أبي وعماي كانوا ضد النازية، لم يريدوا الالتحاق بالجيش النازي ولذلك فروا والتحقوا بالعمل السري في بلجيكا.
يوما من الأيام جاء الغستابو إلى بيتنا ليسألوا عن أبي وأعمامي، حيث أنهم وزعوا منشورات ضد ألمانيا الهتلرية ووشى بهم المخبرون، أمي كانت
تعمل في المكتب وفتحت جدتي التي كانت صغيرة الحجم جداً الباب للجنود، طلبت منهم الدخول وأجلست رئيس الدورية على كرسي في المكتب، بينما ذهب الجنود إلى الطابق العلوي ليبحثوا عن المنشورات السرية, كانت أمي خائفة جداً، لكن جدتي لم تعرف الخوف ولا لحظة وأمرت الجنود أن يعيدوا ترتيب ما فتشوه.
قالت جدتي لرئيس الدورية إنني أرفض ما تفعلونه أنتم، لكني أرفض أيضاً أن يفجر أولادي سكك القطارات، لأن في القطارات أبناء وآباء، يريدون العودة إلى أولادهم وزوجاتهم. ولا يحق لأحد أن يأخذ روح الآخر.
بعد ذهابهم اكتشفت أن رئيس الدورية كان جالسا على النشرة السرية، ولم يكتشفها.
بعد انتهاء الحرب، تم تسمية أحد الشوارع على أسماء أبي وأعمامي، حيث أعدموا في نفس الشارع على يد الجنود الألمان، لكن جدتي ترفض حتى اليوم أن تسير في ذلك الشارع حتى في طريقها إلى الكنيسة، لأنها كانت طوال عمرها ضد الحرب والقتل.
يوماً ما كنا مختبئين في حظيرة، جاء الجنود الألمان أثناء انسحابهم من فرنسا ومرورهم على مديتنا، وأطلقوا النار على الجميع، أمي وجدتي حمياني بجسديهما، كي لا أقتل. خرج الجنود دون أن يتأكدوا من أنهم قتلوا الجميع. كان هناك أعداد كبيرة من الجرحى والقتلى، وأنا وأمي وجدتي بقينا على قيد الحياة.
أمي أصيبت بالعمى اثر شظايا. تعلمت القراءة والكتابة في عماها.
ألم تعلمك أمك يوما ما أن تكرهي الألمان و تنتقمي منهم؟
لا على العكس، فهي علمتنا الحب، وجدتي ظلت على رأيها أنه لا يجوز قتل أي إنسان مهما كان. أمي أصرت على متابعة العمل لكي تتمكن من تغذيتنا.
ذات يوم عملوا أكلة (خبز يدهن بالبيض ويقلى). كانت الكمية كبيرة جداً وأنا تصورت أن أحداً لن يكتشف الأمر لو أكلت قطعة دون أن أخبرهم. وأكلت دون أن أخبر أحداً. أثناء تناول الطعام اشتكى أحد أولاد عمومتي أن حصته من الطعام أقل من حصة الآخرين.
كانت أمي وجدتي مؤمنات. كان عندنا في الكنسية تمثال لمريم العذراء، له عيون زرقاء وحين تنعكس عليه أشعة الشمس، تتصور أنها تنظر إليك. صلينا في الكنيسة. طلبت جدتي من أمي أن توجه دعواتها إلى الرب، فردت عليها أمي سأفعل حين يكون لديه الوقت ليتفرغ لي.
بعد الانتهاء من الصلاة، صلت جدتي لمريم العذراء، أن أحدهم أكل قطعة من الطعام ولم يخبرها الحقيقة. وهذا الشخص الذي أكل حصة لا تعود له، هو أقرب الأحفاد إلى قلبها وهي لهذا شديدة الحزن لأن الحبيب إلى قلبها لم يخبرها الحقيقة.
عندها نظرتُ إلى أيقونة السيدة العذراء. ووجدت في انعكاس أشعة الشمس على عينيها الزرقاوين أنها تنظر إلي وتلومني. فبكيت واعترفت لها بالحقيقة. منذ ذلك اليوم صرت درسا لجميع الأطفال. كي لا يكذبوا ولا يأكلوا طعاما أكثر من غيرهم.
أنا اليوم أجلس في الفراندا مع زوجي الذي لا يترك أخباراً في العالم إلا ويتابعها. وحين أشاهد ما يجري لأطفال سوريا. أنا أعيش حياة مترفة، كل شيء متوافر لي. لكني حين أرى ما يجري لأطفال سوريا في التلفزيون وأرى اللاجئين منهم في فرنسا، أتذكر ما جرى لي آنذاك وأتألم لأجلهم كل الألم، متمنية أن أتمكن من فعل المزيد لهم. لكني لا أعرف ماذا أفعل، أو كيف.
كلتارينا تساهم في تأمين حياة كريمة للاجئين السوريين في فرنسا، في منطقة نورد بادكالهز وهي معجبة جداً باللاجئين السوريين. حيث أن البلدية منحتهم بناية كانت فارغة ، وعملوا منها مكاناً رائعاً يعيشون فيه، حياة كريمة نوعاً ما وهم يحلمون طبعاً بالعودة إلى وطنهم. أنهم أطباء ومهندسون وحرفيون، تمكنوا حقا من قلب البناية المهجورة إلى مبنى جميل قابل للسكن الكريم.
ولدت لعائلة لاجئين طفلة، سموها كاتارين . نقلاً عن صفحة : مؤيد اسكيف على الفيس بوك