… في ضحى ذلك النهار تحمم نفسها – كالعادة – أو تحممها أمها الحمام الأخير في بيتها , وكذلك يفعل العريس , لأنه لا طقوس تتبع للحمام في هذه المناسبة بضيعتنا , ويرتدي العريس ملابسه الجديدة , ثم يأتيه زملاؤه وأصدقاؤه وأقرباؤه ويبقون معه حتى موعد الانطلاق إلى بيت العروس . أما العروس فتتجمع حولها رفيقاتها وصديقاتها , يرقصن عندها و يغنين إلى عصر ذلك اليوم حيث يقترب موعد حضور العريس وأهله والعرَّاسين , فيمشطن لها شعرها على إيقاع هذه الأغنية :
يا مِشَّاطا امْشِيطِيَّا
دِخْلِكْ لا تُوَجيِّعِيَّا
هادي سَعْدَا الغالِيَّا
أُمَّـا وَصّــَتْنَا فِيَّـــا
ثم يلبسنها ثوب العرس , وهو ليس أبيض بالضرورة , بل هو ثوب جديد مزركش بألوانه الزاهية , لأنها سوف تلبسه بعد يوم العرس كأي ثوب من أثوابها القليلة , وهو طويل ومحتشم , بكمين طويلين , يداعب أسفله كعبيها .
كان لباس رأس الفتاة العازبة منديلاً حريرياً جميلاً تلفه على رأسها , ولكن اعتباراً من الآن – يوم زفافها – سوف يصبح لباس رأسها كما يلي :
أ – الطربوش : لونه أحمر , واطيء ملتصق بالشعر .
ب- الحطاطَة : من الحرير الملوُّن , ناعمة , تتماهى ألوانها المتقاربة مع بعضها لتعطي بان لونها أسود فاتح , تُلَفُّ حول الطربوش وفوقه بطريقة خاصة .
المنديل : من الحرير الأبيض , طويل , يُلَفُّ قسم كبير منه فوق الحطاطة بأسلوب جميل , ويُتْرَكُ طرف الآخر منساباً على ظهرها لإلى ما تحت ركبتيها .
د – النقاب , أول الجلية : قطعة رقيقة شفافة تغطي كامل الرأس والوجه , ولا تحجب الرؤية عن عينيها . بهذه الكيفية يصبح رأسها أكبر من حجماً من رأس الجندي الذاهب بخُوذته إلى الحرب .
بعدما تصبح العروس جاهزة للزفة , يرسل والدها من يخبر أهل العريس الذين يتوجهون حالاً إلى بيت العروس بتنظيم خاص , يتقدمهم العريس بين والديه اللذين يمسكان بذراعيه , وخلفهم إخوته وأخواته , فوجهاء العائلة , ثم بقية المشاركين , يسيرون على إيقاع الأغاني والأهازيج والزغاريد , وصوت الطبل والمزمار .
وما إن يصلوا إلى أمام بين العروس وهم يرددون :
بْعَوْن الله نحن قْصَدْنا فْضَالْكُنْ
رِيت الفَرَحْ دايمٍْ في دْيـــــارْكُنْ
إِلْنــــا فــــيها عروس مْشَنْشَالي
سَعْدَه الحلوه يا زهرة وَرْدَاتْكُنْ
حتى يقف قبالتهم أهلها مُرَحَّبين , على لسان أم العروس :
أهْلا وْسهْلا فـيــكن يالْجيتونا
عروستكن والكـحـلة عَجْفُونَا
لْزين الشباب ومْنَكَّسْ بْريمُو
سَعْدَه تْحِطُّو في جوَّات عْيونا
ثم تتقدم أم العروس من صهرها العتيد , وتقبله كما تقبل ابنها , ثم تأخذ مكان والده , وتتقدم به مع أمه إلى داخل البيت حيث تستقبله الصبايا بالزغردات الصاخبة المتواصلة , وتقف عروسه منتصبة باسمة على استحياء , فيطبع على وجنتها أو قبلة علنية حلال . . . بعد ذلك ينطلق صوت المغنيات من الخارج , طالباً بدء مسير العروس إلى عشها الزوجي :
نَخَّ الجَمَل قُومي اركبي نــايْفي
غَبْشِتْ الــدَّنْي والأوَادِمْ وَاقْفــي
يا نُـــورْ عَيـــْني مِنْشُو خَــايْفي
بِـــيد وْلاْد عَـمَّكْ زَلْــغَط المَرْتيني
يتقدم الجمع وجيه الحارة , يليه شيخ الحارة , فحامل الراية , فالعروس وفرسها وقائد الفرس ( من يمسكها برسنها ) , وخلفها يسير العريس محاطاً بأهله وأهل عروسه , وفي مؤخرتهم شاب من أهلها يحمل صندوق العروس . ثم بقية المشاركين يتقدمهم الطَّبال والزمَّار . . .
مقتطف من كتاب : ” في رحاب الدالية” . للباحث عيسى أبو علّوش .
الدالية : قرية من قضاء جبله في جبال سوريا الغربية .