يكتبها من فصط حلب: رامي سويد
بعد أن أنهى حمود سهرته التي قضاها في بيته في حي الدرعية بمدينة الرقة وهو يقلب صفحات “الفيسبوك” عبر هاتفه النقال قرر أن يخلد إلى النوم، وما إن وضع رأسه على وسادته بدقائق قليلة، حتى سمع صوت دراجة نارية تتوقفُ أمام باب المنزل، ثم سمع صوت ضربات خفيفة على الباب. توجه حمود مسرعاً إلى الباب ليفتحه قبل أن تستيقظ أمه الغالية على قلبه.
وقف حمود خلق الباب وقال: مَنْ الطارق؟
فأجاب صوت من الخارج بكلمات متلعثمة وبلهجة رقاوية أصيلة: أنا طلال، إبن عمك، ضب غراضك، وامشي ع تركيا، جماعة “الدولة” راح يداهمون بيتك بعد شوي!
سمع حمود بعدها صوت محرك الدراجة النارية يشتد ثم انطلقت الدراجة مسرعة.
نظر حمود في جيبه باحثاً عن علبة دخانه، لكنه تذكر أنه “مقطوع”! ذلك أن موزع الدخان السري الذي بات حمود يعتمد عليه في تأمين علب السجائر المهربة إلى مناطق سيطرة داعش لم يتمكن من جلب دفعة جديدة منذ أكثر من أسبوع بسبب تشديد داعش حواجزها الأمنية في الرقة مؤخراً.
توجه حمود إلى غرفة أمه على رؤوس أصابعه، جلس قربها ثم همس: يوم، يا يوم.. أنا طالع على تركيا، بدك شي؟!
كشفت أمه اللحاف عن وجهها ثم قال: إش ماخذك ع تركيا بنص هالليل؟
أجابها حمود مع ابتسامة مصطنعة: طلال مرّ من شوي، خبرني أنه داعش بدهم يجوا ياخذوني!
استنفرت أم حمود وقفزت من فراشها باحثة عن بضعة دولارات خبأتها في مكان خفي في الغرفة ناولتها لحمود ثم قالت:
– قوم من وجهي، اركض ولا توقف لتصل تركيا، يلعن أبوك على أبو داعش على أبو تركيا إذا بقا نخلص من فايناتكم.
غير حمود ثيابه، وخرج نحو بيت صديقه أبو عبيدة الذي يعمل تاجراً للغنم، شرح له القصة وطلب منه إيصاله إلى منطقة تل أبيض الحدودية حيث يمكن أن يعبر نحو تركيا.
نظر أبو عبيدة الذي أنهى صلاة الصبح منذ قليل وبات على وشك الانطلاق في سيارة الشحن التي يملكها في وجه حمود مستغرباُ ثم قال:
– أنت أمك كم مرة تدعيلك باليوم؟ إطلع، اخفي حالك جوا التبن بالسيارة، أنا أصلاً رايح اليوم على تل أبيض، على الطريق بس شفتني وقفت لا تتحرك ولا تطالع أي صوت، يكون حاجز وقفني ويكشفوك وتتبهدل!
صعد حمود صندوق الشاحنة، ودس نفسه بين شلول التبن حتى وصل آخرها فاستلقى بينها منتظراً نهاية الساعتين العصيبتين قبل وصوله إلى قرية “المنبطح” قرب تل أبيض حيث تنشط حركة التهريب، وحيث ينوي أبو عبيدة أن يبيع تبنه ويشتري بثمنه أغناماً لبيعها في الرقة.
توقفت السيارة مراراً على الطريق، وكان حمود يحبس أنفاسه كما أمره أبو عبيدة في كل مرة، قبل أن تتوقف مرة وتطيل الوقوف ليبدأ بعد ذلك شابان تحسس حمود صوت أقدامهما برمي شلول التبن من السيارة، تسارعت ضربات قلب حمود، وبدأ يؤلف الرواية التي يجب أن يرويها لعناصر داعش كي يفك رقبته من سكين داعش بعد أن يتمكن من إثبات أنه غير متعاون مع الكفار “النظام السوري والتحالف الدولي” أو المرتدين “الجيش الحر وعموم الثوار وجبهة النصرة”!
فرغت السيارة من مظم التبن المحمل بها، وبانت رجل حمود، فنكشها أحدهم برجله وقال: قوم أخوي وصلت! قام حمود من مكانه ونزل السيارة مسرعاً. بحث عن أبو عبيدة فوجد يقف بعيداً مع رجل غريب، وصل حمود فأخذه أبو عبيدة جانباً وهمس له قائلاً:
– الشب اللي شفته واقف معي راح ياخذك بالموتور على الحدود هناك في مهرب يفوتك على تركيا، لا تحكي ولا كلمة قبل ما تصير عند عمك أردوغان!
صعد حمود خلف الشاب الذي قصده أبو عبيدة على الدراجة النارية، ليخترق به طرقاً ترابية بين حقول زراعية قرب مدينة تل أبيض الحدودية، وصلا أخيراً إلى منطقة نائية بان لهما السلك الحدودي، أشار له الشاب أن يتوجه نحو خمسة شبان جالسين قرب الحدود وينتظر معهم بينما يقوم بالتواصل مع شريكه على الجانب الآخر للحدود الذي يُحضر إدخال مجموعة من “المهاجرين” إلى “الدولة الإسلامية”!
إبتسم حمود ابتسامة عريضة ثم قال للشاب: يعني أنت شغلتك تطالع سوريين وتفوت مهاجرين؟
عبس الشاب ثم قال لحمود: لا يا صديقي، أنا شغلتي فوت اللي بيده يفوت وطالع اللي بده يطلع!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للقصة بقية
المصدر : http://kishmalek.net