°
, March 28, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

شَعَب . قراءة جديدة في الإنجيل والقرآن .

 

6- سورة المائدة : وهي السورة السادسة والعشرين من القرآن المدني .

في هذه السورة يتم إكمال الدين . إذ تقول الآية الثالثة منها : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي , ورضيت لكم الإسلام ديناً ) .ومع كمال الإسلام وتمام النعمة , سنتوقف مليا عند الآية الخامسة من هذه السورة .

فهي تدعو إلى التفاعل الاقتصادي والاجتماعي وإزالة الحواجز القائمة بين مختلف فئات المجتمع العربي الدينية . هذا ما رأيناه فيها قياسا على دراستنا غاية النبي محمد , وخطته التي سار عليها لبلوغ تلك الغاية . فإذا كانت غايته توحيد العرب , وكانت خطته إلى ذلك توحيد الدين وربطه بإبراهيم تحت اسم الإسلام , والقرآن المصدق للتوراة والإنجيل , فأننا عندئذ لا نكون أخطأنا في رؤيتنا إلى ما ترمي إليه هذه الآية , ولا يعود مستغربا تأكيده فيها على تبادل التزواج بين أتباع هذا الدين الواحد .

 

ونعتقد أن رؤية المعنى الكامن فيها لا تحتاج إلى كبير عناء . فهي لا تلتبس إلا على ضعيفي المعرفة باللغة . وإلا على الذين أعماهم التعصب , فحمٌلوها المعنى الذين يوافق أهوائهم . وهذه الآية هي : ( اليوم احل لكم الطيبات , وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌ لكم وطعامكم حلٌ لهم والمحصنات من المؤمنات , والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) .

في هذه الآية تقديم وتأخير في تعيين الحلال المتبادل بين أتباع النبي وبين الذين أوتوا الكتاب من قبل . وهذا التقديم والتأخير لا يخفى على العارفين باللغة العربية وأسرار تراكيبها البيانية . ولو أننا جمعنا المتأخر إلى المتقدم , في محاولة منا لتبسيط الفهم , لبدا المعنى واضحا بريئا من أي لبس أو إبهام .فالآية تعٌين تحليلا متبادلا فتقول : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌ لكم وطعامكم حلٌ لهم و المحصنات من المؤمنات ) . والمحصنات من المؤمنات هنا المقصود بهن المحمديات , حيث يأتين معطوفات على طعام المحمديين المحلل للذين أوتوا الكتاب . وبعد ذلك يأتي ذكر تحليل المحصنات من الذين أوتوا الكتاب للمحمديين معطوفا على ما تقدم من تحليل المحصنات من الذين أوتوا الكتاب لهم . فتكون بذلك قد استقامت المبادلة التي أراد النبي محمد التأكيد عليها . ونحب أن نلفت النظر إلى أن الطعام هنا لا يعني طعام الضيافة فقط , وإنما يعني بيع المحاصيل الغذائية المختلفة وشراءها , فلا تقف أية أفكار دينية متعصبة حائلا دون التفاعل الاقتصادي بين أفراد الشعب الواحد .

أما أن يذهب المفسرون إلى تحليل المحصنات من المحمديات ومن الذين أوتوا الكتاب هو للمحمديين فقط , وليس هناك من تحليل متبادل إلا في الطعام , فأننا نرد على هذا المذهب في التفسير بالقول : إنٌ زواج المحمدي من محمدية لا يحتاج إلى تحليل , لأنه ليس محرما في الأصل . ولأن المحمديين والمحمديات كانوا يتزوجون فيما بينهم قبل ذلك , وعلى مدى عشرين سنة خلت من بدء دعوة الإسلام . والتحليل لا يكون , في العادة , إلا ما يظنه الناس ليس حلالا . فهل كان المحمديون والمحمديات يظنون إن التزواج فيما بينهم حلال ؟!

هذا ما لا يقبل به منطق مهما أسفٌ , فهو أمر من تحصيل الحاصل , و لا يحتاج إلى تشريع لتحليله . ولكن التوحيد الاجتماعي بين العرب , الذي هو غاية النبي محمد , هو الذي أو جب هذا التشريع لتثبيته وتوكيده . ومن هنا جاءت هذه الآية لتحلل تبدلا في الطعام والزواج لم يكن حلالا من قبل لقد كان النبي محمد حريصا على إثبات هذه الوحدة منذ بداية دعوته , فتوحيد الله , وتوحيد الدين , وتوحيد الكتاب , كلها توحيدات نادى بها أول أمره وهو ضعيف مستضعف , فكيف به الآن وهو المنتصر الأقوى في شبه الجزيرة كلها !. وما قيمة توحيد الله والدين والكتاب ؟!.. إن الآية التاسعة والستين من هذه السورة تعطينا الجواب . فأنه لشدة حرص النبي محمد على توحيد العرب , لم يتوقف عند اليهود والنصارى منهم فحسب , بل أضاف إليهم الصابئين منهم أيضا , وحدد أن الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح هو المقياس , متجاوزا بذلك التفاصيل المختلف عليها فيما بينهم . تقول الآية : ( إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) . ومن المؤسف أن السوريين يرفعون الجدران العاتية , ويقيمون الحواجز الشائكة ,لمنع حصول هذا التفاعل الاجتماعي فيما بينهم . ويحتجون على ذلك بأنه من أوامر الدين !!.

وهذا العلاٌمة في الفقه الديني الشيخ عبد الله العلايلي يأتي على قضية الزواج المختلط مخاطبا الفقهاء أمثاله تحت عنوان صارخ هو : ” أطوطميون أنتم أم فقهاء ؟!.- من كتابه ” أين الخطأ ؟ تصحيح مفاهيم ونظرة تجريد ص 127 دار العلم للملايين – بيروت 1978 – فيناقشهم في آية سورة المائدة الأنفة الذكر , ويقابله على آيتين من سورتين مختلفتين من القرآن ليخلص بالتالي إلى تحليل الزواج المختلط , وهذا بعض ما قاله في هذا الموضوع :

” بين آونة وأخرى تعصف في الساحة , دينيا وقوميا , قضية الزواج المختلط , ويتفاقم النزاع فيها التراشق بالمروق والكفران والخروج من الملٌة . ولكن رويدكم يا هولاء , فالقضية أبسط جدا مما تظنون , فهي جزئية , ثم بالتالي اجتهادية .

أ‌) ” وكنت قديما , وكلما طرحت هذه القضية وثار النقع من حولها , أضع كفافا على عيني ويستبد بي لا مثل التهانف أي التضاحك الساخر بل مثل التماتُه وأعاني المبالغة في التباكي الساخر .. بل لعلي لا أغلو أذا قلت يستبدان بي جميعا تحت خاطر إننا ارتجعنا في أنفسنا المرحلة الطوطمية في النشوء الاجتماعي .

” وللبيان أوضح أن الباحثين في فرع علم الاجتماع الديني , قطعوا بمبدأ أن لكل قبيلة ” طوطما ” مؤلها يستتبعه ما يسمى ” التابو ” أي حرمة المسّ , فأباحوا للمسلمة الزواج الداخلي الذي أضع له : الانزواج : “Endogamie” من حامل مثل طموحها , وحرموا عليها الزواج الخارجي الذي أضع له الاستزواج : ” Exogamie .

” وما أشبه القضية المثارة بهذه المقولة البدائية , فرأيتني بإرادة أو دون إرادة أتناولها بمنطق الشريعة الملية الخالص . . ولست في تناولي أمادي الأعلام من الفقهاء , وأعني لست أسابقهم على أيّنا يبلغ المدى بأسرع سرعة . وإنما أستوضح ما هو الحق في القضية المطروحة باعتماد مصادر استمداد الأحكام التي هي محل اتفاق , لا سيما والمسألة من بعض جوانبها تتصل بما هو حيوي وتمس ما هو تعايشي .

” أجل هذه القضية وإن تك فقهية , فأنها تؤول بدورها إلى مشكلة وطنية . . أو قل هي عقبة دون التآخي الوطني الأكمل . ” درج الفقهاء بشكل إجماع على القول بعدم حلّية الزواج بين كتابي ومسلمة , والإجماع وان يكن حجّة عند من يقول به منهم , فهو في هذه المسالة بالذات , من نوع الإجماع المتأخر الذي لا ينهض حجة إلا إذا استند إلى دليل قطعي , ولذا لم يأخذ أبو حنيفة بإجماع التابعين بقولته الشهيرة : هم رجال ونحن رجال . وبالرجوع إلى القرآن , وهو المصدر الاستدلالي الأول للفقه , نجد آيات تنير أمامنا طريق البحث :

أ‌) و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن , ولآمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم , ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا , ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم . (البقرة :221).

ب‌) يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن , الله أعلم بإيمانهن, فإن علمتموهنّ مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار , لا هن حل لهم ولا هم يحلّون لهن ّ. . وآتوهم ما أنفقوا , و لا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهن ولا تُمسكوا بعصم الكوافر . ( الممتحنة :10)

ت‌) اليوم أحل ّ لكم الطيبات , وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات , والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم . (المائدة :5)

” فالآية لا تنهض دليلا على المُدّعَى , فالتعبير بكلمة ” مشرك ” يجعلها خاصة المورد , والتعبير بكلمة ” خير ” مفادها بالتفضيل لا الحكم . و لا قائل بأنها تفيد للمنطوق مفهوم الموافقة ” وجوبا ” كما لا تفيد لمفهوم المخالفة ” تحريما ” . ولو سلمنا مع الفقهاء بالوجهين المذكورين أي في أن كلمة ” مشرك ” تعني مجازا المخالف بالدين وتشمل أهل الكتاب , وأن كلمة ” خير ” تتضمن حكما , لكان على الفقهاء أن يحرموا الزواج مع المخالف بوجهيه . . وإلا لزمهم الجمع بين الحقيقة والمجاز , وهذا خُلْفُ أي باطل , ولا يستقيم لهولاء القول بأن آية البقرة الواردة في المشركات مخصصة بآية المائدة القاصرة على الكتابيات لما يلزمه أيضا من الجمع المذكور المردود . . وليس أبدا من باب ” عموم المجاز ” المقبول أصوليا وهو يعني : استعمال اللفظ في معنى كلي شامل للمعنيين الحقيقي والمجازي , ولذلك لعدم توافر شروطه .

” إذاً , ما جاء في سورة البقرة بنفسه لا يصلح للحجيّة , وخصوصا وهو مما تطرق إليه الاحتمال المسقط للاستدلال . ولكي يصح الاستئناس بها يجب أن تُقرن بآية الممتحنة , ولكنها أيضا خاصة المورد بدار الشرك فقد نزلت بعد صلح الحديبية , ثم صيانة لهن من الارتداد أو الاضطهاد الإرجاع .فالآية تتعلق بالمهاجرات , فإذا عطف عليها حديث : ( لا هجرة بعد الفتح ) انتفت الصفة وبانتفائها ينتفي الحكم . . ولا يمكن أن يفسر الكفر هنا إلا بالشرك فقط لا مطلق المخالفة بالدين لأنها بغير هذا التفسير تتناقض مناقضة صريحة مع آية المائدة , فآية الممتنحة هذه تنص على ” لا هنّ حلٌّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ ” بينما آية المائدة تبيح الكتابيات صراحة . . .

ولا ترد هنا في معرض آية ” المهاجرات ” الكلية الأصولية : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , لأن الآية الكريمة واردة بخصوص اللفظ فلا تندرج تحت الكلية المذكورة قطعا . وعلى التسليم بأنها من بابها , فتعني الناجيات إيمانا من أيّ دار شرك , في حال الاضطهاد الديني أو احتماله .

“فلنحصر النظر بسورة المائدة وحدها إذا , فهي صريحة في حلّية الطعام بالتبادل , وفي الزوجية صريحة في حلّيتها بين مسلم ومحصنة من أهل الكتاب . وهذا في ظني ما أوهم الفقهاء قديما وحديثا , وما دروا أن الآية القرآنية الكريمة , شأن النظم القرآني كله , خارجةٌ مخرج الاكتفاء . . فهو بعد أن نص على التبادل في حلّية الطعام عطف عليه الزوجيّة كذلك .

” وأما الاحتجاج بان الاقتصار من مقام البيان يفيد الحصر , فليس بوارد مع العاطف . . . وقياس المسكوت عنه من النكاح على المنطوق به من الأكل أولى , وهذه كليّة قررها ابن رشد في بداية المجتهد في غير هذا المطلب ولكن يمكن تطبيقها عليه ” .

ونحن من جهتنا نضيف على هذا القول أن الآية 221 من سورة البقرة لا تنطبق على أهل الكتاب , فالمقصود بالمشرك والمشركة هم الوثنيون من العرب وليس أهل الكتاب منهم . وأن الآية الخامسة من سورة المائدة جاءت بعد إعلان كمال الإسلام وتمام النعمة في الآية الثالثة , وإن سورة البقرة هي الأولى في القرآن المدني . بينما سورة المائدة هي السادسة والعشرون منه , وفيها كمال الدين وتمامه , لذلك فهي الأولى بالنظر والإتباع .

ومن الجدير بالذكر أن تفسير الجلالين , الذي كما رأيناه عند الآيات :192 و 193 و 194 , من سورة الشعراء التي تتحدث عن نزول الوحي على قلب النبي , قد تهرب من تفسير هذا المعنى للوحي . بالتشاغل بشرح الصرف و النحو . فقد رأيت وأنا أمام هذه الآية أن أخذ رأيه بشأنها , خاصة وأن الالتباس الحاصل فيها هو التباس لغوي , فإذا به يتهرب هذه المرة من الصرف والنحو وشرح اللغة , إلى تفسير بعض المفردات لا غير . وقد حذا حذوه في ذلك تفسير الطبري أيضا !!.

7) سورة التوبة : وهي السورة السابعة والعشرون في القرآن المدني .

وتأتي هذه السورة , بعد استتباب الأمر للنبي محمد في كافة أرجاء الجزيرة وهي السورة الأخيرة من القرآن المدني , إذ لا تليها إلا سورة صغيرة هي ختام القرآن المدني , تتألف من ثلاث آيات فقط , جاءت على شكل تسبيحة وشكر لله على ما أنعم به من النصر والفتح . في سورة التوبة هذه يمنع على المشركين أن يحجوا إلى الكعبة , وقد كانوا حتى ذلك الحين , أي بعد فتح مكة بعامين , يحجون إليها ويمارسون , كعادتهم , طقوسهم المتبعة . وأباح الحج فقط لمن آمن بالله واليوم الأخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله .

تقول الآيتان السابعة عشرة والثامنة عشرة 🙁 ما كان للمشتركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر , أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون . إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله , فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ).

وتقول الآية الثامنة والعشرون بعد ذلك , تشديدا في المنع : ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ).

وهنا نحب أن نقول للذين يحلو لهم أن يسموا النصارى مشركين لتطبيق حكم الآية 221 من سورة البقرة عليهم , ومنع تبادل الزواج معهم , إن النصارى لم يكونوا يوما يحجون إلى الكعبة حتى ينطبق عليهم هذا النعت . وان المشركين الذين منع التزواج معهم هناك هم أنفسهم الذين منعهم من الحج إلى الكعبة والاقتراب منها هنا . فليتعظ أهل التفرقة , وليرحموا أمتهم مما حل ّ بها من التمزق والانحلال .

 

من كتاب ” شَعَب “

لمؤلفه موسى مطلق إبراهيم و ” شَعَب ” اسم البلدة التي ولد فبها المؤلف في الجليل شمال فلسطين المحتلة

يقول في الإهداء:

إلى الذين اقتتلوا على السماء

حتى فقدوا الأرض ,

إلى الذين اقتتلوا في الدين

حتى خسروا الدنيا ,

أقٌَدم هذا الكتاب

لعل وعسى . . .