°
, April 18, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

حسن م. يوسف: النجمة السداسية.. لنا!

قبل أسبوع دعيت للمشاركة في سهرة تلفزيونية تم تصويرها في بيت الزعيم الوطني خالد العظم، الذي رأس الحكومة السورية ست مرات. استحسنت اختيار البيت لجماله وأصالته، إذ بات من أجمل الدور الشامية خارج السور، بعد أن تم ترميمه وملؤه بأنفس التحف الشامية قبل تحويله إلى متحف تاريخي لدمشق.

همس الزميل معدّ السهرة في أذني شاكياً وجود العديد من النجوم السداسية في المكان. نظرت حولي فلم أجد أي نجمة سداسية لا في الجدران ولا في الأثاث، غير أني ما إن أمعنت النظر حتى اكتشفت نجمة سداسية على مسند رأس كل من الكراسي التي نجلس عليها. لكن مهندس الديكور تمكن بمهارة من تحويرها من خلال تغطية الرأسين العلوي والسفلي من المثلثين المتشابكين.

قلت لشريكي في السهرة التلفزيونية الأستاذ الدكتور عفيف البهنسي المدير العام السابق لمديرية الآثار والمتاحف: إنني لست مع تحوير أو تغطية النجمة السداسية في تحفنا وآثارنا لأنها جزء أصيل من تراثنا  العريق، فأيد الدكتور بهنسي رأيي وأبلغني أنه قد عبّر عن ذلك مراراً وخاصة في كتابه الأخير «تاريخ فلسطين القديم من خلال علم الآثار».

قرأت كتاب الدكتور البهنسي، إضافة إلى عشرات البحوث العلمية حول تاريخ النجمة السداسية، وإليكم عصارة ما توصلت إليه. منذ نحو عشرة آلاف عام استخدم الهندوس النجمة السداسية كرمز لاتحاد القوى المتضادة مثل الماء والنار، الذكر والأنثى، كما استعملها المصريون القدماء كرمز لأرض الأرواح، كذلك استعملها السوريين كرمز للخصوبة بكل تجلياتها ، وفي الـ«خيمياء» القديمة كانت النجمة السداسية ترمز لتجانس متضادين كالنار والماء. وفي وقت لاحق استخدمها اليهود كرمز للعلوم الخفية التي كانت تشمل السحر والشعوذة. ثم اختارتها الصهيونية رمزاً سياسياً لها في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897.

عقب نشوء دولتهم أعاد المسلمون صياغة الدلالة الرمزية للنجمة السداسية التي تتكون من مثلثين، فرأوا أن المثلث الأول يمثل الأرض ورأسه إلى أعلى تعبيراً عن الإيمان، وأن المثلث الثاني يمثل السماء ورأسه إلى أسفل تعبيراً عن عناية الله. وقد أعاد اليهود أيضاً صياغة هذا الرمز أيضاً فاعتبروا المثلث الأعلى رمزاً للعقل ولليهود واعتبروا المثلث الأدنى رمزاً للطاقة وللأغيار! في إشارة منهم إلى أن عقلهم يسيطر على الطاقة والمادة في العالم كله، وفي هذا عنصرية لا تخفى!

إن سحب النجمة السداسية من التداول في ثقافتنا أمر له عواقب وخيمة لكونه يشكل اعترافاً غير مباشر بانتماء هذا الرمز إلى الثقافة اليهودية فقط، ولن ندرك مدى خطورة هذا الأمر إلا إذا علمنا أن معظم الأبنية العريقة في سوريا , والعالم العربي تتضمن في زخارفها هذه النجمة، بل هي موجودة بوضوح في جامع بني أمية الكبير الذي بناه الوليد بن عبد الملك سنة 705م، وبالتحديد في مشرفة «مئذنة العروس» التي تعتبر أول مئذنة في الإسلام.