°
, July 27, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

هل انتصر القنفذ يا أبي ؟ ل : د محمد عبدالله الأحمد

عندما احتلت انكلترا الهند عبر شركة الهند الصينية ، و كان على ( المكتب الذكي) أو ( الخدمة الذكية) في الشركة أن ترفع تقاريرها للتاج البريطاني ، جاء جزء هام من هذه التقارير متحدثاً عن الاثنينة الثانية في القارة الهندية و هي ( المسلمون) . ليس لأن شيئاً ما يجمع الاستعمار بهم بل لأن أحد أهم نظريات التمكين في التاريخ هي نظرية ( الأقليات) . فعبر الأقليات تستطيع ايجاد بعد (  أخلاقي ) لاحتلالك اللا أخلاقي بجعلها تتحول إلى( قنفذ) .
و مع أنه من الضروري أيضا الانتباه الى تخلف الشروط المحلية في الشرق عموماً ، أي الى أن مكامن ضعفه الأولى من الهند الى كازابلانكا ، حيث الصراعات البدائية بين المكونات العقدية و القبائلية، و حيث عدم قدرته على الانتقال إلى احلال تنافسيات مجتمعية داخلية مختلفة كما فعل الاوروبيون بعد الثورة الصناعية ، فانتقلوا من الصراع المذهبي الى الصراع بين الاقطاع و البورجوازية القومية ، ثم بين هؤلاء و عمال المناجم .
المهم أن العقل الانكليزي بشقيه العميق العلمي( الاستشراقي) و العسكري الأمني ( الاستخبارات) قرأ الاسلام و مجموعاته المذهبية بعمق و عرف السنة ، و الشيعة ، و الاسماعيلية، و الدروز، و العلويين أو ( النصيرية) كما يحب كارهوهم أن يطلقوا عليهم لابعادهم عن المحبوب المشترك ( علي ) .
….
أجزم بأن العقل الانجليزي البارد الذي أقض مضجع ذاك الوطني الهندي العظيم ( غاندي) بعد أن جعله هو لا ينام الليل بثورته السلمية، و جعله يمشي خلف الراحلين المسلمين الى الشمال ،من حيث جاءت دعوة ( علي جناح ) لخلق دولة باكستان و شطرها عن الهند ، أجزم بأنه لم يجد صعوبة كبرى في خلق الفتن بين الهندوس و المسلمين في الدولة التي كانت تستعد للاستقلال عن التاج البريطاني… و لا ننسى هنا أن موقف غاندي الماد يده لأشقائه المسلمين ،و هو الهندوسي جعله يتلقى طلقة قاتلة من هندوسي ، يفكر بطريقة أخرى لا بل أن ( التفكير) عنده كان معطلا فلقد تحول الى (قنفذ) تماما مثل القتلة على جانبي الحال السوري اليوم المتسلحين بالطائفية، الذي يصر بعضهم على عدائي شخصيا لأنني ( نصيري كافر ) في نفس الوقت الذي يعاديني فيه نظام الأسد لأنني ( خائن ) و لم أقبل أن أصير قنفذاً
….
هنا أفكر أيضا بالخميني و هل أن تلك العاطفة الجامحة التي ملأت شوارع طهران و أصفهان و قم حين عاد ، كانت جزءاً من طبيعة التطور الداخلي في إيران و المنطقة ككل أم أنها قنفذة مفتعلة؟؟! ، حيث نتابع ما يقوله الماركسيون عن أن حزب تودا كان هو سيد الموقف ضد الشاه فجاءت تلك الطائرة من فرنسا لتغير التاريخ ؟؟ و حين يقولوها بعض الماركسيين أمامي أتخيل ماركس و هو يشد ذقنه حانقاً!
…..
نعم لقد غير الخميني التاريخ ! ليس تاريخ ايران فقط بل تاريخ المنطقة ، و فعل بنا و سوى ، ليس لأنه عميل أو منفذ لمخطط ما ، بل لأنه خضع لعقل المذهب العقائدي القنفذي فقط ، و لم يسمع لعصام العطار ، الذي طلب منه الغاء مذهب الدولة ، تماما مثل علي جناح الذي خضع لعقلية المذهب العقائدي ، فاختار كلاهما نظرية القنفذ المنكمش دفاعا ، و تماما مثلما يراد من العلويين أن يفعلوا الآن بتقليد الموارنة؛ و من الكورد أن يفعلوا بتقليد جنوب السودان … لا بل هي وصفة للكل بلا استثناء… أي صيروا كلكم قنافذ.

في عام 1975 م  أصدر ابي رحمه الله روايته ( عندما يتوهج الحلم ) التي تبدأ بجزء يدعى ( القنفذ) يروي فيه كيف استطعنا نحن العرب حماية ال ي ه و د من أنفسهم ، و جعلنا يتركون حالة القنفذ، فصاروا جزءا من فيدرالية عربية كبرى يعيشون معنا بتبات و نبات .. و لأن الرواية كانت استشرافاً للمستقبل و كان  أبي يكتب بشغف الصادقين، و هو لا يعلم ان الدولة التي حاول أن يكون من صانعيها ، ستعطى لمن سيفعل العكس تماماً .. و أن ابنه أي ( أنا ) ستحاربني كل القنافذ بلا أي استثناء لأنني سأرهن عمري في النضال لأجل روايته متحملاً كل وخز القنافذ .. لأجل هذا كله اتذكر الآن عبدالحليم خدام الذي أقام الدنيا و لم يقعدها ضد رواية  أبي حينها ، متصرفا بطريقة العميل الانكليزي المأمور! و كيف تدخل لايقاف لقاء تلفزي اداره الأستاذ مروان الصواف مع أبي الذي كان في القيادة و كيف حدث صراع بينهما ، أدى لمفارقة غير غريبة حيث جاء أمر لوزير الاعلام بمنع الرواية في سورية ، برغم اتصال هاتفي من حافظ الأسد لأبي يقول فيه : عمل روائي عظيم .
….
إنها القنافذ يا ابي كلها تخرج ابرها و تنكمش على ذاتها ، ف
ا س ر ا ئ ي ل قنفذ مذهبي و ايران قنفذ مذهبي و تركيا قنفذ مذهبي و في سورية يراد من الجميع أن ينكمش و يتقنفذ.
لقد كتبت جزءا من روايتك في صوفيا ، و أنا الآن أكتبك من قرب المكان يا حبيبي ، و أعدك بأني رهنت عمري من أجل حرب القنافذ مهما كان وخزها مؤلما. فنم قرير العين.

صوفيا تشرين 2
2021م
الخامسة الا ربع صباحاً
محمد عبدالله الأحمد