°
, April 20, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

“ديب”: “المخترة” مسؤولية إنسانية وليست وظيفة – نورس محمد علي

بانياس

ما بين التصوير بالماء وخفايا المهنة الجوالة، التي كادت أن تربك صاحبها لولا الخبرة المكتسبة بالعمل ودورات المختبرات العالمية، وحياة “المخترة” من خلال علاقاته المتميزة بالناس، عاش مصوراً ومختاراً ورسم حكاية الاستمرارية.

 

تكبير الصورة

حب التميز بالحياة الاجتماعية بعلاقاتها الإنسانية، والحياة المهنية الإنتاجية بعلاقاتها المالية، كانت شغف العيش المتواضع وخدمة البيئة الاجتماعية المحيطة والبعيدة بالنسبة للمصور “إلياس بشور ديب”، بحسب حديث صديقه المقرب المهندس المتقاعد “صلاح خضور” الذي التقته مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 31 تموز 2015، ويقول: «لطالما أحب “إلياس” التميز عن بقية أقرانه بمختلف المجالات، وهو الأمر الذي دفعه للبحث عن كل جديد في حياته، فاختار العمل كمصور في فترة لم يكن فيها التصوير مهنة معروفة بالنسبة للكثيرين، وامتهنها في سن الرابعة والعشرين وكان ذلك في بداية الخمسينيات، واستخدم حينها أحدث طرائق التصوير المعروفة، وهو التصوير بالماء، فكانت -بحسب وصفه لها- مهنة صعبة وتشوبها الكثير من التفاصيل الدقيقة ليكون العمل ناجحاً بل وإبداعياً أيضاً.

هذا الإبداع في العمل خلق بالنسبة له أرضية شعبية كبيرة، تجسدت بحسن التعامل، ففي كثير من الأحيان لم يكن يتقاضى أجوره كاملة من بعض الناس المعروفين ببساطة أوضاعهم المادية، علماً أن التصوير في تلك المرحلة كان مكلفاً جداً بالنسبة للمصور، وتجلى تعامله الإنساني في الفترة التي طلبت الدولة فيها من جميع الناس امتلاك الهوية الشخصية، وهو الأمر الذي دفعه للتجول حاملاً مختلف الأدوات الخاصة بالتصوير ضمن القرى الريفية البعيدة والقريبة، ليقدم خدماته في العمل للناس، مختصراً عليهم الوقت والمال، ما كان يضطره للنوم في أماكن العمل لأيام وأسابيع».

ويضيف: «إن عمله وتعامله الإنساني مع الجميع خلق له رصيداً اجتماعياً تنعّم به أبناؤه فيما بعد، ويستذكرونه في كل لقاء مع أحد المستفيدين».

المصور “عصام إلياس بشور ديب” وارث مهنة أبيه، يقول: «لم يكتفِ والدي بالعمل كمصور، بل عمل كمختار

تكبير الصورة
المصور عصام ديب وإلى يمينه والدته وأخوه يوسف

لمركز المدينة نحو ثمانية وعشرين عاماً، وهذا وسع علاقاته الاجتماعية كثيراً، ولكنه لم يفقد حبه للتصوير بدليل تطوير العمل المستمر، فحدث الكاميرات المائية بكاميرات كهربائية، وأعطى بحسب معلوماتي أخيه الحلاق “جرجس” الكاميرا المائية بعد أن دربه عليها، وهذا إن دلّ على شيء فهو دلالة على عدم احتكاره للمهنة، وحبه لنشرها بين الناس وتقديم الفائدة للجميع.

كانت بداياته ضمن استديو في “حارة النصارة” بجانب “خان جبور” المعروف حالياً، وبعدها انتقل إلى جانب السرايا الحالية؛ حيث كان مقراً للجيش الفرنسي زمن الاحتلال، ثم إلى شارع “القوتلي” بجانب مدرسة الراهبات الحالية، ثم استقر في هذا المكان وسط المدينة تقريباً بجانب كنيسة “قلب اليسوع”، حيث حصل هذا المكان على اسم محله، وأصبح يعرف للقاصي والداني وحتى الآن بطلعة “استوديو بشور”».

أما المختار “بسام الحايك” الذي تسلّم “المخترة” من المصور “إلياس”، فقال: «كان ثالث مختار لمركز مدينة “بانياس”، وقد سبقه بالترتيب المختار “حافظ ديب”، والمختار “يوسف الحكيم”، والثالث أيضاً بالتصوير؛ حيث عمل قبله لمدة ليست طويلة المصور “توفيق عبود”، ومصور آخر من آل “عابدين”، لكنه الوحيد الذي استمر وورث المهنة لأبنائه لتستمر بالعمل والعطاء».

التاجر “فؤاد عبود” من أسرة المصور “توفيق عبود” يقول: «عميد أسرتي سابقاً لم يعمل بالمهنة طويلاً وإنما توجه إلى التجارة، لذلك بعضهم لا يعرفونه كمصور، وهو الأمر الذي جعلهم يعتقدون أن المصور “إلياس بشور ديب” أقدم مصوري “بانياس”، لأنه الوحيد الذي استمر بالتصوير حتى أواخر أيامه».

ويضيف: «أما “إلياس” كمختار، فقد تميز عمله بالإنسانية والإخلاص، فكان يرى بهذا العمل مركزاً اجتماعياً يجب المحافظة عليه ومنحه كل شيء من شأنه أن

تكبير الصورة
المختار بسام الحايك

يحافظ على سمعته بين الناس، لذلك لم يكن ليقدم خدماته من دون وجه حق، ولو كان لأعز أصدقائه أو حتى لأقاربه، وهذا لم يبعد الناس عنه بل وثق علاقتهم به، لأنه يدركون حق المعرفة أهمية الوثيقة الرسمية التي يمنحها، ولكن هذا لم يرضِ بعضهم أيضاً، وما ساعده في ذلك عمله المتفاني بالتصوير، حيث لم يكن ليقدم صورة غير ناجحة مهما كلفه هذا من جهد، وقد تجلى الجهد في تلك المرحلة بصعوبة مراحل إظهار الصورة على ألواح الزجاج، ثم على “النكاتيف”؛ التي كانت تحتاج في كثير من الأحيان إلى التحسين بواسطة أقلام الرصاص والفحم، ناهيك عن طبيعة التحميض والتعامل مع المواد الكيميائية المستوردة على شكل بودرة تحتاج إلى مزج وخلط يدوي وفق أوزان ونسب خاصة».

بالعمل الطويل والمستمر استثمر المصور “إلياس” طاقات أبنائه، ويتابع ابنه المصور “عصام”: «أذكر أول صدور قرار وجوب امتلاك الهوية الشخصية تتطلب صورة بالأبيض والأسود، وحينها كان يلتقط الصورة ويعطي مواعيد التسليم بعد ما يقارب الشهر نتيجة ضغط العمل، وهذا دفعه إلى تدريبي على العمل لمساعدته؛ وهو ما خلق لدي حباً كبيراً للمهنة استمر حتى الآن».

ويتابع: «في البداية لم يكن هناك خلفيات للصورة سوى الأبيض أو الأسود، وهو الأمر الذي حفز والدي على ابتكار خلفيات مصطنعة بطريقة إبداعية، وهي عبارة عن طبيعة وزهور وغيرها، لكونه يحب الزراعة والصيد وعمل بهما».

من أساسيات العمل والحياة الاجتماعية التي نوه إليها المصور “إلياس” هي الإنسانية، ويتابع “عصام”: «كثيراً ما كان والدي يؤكد على ضرورة أن تكون تعاملاتنا إنسانية في العمل مع الناس، ويجب احترام الجميع من دون تمييز

تكبير الصورة
الأدوات القديمة الخاصة بالتصوير

أو تفريق بين غني أو فقير، وهذا المبدأ اتبعه في حياته المهنية كمختار، فمن أبرز أعماله بهذا الجانب أنه كان يتقاضى أجوراً رمزية من بعض الميسورين ويجمعها ويقدمها نهاية كل عام إلى الأديرة والكنائس، إحساناً عن عمله وأسرته ومحبيه».

وعن خفايا العمل في تلك الفترة يقول “عصام”: «عندما دخل التصوير الملون إلى العمل، كنا نرسل الأفلام بعد التقاطها إلى “لبنان” لسحبها كصور، وحينها وقبلها بمدة التحق والدي بالكثير من الدورات التدريبية والاحترافية في مختبرات التصوير العالمية؛ منها في “ألمانيا” و”بلجيكا”».

يذكر أن المصور “إلياس بشور ديب” من مواليد “بانياس” عام 1929، توفي عام 2012.

الثلاثاء 04 آب 2015

المصدر : http://www.esyria.sy