°
, March 29, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

البروفيسور حُنين مصعب

في حين يقضي معظم البشر ما يقارب النصف مِن أعمارهم في النّوم و الأكل، قَضى رجل سوريّ اسمه “حنين مصعب”أربعة عقود من عِمره في مُختبر !
كان همّه الوحيد إيجاد لُقاح لفيروس الأنفلونزا . وقد كان له ذلك بعد أربعين عام من العمل المتواصل .
المُدهش أن هذا العالم رحل عنّا في مطلع هذا العام وأجزم أن اسمه لم يأت ولو عرضياً على مسمع أي سوريّ في الوقت الذي قامت “جامعة ميتشغان” بتخليد ذكراه عبر منح دراسيه باسمه
الحديث عن هذا العالم طويل، ممتع، وغني ..فمن هو حُنين فادلو مصعب ؟!

في الشهر الثاني لهذا العام في ولاية كارولينا الشمالية فارقنا حُنين(جون) فادلو مصعب عن عمر يناهز الثامنة والسبعين .وهو البروفيسور الفخري لعلم الأوبئة في كلية الصحّة العامة بجامعة ميتشغان،أما الاختراع الذي ارتبط باسمه فهو “لقاح الرذاذ الأنفي للأنفلونزا “FluMist” قام بتطويره بعد عمل استمر أربعين عام

أما عن مراحل وصول هذا العالم المعروف دولياً إلى هذا الإختراع فبدأت في العام 1960 حيث قام بِعزل فيروس الانفلونزا من النمط A-Ann الذي ينتقل عبر مفصليات الأرجل، وبحلول عام 1967 طوّر فيروساً يتكيف مع البرودة، وفي النهاية بعد قرابة 40 عاماً أنتج بحثه الـ”FluMist” كلقاحٍ لفيروس الانفلونزا، وهو لقاحٌ ثلاثيُّ التكافؤ حيٌّ مُضعّفٌ ومُتكيّفٌ مع البرودة .
في الحديث عن هكذا علماء تأتي شهادات من أحاطوا بهم كشهادات تقدير ثمينة .يقول عميد كلية الصحة العامة بجامعة ميتشغان مارتن فيلبرت (Martin Philbert): “قضى جون أكثر من 4 عقود في قسم الأوبئة لدينا، يبني عمله على نتيجةٍ تِلوَ الأُخرى ليطور اللقاح الذي نعرفه اليوم باسم “FluMist”، وهو إحدى إنجازات كُلِّيتنا التي تدعو للفخر، حيث يساهم اللقاح في تقليل انتشار الانفلونزا وعدد ضحاياها في جميع أنحاء العالم”.
“جون” كان الاسم الّذي استخدمه عوضاً عن اسمه الأول “حُنين”بعد أن هاجر إلى الولايات المتّحدة عام 1947 .
أما عن ولادته، فالعالم مِن مواليد مدينة دِمشق في 11 حزيران 1926 .
تزوج من الراحلة هيلدا قيصر زحكة (1929-2006) في الـ18 من كانون الثاني عام 1959، وهي أيضاً عالمة سورية في مجال الأدوية، ورُزقا في شهر تشرين الأول من نفس العام بولديهما التوأمين سامي وفريد، وحصل على الجنسية الأمريكية عام 1960.
حصل البروفيسور حنين مصعب على شهادة البكالوريوس في البيولوجيا عام 1950 والماستر في الفيزيولوجيا والصيدلة عام 1952 وهاتان الشهادتان نالهما من جامعة ميزوري في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم شهادتي الماستر في الصحة العامة عام 1954 والدكتوراه في علم الأوبئة عام 1956 وهاتان الشهادتان نالهما من جامعة ميتشغان، وعَمِل كباحثٍ مساعد بنفس الجامعة في قسم الأوبئة عام 1956، وأصبح باحثاً مُشاركاً عام 1957، ثُم بروفيسوراً مساعداً عام 1960، وبروفيسوراً مُشاركاً عام 1965، وفي النهاية بروفيسوراً أعلى عام 1973 ورئيساً لقسم الأوبئة من عام 1991 حتى عام 1997، كما كان المؤسس والمدير الأول لبرنامج “المستشفى وعلم الأوبئة الجزيئي” في كلية الصحة العامة، وفي شهر شباط من عام 2003 لُقِّبَ بروفيسوراً فخريَّاً لعلم الأوبئة.

في عام 1955 حينما كان طالباً لشهادة الدكتوراه، جلس حُنين مصعب في قاعة راكهام (Rackham Auditorium) بجامعة ميتشغان وسمِع البروفيسور الطبيب توماس فرانسيس الابن (Tomas Francis، Jr.) يعلن للعالم في المحاضرة أن لقاح شلل الأطفال الـذي طوَّره الطبيب يوناس سولك (Jonas Salk) آمنٌ وفعَّالٌ وقوي، مما أًلهَمَ حنين مصعب ليضع بصمته الخاصة في تاريخ الطب، وفي الـ18 من شهر كانون الأول لعام 2002 أقرّت اللجنة الاستشارية للُّقاحات والـمُنتجات البيولوجية في إدارة الأدوية والأغذية في الولايات المتحدة الأمريكيّة أن اللقاح الذي أمضى البروفيسور حنين مصعب 40 عاماً وهو يُطَوِّره لقاحاً فعّالاً وآمناً للأشخاص الأصحاء الذين تبلغ أعمارهم بين 5 سنوات و49 سنة، وتم ترخيص اللقاح في شهر حزيران عام 2003 تحت اسم “FluMist” (ويعني بالعربية رذاذ الانفلونزا).
كان هذا الإنجاز خلاصة أمنيات عمل عليها لسنين لتصبح واقعاً معاشاً استفاد منه الملايين حول العالم .
ويقول البروفيسور حنين الذي تقاعد بعد هذا الإنجاز: “أشعر أنَّني أنجزتُ حُلم حياتي، وقد أمضيتُ عمري كاملاً في تطوير هذا اللقاح”
وفي عودة لشهادات أصدقاء و زملاء البروفيسور يقول رشيد بشّور عنه: “حياة حنين المهنية الطويلة كانت اختباراً حقيقيّاً لقيمة المثابرة في مطاردة الاكتشاف العلمي.. لِعِدَّةِ عقودٍ كان حنين ملتزماً كُلِّــــــيَّــــاً ومُـستغرقاً تماماً في بحثه عن لقاحٍ حي آمن وفعّال ضد الانفلونزا، لقد كرّس عقله لهذا الهدف منذ منتصف الخمسينيات بعدما شهِدَ المؤتمر الصحفي الوطني الذي قدّمه توماس فرانسيس عن لقاح سولك لشلل الأطفال في هذا الحرم الجامعي”
كمعلِّمٍ وناصحٍ للكثيرين، حنين عامل طُلاّبه كعائلة، والكثير منهم يُردِد: “تأثير حنين على حياتي يتجاوز نفوذ المعلم أو الناصح” ويستطرد ويقول الرئيس القائم على تطوير لقاح الانفلونزا في وزارة الصحة الأمريكية أرمين دونابيديان (Armen Donabedian): “حنين وَهَبَنِي مُستقبلي”.

ثلاثة برامج في كلية الصحة العامة بجامعة ميتشغان تُخلّد ذكرى البروفيسور حنين عبر:

– “جائزة حنين فادلو مصعب للبحث الطلابي” التي تموّل البحث في مجال الأمراض التنفسية الفيروسية.
– “صندوق حنين فادلو مصعب للمنح الدراسية” الذي يدعم طلاب علم الأوبئة.
– “منحة حنين وهيلدا مصعب للزمالة البروفيسورية في علم الأوبئة”.
ليكون اسم حُنين ملهماً في حياته ومماته أيضاً وسبيلاً لفتح الباب أمام السائرين على نفس الدرب .
في شهادة أخرى هذه المرّة على لسان النائب الـمُساعد لرئيس جامعة ميتشغان لشؤون تقنيات البحث كين نيزبت (Ken Nisbet) يقول:
” كان مُلهماً للكثير منا في الجامعة وفي مجتمع الرعاية الصحيّة، ومثابرته لتطوير السلالات الحية لتركيب اللقاح أُسطورية، والنجاح التجاري لـمُنتح “FluMist”سمح باستثماراتٍ مستمرة من قبل الجامعة في البحث والتعليم، كما ألهمَ أجيالاً أُخرى من الطُلاب والباحثين.. إلا أن القيمة الحقيقية لعمله تكمن في الملايين من الناس الذين حصلوا -وسيحصلون- على لقاحٍ مٌبتكرٍ ضد مخاطر الانفلونزا”.
“يطوي العبقري في خلال عمر واحد أعمار أجيال سبقته، وأجيال رافقته، وأجيال تأتي بعده “
هذا ما ينطبق بحرفيته على البروفيسور حُنين مصعب .
عالم ومكتشف عبقري ..من سوريّا

المصدر : صفحة فيس بوك  ” التاريخ السوري  “https://www.facebook.com/History.of.Syria?fref=ts