°
, April 25, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

Aesthetics – علم الجمال

Aesthetics -   علم الجمال 

 

ما هو علم الجمال؟ عند هذه السؤال، يجد الإنسان نفسه في مفترق الطرق ، إما أن يحاول الإجابة عنه، ، مبدياً رأياً شخصياً قد يكون مع أو ضد الآراء السائدة، أو أن يكون موضوعياً في رأيه.. وإما أن يُخرج هذه الفكرة أساساً من ذهنه، وينصرف إلى مواضيع أخرى، الجدلية حولها تكاد تكون محدودة هذا إن لم

تكن معدومة. في الحقيقة يسعى الإنسان وخلال مسيرة حياته، واختلاف مراحلها العمرية، وبتنوع ظروفها وتطور مستوى تفكيره، يسعى إلى إشباع حاجته من التذوق الجمالي، فيفتتن بكل ما هو جميل، وينشد إلى ما هو أجمل، فيتفنن في اقتناء كل ما هو جميل، باحثاً عنه في كل شيء يشبع هذه الرغبة، نجده خاضعاً لمعايير ميزان داخلي خاص بالإنسان، تنبئُ هذه المعايير عن إحساس وشعور بالشيء الجميل وبالشكل الظريف، اللذان يكونان بالضرورة في منتهى التباعد عن القبيح، فالإنسان مهتم بطبعه بالجمال، حاس بقيمته وتأثيرها في نفسه، متفنن في ابتداع الجميل من خلال فنونه العديدة، باحثاً عن مواطن الجمال، عالماً بقدر تأثيره عليه وعلى الآخرين، فيا تُرى ما الجمال؟كان اليونانيون يرون أن الإله يجمع بين الجماليات البشرية الكاملة و انه المثال المتكامل السامي للإنسان , و هربرت ريد : عرف الجمال بأنه وحدة العلاقات الشكلية بين الأشياء التي تدركها حواسنا , إما هيجل فكان يرى الجمال بأنه ذلك الجني الأنيس الذي نصادفه في كل مكان , أما جون ديوي عرف الجمال بأنه فعل الإدراك و التذوق للعلم الفني. اختلف الفلاسفة والمفكرون في تعريفهم للجمال، وهذه التعريفات جاءت لاختلاف وجهات نظرهم في الجمال، من حيث ماهيته ومكمنه، هذه التعريفات قد تكون متناقضة، فالجمال حسب أفلاطون ” Platoفيلسوف يوناني قديم, وأحد أعظم الفلاسفة الغربيين عاش بين 427 ق.م – 347 ق.م” عُرف بأنه الصلاح والفضيلة، ويؤكد أفلاطون على أن علم الجمال الرائع غير ممكن في هذا العالم، بل في عالم المثل الأعلى الذي لا ينشأ ولا ينعدم كونه خارج الزمان والمكان، وهو مقياس أو مثل أعلى من الكمال الخلقي أو الحسي ، يقول (باوماجرتين): الجمال عند أفلاطون هو الفن الساحر، ولكنه سحر يحرر من كل سطحية، وهو أيضاً جنون وهذيان، وبهذا ينقلنا إلى عالم آخر، هو ميدان اللامرئيات، المثل الأعلى الذي ينبغي على الفن أن يقترب منه، _ ومن هنا جاءت فكرة المحاكاة وينتقل أفلاطون من جمال الأجسام إلى جمال النفوس (الأرواح) ومن جمال النفوس إلى جمال الصور العقلية (أو المثل العقلية)، غير أن أفلاطون يجعل الفن في مرتبة ثانية بالنسبة إلى الحقيقة وإلى الخير، بل يؤكد أن الجمال لا يتفق مع الحق ومع الخير، لأنه يتجلى في المحسوسات، والمحسوس عند أفلاطون هو في مرتبة دنيا بالنسبة للمعقول الذي إليه ينتسب الحق والمعقول. ويحدد “ايمانويل كنت” الجمال على النحو التالي، (هو ما يرضي الجميع بدون سابق تصميم أو قاعدة يقاس عليها)، (وهو شكل غائية الشيء بدون أن تتمثل فيه غاية ما)، (وهو وسيلة الاتفاق بين العقل والحس أو بين الخيال والإدراك اتفاقاً حراً ذاتياً، كأنما العقل يجد في الجميل ضالته المنشودة دون أن تكون فيه صورة لماهية الجمال، والجميل كونه محسوساً يمثل للعقل صورة اكتمال، صورة مثالية تملأ فراغه وتروي عطشه إلى صور الكمال واللانهاية المحسوسة فالجمال لا يخضع لقاعدة يقاس عليها ولا لتصميم يقارن به بل هو وسيل للاتفاق بين العقل والحس. ويعزز ” شلر ” رأي “كنت” بقوله (إن الجمال لا يرتبط بصورة أو بقاعدة أو مثل أعلى يجب بلوغه، بل هو حر تام الحرية ومعاني الجمال حرة بمعنى أنه لا يطلب الوجود الفعلي للشيء الجميل). التوافق (حسب رأيهم ) بين ما تخيله العقل من جمال، وبين ما شُوهد أو سُمع أو شُوهد وسُمع بحاستي السمع والبصر أو بالحواس الأخرى مثل حاسة الشم أو اللمس والتذوق، هذا التوافق أو الوفاق، ينتج عنه الإحساس بقيمة الجمال. يرى سقراط أن (الرائع) الجميل هو المفيد والهادف، وبهما يكون عارفاً بماهية الفضيلة ، والفضيلة هي الدرجة الرفيعة في الفضل، والفضل ضد النقص أي الكثرة، والفضيلة أيضاً، ضد الرذيلة، وهي أيضاً الطهارة والعفة وحسب رأي سقراط، فإن الجمال هو الدرجة الرفيعة في الإفادة أي المثمرة ذات المنفعة، وهو بذلك قَرَنَ الجمال بما هو هادف ومفيد، والسؤال هنا: هل تلك الفائدة المرجوة من الجمال حسب رأي سقراط هي تلك الفائدة المادية أم الفائدة الحسية؟، بالتالي كيف ننظر للجمال بناءً على هذا الرأي؟، ومن هنا، نذهب إلى ما قاله (توماس أكواينس) عن الجمال، حيت عرفه بأنه (ذلك الشيء الذي إذا ما رأيناه يسر، ذلك لكونه موضوعاً للتأمل، سواء عن طريق الحواس أو عن طريق الذهن) إذاً فالجمال هو ذلك الشيء الذي يسر ليس بالنظر فقط بل بالحواس الأخرى لما فيه من قيم تدفعنا لكي نتمعن فيه ونتأمل شكله ومضمونه، بحيث يتشكل لدينا موضوعاً يجذب جانباً حسياً فينا ومن تم يشكل تأملاً و تمعناً من خلال الحواس كسماع قطعة موسيقى أو رؤية لوحة فنية، ومن ثم عن طريق الذهن، الذي يفسر ما نراه ويربط العلاقات ويحدد الجمال.. فهو بالتالي إدراك للعلاقات التي يستجيب لها الإنسان في شتى العناصر سواء أكانت في الطبيعة أي من خلق الخالق الأعظم، أم من كان الإنسان صاغها في قوالب مختلفة من الفن، هذه القوالب والتي تشكل الفن، لها أنماط محددة من المستحسن أن تكون عليها مثل التناغم والتناسب والتناسق والتجانس والانسجام. هذا يقدونا إلى تعريف أخر للجمال وهو تعريف (هيرقليط) الذي اشترط التناسق والتناسب كأساس لعلم الجمال باعتبارها انعكاسات لصفات العالم الموضوعي إذاً فالجمال حسب هذا الرأي لا يكون إلا في كونه صوراً من صفات العالم الموضوعي، هذه الصور أو الصفات يشترط فيها أن تكون على هيئة علاقات متماسكة متناسقة ومتجانسة منسجمة مع بعضها البعض. يذهب “شلنغ” إلى أبعد من ذلك، حيث يقول:(الجمال هو توازن القوى ، اتحاد الطبيعة والذات…) أي توازن بين ما هو الواقعية المثالية حقيقي وفعلي وواقعي، وبين ما هو مثالي تصوري خيالي ذهني، وبهذا التعريف يكون شلنغ قد ارضي الطرفين، المثاليين والواقعيين الماديين، جمع بين الاثنين معاً في تعريفه هذا للجمال. وأما هيجل فيقول إن الجمال مظهر الفكر أو الحقيقة أو المطلق للحس، والأثر الفني جزء من العالم اللاواعي لكنه عمل الإنسان الواعي، فهو تلاقي الوعي واللاوعي وصورة اتحاد الطبيعة والذات ومظهر الذات العليا التي تعي نفسها بالتجربة الجمالية. ومن خلال محاولة الإجابة على السؤال القائل:(أين يكمن الجمال) وجدنا أنفسنا بين أربع فئات وهي:

 

– المثاليون (الجمال عندهم يكمن في عالم المثل الأعلى) قيمة من عند الخالق الأعظم موضوعة في الأنفس.

– الماديون (الجمال في رأيهم يكمن في الطبيعة، هو انعكاس للعالم الواقعي ومحاكاة له).

– الذاتييون (الجمال عندهم يكمن في نفس الإنسان).

الوسطيون (الجمال عندهم يكمن في صورة إتحاد عالم المثل الأعلى وما وضع في نفس الإنسان من هذه القيمة وما يُستشف من الطبيعة على ضوء القيمة الذاتية للإنسان وفقاً لقدرة المثل العليا العظيمة على إدراك الجمال).

من خلال هذه الفئات الأربع، نلاحظ أن أصحابها اختلفوا في تحديد الجمال اختلافاً غير قليل، لكننا نلاحظ الاختلاف بشكل واضح – ليس في تعريف الجمال في حد ذاته فقط – بل في كينونة الجمال، مكمن الجمال. كما اختلف مفهوم الجمال من حضارة إلى أخرى، وعبرت الفنون المزدهرة في هذه الحضارات عن نماذج ومثل متباينة للجمال. فالإغريق القدماء مثلاً قد تمثلوا الجمال في الصورة الإنسانية، أما في العصر البيزنطي فقد تمثلوا نماذج الجمال وعبروا عنها في الصور التي تسمو على السمات الإنسانية وتعبر عن سمات الألوهية واتخذت الفنون لديهم طابع التجريد المنافي للحياة الواقعية. والفن في الحضارة الإسلامية قد عبّر عن قيم جمالية مستمدة من الأشكال الهندسية والألوان، فكان تعبيراً عن روح جديدة وعقلية فلسفية لها طابعها الخاص على ما نرى في الفنون الإسلامية المختلفة.و دائما ما يحصل خلط بين الجمال و الفن بالرغم من قربهما من بعضهما إلا أن الجمال يختلف عن الفن من جهة الأمور الحسية و الوجودانية فالجمال ليس بحسي بل يتعلق أكثر بالأمور الوجدانية و الأحاسيس أو المشاعر أما الفن فهو إمّا خلق أو إعادة خلق مكون مادي محسوس إن كان بشكل لوحة فنية أو تمثال وحتى القصائد الشعرية و الأعمال الموسيقية هي بالرغم من عدم قدرة المرء على لمس النغمات أو الكلمات الشعرية إلا انه قادر على لمس الآلة التي صنعت أو خلقت هذا العمل إن كان بيانو أو قلم . توارثت الأجيال في العمل الفني جيلاًُ بعد جيل صفات الجمال مثلاً نسبة الرأس تساوي واحد إلى سبعة من جسم الإنسان والرأس مقسم إلى ثلاثة أقسام متساوية : الجبهة والأنف ثم الفم حتى أسفل الذقن كلما كانت هذه الأقسام متساوية كلما كان الوجه جميلاً وكذلك الأنف يساوي تماماً طول الأذن حسب ما قال” بولكليت” . كما توارث مفهوم الجمال في المجتمعات جيلاً بعد جيل مثلاً جمال الوردة هو شيء متفق عليه عبر الأجيال بأنه شيء جميل فنحن نعرف مسبقاً بجمال الوردة قبل أن ندرك ذلك بحواسنا فالحكم على جمال الوردة سبق إدراكنا الحسي على أنها جميلة نتيجة رؤيتنا لها الآن ( الانطباع الأول ) ولو تربينا على أن الفأر مثلاً جميل لبقينا نراه جميل ولا نشمئز من رؤيته كما هو متعارف عليه في مجتمعنا بينما في المجتمعات الأخرى يروه جميلاً وقس على ذلك الكثير الكثير . لكن يبقى الجمال وحده كقيمة في إطار شخصي، فما يراه أحدنا جميل، ليس بالضرورة أن يكون جميلاً للآخر، فلا شك أن قيم الجمال ليست ثابتة، ربما تكون متقاربة إلى حد معين، وقد تكون متفاوتة إلى حدٍ بعيد فما يدركه الفنان مثلاً في عمله الفني، قد لا يدركه الجميع، فالفنان يحاول أن يضع كل عبقريته في فنه، قد تكون هذه العبقرية الفنية، لا تعدو كونها خربشات في نظر البعض، لكنها قد تعني الكثير للبعض الآخر, وأي شيء بمعزل عن التقييم البشري ليس بجميل أو بقبيح .

……………………………………………..

 

(1) محمود البسيوني، تربية الذوق الجمالي، دار المعارف، مصر، 1986، ص، 40

 

(2) الطاهر العباني، محاضرة ضمن مادة النقد والتحليل لطلبة الفصل

الدراسي الأول في أكاديمية الدراسات العليا فصل الربيع 2002

(3) الطاهر أحمد الزاوي، مختار القاموس،الدار العربية للكتاب، 1981، ص 475

(4) قاموس المورد الناطق.

(5) روز غريب، النقد الجمالي وأثره في النقد العربي، دار الفكر العربي،

بيروت، 1993،ص 30.

(6) غازي الخالدي أستاذ علم الجمال في المعهد العالي للفنون المسرحية

(7) عبد الرحمن بدري، فلسفة الجمال والفن عند هيجل، دار الشرق، القاهرة 1996، ص8

لما. لموقع : www.salehalali.com