كتب الصديق هيثم خوري :
فكرة مهمة للصديق عيسى إبراهيم Issa Ibrahim، خواطركم حولها ستكون مهمة:
“تصرف المرحوم فارس الخوري ( من الأقلية البروتستانتية ، البالغ عددها حينها عدة ألاف في كل سوريا ) مع مستخدمي الإسلام السني ، كأداة سياسية (الإخوان المسلمين ) . مُشابه لتصرّف أخرين من الأقليات ، خاصة بعض نُخب العلويين حينها ، حيث تمّ التحالف مع الجهة التي يعتقدونها تُعبّر عن السنة سياسياً ، بدلاً من التحالف مع نخب الأكثرية السنية التي تلتزم بسنيتها وتُعبّر عن ذلك ثقافياً وطقسياً ولا تُعبّر عنه سياسياً .
وتعتمد تلك النخب”الممارسة هذا الأمر ” التي تنتمي للأقليات ، أو للأقلية السنية التي تتبنى الدين السني في السياسة ، تعتمد على إرث سوري عريق له جذور تاريخية من الخبرة السياسية الشامية (نسبة لبلاد الشام ) ، تلك المنطقة التي أورثها التداخل السكاني والغزو المتكرر نمط من العيش غير الطبيعي … حيث تعتمد تلك النخب الفردية ممارسة” الشطارة” السياسية، التي تهتم بكل مواصفات التسويق لمشاريعها ، خاصة في إطار المجاملات الدينية والمعايدات واللياقات الاجتماعية ذات الصِّلة حيث منظر جامع يُعانق كنيسة تلك الأيقونة التي يحبذ هؤلاء تبنيها …
وهذا خلق لتلك النخب فرص وصول، لم تكن متاحة لولا تحالفاتها تلك وطريقة تسويقها تلك ، ومن المُفارفات مثلاً بالنسبة للنخب العلوية التي مارست ذات الدور” ما أُسمّيه حالياً متلازمة فارس الخوري ” مع الاسلام السياسي السنّي والإخوان المسلمين تحديداً ، أنها كانت نخب مُغرقة بُفرديتها وعصبيتها الفئوية ، بل أن بعضها كان يُجاهر بعداءه للسنة، والتّهجم عليهم وإعتبارهم خطر على العلويين …!
هذا النمط من العلاقة ، خاصة بين تلك النخب العلوية والسنة السياسية ، مهّد لصيغة الحكم الحالية في سوريا ، التي هي ميثاق التحالف الديني السني مع مُدّعي حماية الأقليات ….
وما زال هذا النهج في إدارة اللعبة السياسية له الغلبة في الساحة السياسية السورية حتى الآن ، وإن كان لا يظهر بشكل جلي للعامة ، حيث ترى نخب أقلوية تتحالف مع التعبير الديني السياسي السني ، دوناً عن بقية الأكثرية السنية التي تحترم سنيتها ولكنها لا تُعبر عنها سياسيا ، وتعتبره حصان رابح لها ، كما هو يعتبرها أيضاً حصانه الرابح ” كل مؤسسات المعارضة تتبنى هذا الفهم وتلك الشطارة السياسية ” وأزعم أنها طريقة جيدة لنجاح أي مشروع له أو لها ، ولكنه بالتأكيد لا يُؤسس لحياة سياسية وطنية طبيعية ، حياة سياسية لا تستخدم الدين والمجاملات في تسويق المشاريع الوطنية ، حيث الحقوق والواجبات واضحة قانوناً ، ولا تحتاج لبلاغات غير ممسوكة لتسويق تلك المشاريع …..
فغالباً تلك الأقليات ” الأقليات بمعناها المتداول إضافة للأقلية السنية التي تستخدم الدين بالسياسة ” المُعبّرة سياسياً عن محيطها ، غالباً ما تفوز على حساب الأغلبية ، في أقليّاتها وعلى الأغلبية بالمعنى السوري العام . لأن طريقة تسويقها تلك أذكى و أنجح وأقدر على ملاقاة عواطف الجمهور … ( أقترح قراءة ما تقدم دون المعنى التفاضلي الأخلاقي للمفردات الأنفة الذكر جميعاً).”
وعلقت مجدداً على مشاركة تعليقي لدى صديقي هيثم خوري :
المرحوم فارس الخوري موضع إحترام لدي ، وما ذكرته ليس للتقليل من شأنه أو التّكبير منه ، بل مقاربة مني لبعض مظاهر ثقافة سوريّة ممتدة ، عابرة في سوريا ، عابرة للتنوع السوري وللزمن السوري ، مردّها ، موقع سوريا ، وما جلبه من صراعات وإنعدام حريّات ، أسّس لنمط ثقافي ، يمارسه السوريين ، فيما بينهم ، ومع غيرهم ،في الدين والسياسة والحب والأكل والعلاقات الشخصية والتعبير عن ” الوحدة الوطنية ” …الخ
زعمي أيضاً أن هذا النمط ما زال مستمر ، خاصة في المجال السياسيي حتى تاريخه، من تمظهرات المعارضة، بالأغلب الأعم ، حيث مثلاً، تتضح هذه الثقافة في التّعامل بين السوريين ، خاصة بين الأقليات والأكثرية ” المعنى الواسع للمفردتين والمُتبدّل مع الوقت ، وليس المقصود سنة وعلويين وغيرهم فقط بل حتى داخل السنة أنفسهم وداخل العلويين أنفسهم…الخ وكذا من قبيل الاثنية والدين والجنس ، مفهوم الجندرة ، الحزبية ، الأيدلوجية …”
ثقافة تقوم على ” الشطارة ” والقدرة على ” التطبيق” والمقصود مني هنا المعنى التقني واللغوي والدارج للكلمة دون الحكم الأخلاقي والتفاضلي ، أي استخدام الوجبات ” الثقافية ” الجاهزة المعلبة والمعروفة والمتداولة والملائمة الذائقة ” الثقافية ” السورية ، التي تعتمد في بعض مظاهرها المبالغة بالقول والتصرف والتماهي بالأخر للإستحواذ على رضاه ، وكذلك التوافقات الكلية ، والتي بنفس الوقت لا تعكس وجود حقيقي واقعي لأي توافق ، وهو أمر سرعان ما يُظهره الواقع بعد حماسة ” الوحدة الوطنية “
أزعم أن مَرد ذلك ، هو غياب الحرية المعنى العميق والواسع للمفردة ، التي من معالمها ، القدرة عل التعبير عن الذوات الفردية الحرة ، وإدراك اختلافاتها وفرادة كل منها ، وبنفس الوقت القدرة على بناء مشترك مصلحي وجودي حقيقي بينها ، قائم على الحق والواجب القانوني وليس على الأيدلوجية الدينية والسياسية وحذلقاتها اللفظية ولعبة البلاغة وغيرها من أدوات “الشطارة والتطبيق ” بالمعنى التقني الذي أشرت إليه ..
أؤكد مرة أخرى على التنبيه الذي وضعته في نهاية تعليقي على بوست للصديق هيثم خوري ، التعليق الذي شاركه صديقي عينه كبوست للنقاش ..أقول :
( أقتراح قراءة ما تَقدم دون المعنى التفاضلي الأخلاقي للمفردات الأنفة الذكر جميعاً )
وأضيف زيادة في تأكيد إصراري على بيان هذه الفكرة ، إنني إذا أقول ذلك فذلك ليس بسبب وازع أخلاقي أو ديني أو خوف من موقف ، بل لدواع متعلقة بايصال الفكرة ، بل أنه من المُعيب وأنا الجالس ، الآن في 2019 ، على مدرجات المشهد السوري في العشرينيات والثلاثينات والأربعينات ، ولدي مُعطيات المشهد، أكثر مما كانت لدى أطرافه حينها ، بسبب طبيعية إحاطة كل منا، من حيث كونه لاعب أو متفرج ، أو مضي الزمن وتوافر المعلومة للاحق ولم تكن متوافرة لسابق ..الخ كل ذلك يجعل من المعيب بحقي إجراء تقييم أخلاقي وتفاضلي واتهام بتقصير …..الخ
بل كان تعليقي من أجل إنضاج تجربتنا السياسية كسوريين بعيداً عن إعطاء البُعد القيمي والتفاضلي ، ، إنضاج علّه يُدخلنا مدخل حسن للمستقبل ، بدلاً من تبادل الاتهامات والتقييم الأخلاقي الذي لا يُغني ولا يُسمن ولا يُؤسس إلا لتداعي الخراب عينه المُستمر منذ قرون …
( الشطارة والتشاوف والتطبيق) والتقييمات الوعظية والأخلاقية في معرض العمل السياسي هي نقيض المواطنة ، القائمة على مفهوم الحق والواجب القانونين الواضحين المحددين غير البلاغيين .