النص لصديقي العزيز : Belal Jnidi
سرفيس « حلبكو «
حلبكو اسم قريتي الجميلة وبما أنه ليس سوى سرفيس واحد على طريق الضيعة ، فإنه يعتبر من أهم الشخصيات فيها .
وسيلة النقل الوحيدة لمن لا يملكون سيارة أو يملكون لكنهم يوفرون هي هذا السرفيس ، يضاف طبعاً نقل الأغراض والأشياء .
وهذا السرفيس العزيز يسع أربعة عشر راكباً لكن مهما زاد عدد الركاب ولأنه ليس له مساعد أو بديل فإن أي شخص من القرية يرفع يده ليقله السرفيس فإن جميع الركاب يهتفون بصوت واحد : لا تتركه يامازن حرام أولا تتركها يا مازن حرام ، كأنهم جوقة تردد النشيد الوطني .
عندما ينحشر الركاب أربعةً سمان أو خمسةً أقل سمنة ولا يعود ثمة مجال لراكب آخر يلجأ الركاب الجدد إلى المططبة خلف السائق فيركبون ، ظهورهم للأمام وصدورهم نحو الركاب فتتداخل الركب لضيق المكان ، لكن الواجب الإنساني يشغلهم عن التفكير في استغلال التداخل للتحرش مثلاً كما أن المعروف عن أهالي قريتي التهذيب الشديد والأخلاق العالية ورفض العيب .
لعلنا وصلنا إلى أهم نقطة في هذا السرفيس المحترم وهي أنه عندما ينحشر شاب أعزب إلى جوار شابة عزباء يحدث في عدد غير قليل من الحالات أن تنتقل الحرارة من الخواصر إلى الخواصر ومن الأكتاف إلى الأكتاف فيتحرك القلب ، ومعلوم أنه إذا تحرك القلب لا يوقفه شيء كأنه شلالات نياغرا ، ماضياً إلى هدفه المحدد ، وبعد ذلك يحضر الشاب في المساء نفسه إلى منزل الفتاة فلا ينتهي إبريق المتة حتى يتم الاتفاق على كل شيء ، فالجميع أهل وأقارب وليس بينهم شروط وخاصة أن الجميع تقريباً فقراء فلا يطلب الأهل أكثر من الممكن ، وتمضي الأمور إلى العرس حيث لا يهم ما يوضع على الموائد ، المهم هو الدبكة حتى قبيل الفجر .
انتشر خبر حَشْرَةِ سرفيس حلبكو وما ينتج عنه من أحداث سعيدة فحاول شباب من خارج القرية أن ينحشروا إلى جانب صبايا القرية أو العكس ، لكن المعروف عن أهل حلبكو الذكاء وسرعة البديهة والذوق الرفيع ، فسرعان ما يفهمون اللعبة ولا يستجيبون إلا نادراً ، وفي هذا النادر تفرض كل الشروط ولا يمر الأمر بسرعة ، يقول أهل الفتاة التي طلبها شاب من خارج القرية : ابنتنا سيأخذها غريب ، ولذلك يجب أن يستجيب الغريب لكل الشروط حتى تكون معززة مكرمة ، وحتى لا يقول هو وأهله مستقبلاً لقد رميتموها في حضننا ، وإذا ذهب شاب ليخطب من خارج القرية فيقول أهله : سيتزوج غريبة ، ولذلك يجب أن تقبل بالقليل أليس يكفيها أن زوجها من قريتنا ويجب أن تقبل بما يعرضه عليها وتحمد الله ليل نهار لأنه رضي بها .
هكذا تعيش قرية حلبكو سعيدة بسرفيسها وهو طبعاً سعيد بها ، ألا يكفيه فخراً أن القرية قبلته وهو غريب .