°
, April 19, 2024 in
آخر الأخبار
دراسات اجتماعية

في الإعادة إفادة – الأمَّة التي لا يشعر أكثرها بآلام الاستبداد، لا تستحقُّ الحرّيّة

كلنا سوريون

7767-1

عبد الرحمن الكواكبيّ (1855 – 1902)

 

إنَّ الأمَّة إذا ضُرِبَت عليها الذِّلَّة والمسكنة، وتوالت على ذلك القرون والبطون، تصير تلك الأمَّة سافلة الطِّباع، حتّى إنَّها تصير كالبهائم، أو دون البهائم، لا تسأل عن الحرّيّة، ولا تلتمس العدالة، ولا تعرف للاستقلال قيمة، أو للنظام مزيّة، ولا ترى لها في الحياة وظيفة غير التابعيّة للغالب عليها، أحسنَ أو أساء على حدٍّ سواء، وقد تنقم على المستبدِّ نادراً، ولكنْ، طلباً للانتقام من شخصه لا طلباً للخلاص من الاستبداد، فلا تستفيد شيئاً، إنّما تستبدل مرضاً بمرض؛ كمغصٍ بصداع.

وقد تقاوم المستبدَّ بسَوق مستبدٍّ آخر تتوسَّم فيه أنَّه أقوى شوكةً من المستبدِّ الأوّل، فإذا نجحت لا يغسل هذا السائق يديه إلّا بماء الاستبداد، فلا تستفيد أيضاً شيئاً، إنّما تستبدل مرضاً مزمناً بمرض حديث، وربّما تُنال الحرّيّة عفواً، فكذلك لا تستفيد منها شيئاً؛ لأنَّها لا تعرف طعمها، فلا تهتمُّ بحفظها، فلا تلبث الحرّيّة أن تنقلب إلى فوضى، وهي إلى استبدادٍ مشوَّش أشدُّ وطأةً كالمريض إذا انتكس. ولهذا؛ قرَّر الحكماء أنَّ الحرّيّة التي تنفع الأمَّة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد لقبولها، وأمَّا التي تحصل على أثر ثورةٍ حمقاء فقلّما تفيد شيئاً؛ لأنَّ الثورة – غالباً – تكتفي بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود أقوى ممّا كانت أوّلاً.

فإذا وُجِد في الأمَّة الميتة مَن تدفعه شهامته للأخذ بيدها والنهوض بها فعليه أوّلاً: أن يبثَّ فيها الحياة وهي العلم؛ أي علمها بأنَّ حالتها سيّئة، وإنَّما بالإمكان تبديلها بخيرٍ منها، فإذا هي علمت بطبعه من الآحاد إلى العشرات، إلى إلى…، حتّى يشمل أكثر الأمَّة، وينتهي بالتحمُّس ويبلغ بلسان حالها إلى منزلة قول الحكيم المعرّي:

إذا لم تقُم بالعدل فينا حكومةٌ *** فنحن على تغييرها قُدَراء

وهكذا ينقذف فِكرُ الأمَّة في وادٍ ظاهر الحكمة يسير كالسيل، لا يرجع حتّى يبلغ منتهاه.

ثمَّ إنَّ الأمم الميتة لا يندر فيها ذو الشَّهامة، إنّما الأسف أنْ يندر فيها مَن يهتدي في أوَّل نشأته إلى الطريق الذي به يحصل على المكانة التي تمكِّنه في مستقبله من نفوذ رأيه في قومه، وإنِّي أنبِّه فكر الناشئة العزيزة أنَّ من يرى منهم في نفسه استعداداً للمجد الحقيقيّ فليحرص على الوصايا الآتية البيان:

  1. أن يجهد في ترقية معارفه مطلقاً لا سيّما في العلوم النّافعة الاجتماعيّة كالحقوق والسياسة والاقتصاد والفلسفة العقليّة، وتاريخ قومه الجغرافيّ والطبيعيّ والسياسيّ، والإدارة الحربيّة، فيكتسب من أصول وفروع هذه الفنون ما يمكنه إحرازه بالتلقِّي، وإن تعذَّر فبالمطالعة مع التدقيق.
  2. أن يتقن أحد العلوم التي تُكسبه في قومه موقعاً محترماً وعلميّاً مخصوصاً؛ كعلم الدين والحقوق أو الإنشاء أو الطبّ.
  3. أن يحافظ على آداب وعادات قومه غاية المحافظة ولو أنَّ فيها بعض أشياء سخيفة.
  4. أن يقلّل اختلاطه مع الناس حتّى رفقائه في المدرسة، وذلك حفظاً للوقار وتحفُّظاً من الارتباط القويّ مع أحد كيلا يسقط تبعاً لسقوط صاحبٍ له.
  5. أن يتجنَّب كليّاً مصاحبة الممقوت عند الناس لا سيّما الحكّام ولو كان ذلك المقت بغير حقّ.
  6. أن يجتهد ما أمكنه في كتم مزيّته العلميّة على الذين هم دونه في ذلك العلم لأجل أن يأمن غوائل حسدهم، إنّما عليه أن يظهر مزيّته لبعض من هم فوقه بدرجاتٍ كثيرة.
  7. أن يتخيَّر له بعض من ينتمي إليه من الطبقة العليا، بشرط: أنْ لا يُكثر التردّد عليه، ولا يشاركه شؤونه، ولا يظهر له الحاجة، ويتكتَّم في نسبته إليه.
  8. أن يحرص على الإقلال من بيان آرائه وإلّا يؤخذ عليه تبعة رأي يراه أو خبرٍ يرويه.
  9. أن يحرص على أن يُعرف بحسن الأخلاق، لا سيّما الصّدق والأمانة والثبات على المبادئ.
  10. أن يُظهر الشفقة على الضعفاء والغيرة على الدين والعلاقة بالوطن.
  11. أن يتباعد ما أمكنه من مقاربة المستبدّ وأعوانه إلّا بمقدار ما يأمن به فظائع شرِّهم إذا كان معرَّضاً لذلك.

من كتاب: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد – الفصل الثاني عشر – مبحث السعي في رفع الاستبداد.

 

المصدر :http://newspaper.allsyrians.org