°
, April 20, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

نادية خلوف تكتب : ليس المهم أن تكون أباً بيولوجياً

نتغنى بأمّهاتنا ، وآبائنا، وفي داخلنا غضب منهم. فليس كلّ أمّ هي أمّ حقيقيّة، وليس كلّ أب هو أب. الأبوّة والأمومة شيء منوط بتاريخ مشترك بين  أفرادالعائلة، فإن لم يوجد هذا التاريخ هناك نقص .

في عائلتي الصّغيرة المؤلّفة من خمسة أشخاص أنا وزوجي وأولادي، ربما كان ينّغص حياتنا بعض المتاعب، وبخاصة في السّنوات الأخيرة قبل أن نغادر سورية. لكنّ الروتين العائلي الذي ربطنا بعلاقة تحمل الذكرى سواء كانت طيبة أم مرّة . آمالنا كانت مشتركة، وآلامنا أيضاً.

أتحدّث عن العائلة لأنّها خليّة هامة، والغرب يهتمّ بالعائلة كثيراً. أما نحن فنتحدّث عن الدفء العائلي الغير موجود. العائلة العربية في معظمها مفكّكة رغم ادعائها العكس.
 أتيح لي البارحة  أن أتعرّف إلى عائلة تبنّت طفلاً في عامه الرّابع. كان يشبه أمّه وأباه، لكنني دهشت عندما قالوا لي أنّهما تبنياه، وأن أمه وأباه على قيد الحياة، وهما أوربيون أيضاً من الشرق. في البدء استغربت، لكن بعد أن شرحت لي السّيدة أنه باستطاعة البعض أن يذهب إلى هناك ويجلب طفلاً هو أمر ليس بالغ الصّعوبة.
سألت الأمّ: لكنه يشبهكم.
أجابت: طبعاً نحن نربيه. حركاته وصفاته لنا .
بعد أن عرفت ملابسات الأمر. سامحت أمّه التي باعته كي يعيش هو ويعيش أخوته أيضاً، وهذه الأم تسمع أخباره من العائلة، وتسر لها، لكنّني لم أستوعب الأمر. قلت لو كانت أمّاً سورية لا تفعلها. ثم تذكّرت تلك الأمّ السّورية التي التقيتها في اليونان، والتي كانت مصابة بالسرطان ولديها سبعة أطفال. أرسلت ابنتها وعمرها سبع سنوات إلى ألمانيا. سألتها: وكيف إن لم تستطع لم شملك . قالت يعطونها أمّاً بديلة، وتعيش بسعادة أكثر من سعادتها معي.
أما عن تلك الأمّ التي تركها زوجها ، ولا تعرف كيف تتصرف بأولادها، فقد تزوّجت بالصدفة رجلاً عاملاً أحبها، رأيت العائلة على التّلفاز وقد أصبح الابن متفوقاً في مجال ميكانيكي، وعندما حصل على شهادة التّقدير أهداها إلى زوج أمه. قال: هذا هو أبي الحقيقي، الأبوّة ليست نطفة فقط.
الحديث العاطفي المجرّد هو حديث مزيّف. نعم الجميع يحب أمّه وأباه، وتبقى غصّة في قلبه لو فارقهما، وجميع الآباء يقولون أنهم يحبون أولادهم. لكنّهم لا يعرفون شيئاً عنهم.
ليس جميع البشر جيدون وليس جميعهم سيئون ، لكنّ الأبوّة والأمومة هي عمل بدون راتب على مدى العمر، لا يمكن الاستقالة منه، ومن يهرب منه يسبب الألم بالدرجة الأولى لأطفاله. ربما الكبار يسامحون، لكن الأطفال ترافقهم الغصّة  طويلاً، وقد لا يسامحون.

 

المصدر : http://www.ahram-canada.com