم بأنها لا تصح لفقراء ومساكين الكفار، أي المسيحيين الذين تعيش بينهم وعلى جيوبهم كزبائن يوميين لك، أو أن إمام الجامع ليس موضع ثقة هذه الأيام… ثم تتهرب منها كما تتهرب من ضرائب الدولة الأخرى…
وأما الحج فهو لمن استطاع إليه سبيلا، كما تردد ذلك كلما حان وقت الحج. وتجزم دوماً بأنك غير قادر عليه…. وهكذا يا صديقي تجد لنفسك مخرجاً شرعياً مناسباً كلما تعلق الأمر بواجب ديني يكلف مقداراً من المال… هذا حقك على أية حال…
في النهاية، أنت تعيش الإسلام عندك في أوروبا، أو أميركا أو في غيرهما، كما يعيش الأوروبي المسيحي مسيحيته، أي تعيش الإسلام مجاناً، الإسلام الذي لا يكلفك شيئاً، تعيشه كحالة روحية فقط، لأنه يمنحك إحساساً بالسعادة… وأعتقد أنك لا تستطيع، ولن تستطيع في المدى المنظور، أن تعيشه هناك بشكل آخر. وهذا ما أعتقد أنه خير لك ولأولادك وأحفادك، وليس لي أي اعتراض، بل ربما أنظر إلى الإسلام، وإلى الأديان كلها، بهذا الشكل البسيط. فهي أساساً إنما جاءت لتكون في خدمة الإنسان وليس العكس…
وفي هذا السياق، أشك أن يحدث لك، مثلاً، أن تقدم مشاعرك الإسلامية هذه على مشاعرك الوطنية، أي أن تكون مسلماً أولاً ثم فرنسياً أو بريطانياً ثانياً، حتى ولو كنت من أبوين مسلمين، أي مسلماً بالولادة وليس بالهداية. يعني سيبقى شعورك بالهوية الوطنية، وبالجنسية التي تتمتع بها سابقاً على شعورك الديني بمسافة كبيرة أو صغيرة، لأنك في الواقع اليومي والحياة العملية، في الحي أو في الشركة، تعيش وتنجز جميع أمورك ومعاملاتك وفقاً لقانون مدني يقوم على أساس المساواة بين جميع المواطنين مهما كانت أديانهم…
ولو كان العكس، فلا شك بأن مشاعرك الدينية ستتقدم على أي مشاعر أخرى، وتتحول إلى هوية يومية تحتاجها في جميع المؤسسات والدوائر الرسمية والشعبية، وقد تحتاجها في أي حوار حميم مع الأصدقاء في المطاعم والمقاهي، كما يحدث في بلادنا…. فليست هناك، كما تعرف، معاملة زواج أو طلاق أو معاشرة أو إرث أو غير ذلك كله إلا وتمر عبر القناة الدينية التي يمثلها قانون الأحوال الشخصية… حتى معاملات الصداقة لا تتم ولا تنجح إلا من خلال تلك المشاعر الدينية… فصداقات أبناء المذهب الواحد، أو الطائفة الواحدة تنعقد بسرعة ومتانة أكثر من غيرها بكثير… حتى الصداقة في ديارنا خاضعة لقانون الأحوال الشخصية….
تصور أن ابنك، هذا الثرثار الفاشل، يرث نصف ما لديك والنصف الآخر يذهب لابنتيك الطيبتين البارعتين في كل شيء، فقط لأن القانون إسلامي ويعطي الذكر مثل حظ الأنثيين…
تصور وجود هذا القانون، فقط هذا القانون، عندك بفرنسا أو بريطانيا… ماذا تفعل؟
تصور أن ابنة صديقنا الوحيدة لا تستطيع أن ترث ما لديه من أموال ومعامل وبنايات، بل ترث ما يقرره الشرع الإسلامي والباقي يذهب إلى الأخوة والأقرباء….
تصور وجود هذا القانون، فقط هذا القانون، عندك في اليابان أو ألمانيا…. ماذا تفعل؟
تصور أنك وقعت في حب مسلمة، من أي مذهب كانت، فلن تستطيع الزواج منها إلا إذا أشهرت إسلامك، لأن الإسلام يحرم زواج المسلمة من غير المسلم….
تصور وجود قانون مماثل عندك في إيطاليا أو سويسرا…. ماذا تفعل؟
لكن تصور، لو كان الأمر يقتصر في بلادنا على الأركان الخمسة فقط… تصور فقط!!

المصدر :http://www.alnhdah.com
moudaimah99@yahoo.co.jp

اثنين, 27/10/2014

الكاتب : محمد عضيمة / رقم العدد : 669