°
, March 29, 2024 in
آخر الأخبار
الصحة والتطوير الذاتي

اكتشاف الطفل في داخلك -1-

يعتقد معظمنا إن من المفروض أن نكون شخصية واحدة منسجمة . ونعجب لشعورنا أحيانا بأننا غير منسجمين لدرجة كبيرة . نشعر بطريقة ما في أحد الأيام , ثم نشعر بطريقة أخرى في يوم أخر .

نشعر أحيانا على نحو معين في إحدى اللحظات ثم على نحو أخر في لحظة أخرى . ما اكتشفته هو إننا لسنا شخصا واحدا على الإطلاق . كل منا لديه أشخاص كثر في داخله , كثير من الشخصيات .

 

فكر في أولئك الأشخاص كشخصيات فرعية مختلفة . كل منها يمثل شخصيته الخاصة , مع منظومته الخاصة من الحاجات والرغبات , ووجهات النظر والآراء . وغالبا ما تكون هذه الشخصيات الفرعية متعارضة تماما فيما بينها . على سبيل المثال , يعتقد جزء منا أن أهم شيء هو العمل بكل جد وتحقيق النجاح . وعندما يكون هذا الجزء في موقع القيادة فإننا نعمل باستمرار . من ناحية أخرى يمكن أن يوجد جزء معارض له تماما , لا يرغب إلا في الراحة والبطالة وارتكاب الأخطاء والاستمتاع بالحياة .

عادة ما نكون أكثر تميزا بواحد من هذه الأجزاء التي في داخلنا . فإذا كنا من النموذج المدمن على العمل فإننا نكون متميزين بقوة تلك الشخصية المجدة في داخلنا وميالين لتجاهل وإنكار وقمع الشخصية الأخرى المحبة لمسارات الحياة والقائلة بالمتعة , أو تلك الشخصية التي ترغب ببساطة أن ” تكون ” . أحيانا نشعر بالصراع بين الاثنين ونتأرجح جيئة وذهابا بينهما .

من المثير للاهتمام إلى أقصى حد أن نتعرف على كل تلك الشخصيات في داخلنا وأن نحترمهم جميعا . إن كل واحد منهم هو في الحقيقة جزء منا . كل يمثل وجها لنا , لشخصيتنا , ونحتاج لأن نتعلم معرفته واحترامه واستكشافه وتقديره . بواسطة السماح لأنفسنا بمعرفة كل هذه الشخصيات الفرعية فينا وبالتعبير عنها , نستطيع أن نكون متوازنين بدلا من أن نتميز بجانب واحد فقط من الاستقطاب , وعند ذلك نكون قادرين على اختيار اللحظة المناسبة لتولي القيادة من قبل كل الشخصيات الفرعية المختلفة .

إن التوصل إلى معرفة أنفسنا كلها عملية استكشافية ساحرة . أحيانا أنظر إلى نفسي كفرد بل كأسرة . وكما يحدث في معظم الأسر , توجد لحظات من النزاع , كما يوجد كثير من الحب أيضا . الفكرة هي أن نترك كلا من أفراد هذه الأسرة في داخلنا يقوم بدوره , ويعبر عن نفسه , وأن يحترم مقابل الدور الذي يقوم به في الأسرة . بحيث تستطيع الأسرة كلها أن تنعم بالانسجام في النهاية .

هناك تمثيل مثير أخر لهذا الوضع في داخلك وهو أن تتصور نفسك كلجنة . وعندما تتصور نفسك كلجنة سيتضح لك سبب كون اتخاذ القرارات أو انجاز عمل ما أمرا صعبا عليك . كلنا يعلم ما الذي يحدث عندما تتخذ لجنة قرارا . أحدهم يريد شيئا . ويريد أخر شيئا آخر , ويهدر نصف الوقت دون أن عمل أي شيء . فإن توصلت إلى معرفة أعضاء اللجنة التي في داخلك والى السماح لهم بالتعبير عن أنفسهم بحرية , فانك تستطيع أن تبدأ باتخاذ القرار كفرد واع بدلا من السماح لأي جزء منك يتصادف وجوده في موقع القيادة في تلك اللحظة باتخاذه .

لدي طريقة أخرى للنظر إلى ذلك وهي أن أتصور نفسي كمسرح , وأتصور الشخصيات كممثلين يؤدون أدوارهم على الخشبة في داخلي . نحن نميل أن نجتذب لحياتنا الناس الذي يعكسون الشخصيات المختلفة داخل أنفسنا . إننا ننجذب إلى الناس . ونجتذب الناس الذي يتشابهون مع شخصياتنا الفرعية .

تضمن كثير من دروس الحياة رؤية انعكاسات الناس في حياتنا , وما يجعلونا نراه في أنفسنا الداخلية . إن النقطة الأساسية هي أن نتوصل إلى معرفة , وحب , وقبول كل جوانب أنفسنا . لا يوجد جزء سيء فينا . كل من في الكون يريد أن يكون محبوبا , ويريد أن يكون مقبولا . وكل ما تحبه وما لا تقبله سيظل يلاحقك إلى أن تحبه أو تقبله .كثير منا على سبيل المثال , يجدون صعبا عليهم قبول فكرة أن فينا شخصا غاضبا . إنه غاضب حقا لأن أحدا لم يصغ إليه , ولأنه لم يحظ بفرصة ليصير مقبولا .

لكنك تستطيع أن تبدأ بإيجاد طرق آمنة ومريحة ومناسبة للسماح لغضبك أن يحس ويعاش , وأن يعبر عنه بشكل ملائم. وبالنتيجة تصبح تلك الذات جزءا مقبولا منك ويتم تفريغ تلك ” الشحنة ” .

من كتيب يحمل عنوان “تأملات “ ” حياتك الداخلية كيف تغنيها ؟ ” تأليف شاكتي غاوين ترجمة عدنان عبد الله . صادر عن دار المتنبي للطباعة والنشر في دمشق . سوريا .