…. عندما خرجت أمي من الغرفة خرج قلبي من جسدي ولأول مرة أشعر أني خرجت نهائيا من بقعاتا وأن الهوية التي فرضها الإسرائيليون على أهل الجولان المحتل يفرضونها علي الآن فأخرج من هويتي ومن بيتنا ومن دفتر العائلة الذي كان يضمنا بل اخرج من خانة تاريخي وخانة ذاكرتي في بقعاتا وأصيرعلى خانة رجل بحري لا يمت إلى جبل الشيخ وإلى برده بصلة .
أجل خرجت نهائيا من عالم قديم راح يبتعد ودخلت في نفق مظلم لا أعرف نهاية له .
لم أعد أرتدي ” الإيشارب الناعم الجميل ” بل فرض علي غزوان أن أرتدي الجلباب الطويل وشال حرير أسود يلفني مثل صرة سوداء . . بكيت كثيرا وأنا أرتديه في الفترة الأولى . . كنت أشعر أني عبارة عن كيس , أو صرة . الآن أنا مجرد وسادة وسرير وساقين مفتوحتين .
ووحش يمد رأسه كي يفترسني ولكن بلا أنياب فيتراجع بعد أن يخلف جروحا عميقة بالروح .
” تعال نبقى هكذا يا غزوان . . لا تعذبني أرجوك . . يكفي ذلك ”
في كل مساء لنا حفلة من العري والعذاب . . وفي كل مساء علي أن أرتدي ثوب الرقص . . ثم أتلوى . . و أخرج ثديي من ” السوتيان ” أهز أردافي . . أشرب معه الخمرة . . أتقلب فوقه عله ينتهي من حربه . . أريده أن ينهي الحرب وينتصر . . لقد مر شهر على هذا الحال . . لا هو ينتهي ولا أنا أخبر أحدا . . لقد اقتنعت أخيرا بأن أبوابي ستبقى مغلقة ودهاليزي معتمة وأن قدري هكذا أن أتحول إلى راقصة تتعهر لتثير رجلا لم يعد يشعر أنه رجل لقد تخلى عن كل أسحلته التي يعتد بها مع أنه أدعى أنه دخل وانتهى وأن دمي على الوسادة هو الوثيقة والبرهان على أنه رجل والآن ينتظر الطفل . .
مقطع من رواية ” حرير أسود “للأديبة السورية ” أنيسة عبود ” . صادرة عن دار التكوين في دمشق .
من أعمال الأديبة أنيسة عبود : 1- النعنع البري ” رواية ” الفائزة بجائزة – المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة – الجائزة الأولى . 2- قميص من الأسئلة ” شعر ” . 3- مشكاة الكلام ” شعر ” . 4- تفاصيل أخرى للعشق ” مجموعة قصصية ” . 5- غسق الأكاسيا ” مجموعة قصصية ” .6- حريق في سنابل الذاكرة ” مجموعة قصصية ” . 7- حين تنزع الأقنعة ” مجموعة قصصية ” .8- ركام الزمن – ركام امرأة .