بعد غياب طويل، تعود الفنانة فدوى سليمان إلى الواجهة من جديد، ولكن هذه المرة ليس من اعتصامات دمشق ولا من مظاهرات حي البياضة في حمص، إنما من إحدى قاعات جامعة ( السوربون بانتيون) في فرنسا حيث ألقت محاضرة بعنوان ” الفن في مواجهة السلاح”، وذلك بدعوة من قبل، مجلة روكين، وجمعية العالم العربي، وتجمع “شمس”، وبحضور طلاب جامعة السوربون بانتيون في باريس، وعدد من الشخصيات الثقافية، وأعضاء جمعيات مدنية مختلفة.
فدوى سليمان، كانت من أوائل الفنانين السوريين الذين شاركوا بثورة الكرامة منذ انطلاقتها، فلم تغب عن مظاهراتها أواعتصاماتها في حي برزة الدمشقي وفي مظاهرات حمص الثائرة ضد الأسد، فضُيّق عليها، وهُددت بالقتل، ولوُحقت، ما اضطرها إلى الخروج من سورية مرغمة.
وكان لأورينت نت أن حوارا مطولاً مع فدوى سليمان، الفنانة التي أثارت جدلاً في الوسط السوري، بعد وقوفها على منصات الشارع الثائر ضد طغيان الأسد، ثم مغادرتها سورية.
تحدثينا عن تفاصيل محاظرتك، ما الهدف المقصود منها؟
كان للمحاضرة أهداف عديدة ، منها ما هو عام تجلى في سؤال: هل يمكن للفن أن يغييرالواقع !؟ ومنها ما هو خاص ويتمحور حول واقع الثورة السورية عبر سؤال: ما التغيير الذي أحدثه الفن في سوريا الثورة؟ وقد بدأت بالفن الشعبي أولاً ، الذي أسهم في صناعة الثورة لا بل أشعلها وأوقد نارها، عبر أمثلة عدّة مدعومة ببعض الفيديوهات المصورة التي عبرت عن الوجع السوري وشحذت الهمم وشجعت على الوقوف بوجه الظلم، والذي بدأ مع أهالي درعا عندما أطلقوا شعار” سوريا لينا وماهي لبيت الأسد” بغناء على ايقاع ولحن “الجوفية “الشعبي، وأغنية الفنان سميح شقير وما تلاها من تضامن شعبي كبير مع أهالي حوران، و تأثّرالناس الكبير بها، ولا يخفى على أحد ذلك الفيديو الذي نشاهد فيه شاباً يغنيها فوق منبر أحد الجوامع، ثم عرّجت على فن التصوير (الغرافيتي)، حيث كان له الفضل في إشعال فتيل ثورة الكرامة، بوساطة أصابع أطفال درعا بداية، وبهذا يكون فن الغرافيتي قد أشعل ثورة شعبية لأول مرة في العالم، وكيف بدأ هذا الفن بالانتشار عبر ولادة الرجل البخاخ الذي أصبحت شخصيته رمزاً للثورة ، ذلك الرجل الذي لا نعرف اسمه ولا من يكون، ولا نعلم حتى إن كان على قيد الحياة أو أنه قُنص أو مات تحت التعذيب، ليصل فن الغرافيتي إلى أعلى مستوياته في مدينة سراقب في إدلب..
ثم تطرقت للفن الاحترافي، وكيف للثورة أن تصنع الفنانين، وتغير من لغتهم البصرية الحسيّة، وتبدل من مفرداتهم التعبيرية، وكيف للفن بكل أشكاله أن يؤرخها ويؤرشفها، كما أرخها موزاييك كفرنبل، لتتحول لافتاتها المكتوبة إلى أرقى أشكال فن السخرية وهو فن الكاريكاتور وذلك بفضل روح أهاليها وعملهم الجماعي في إبداع الأفكار، وأذكر هنا، رائد، وأحمد، وأسامة وغيرهم من الناشطين العظام، لقد أسهمت تلك اللافتات وما تزال في إظهار روح الثورة السورية وعمقها، كما ساهمت في محاولة تصحيح مسارها عبر نقد المعارضين والسياسيين، والمجتمع الدولي. ثم أوردت أمثلة عن اعتقال وضرب الكثير من الفنانين، كأكرم رسلان رسام الكاريكاتور، وعدنان زراعي ـ ولربما اعتقل لأنه كتب ذات يوم لوحة لمسلسل لبقعة ضوء كان موضوعها الرجل البخاخ وعرضت تجربة فنان الكاريكاتير العالمي علي فرزات الذي كسر الشبيحة والأمن السوري له أصابعه بسبب لوحة الكاريكاتور التي رسم فيها بشار الأسد وهو لا يجرؤ على قلب الروزنامة التي تشير إلى يوم الجمعة، مروراً بفن السينما التي كان بطلها جهازالموبايل وكيف تمت الاستعانة بالفيديوهات المنتشرة على الإنترنت بصناعة أكثر من فيلم وثائقي.
كيف كانت ردة فعل الطلاب الفرنسيين على هذا التوظيف للفن بأشكاله المختلفة خدمةً للثورة؟
هنا استطيع أن أضيف هدفاً جديدا كنت اتوخاه من تلك المحاضرة، وهو تعريف الطلاب الفرنسيين بجوانب لا يعرفونها عن الثورة السورية، وفعلا فقد ذهلوا أمام عدم معرفتهم بغالبية ما تم ذكره، إذ لم يكونوا على اطلاع إلا بما ينشره الإعلام الغربي على اعتبار الثورة السورية ـ من وجهة نظره ـ حرب أهلية مستعرة، وميليشيات إسلامية تذبح الناس، لم يكونوا على علم بأن هذه الظواهر ليست من نسيج السوريين وأنها ليست أفعال أصيلة في مجتمعهم، ولن تكون، كانوا مذهولين تماما أمام ما كتب ورسم على اللافتات والجدران وما يحمل من جمالية ونبل، يدل على قيم الشعب السوري، وتفاجأوا أن هناك شعباً سلمياً مدنياً يزاول الفن في عمق المأساة ، ويوظفه بجمال، الحقيقة، لم يكونوا على دراية وعلم بمقدرة شعب يزاول فن السخرية وهو يموت تفجراً بالبراميل، أو يموت جوعاً أو برداً أو غرقاً في البحار، لم يكونوا على علم بمدى رفض السوريين لداعش وأخواتها، وكم من دماء هُدرت بسبب تعبيرهم المباشر عن ذلك، سواء بالمظاهرات أو عبر الفن التشكيلي، أو من خلال مئات اللافتات والكاريكاتور والبخ فوق الجدران أو عبر السينما والمسرح.
بعيداً عن موضوع محاضرتك، أنشدت فدوى سليمان للحرية، أين أنت من الثورة الآن؟
من الصعب جداً الإجابة عن هذا السؤال، أين نحن جميعاً من الثورة الآن؟ لن نعرف دون أن نتمكن من إيقاف هذه الحرب المجنونة، هذه الحرب التي ستجرف الجميع في طريقها إن لم نع ذواتنا. وقف الحرب لن يحصل أيضاً إلا باليقظة الجماعية، بالنور والتنوير، بإطلاق نداءٍ عن الهوية التي نريد، كي يستجيب هذا الكون، ومكاني في الثورة هو ان أصرخ يومياً أن أوقفوا هذه الحرب أولاً، وأن نجعل الفكر يقودنا نحو الخلاص لا الحرب .
مالدوافع التي جعلتك تذهبين إلى حمص الثورة؟
بدأ النظام يروج في أعلامه لعمليات خطف وقتل بين السنة والشيعة في أحياء حمص، ما أكد أن النظام ماضٍ في خياره العسكري لجر الثورة إلى المستنقع الطائفي ومستنقع السلاح في حمص فذهبت لحمص بهدف العمل مع ناشطيها لتوعية الناس وتحذيرهم من مخاطر الطائفية، والحد من التسلح كي لا يقع الناس في الفخ الذي رسمه النظام، وفخ من كانوا يدفعونهم لاختيار الحل العسكري في إسقاطه من أحزاب دينية وإسلامية كانت لها غالبية التمثيل في المجلس الوطني، كنت واحدة ممن رؤوا أن كل هذا مجرد أكاذيب سوف يدفع ثمنها الشعب السوري التوّاق للخلاص من النظام بأي ثمن، دخلت حمص في محاولة لإيصال رسالة للجيش كي لا يدخل معركة مع أبناء بلده، لعلها تكون رسالة توعية للمجتمع السوري لسحب أبنائهم من مؤسسة الجيش والأمن حيث النظام يقودهم إلى حتفهم.
ولماذا غادرت حمص؟
غادرت حمص للأسف مجبرة ومكرهة ودون إرادتي، حيث زاد النظام في إجرامه وزاد إصرار الناس على حمل السلاح، بداية رفضت الخروج، وأردت البقاء مع الثوار، لألقى نفس مصيرهم لكن الناس والثوار أصروا على خروجي منها لضمان سلامتي، مصرين على أنه لم يبق أي دور للسلميين في الثورة ، وأنهم ماضون في خيار حمل السلاح أمام نظام لم يترك لهم أي خيار، وكنت أعلم أن الثوار وحدهم من سيدفع ثمن الحرية التي خرجوا من أجلها، خرجت من حمص وحمص لم تخرج مني.
تحدث سوريون في مواقع التواصل الاجتماعي كثيرا عن أسباب فض الشراكة في مظاهرات حمص مع عبد الباسط الساروت!
الساروت وعدد كبير من الشباب السوريين الذين بدأوا سلميين، هم ضحايا النظام الذي أمعن في القتل والتعذيب والحصار، وضحايا حقيقيين لغياب المشروع السياسي البديل عن النظام، هم ضحايا إيمانهم بالمجلس الوطني، فقد علقوا آمالاً كبيرة على وعود المجلس الذي كان غير قادر على تحقيقها وغير قادر على بلورة مشروع سياسي ينقذ سوريا، لم يدركوا بأن ما من جهة ستدعمهم بالسلاح بشكل حقيقي كي يستطيعوا مقارعة نظام له تحالفات دولية ويملك جيشاً وصواريخاً ودبابات .أما لماذا تركت الساروت !
ما أقوله قد يكون صادماً ، أنا للأسف لم أعمل مع الساروت حتى أترك العمل معه، لم نلتقي سوى في المظاهرات، ولم أتكلم معه سوى جملة واحدة فوق إحدى منصات التظاهر، وما تبقى كان لايتعدى تبادل التحية فيما بيننا، أومساعدتي في اعتلاء المنصات، وبعدها كان يذهب كل واحد منا في اتجاه، وقد أعجبت بشجاعة الساروت، وبتأثيره الكبير على الشارع الحمصي لكن خياره بحمل السلاح لم يجعل عملنا المشترك ممكناً.
كان للمحاضرة أهداف عديدة ، منها ما هو عام تجلى في سؤال: هل يمكن للفن أن يغييرالواقع !؟ ومنها ما هو خاص ويتمحور حول واقع الثورة السورية عبر سؤال: ما التغيير الذي أحدثه الفن في سوريا الثورة؟ وقد بدأت بالفن الشعبي أولاً ، الذي أسهم في صناعة الثورة لا بل أشعلها وأوقد نارها، عبر أمثلة عدّة مدعومة ببعض الفيديوهات المصورة التي عبرت عن الوجع السوري وشحذت الهمم وشجعت على الوقوف بوجه الظلم، والذي بدأ مع أهالي درعا عندما أطلقوا شعار” سوريا لينا وماهي لبيت الأسد” بغناء على ايقاع ولحن “الجوفية “الشعبي، وأغنية الفنان سميح شقير وما تلاها من تضامن شعبي كبير مع أهالي حوران، و تأثّرالناس الكبير بها، ولا يخفى على أحد ذلك الفيديو الذي نشاهد فيه شاباً يغنيها فوق منبر أحد الجوامع، ثم عرّجت على فن التصوير (الغرافيتي)، حيث كان له الفضل في إشعال فتيل ثورة الكرامة، بوساطة أصابع أطفال درعا بداية، وبهذا يكون فن الغرافيتي قد أشعل ثورة شعبية لأول مرة في العالم، وكيف بدأ هذا الفن بالانتشار عبر ولادة الرجل البخاخ الذي أصبحت شخصيته رمزاً للثورة ، ذلك الرجل الذي لا نعرف اسمه ولا من يكون، ولا نعلم حتى إن كان على قيد الحياة أو أنه قُنص أو مات تحت التعذيب، ليصل فن الغرافيتي إلى أعلى مستوياته في مدينة سراقب في إدلب..
هنا استطيع أن أضيف هدفاً جديدا كنت اتوخاه من تلك المحاضرة، وهو تعريف الطلاب الفرنسيين بجوانب لا يعرفونها عن الثورة السورية، وفعلا فقد ذهلوا أمام عدم معرفتهم بغالبية ما تم ذكره، إذ لم يكونوا على اطلاع إلا بما ينشره الإعلام الغربي على اعتبار الثورة السورية ـ من وجهة نظره ـ حرب أهلية مستعرة، وميليشيات إسلامية تذبح الناس، لم يكونوا على علم بأن هذه الظواهر ليست من نسيج السوريين وأنها ليست أفعال أصيلة في مجتمعهم، ولن تكون، كانوا مذهولين تماما أمام ما كتب ورسم على اللافتات والجدران وما يحمل من جمالية ونبل، يدل على قيم الشعب السوري، وتفاجأوا أن هناك شعباً سلمياً مدنياً يزاول الفن في عمق المأساة ، ويوظفه بجمال، الحقيقة، لم يكونوا على دراية وعلم بمقدرة شعب يزاول فن السخرية وهو يموت تفجراً بالبراميل، أو يموت جوعاً أو برداً أو غرقاً في البحار، لم يكونوا على علم بمدى رفض السوريين لداعش وأخواتها، وكم من دماء هُدرت بسبب تعبيرهم المباشر عن ذلك، سواء بالمظاهرات أو عبر الفن التشكيلي، أو من خلال مئات اللافتات والكاريكاتور والبخ فوق الجدران أو عبر السينما والمسرح.
من الصعب جداً الإجابة عن هذا السؤال، أين نحن جميعاً من الثورة الآن؟ لن نعرف دون أن نتمكن من إيقاف هذه الحرب المجنونة، هذه الحرب التي ستجرف الجميع في طريقها إن لم نع ذواتنا. وقف الحرب لن يحصل أيضاً إلا باليقظة الجماعية، بالنور والتنوير، بإطلاق نداءٍ عن الهوية التي نريد، كي يستجيب هذا الكون، ومكاني في الثورة هو ان أصرخ يومياً أن أوقفوا هذه الحرب أولاً، وأن نجعل الفكر يقودنا نحو الخلاص لا الحرب .
مالدوافع التي جعلتك تذهبين إلى حمص الثورة؟
بدأ النظام يروج في أعلامه لعمليات خطف وقتل بين السنة والشيعة في أحياء حمص، ما أكد أن النظام ماضٍ في خياره العسكري لجر الثورة إلى المستنقع الطائفي ومستنقع السلاح في حمص فذهبت لحمص بهدف العمل مع ناشطيها لتوعية الناس وتحذيرهم من مخاطر الطائفية، والحد من التسلح كي لا يقع الناس في الفخ الذي رسمه النظام، وفخ من كانوا يدفعونهم لاختيار الحل العسكري في إسقاطه من أحزاب دينية وإسلامية كانت لها غالبية التمثيل في المجلس الوطني، كنت واحدة ممن رؤوا أن كل هذا مجرد أكاذيب سوف يدفع ثمنها الشعب السوري التوّاق للخلاص من النظام بأي ثمن، دخلت حمص في محاولة لإيصال رسالة للجيش كي لا يدخل معركة مع أبناء بلده، لعلها تكون رسالة توعية للمجتمع السوري لسحب أبنائهم من مؤسسة الجيش والأمن حيث النظام يقودهم إلى حتفهم.
غادرت حمص للأسف مجبرة ومكرهة ودون إرادتي، حيث زاد النظام في إجرامه وزاد إصرار الناس على حمل السلاح، بداية رفضت الخروج، وأردت البقاء مع الثوار، لألقى نفس مصيرهم لكن الناس والثوار أصروا على خروجي منها لضمان سلامتي، مصرين على أنه لم يبق أي دور للسلميين في الثورة ، وأنهم ماضون في خيار حمل السلاح أمام نظام لم يترك لهم أي خيار، وكنت أعلم أن الثوار وحدهم من سيدفع ثمن الحرية التي خرجوا من أجلها، خرجت من حمص وحمص لم تخرج مني.
الساروت وعدد كبير من الشباب السوريين الذين بدأوا سلميين، هم ضحايا النظام الذي أمعن في القتل والتعذيب والحصار، وضحايا حقيقيين لغياب المشروع السياسي البديل عن النظام، هم ضحايا إيمانهم بالمجلس الوطني، فقد علقوا آمالاً كبيرة على وعود المجلس الذي كان غير قادر على تحقيقها وغير قادر على بلورة مشروع سياسي ينقذ سوريا، لم يدركوا بأن ما من جهة ستدعمهم بالسلاح بشكل حقيقي كي يستطيعوا مقارعة نظام له تحالفات دولية ويملك جيشاً وصواريخاً ودبابات .أما لماذا تركت الساروت !
المصدر : http://www.orient-news.net