°
, September 17, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

أفكار للحوار … نص أساس للمحاضر : صايل الكفيري ، مع مداخلات حضور

حول وعي الضرورة

لقد ارتبطت هذه المقولة الفلسفية ( وعي الضرورة ) بمفهوم الحرية وخاصة في الفلسفة الماركسية حيث عرفت الحرية بأنها وعي الضرورة وقد لا يوافق الكثيرون على هذا التعريف . ومن ناحية أخرى فإن مقولة ( وعي الضرورة) لا تقدم لنا بل لم تقدم لنا إضاءات كافيه على ماهية الوعي ولا على ماهية الضرورة. ولما كان الناس على اختلاف مشاربهم وأعمارهم يحسنون التداول فيما بينهم بكلمة الضرورة ضمن حياتهم اليومية إذ يستخدمونها بمعنى السلوك الواجب والوحيد الذي نتبعه لغاية نسعى إليها , فقد يكون أجدى لنا أن نركز على طبيعة الوعي ومعناه وضرورته نظراً لأنه يشار من خلاله إلى سواه في مناحٍ كثيرة, فنخلط بينه وبين العقل أو الإحساس أو التحصيل المدرسي والعلمي وما إلى ذلك . 

حول معنى الوعي

إن أوعى / أي وضع في وعاء/ واستوعب ووعب كلها اشتقاقات لغويه تتنافذ في معانيها على بعضها البعض . وفي لسان العرب فإن الوعي هو الحفظ والعمل بموجب ذلك الحفظ ومادته المحفوظة.

والحفظ وإن كان يشير تداولياً إلى قدرة الحافظ على إعادة تلاوة ما سمعه أو قرأه أو شاهده… ولكن أيضاً فإن المادة المحفوظة هي المادة المصونة من الضياع والتزييف والخراب . فالوعي هو القدرة على الاحتواء والضم والهضم مع حفظ المحتوى والمضمون بخصائصه وقدرته على التفاعل مع مايحتويه .

والوعي امتلاك ا لشيء والتوحد به‘ وهو عملية يصبح فيها المعيل والمعال شيئا واحداً‘ فالخلية الحية لا تحمل شيفرة تشكلها إنما هي شيفرة تشكلها نفسها .

من بين كل القوى العارفة في الانسان ومن بين كل المصطلحات التي تدل على الملكة التي بواسطتها يستطيع الإنسان أن يقيم علاقة معرفة بنفسه وبمن حوله وبما حوله , من بين كل ذلك يشكل الوعي أعلى درجات المعرفة وتمثلها وأكثرها انسجاماً مع نواظم الكون الكبرى , فالعارف والفهيم والمفكر والحساس والشاعر وما إلى ذلك أقل منزلة من الواعي , مع الإشارة إلى أن الشعر والفن عموماً يشكل في مرحلة معينه وعياً نوعيا , أو هو شكل من أشكال الوعي . والعقل لا يستطيع أن يخون مبادئه الأولية سواءً كانت تلك المبادئ ما أقرها المنطق الصوري أو المنطق الديالكتيكي أو سواهما , العقل محكوم لطبيعته ونواظمه , بينما الوعي متفلِت من تلك النواظم .

والوعي يحقق انسجاما ذاتياً و آخر موضوعياً , فالانسجام الذاتي للفرد مع نفسه هو انسجام مثلوم وناقص إن هو فقد بعده الآخر أي انسجامه مع طبيعة ونواظم الكون المستقلة عنه . والإيديولوجيه التي يحملها فرد أو أفراد مهما بدت متماسكة داخلياً فإنها تتحول إلى وعي زائف في لحظة تاريخية معينة والوعي المثلوم ينتج ضرورات على شاكلته مثلومة وزائفة.

حول استقلالية الوعي .

إن المقولة الماركسية التي تجعل الوعي مشروطاً بعلاقات الانتاج السائدة في مرحلة تاريخية معينة هي مقولة تستند إلى واقع افتراضي المقصود منه تسليط الضوء على الآلية التي يتشكل فيها الوعي لدى الإنسان ضمن ذلك الواقع وذلك الزمن الافتراضي‘ حيث شكلت تلك الظروف الافتراضية الانتاجية الباعث الأول لتشكل أول حالة وعي لدى الإنسان , وفي رأينا فإن ذلك قد يكون حدث منذ ملايين السنين وكفى . إذ لاتعود الآلية نفسها التي تشكلت وفقها بدايات الوعي لدى الإنسان تفعل فعلها الأول ذاك في الأزمنة اللاحقة . إذ كيف نفسر ظهور شخص مثل أرسطو يمثل وعياً يعجز عن امتلاكه فلاسفة يعيشون أو عاشوا في الأزمنة الحديثة إضافة إلى ذلك فإن الوعي يتراكم كرأسمال قابل للانتقال وراثياً من جيل إلى جيل.

حول طبيعة الوعي

إن الوعي يتعامل مع مجموع وحدات معرفية صغرى كوحدة معرفية واحدة فيختزل طرق الوصول إلى غاياته عبر تلك الآلية ولتوضيح هذه الفكرة نشير إلى انتصار كاسباروف في لعبة الشطرنج على كمبيوتر عملاق يستطيع أن يحسب لمليار احتمال كل ثلاث دقائق بينما يستغرق الإنسان كي يعد حتى المليار زمناً قد يصل لثلاثين سنة.

أسئلة الكاتب

طرح الكاتب مجموعة من التساؤلات للحوار أهمها :

1- لو سلمنا جدلاً أن وعي الضرورة شرطً للحرية الإنسانية . فما هو الناظم الذي يعصم ذلك الوعي من أن يكون عرضة للسلوك النفعي والانتهازي والفردي الذي يسلكه البشر أو تسلكه المجتمعات. وهل يكفي الوعي بالقوانين الخفية التي تقبع وراء الظواهر كقانون الجاذبية الذي يقبع وراء ظاهرة سقوط تفاحة نيوتن. والذي من خلال فهمنا له تمكنا من اختراع طائرة. هل تكفي تلك المعرفة ليسير الإنسان باتجاهات تعود عليه بالحرية والسعادة فعلاً.

2- كيف تحل إشكالية التعارض بين محصلة الوعي التي يمتلكها مجتمع ما والوعي الذي قد يتمتع به أفراد معينون يتجاوزون من خلاله تلك المحصلة بما لايقاس ونضيف متى يصبح وعي الضرورة وعياً جماعياً.

3- إلى أي درجة يمتلك الواعون بالضرورات سلطة إدارة شؤون الحياة العامة بما يتوافق مع حالة وعيهم تلك.

4- فكرة الهروب من الوعي وتحاكي هذه الفكرة فكرة الهروب من الحرية لدى إريك فروم في مؤلفه الذي يحمل العنوان نفسه ( الهروب من الحرية ) فالإنسان الذي لا يجد مايفعله بحريته يفضل أن يتنازل عنها لشخص قادر على إدارة حياته ( قتل العبد عتقه ) والوعي كذلك قد يفتح أعيننا على حقائق قد تكون بمثابة فواجع لنا لا نستطيع تحملها .

انتهى النص الذي قدمه المحاضر (صايل الكفيري)

الحوار والمداخلات (لبعض من المثقفين والمهتمين والمتخصصين بالفلسفة)

1- ركز الحوار على: بعض التساؤلات والمداخلات التي أغنت هذه الأفكار.

1- لماذا وعي الضرورة وعي جماعي كما ورد في الأفكار التي قدمت هل هذا استمرار لطوباوية الماركسية

2- لماذا المعارف ستلعب دوراً في كبح القدرة على المعرفة ألا يجب أن يكون هناك تفريقً بين المعرفة الحقيقية والإيديولوجية الزائفة.

3- الأفكار المطروحة للحوار تتعلق بوعي الضرورة.

4- هل معرفة الطبيعة شرط للتحرر منها ؟

وما قدم كان بعيداً كلياُ عن وعي الضرورة

وقد أجاب الكاتب على هذه التساؤلات :

إن حلم الوعي الجماعي مشروع وصحيح لكنه يبقى في إطار الحلم وأكد أن المعرفة لا تنتهي وهي في حالة صيرورة دائمة و على أن المفهوم هو حالة مكثفة لوقائع متعددة تشكلت تاريخياً وإن المفهوم يحمل كثافة معرفية . تعاقبت خلال التجربة البشرية , ( مفهوم الشجرة يكفي لكي يستحضر الإنسان في ذهنه كل أشجار العالم ) والضرورة محمولة على حامل الوعي وأكد على أنه حتى تلك المعارف الرياضية والعلمية البعيدة عن الإيديولوجية تشكل أحياناً عائقاً أمام القدرات العارفة .

المداخلات

شرط الحرية أن يعي الإنسان واقعه. هنا كان من الأجدى الحديث عن مستويات المعرفة والضرورة سواءً كانت معرفة طبيعية أو إنسانية بكافة أشكالها وكذلك لا يمكن أن يتحول وعي الضرورة إلى وعي جماعي وذلك بسبب الفروقات الفردية والمعرفية بين البشر.

إن مفهوم وعي الضرورة وضع لمواجهة تحد سابق في القرن التاسع عشر هذا التحدي هو التحدي الليبرالي الذي يولي أهمية وقوة للحرية بوجه عام والحرية الفردية بوجه خاص وهذا المفهوم ينسب إلى ماركس ولكن هل الحرية وعي الضرورة حقاً أم الحرية أوسع من ذلك هل كان ماركس يناقش الحرية أم أنه أذابها بالوعي الطبيعي لإعادة تشكيل الحياة بكافة أشكالها .

الحرية ليست وعي الضرورة بل هي أوسع من ذلك بما لايقاس وما سمي بوعي الضرورة ثبت في جميع التجارب . وعي الضرورة تركيب مضاف أو مضاف إليه . الوعي , الضرورة.

ما الوعي بالتعريف

الوعي هو الوجود مدركاً أي كيف يدرك كل منا الوجود المحيط به سواءً كان وجوداً طبيعياً أو وجوداً فيزيقياً أو اجتماعياً . الوعي فردي أساساً ولا يتشكل وعي إلا في ضوء وعي الأفراد الوعي فردي والإبداع فردي والعمل فردي . وقد تحدث ماركس عن الطابع الاجتماعي للعمل ( أنا أفكر بصفتي فرداً ضمن مجتمع أفكر بصفتي كائناً إجتماعياً في حالة التأمل , أفكر بدون قيود وبشكل حر) إن حالة التفكير قبل أن يصير كلاً أو عملاً مشروعاً هو أنقى حالات الحرية . أعيش حالة حرية دون أن يملي أحد علي شيئاً لا أحد يستطيع أن يملي عليَ بما أفكر.

كيف يرقى هذا الوعي الفردي إلى الوعي الجماعي

أولاً : عبر اللغة التي هي وسيلة تعارف لأن البعد الاجتماعي للتعارف يأتي أولاً من اللغة

ثانياً : يأتي من التواصل مع الآخر وعبره ويتشكل الوعي الاجتماعي وهو خطر لأنه عندما يتشكل يتمأسس ويتحول إلى سلطة لذلك ننخدع بقضية الوعي الاجتماعي وتحويل معارفنا إلى وعي اجتماعي.

الحوار

بعد مكاسب الديمقراطية في الدول المتقدمة تحول الاتجاه إلى إنعاش الفرديات وإحياء الاختلاف . كل إنسان يعي العالم بطريقته والوعي الاجتماعي لا يلغي الوعي الفردي

الضرورة والضرورات

1- الضرورة المنطقية أي اتساق الكلام مع نفسه.

2- الضرورة الواقعية التي هي منطق الأشياء وسميت بالضرورة لأنها ناتجة من نقيض الضرورة التي هي الحرية , إذاً العالم الماثل أمامنا من كائنات مختلفة عبارة عن ضرورات محكومة بالنظام المعرفي الذي يتحدد في

1- الفضاء الثقافي السائد.

2- زاوية النظر إلى العالم التي تختلف من شخص لآخر.

3- الوضع الاجتماعي واختلاف الرؤية وطريقة التفكير بين مختلف فئات المجتمع وهذه العوامل التي تحدد علاقة الذات بالموضوع هي المحدد الرئيسي للوعي وهي البذرة التي تحمل شجرة الديالكتيك.

إذاً لا يوجد وعي فردي مستقل لأنه ليس هناك فرد بدون مجتمع وليس هناك فرد خارج الدولة والفضاء الثقافي السائد واستقلال الوعي عن موضوع الوعي هو استقلال نسبي .

العلوم الحديثة تقول إن الوعي ليس مستقلاً عن الذات العارفة والذات العارفة تؤثر في موضوع المعرفة وهذا الاستقلال هو استقلال نسبي ولا توجد قطيعة بين العارف وموضوع المعرفة أياً كان نوعه , حيث يوجد هناك عالمان:

1- الفلسفة بوصفها وعياً أكثر شمولاً أصبحت الآن أكثر ضرورة .

( يقول كارل بوبر إن العلوم الحديثة تتجه الآن باتجاه الفلسفية ) والاستقلال بين أنواع المعرفة نسبيً وليس قطعياً.

ورد بالمداخلة أن الفلسفة الماركسية ( المادية ) فلسفة مخبرية عبارتان متناقضتان

هناك تصور مادي للعالم وليس فلسفة مادية

وتصور مثالي وليس فلسفة مثالية.

فكرة فلسفة مخبرية عبارة جافة وغير دقيقة باستثناء الفلسفة التجريبية التي تقول لا يوجد حقيقة مخبرية إلا ما تثبته التجربة . التجربة هي فلسفة تجريبية وليست مخبرية الحقيقة هي فقط نتاج التجربة.

مثال الياس مرقص ( عند العرب الصفة تأكل الموصوف ) فلسفة مادية،المادية أكلت الفلسفة، فلسفة عربية العربية أكلت الفلسفة. ودائماً الصفات هي الذوات وتنفي الذات وتتبدل . قال لينين ( لا نستطيع أن نعرف الشيء إلا عند قطعه عن الصيرورة ) أي قطعه عن الحياة أي لا نستطيع أن نعرف الشيء إلا بعد موته وانقطاعه عن مجرى الحياة .

مداخلات أخرى

هناك ضرورات

الضرورة هي أساس الوعي هكذا صنعت الأشياء منذ بدء التكوين، والضرورة عبارة عن المشكلات والمعضلات والمسائل الكبرى التي تطرحها الحياة وعندما يعيها الإنسان تكف عن أن تكون ملحة إضافة إلى الضرورات التي ذكرت في المداخلات السابقة هناك ضرورات هامة لم يشر إليها هي الضرورات النفسية التي تلعب دوراً أساسياً في تحديد الوعي الذاتي وهي تتمثل بما يختزنه الإنسان من وعي جماعي أي ما لقنته هذه الجماعة لهذا الفرد من معارف شكلت بنية وعيه، و لا يمكن أن نفهم وعياً فردياً بدون الشروط الاجتماعية ولا يوجد وعي فردي بالمطلق . وهذا ما حدى ببرغسون في القرن العشرين لأن يقول: عندما تقول وعي فإنك تفترض مجتمعا مسبقاً له وبذلك ينفي بيرغسون فكرة الوعي الفردي بقوله الوعي يعني المجتمع لا يوجد فرد بدون مجتمع ورأي المداخل أنه بغض النظر عن صحة هذا الرأي الوعي الاجتماعي يشكل محددات للوعي الفردي .

والضرورات النفسية ظهرت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وظهرت على أنها أعقد أنواع الضرورات وهذا ما يفسر انفصال علم النفس عن الفلسفة بشكل نهائي وتشكلت نظريات ومذاهب ومدارس في علم النفس لا حصر لها والبحث في طبيعة النفس الإنسانية أصبح من أهم الموضوعات العلمية.

الضرورات الطبيعية تتمثل بالوجود الطبيعي بكل أشكاله وهي الأسبق في الوجود وعندما يعيها الإنسان تتحول إلى قوانين ونظريات ومعارف علمية و كانت الأساطير نوعا من فلسفة طبيعية، وأول شكل من أشكال التفلسف كان فلسفة طبيعية فهي محاولة لفك أسرار الكون .

الضرورات الاجتماعية نشأت في مرحلة لاحقة عندما نشأت الجماعة نشأت معها أشكال التنظيم الاجتماعي وأصبح لهذا التنظيم قيم ومفاهيم تنظم حياة الأفراد، هنا ظهرت المشكلات الاجتماعية وأشكال الحكم المختلفة وتوزيع الأنظمة ومشكلة غياب العدالة والمساواة .

عندما نتكلم عن مسألة الوعي نستخدم مفاهيم تنتمي إلى عائلة واحدة هي العقل والوعي والادراك والتفكير ولكل منها وظيفته ولكن التفكير هو الحامل لكل هذه المفاهيم .

طرح المداخل السابق سؤالاً على غاية من الأهمية هل فعلاً مسألة الحرية أكبر من وعي الضرورة .

مسألة وعي الضرورة بكل حالاتها وأشكالها ووعيها لكل ضرورات الحياة تصبح الحرية . حيث جاءت فكرة الحرية وعي الضرورة في القرن التاسع عشر ولم تأت من فراغ بل هي نتاج تاريخي مديد من التفكير الفلسفي في اليونان وحتى الآن .إذاً مشكلة وعي الضرورة هي مشكلة العلاقة بين الذات والموضوع وهي شكل من أشكال إعادة الصياغة لعلاقة الذات بالموضوع وهذه العلاقة هي جذر المشكلة. الوعي ينتمي إلى حقل الذات والضرورة إلى حقل الموضوع ولا يمكن للإنسان أن يتحرر دون أن يعرف . ونستطيع أن نبلغ درجة من درجات الحرية إذا أخذنا مقولة . ( إذا كان الوعي مشروطاً اجتماعياً . يصبح التفكير مشروطاً اجتماعياً وأنا أفكر بيني وبين نفسي والحرية الذاتية في التفكير أي عندما نفكر بشكل ذاتي نبلغ أقصى درجات الحرية ) .

وهناك حالات فردية تحطم كل القيود ومفاهيم العقل والعمل والتفكير مثلما يمكننا تعريفها في حدود الفرد يمكننا تعريفها في حدود الجماعة وأيضاً هناك دورً للأفراد بوصفهم محركات لكل أشكال المعرفة.

ووعي الضرورة عندما يناقش بوصفه مفاهيم نصل إلى فضاءات يمكن أن تكون جميلة.

وأوضح المحاضر أنه يجب التفريق بين أنواع الضرورة(نفسية،منطقية….إلخ) وبين ماهية الضرورة(ضرورات أصيلة، ضرورات زائفة ………..إلخ)

تعليق (التعليق والإعداد:اعتدال الكفيري_ ماجستير فلسفة)

الحرية هي وعي الضرورة/ موضوع شائك ويحتاج إلى متابعة وحوار وهو من أعقد المفاهيم الفلسفية . قدم المداخل أفكارا للحوار وطرح مجموعة من التساؤلات تحتاج إلى دراسات للإجابةعنها والمداخلة والحوار لم يدخلا في صلب الموضوع واقتصرا على توضيح أنواع الضرورات ومفهوم الوعي علماً بأن الموضوع هو ( الحرية هي وعي الضرورة ) هنا لابد من أن نتساءل : هل كل وعي يقود إلى الحرية ؟ وهل الحرية نتاج لوعي الضرورة ؟ وهل هناك ضرورات زائفة أم أن الوعي بكل أشكاله يؤدي إلى الحرية بغض النظر عن ضرورة هذا الوعي، الضرورة هي الجوهر هي الوجود و الماهية معاً، هي القوى الكامنة في قلب الواقع الطبيعي والفكري وعنصر الضرورة الكامن في الجوهر والعرض هو في حالة صيرورة وتطور وتغير دائم ومهمة الوعي هي الكشف عن الضرورات الحقيقية الطبيعية والعقلية و الضرورة هي التي يقبلها العقل، وإذا عجز الوعي عن كشف الضرورة يتحول إلى وعي زائف إلى ستار يهيمن على الأفراد ويحجب عنهم رؤية الواقع بكيفية صحيحة وسواءً كان هذا الوعي ستارا أو قناعا أو أوهاما أويوتوبيا، يسمى ايديولوجية زائفة لذلك لا يوجد ضرورات زائفة وإنما وعي زائف وذلك بسبب التعصب للمفاهيم وتحويلها إلى حقيقة مطلقة ونصوص مقدسة تصح لكل زمان ومكان ولا يمكن للمعارف العلمية كما ورد في المداخلة والحوار أن تتحول إلى وعي زائف لأنها معارف نسبية وليست حقائق مطلقة وتعبر عن مرحلة من مراحل التطور المعرفي وتتغير تبعاً لتغير المعطيات الواقعية.ولا يوجد حقيقة مطلقة سوى حقيقة الصيرورة والتغير الدائم وتاريخ العلم كما عرفه الفيلسوف باشلار ليس سوى تاريخ تصحيح الأخطاء لذلك لايجوز الخلط بين ما أنجزته البشرية من معارف علمية عبر تاريخها وبين الوعي الزائف الوهمي . إضافة إلى ذلك فلا يمكن التخلص من الايديولوجية لان الايديولوجية بالمعنى الكوني هي بالنسبة للفرد أفقه الذهني إذ يجد فيها كل العناصر التي يركب منها تصوراته ويوظف فيها أغراضه فهي مرتعه الذهني والمنظار الذي يرى فيه ذاته ومجتمعه والكون المحيط به وبهذا المعنى هي مجمل التصورات والأفكار التي تحدد رؤية الناس في عصر معين لعالمهم الطبيعي والاجتماعي ولا يمكن التحرر من الايديولوجية لأنها هي الوعاء الفكري ورؤية الإنسان إلى العالم ولكن التعصب الأعمى لأي فكر علمي أو ايديولوجي هو الذي يجب على الإنسان التحرر منه حتى في أدق التفاصيل العلمية يحتاج الإنسان إلى رؤية معرفية ايديولوجياً وإلا فقد وجوده كانسان.

الوعي اذن هو ماهية الإنسان الحقيقية انه الوحدة في الاختلاف وذلك هو الفهم الدقيق للعقل, انه ارتباط الذات بنفسها فهي التي تميز نفسها إلى ذات وموضوع والموضوع يمكن أن ينظر إليه على انه ذات وذلك هو اللاتناهي الأصيل لذلك كانت الذات البشرية هي أرقى مثل للا تناهي الحقيقي. إذاً الوعي هو ارتباط الذات بنفسها وتحديدها لذاتها وتلك هي الحرية الحقة التي تعني التحديد الذاتي .إذاً الوعي هو وجود للذات أو وجود من اجل الذات ( وهو نفسه تعريف الإنسانعند سارتر ). الوعي في ذاته يحمل إمكانات وضرورات لم تتطور بعد مثل: البذرة ،الجرثومة، الطفل . ولوجود لذاته نصل فيه إلى فض هذه الإمكانات ومعرفة الضرورة الكامنة تظهر واضحة بحيث تتحول من الوجود في ذاته إلى وجود أمامه . أي ظاهرة لذاته وأثناء عملية التطور لا ندرك المرحلة التي نحن فيها الا بعد ان نتجاوزها وذلك للوصول الى وعي الضرورة والحرية الحقيقية .

إذاً الوعي هو ماهية الحرية والحرية في ابسط معانيها ألا يحدك قيد ولايربطك شيء خارجي والغاء الحدود و القيود لا يتحقق إلا مع فكرة الوعي الذاتي ونجد هنا الذات لا ترتبط الا بنفسها وتلك هي الحرية الحقيقية أي ان اكون انا الذات التي تعرف والموضوع الذي يعرف في آن واحد أنا اعرف نفسي واعي ذاتي واعبر عن هذا الوعي بسلوكي وافعالي أنا اذاً حرُ. من هنا فان الخضوع لأي قيود طبيعية وداخلية لاتعبر عن ذواتنا الحقيقية الكلية تلغي حريتنا، والإنسان البدائي كان أقل حرية لأنه يخضع لسطوة الطبيعة الداخلية والخارجية . والإنسان في المجتمعات المتقدمة أكثر حرية لأنه لا يخضع إلا للقانون الذي وضعه هو ويعبر عن ذاته وحين يطيعه لا يطيع إلا نفسه وتلك هي الحرية الحقيقية.

إن مبرر وجود القوانين والنظم وحقوق الإنسان هو أن تخدم وتحقق هذه الطبيعة سواءً كانت غرائز أو ميولا أو رغبات أو أفكارا وتجسدها بأرقى الطرق لأن الغاء الطبيعة البشرية هو الغاء للحياة. وكل القوانين التي لا تمثل الإرادة العامة للبشر تحولهم إلى عبيد و تعبر عن إرادة تعسفية للحاكم . ومن هنا يكون الإنسان في المجتمع الديمقراطي الحديث أكثر حرية لأنه يحقق ذاته من خلال القوانين الوضفية التي وضعها هو ويعبر عن نفسه فيما ينتجه من علم ومن فلسفة بحيث يشكل عالما روحياً واسعاً هو خالقه.

إذاً الحرية هي ماهية العقل وهي جوهر الحق وغايته ، ونسق الحق هو مملكة الحرية والحرية هي الحقيقة الوحيدة للعقل . والإنسان لا يكون حراً إلا إذا كان فعلاً يعيش على أنه حر . ولكن ما هي الظروف التي يستطيع بها الإنسان أن يحقق حريته لأنه لا يكفي أن يختار مايريد بحرية ويعي مايريد بل لا بد أن نعمل بحرية . وما لم نستطيع أن نعمل بحرية فسوف تظل الحرية أحادية الجانب ومجردة وذاتية . ونعمل بحرية عندما ننجح في تحقيق أهدافنا على نحو موضوعي في التجربة العينية، والحرية ليست ممكنة ما لم يكن الفعل الإنساني حقاً وصواباً أي ما لم يكن المراد بالحق هو الوجود أياً كان نوعه.

والحق هو الحرية بوصفها فكرة وهو مطلب الإرادة المطلق لكي تكون ذاتها تبعاً لمقتضيات ماهيتها العقلانية، الحق بكافة أنواعه مقدس لأنه يجسد الحرية البشرية.