°
, April 25, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

مداخلة في العامية السورية (2) . نقولا الزهر

إني من محبي اللغة العربية الفصحى ، لابل من عشاقها. لكني أتساءل دائماً عن السر الذي لم يفسح في المجال لهذه الفصحى أن تنزل من عليائها إلى الشارع؟ ؟ في بلادنا لغة في الصف ولغة في باحة اللعب. لغة في قاعة المحاضرات ولغة أخرى في المطعم على المائدة. إن أستاذ الجامعة في بلادنا ما أن تأتي اللحظة التي يخرج فيها من محاضرته حتى ينقلب لسانه إلى العامية.وإن كان هذا الأستاذ يدرس الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء فهو يتكلم بالعامية دون أي حرج. وكذلك مقرئ آيات القرآن الكريم ما أن ينتهي من قراءته حتى يعود للغته اليومية. وهل ياترى هذه الازدواجية اللغوية تدخل في خانة التقدم أم التخلف؟ في الواقع إذا عالجنا المسألة من حيث الكم فقد جرت العادة أن يصنف من يعرف لغتين في منزلة المتقدم، ولكن إذا عالجنا المسألة من حيث النوع فالمسألة فيها نظر.
إني لست من أنصار إجبار الناس على التكلم باللغة الفصحى على الإطلاق، فيكفيهم ماهم فيه من استبداد، ولا ينقصهم أن يأتي شرطي ليقفَ على ألسنتهم وهو في الأصل لايتقن اللغة الفصحى. ما أبحث عنه في الواقع هو ماهية ذلك السحر الموجود في لغتنا العامية الذي يجذب كل الناس ليتكلموا فيها حوالي 90% من كلامهم اليومي. ألا يقول لسان حال الناس لعلماء العربية: إذا لم تبسطوا لغتكم وتجددوها سنبقى نتكلم لغتكم في الاحتفالات الرسمية وعند الضرورة وفيما عدا ذلك نعود إلى لغتنا الحميمة خفيفة الظل….
تأملت كثيراً في هذا الموضوع، فتوصلت إلى بعض الاستنتاجات:
1- تحمل العامية السورية منطقاً نحوياً آخر وهو عميق الجذور في منطقتنا يمتد إلى الارامية والكنعانية والآمورية…
2- في الواقع إذا دققنا في العامية السورية نرى أنها تتميز بقدرة توليدية للمعاني والدلالات عن طريق إضافة سابقة محددة (prefix)في بداية الأفعال أو لاحقة في نهاياتها(sufix) ، وهذه القابلية تجعلها أكثر مرونة. وكذلك هذه السمة تمنحها القدرة على تقصير الجملة وتوفير الوقت
3- أيضاً تتميز العامية بقدرتها الكبيرة على الدمج والنحت. ويمكننا في هذا السياق أن نقارن بين الانكليزية والأميركية ويبدو أن الأميركية كانت أكثر دينامية وجرأة على الوصل والدمج من الانكليزية الأم. ففي حوران والأردن وفلسطين يقولون هسه = الآن=هذه الساعة. وفي منطقتنا في القلمون وفي دمشق يقولون: لسه ما رحت؟/ إلى هذه الساعة لم تذهب؟/ألم تذهب بعد؟
4- أيضاً تتميز العامية السورية بأنها أقل تعقيداً من اللغة العربية. وعلى سبيل المثال فهي تستخدم أداة نفي واحدة(ما) في الماضي والمضارع والمستقبل.ما كتبت /مارحت عالحفلة/ ما سقيت الوردات/ماحضرت العرس. وكذلك في الحاضر ما باكل/ مابدرس/ما بقدر/ما بحبها.. أداة نفي واحدة فقط لا غير ويمكن التأكيد عليها بكلمة أبداً مثل: مابحكي معه ولاراح أحكي أبداً…

5- أيضاً تتميز اللغة العامية بأنها أكثر قدرة وبشكل أبسط وأوضح على توليد الأزمنة، عن طريق استخدام سوابق محددة في بداية الفعل وخاصة فعل المضارع. فيمكن أن نرى فيها بوضوح ما يسمى بالانكليزية الحاضر المستمر(presnt continous)، وذلك باستخدام السابقة(عَمْ):عم-يكتبْ/ عم- ياكلْ/ عم-يلعب/ عم-يشرب…. عم – يلعب يلعب تحت التينة…(وديع الصافي) وكذلك يوجد زمن المستقبل القريب في العامية السورية والشبيه لمثيله تماماً في اللغة الفرنسية(Future Proche):
رايح- أكتب/ رايحة- تكتب/ رايحين-يلعبوا/ رايحين- ناكل /رايحين نلعب/ رايحة- تاكلي؟
وكذلك يوجد في العامية زمن الماضي القريب الشبيه بمثيله في الفرنسية(Passee recent) فنقول: جاي- من الشغل، جاي- من الأكل، جاي- من السقاية، جاية – من الحصاد، جايين-من الدبك، جايين من لم الزبيب..
6- ميالة العامية لحذف الهمزة إذا كانت في وسط الكلمة أو إذا كانت في آخر الكلمة فيقال:
سماء/سما، عباءة/عبا، رجاء/ رجا، فداء/فدا. وكذلك عطاء الله/عطالله ،إن شاء الله/نشالله .
وكذلك همزة اسم الفاعل تحذف: فيقال نائم/نايم، سائق/سايق، عائم/ عايم، نائلة/نايلة..
7-إن العامية لاتزال تحافظ على حرفي الإمالة(0,ei) الموجودين في كل من الأبجديتين العبرية والأرامية: ويبدو أن أحرف الإمالة أكثر استساغة للفظ لدى الناس من الياء الساكنة والواو الساكنة؛ وحتى العراقيون يلفظون هذين الحرفين الصوتيين حتى في الشعر العربي الفصيح، وهذا ماكنا نراه لدى الشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري ابن النجف واللغة العربية المقعرة فكان يلفظ دائما:اللَيْل/الليل والنَوْم/النوم وكذلك المغني الراحل ناظم الغزالي كا ن يقول تعيرني بالشيب المائلة وليس المسكونة. ويبدو أن حرفي الإمالة الصوتيين ينسجمان مع موسيقانا السائدة السريانية والبيزنطية..
إن الصلح بين عاميتنا وفصحانا تحتاج إلى جهد الكثيرين، واعتقد أن هذا الصلح يحيل إلى التقدم وبقاء القطيعة بينهما يحيل إلى تأخرنا….

دمشق في 31/5/2009
نقولا الزهر
الحوار المتمدن-العدد: 2664 – 2009 / 6 / 1 – 11:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية