هناك فرق جوهري بين استخدام مفهوم ” العملية الدستورية ” وبين جملة” تعديل الدستور” ، فالأولى وردت من ضمن القرار الدولي ،الذي يتحدث عن عملية سياسية تخص الانتقال السياسي ،وهيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية ، من ضمن مفرداتها لاحقاً ” عملية دستورية “ وهي بهذه الدلالة والسياق المُعطى ، عملية تجري ضمن “بيئة آمنة ومحايدة ” وفق ذات القرار ، الأمر غير المتوافر في ظل ” النظام ” الحالي . في حين تعديل الدستور إجراء يمكن أن يكون وحيد الطرف أو بين ” النظام ” و ” المعارضة “ في أي ظرف وفي ظل “النظام ” الحالي ..
يُمكن تحميل القرار الدولي المنوه عنه أنفاً ، بصدد الحل السياسي في سوريا ، على عدة وجوه ، وهنا مبتدأ اللعبة الروسية -كدور ظاهر -، في بلورة ذلك بتعديل دستوري بدل ” عملية دستورية ” يُفضي الى ” حكومة وحدة وطنية ” بدلاً من ” هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية ” ، وهذا الأمر الأخير يتضمن تداعيات تصل الى استبعاد مفهوم ” العدالة الانتقالية “ الواجبة لضمان سلام مُستدام بين السوريين و في سوريا ، والاستعاضة عنه بالتضحية بأفراد من الطرفين ” نظام – معارضة “ دون المسؤولين الذين إرتكبوا جرائم حرب بحكم مسؤوليتهم وصلاحياتهم . لذلك يقوم ” النظام ” بالتمهيد لذلك عبر شحن جمهوره ضد مفهوم ” العدالة الانتقالية ” مُسوّقاً لهم أنها تستهدف الجنود والضباط ، المشاركين بالدفاع عن ” الوطن ” … وهو يرفضها دفاعاً عنهم .! في حين الواقع والقانون خلاف ذلك .
فهي محاولة منه للإستقواء بالجمهور الراغب بالسلام والخائف بذات الوقت، من أجل تفادي تبعات ” العدالة الانتقالية ” التي حُكماً ستطال رأس “النظام ” وأفراده ، إضافة لشخصيات إرهابية متطرفة مارست “جرائم حرب “بذريعة الثورة على النظام .!
من المهم لفت النظر الى أن مفهومي ” النظام ” و ” المعارضة “ ليسا مضبوطين وليسا واضحي الدلالة .
مفهوم “النظام ” يحوي مجمل قوى متباينة وغير منسجمة ،وبنفس الوقت يُمكن إطلاقه على كل السياق والمآل الذي يقف بصف ” رأس النظام “ ، بمعزل عن النوايا والاختلافات وعدم الانسجام فيما بينه ، ولعل تعبير “النظام ” مُتجسد بدلالة واضحة بشخص رأسه ، الذي يستند على عوامل قوة شخصية لديه ،متعلقة بعلاقاته الطيبة بالمآل والسياق ، دون الخوض هنا بالنوايا والإرادة المُسبقة أو الإتفاق من عدمه ، مع إسرائيل – الداعم الأساسي لوجوده وسر قوته ولاعتبارات موضوعية – والولايات المتحدة وإيران ورسيا …الخ
قوته ، تلك ، مَردَّها صدقه ووفاؤه بالتزاماته لتلك الجهات وبدون تقصير ، مهما صَغُرت أو كَبُرت تلك الالتزامات وفي أقسى الظروف .
ومفهوم ” المعارضة ” غير واضح المعالم أو الدلالة حتى في تداعيات السياق والمآل ، وبمعزل عن التصريحات والعناوين المُعلنة ، لأن السياق والمآل مختلف ومتنوع داخلها ، فما بالك بالنوايا والمُضْمَر .! وهي التي لا تملك – بطبيعة الحال – إلا الوعد بتنفيذ التزامات ، وقد أثبتت أنها غير قادرة بسبب ضعف الخبرة .
هنا تكمن أهمية التأكيد على مفهوم الشراكة وفق القرار الدولي بين جميع السوريين من أجل الوصول ل ” هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية” وربط ذلك بمفهوم “العدالة الانتقالية” من أجل إستبعاد مجرمي الحرب ” المعنى القانوني ” ومن أي طرف . فذلك هو المدخل القانوني للبدء بمشترك وكلمة سواء بين السوريين , “ تؤسس لعقد إجتماعي جديد، الذي يؤسس بدوره لثقافة سورية جديدة مع الوقت ، ثقافة تليق بالبشر “ ومنع تقاسم سلطة في سوريا بين ” مجرمي حرب ” , بعضهم استظل ظل “الدولة “, وبعضهم استظل ظل ” الثورة “
حتى الآن ما يجري هو مدخل لتقاسم سلطة بين ” مجرمي الحرب ” في سوريا ، مُبتدأه تعديل دستوري ، الصراع فيه ليس على تغيير مواد الاستئثار بسلطة القرار التي سيتم تقسيمها بهذه المواد ، وفق طبيعة ومآل السياق . بل مواد دستورية متعلقة ب “هوية الدولة “، من أجل استقطاب جمهور – رعايا ، في عملية سطو على الدولة ومؤسساتها مرة أخرى لمصلحة مجرمي حرب ، عبر شعارات الغيب السياسي والديني .
مجرمي حرب مارسوا الفعل الجرمي للحيلولة دون تنفيذ استحقاق حياة سياسية طبيعة ، مارسه بعضهم لتفادي إصلاح سياسي كان ممكناً بتعديلات دستورية بسيطة من طرف واحد حينها تُعيد للدستور ومن ثم البلاد توازنها ، دون إدخال سوريا في هذه الكارثة الانسانية المستمرة .
و مارسه بعضهم الأخر لاحقاً من أجل الوصول للسلطة بحجة الثورة والدفاع عن السوريين المنتفضين .
والضحية في حال تَمّ ذلك : هم السوريون كبشر في حالة القتل وفي حالة وقف القتل .!