°
, April 19, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

إرادة – قصة قصيرة

ليس النجاح وقتاً منظّماً ,ليس النجاح خطّاً جميلاً وأراقاً مرتبة , ليس النجاح أفكاراً نرثها من أبوينا وننمقها لتناسب ذوقنا وذوق من حولنا . . . .

النجاح إرادة تستطيع أن تنهض بحياة إنسان من الصفر أو من تحت الصفر إلى مرتبة الإنسانية.

عشت حياتي كلها وأنا أفتقر لورقةٍ مرتّبة , لساعةٍ تدقُ كل ستين ثانيةً متتالية منتظمة , حياتي كانت خربشةً فوق دفتر بأوراق صفراء بالية , ساعة تتكتك كيفما اتفق , والآن أرى نفسي واقفاً فوق منبر أشرح لطلابٍ في أحرج لحظات عمرهم , كيف يجب أن يعيشوا وينجحوا.

هل يا ترى يليق بي أنا الذي سرقت , وثملت , ضَربت وضُربت , أن أكون هنا ؟ . . . . . ربما أنني خير من يجب أن يكون هنا لأنني صنعت موقفي من العدم , من الظروف اللامواتية , اخترته بنفسي . . . .

تأمّلت ذلك الشاب الوسيم ينظر من النافذة بهيام يعتزّ ُبأن يلاحظ من حوله تصرفاته و لو أنني تزوجتُ مبكّراً لكن لدي ولدٌ بعمره الآن , لم أكن يوماً محبوباً من الفتيات , أذكر عندما ضربت زميلي لأن من أحُبها . . . . . تضحكني هذا الكلمة , لم أحبب يوماً , لأن من لفتت نظري كانت تسير برفقته . . . . .

راقبت طالباً آخر , فقد أعطيتهم عشر دقائق للاستراحة , لا ليستريحوا بل لأراقبهم و أندم على ما كنت أفعله وأنا في عمرهم , أحبُ الندم لأنه هو الذي ارتقى بي إلى هنا , نظرت بين قدمي نظرة معجبٍ بمكانه , كان يخربش على دفتره بعصبيّة , ربما يفكِّر بأبيه السكِّير الذي تركه في المنزل وهو يحطّم أثاثه ويكسر أكواب الشراب وزجاجاته كما كان يفعل أبي, قلّدته يوماً وثملت , كانت النتيجة أن نمت في الشارع كالمشردين , بالتأكيد ليس لأن والدي طردني من المنزل على فعلتي بل لأنني أردت أن أكون مشرداً , أدركت من وقتها أن الإنسان لا يفعل شيئاً إلاّ عندما يريد هو نفسه أن يفعله , ومنذ ذلك اليوم قررت أن أكون هنا .

لم أكن كبيراً , عشرون عاماً سنٌ صغيرة , ولكنني لم أكن أيضاً صغيراً , كنت أعلم الصواب وأعلم الخطأ .

قدّمت الإعدادية ونجحت . . . . بصعوبةٍ . . . . ولكنني نجحت , كان حدثاً غير اعتيادي في عائلةٍ مليئةٍ بالمنكوبين , فكلُّ إخوتي بالكاد يفكّون الخط , الفقر أكَلَنا وأكَلْناه , ربما لأننا لم نجد شيئاً لنأكله سواه . . . . .

طالباٌ أصفر الوجه لفت نظري , لا بدّ أنّ أمّه تفرض عليه كميّة الطعام عند الفطور والغداء , ربما ينام كما نمتُ طويلاً بلا عشاء .

كانت أمي حنونة ولكنّها كانت قاسية , الحياة علّمتها أن تكون قاسية , كيف لا ؟ والحياة بالنسبة لأمّي محصورةٌ بالتفكير بشيئين وحيدين لا ثالث لهما أبي والمال , فكيف لها ألاَ تكون على طيبتها قاسية .

شاب يخربش على الجدار , من واجبي كأستاذ أن أوبّخه , ولكنني أحياناً أخجل من أوبّخ على عادةٍ كنت أفعلها , خصوصاً أنني أعلم جزءاً من الدافع , التمرد , فجدارٌ نظيف يشكّل تحدياً لروحٍ متسخة وعقلٍ لم يُصقل , و لكنني منذ زمن قرّرت أن أملك روحاً نظيفة , وبّخته بلا تردد , ونسيت ما فعلته بالماضي , وتناسيت ما حدث بالماضي , فقد بدأت صفحةً جديدة منذ عشرين عاماً , ها أنا أحصد ثمارها الآن وأنتظر أن أتمتّع بنتائجها غداً مع أبناء ناجحين بلا عُقَد , فالشيء الوحيد الذي لا أستطيع تجاوزه أنني معقد , فأنا أحسد أولئك الذين يختصر عليهم آباؤهم الزمن ويعلَّموهم المبادئ والفضيلة قبل مُضي العشرين الأولى من عمرهم .

قصة قصيرة لـلمهندسة ميسون زيادة من مجموعة قصصية لها بعنوان ( هواجس إنسان ووطن ) صادرة عن أرواد للطباعة والنشر والتوزيع طرطوس – الشارع العريض – خلف الزراعة القديمة الطبعة الأولى 2012 . جاء بالتعريف بالكاتبة : المهندسة ميسون زيادة من مواليد اللاذقية 1975 . عضو هيئة تعليمية في كلية الزراعة – جامعة تشرين . حاصلة على درجة الماجستير في الهندسة الزراعية اختصاص علوم التربة والمياه – تلوث بيئي , بتقدير امتياز من جامعة تشرين في اللاذقية 2009 . حاصلة على دبلوم في البرمجة اللغوية العصبية 2006 . أم لأربعة أطفال مميزين : لين , مروان , عبد الله , عبد الرحمن . حائزة على شهادة تقدير بكتابة القصة القصيرة من اتحاد الكتاب العرب , في مهرجان آذار الثاني والعشرين للأدباء الشباب عن قصة ” رحلة الزمان والمكان ” وفي مهرجان آذار الثالث والعشرين للأدباء الشباب عن قصة ( مطية راعي البقر ) , المتضمنتين في هذه المجموعة .