وقف “ديفي” و “ستيف” في طابور المقصف في أول يوم لهما في المدرسة. كان “ستيف” يكبر “ديفي” بعام واحد. وكان كل منهما يمسك بصينيته الممتلئة بالطعام ويقف في أحد جوانب المكان ليبحث عن مقعد يجلس عليه، ولما كانت المقاعد قليلة العدد في المقصف . أصبح على كل منهما أن يختار مجموعة الأطفال التي يجلس معها. جلس “ستيف” بجوار مجموعة من الأولاد كان قد رآهم في فصله الجديد، فقال له الجميع أهلاً ثم تجاهلوه بعدها. لم يتحدث “ستيف” سوى مرة واحدة أو مرتين خلال الطعام، ولكنه فشل في الاشتراك مع زملائه في حديثهم، ومع انتهاء وقت الغداء كان يشعر بأنه وحيد ومنبوذ، وعلى النقيض، فقد اختار “ديفي” مجموعة من الأولاد لم يكن لديه أي مشكلة في التجاوب معهم، ومع انتهاء وقت الغداء كان يشعر بالسعادة، فما الذي فعله “ديفي” ولم يفعله “ستيف”؟. ،
بالطبع، قد تكون هناك أسباب عديدة لعدم تأقلم “ستيف” مع مجموعته؛ فقد يكون هؤلاء الأولاد لا يرغبون في عقد صداقات جديدة مثلا، لكن الملاحظ أن هناك أطفالاً أقدر من غيرهم على قراءة أفكار الآخرين وإدراك ما يبطنونه؛ فهم يعرفون متى يبدأون الحديث مع الآخرين ومتى يلتزمون الصمت؛ أي أن لديهم موهبة قراءة مشاعر الآخرين، وهذه الموهبة تيسر لهم تكوين صداقات جديدة.
أما مصطلح “الذكاء العاطفي” فهو أحد المصطلحات الحديثة الغامضة لدى الكثيرين، ويقول “دانيال جولمان” واضع هذا المصطلح، أن “الذكاء العاطفي هو قدرة المرء على تبين مشاعره الخاصة وكذلك مشاعر الآخرين، والتي تمكنه من السيطرة على مشاعره وعلى علاقاته بالآخرين”. خلاصة القول أنه، كما أن أطفالنا في حاجة إلى معرفة طبيعة أجسادهم وطبيعة العالم من حولهم، فإنهم كذلك في حاجة إلى معرفة طبيعة مشاعرهم، لأن تلك المعرفة ستساعدهم كثيراً في علاقاتهم المستقبلية.
أمور توضع في الاعتبار
لا يعني الذكاء العاطفي أن يكون الإنسان (أو الطفل) لطيفاً مع الآخرين، ولا يعني كذلك أن يطلع كل من حوله على ما يشعر به، إنما يعني أن يفهم الإنسان مشاعره فهماً جيداً يمكنه من الاستفادة منها في اتخاذ قراراته وإدارتها بطريقة أفضل أثناء الأزمات، وفي تمكينه من فهم الآخرين والتعامل معهم بأسلوب أفضل.
يحظى الأطفال الذين يتمتعون بهذه الموهبة بعلاقات أفضل مع الآخرين وبأداء أفضل من المدرسة.
هناك الكثير من المشاعر الإنسانية بعضها يعتبر من المشاعر الأساسية وهي: الغضب، والحزن، والسعادة، والخوف، والتعجب، والاشمئزاز. وغالباً ما يظهر الوالدان اهتماماً ببعض مشاعر الطفل ويتجاهلان البعض الآخر، وبالتالي يتعلم الطفل أن يكبت بعض مشاعره ويبالغ في إظهار البعض الآخر.
ما ينبغي قوله للطفل
انتهز فرصة تعبير طفلك عن مشاعره لتعلمه ماهية هذه المشاعر:
“أنت تشعر بالإحباط الآن لأننا تأخرنا على المباراة”.
“لقد فوجئت عندما علمت أن جدتك ستأتي لزيارتنا”.
“لقد سعدت بفوز فريقك في المباراة النهائية”.
“في آخر مرة كنت غاضباً واستغرقت وقتاً طويلاً في عمل واجباتك المدرسية، لكنك تبينت اليوم أن الأمر لا يستحق منك الغضب وأديت واجباتك بسرعة. أعتقد أن هذا الأمر جعلك سعيداً وفخوراً بنفسك”.
استغل وجودك مع طفلك وسط بعض الحيوانات أو الأطفال الآخرين في تعليم طفلك كيف يشارك الآخرين مشاعرهم، فإن ذلك سيمكنه فيما بعد من قراءة مشاعر الآخرين:
“يهز الكلب ذيله عندما يرى صاحبه، فيم يشعر الكلب عندها في رأيك؟”.
“أراك شكوت من آلام في معدتك بعد أن ذاكرت طويلاً. أحياناً ما تكون آلام المعدة دليلاً على التوتر، فهل تشعر بالتوتر؟”.
“ما الأشياء التي قد تجعلك غاضباً (أو حزيناً، أو سعيداً، أو مشمئزاً، أو قلقاً)؟ وما الذي تثيره فيك تلك المشاعر عندما تصاب بأحدها؟”.
شجع طفلك وامتدحه عندما يتمكن من تحديد مشاعره أو مشاعر الآخرين بدقة وأثن عليه دائماً حين يستقرئ مشاعر الآخرين ويقدرها. “عرفت أنك تركتها تلعب بلعبتك حين لاحظت أنها حزينة. كم كان هذا طيباً منك”.
ما لا ينبغي قوله للطفل
“لا ترضخ لمشاعرك أبداً”. احترس، فقد تكون هذه الجملة صحيحة في بعض الحالات؛ فلا ينبغي أن يضرب الطفل شخصاً ما لمجرد أنه يشعر بالغضب، وهكذا، لكن هناك أوقاتاً يجب فيها على الآباء ألا يتجاهلوا مشاعر أبنائهم، فقد تكون مفاتيح لأشياء هامة في نفسية الطفل لا ينبغي إغفالها بأي حال من الأحوال، فماذا لو كان أصدقاء ابنك مثلاُ ينوون سرقة دراجة طفل آخر، وشعر ابنك بالذنب، ولم يكن يريد الإساءة إلى الطفل صاحب الدراجة؟ بالتأكيد ستفضل عندها أن يستجيب لتلك المشاعر ولا يهملها.
“إن إظهار المشاعر ضعف، وعليك أن تكون صلباً حتى تنجح في حياتك”. بل سيفشل طفلك في إقامة صداقات قوية بدون القدرة على استقراء مشاعر الآخرين ومشاركتهم فيها.
_________________________
من كتاب: كيف تقولها لـ أطفالك