قرأنا في “العربي الجديد” (8/8/2015) أن مواطناً ليبياً من مدينة تاورغاء، يدعى علي العاتي (32 عاماً)، طبخته مجموعة تكفيرية حياً، في قدر كبيرة فوق نار متقدة، لأنه أسود البشرة. وأُحرق مواطن ليبي آخر، بعدما أَخرج “المجاهدون” قلبه من جسده، للسبب نفسه. والمعروف أن تاورغاء خلت من سكانها كلهم بالتهجير القسري، واغتصبت نساؤها، لأن معظم هؤلاء من ذوي البشرة السمراء. ويندى الجبين خجلاً، ويفور الدم في العروق غضباً لهذا الهول الذي يطارد شعوبنا في الديار والأمصار والأقطار، ويكاد الواحد منا يصيح، أو يقتل نفسه ويستريح، وهو يرى مثل هذا الفعل القبيح: الورع الشديد والانحطاط الخلقي معاً؛ التدين يجاور الانحلال الجنسي؛ ذبائح بين كل غادٍ ورائح؛ الاستعباد الجنسي والعنصرية في القرن الحادي والعشرين.
تمادى الخليفة أبو بكر البغدادي (ما غيرو) في اغتصاب الشابة الأميركية الجميلة، كايلا مولر، مراراً وتكراراً، ثم دفعها إلى من قتلها، بعد أن استعبدها جنسياً فترة. وكانت مولر (25 سنة) ذات حس إنساني رفيع، وناشطة في ميدان إغاثة السوريين، فاختطفها تنظيم داعش في حلب في أغسطس/آب 2013، واصطفاها “الخليفة” لنفسه، حتى مقتلها في فبراير/شباط 2015. أما الضحية زينب بانغورا التي استُعبدت جنسياً فتروي الآتي: منحوني لأحد المسلحين الذي كان يأتي إليَّ، فيقيد يديَّ ويكممُّ فمي، ويركع لأداء الصلاة، ثم يباشرني رغماً عني. وبعد أن يفرغ يصلي ثانية، ثم ينصرف” (النهار، 15/8/2015).
من الأحاديث النبوية المشهورة: “هلاك أمتي عالم فاجر وعابد جاهل”. أما العابد الجاهل فجهله يعذره أحياناً، لكن المصيبة في العالم الفاجر الذي يزيّن الحرام حلالاً، ويُلبس الفسق للفضيلة. ومن شواهد ذلك لائحة أسعار النساء في أراضي الدولة الداعشية: 165 دولاراً للفتاة حتى تسع سنوات، و124 دولاراً للفتاة تحت العشرين، ومائة لمن تخطت العشرين، و41 لمن تجاوزت الأربعين، والدفع بالدينار العراقي (يا سلام!). ولعل الرجل الآسيوي المسلم الذي فضّل غرق ابنته على شاطئ مدينة دبي على أن يمس جسدها رجال الإنقاذ طراز نافر من العابد الجاهل الذي سمم عقله عالم تافه. وعلى غراره، رفضت معلمة في السعودية تدريس معلقة عنترة، لأن فيها البيت المشهور:
فوددت تقبيل السيوف لأنها/ لمعت كبارق ثغرك المتبسمِ
في معمان تطاير الشرور من “صندوق باندورا”، وانفلات الأشرار من “جحيم دانتي”، وخروج الغيلان العجيبة من قيعان المجتمعات العربية، يتساءل الواحد منا بهلع: ما الفارق بين مئير إيتنغر (حفيد مئير كهانا مؤسس حركة كاخ اليهودية الإرهابية) وأبو بكر البغدادي، ما دام الأول يريد إسقاط النظام الاسرائيلي بالعنف، كي يصبح الطريق مفتوحاً نحو دولة يهودية تطبق شريعة التوراة، وما دام الثاني يلغ في الدم، ويوغل في تدمير المجتمعات العربية، في سبيل دولة موهومة، تطبق شرائعه، ولن ترى النور أبداً؟ وما هو المشترك بين وثيقة “ملكوت الشر” التي صاغها الحريدي اليهودي، موشي أورباخ، وكتاب “إدارة التوحش” الذي كتبه أبو بكر ناجي؟ وما الفارق بين كتاب “شريعة الملك” للحاخام يتسحاق شابيرا الذي أباح فيه قتل الرضّع من غير اليهود (أي من الفلسطينيين) وإباحة قتل الجميع، إذا تمترس “الأعداء” بين جماعة من المسلمين (نظرية التترس)؟
لعل من النتائج غير المرئية تماماً أن صعود الجماعات الإرهابية التكفيرية أدى في أقطار كثيرة (خصوصاً في مصر وسورية والعراق) إلى ازدياد نقد التديّن، والتحول، بمقادير معينة، إلى الاستهزاء بقيم الدين وإلى النفاق العميم على قاعدة:
صلّى المصلي لأمر كان يطلبه/ فلما انقضى الأمر لا صلّى ولا صامَ
المصدر : http://www.alaraby.co.uk