°
, December 7, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

أ.د. علي اسعد وطفة: بنية الخطاب الطائفي ودينامياته السياسية في سوريا: النكوص إلى مشروع الدولة الطائفية

“الويل لأمة كثرت فيها طوائفها.. وكل طائفة تقول: أنا أمة. طائفية” (جبران خليل جبران)

تواجه سوريا اليوم أخطر مرحلة في تاريخها السياسي وتتمثل جذوة هذه الخطورة في مشروع طائفي قد يؤدي – لا سمح الله – إلى انشطارها دويلات طائفية وعرقية متناحرة لا يقوم فيها قائمة للإنسان السوري الذي يواجه اليوم رهاناً تاريخياً يتعلق بوحدته ومصيره. ويشكل الخطاب الطائفي اليوم الإسفين الأكبر الذي يوظف في فصم عرى الوحدة بين أبناء الشعب السوري. وإذا كان المشروع الطائفي الانشطاري مشروعا إقليمياً أو استعمارياً دولياً فإن هذا المشروع الخطير ينفذ بأدوات من دعاة الفكر والثقافة في الوطن نفسه لأن كثيراً من أبناء الوطن ومثقفيه ومفكريه يلعبون دوراً حيوياً في قتل الوطن وتدميره والعمل على تجزئته ودفن مقومات وجوده دون وعي منهم بالآثار الخطيرة لسلوكهم وتفكيرهم.

مع بدايات الثورة السورية كنا نتحرج من توظيف المفهوم الطائفي في تحليل مقتضيات الحركة الثورية وتفنيد أبعادها، وقد عملنا على توظيف المنهج السوسيولوجي في فهم طبيعة الثورة والأحداث التي تحيط بها ونمطية الفكر الطائفي الساذج الذي يهيمن على أبعادها. ومع الأسف الشديد بدا واضحاً أن الخطاب الطائفي بدأ يتأصل ويأخذ مكانة مركزية في تحليل الأحداث وفهم مقتضيات الحال في الصراع الدموي القائم بين الجماهير التي تطالب بالحرية والنظام السياسي الحاكم الذي رفع شعار الإفناء لكل من لا يعلن الخضوع والامتثال إلى إرادته المطلقة.

ومما لا شك فيه أن الصراع الدموي الذي تدور فصوله على أرض الوطن ترافق بصراع فكري وثقافي هيمنت عليه الروح الطائفية وبدأت الثقافة السياسية الطائفية تتحرك بقوة هائلة لتفرض حضورها الكبير في عقول المثقفين وفي منهجية التفكير لديهم. وفي ظل هذا الحضور الساحق للثقافة السياسية الطائفية تراجع الخطاب السياسي الوطني وانحسر التفكير السوسيولوجي الذي يركز على فهم الأحداث والمتغيرات بعواملها ومتغيراتها السياسية والاجتماعية. وأصبحنا الآن في مواجهة خطاب طائفي أو منهجية طائفية في التفكير والتحليل بالغ الشمول والعمق والحضور لدى كبار المثقفين والسياسيين والعامة من الناس.

وفي محاولة منا للبحث عن إشكالية النمو الكبير في الخطاب الطائفي يمكن القول بأن هذا الخطاب ينمو بطريقة سرطانية تحت تأثير عدة عوامل أهمها:

أولا – عمل النظام من البداية على ترويج خطاب التخويف الطائفي في السر والعلن لتحويل الثورة من ثورة ضد النظام والاستبداد إلى صراع طائفي بين الأكثرية السنية والأقليات المسيحية والعلوية والدرزية. واستطاع أن ينجح إلى حدّ كبير في بث الخوف والرعب بين صفوف الأقليات خوفاً من استبداد الأطراف الدينية المتشددة في الأكثرية السنية. وهناك من يعتقد بأن النظام عمل على إثارة بعض الفتن هنا وهناك كيف يكسب ولاء الأقليات وولاء الطبقة البرجوازية من السنة بوصفهم أقلية اجتماعية تخاف من التشدد والتصلب.

ثانيا – عملت القوى السياسية الدينية السلفية المتطرفة المتشددة المضادة للنظام (العرعور نموذجاً) على إضرام النار في وقود الطائفية أملاً في زعزعة النظام وإسقاطه، وكانت تعول كثيراً على تدمير النظام السياسي من خلال إحداث تصدعات طائفية في داخل بنية النظام السياسي: انشقاقات دبلوماسية، انشقاقات في الجيش، توليد تصدعات طائفية في مختلف مكونات النظام. ولم تنجح هذه الجماعات التي تأخذ طابعاً إسلامياً في تحقيق غايتها هذه حتى اللحظة، لأن الأكثرية (أي سنة النظام) حافظت على ولائها المطلق للنظام سياسياً وعسكرياً حيث غلبت لغة المصالح على منطق الشعور الطائفي وغيبته.

ثالثا – عملت بعض القوى الإقليمية على توليد الثقافة الطائفية وتعزيزها إعلامياً ودعمها عبر مختلف القنوات والدوائر وهي تريد بذلك إسقاط النظام والهدف طبعاً إسقاط المحور السوري الإيراني حزب الله لاعتبارات إقليمية وسياسية. لقد تعمد الإعلام في هذه الدول إثارة النعرة الطائفية دائماً عبر نشر وقائع وأحداث قتل وجرائم وتعذيب تحمل بصمة طائفية سواء بالصوت والصورة والرمز: إظهار اللهجة الساحلية العلوية في أغلب حوادث القتل والتعذيب وإن كان بعضها مفتعلا.

رابعا – عملت بعض الدول الكبرى (مثل روسيا على سبيل المثال وليس الحصر) على تأجيج هذه الثقافة الطائفية وليس غريباً أن تعلن دولة كروسيا على لسان وزير خارجيتها بأنها لا تريد حكومة إسلامية سنية الطابع في سوريا. وهذا الموقف قد نجده ملتبساً أيضاً في السياسيات الأمريكية والغربية . وفي هذه السياسيات عودة إلى السياسات الاستعمارية في الستينات حيث تلقت الأقليات والطوائف اللبنانية دعماً خارجياً من بعض الدول بصورة علنية وصريحة. ومن الطبيعي أن هذه السياسية هي سياسية استعمارية بغيضة وكريهة تريد هذه الدول من خلالها فرض الهيمنة وتمزيق الدول التي تعاني من وضعيات طائفية بعينها.

خامسا – مارست بعض أقطاب المعارضة السورية (لا نريد ذكر الأسماء هنا) خطاباً طائفياً سياسياً علنياً على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام. وقد أثار هذا الخطاب البغيض وما زال يثير لغطاً وهرجاً كبيراً بين صفوف المثقفين السوريين.

أين هم المثقفون العلويون إزاء هذا الخطاب:

يمكن تقسيم المثقفين العلويين إزاء الفكر الطائفي إلى ثلاث فئات أساسية:

أولا – شريحة من المثقفين العلويين لاذوا بالصمت المطبق إزاء ما يحدث وهذا يشمل موقفهم من النظام. ولن نتحدث عن هذه الفئة في هذه المقالة.

ثانيا- شريحة من المثقفين أعلنوا رفضهم للخطاب الطائفي وعملوا على تفنيده ومهاجمته وتحليل معطياته واحتواء تأثيراته السلبية ورفض كل تداعياته وردود الأفعال المرافقة له مهما تكن، وهذه الفئة تمثل روح الثقافة الحقيقية في الطائفة العلوية.

ثالثا – هناك شريحة – مع الأسف الشديد – بدأت تغرق في مستنقع الطائفية والفكر الطائفي تحت تأثير ردود الأفعال والتصريحات والتلميحات والإشارات الطائفية التي تنبعث من هنا وهناك.

“عراعير” الطائفة العلوية: النكوص إلى دولة علوية بغيضة.

مع الأسف الشديد تضمنت خطب رأس النظام تلميحات كثيرة إلى قيام دولة علوية حاضنة للطائفة العلوية. وهذه التصريحات والتلميحات ستسجل نفسها بين أسوأ ما ارتكبه النظام بحق سوريا والطائفة العلوية نفسها. لقد سبق للعلويين رفضهم المطلق في الأزمنة الصعبة أي انشقاق أو تكوينات سياسية على أساس طائفي، وحاربوا الدولة الفرنسية. ونحن اليوم في القرن الحادي والعشرين وبعد أربعين عاما من حكم يدعي العلمانية نفاجأ بأن النظام ينكص إلى فكرة الدولة الطائفية التي رفضها الآباء والأجداد من أبناء سوريا علويين ودروز وسنة ومسيحيين.

وما يؤسف أن بعض المثقفين العلويين الخائفين والمرتعدين مما يجري بدؤوا يجترون هذه الفكرة الطائفية البغيضة ويروجون لها غرائزياً. ففي إحدى مطالعاتي لصفحات أحد الأصدقاء في (الفيسبوك) كتب أحد الأصدقاء – وهو أستاذ جامعي يساري في العلوم السياسية وخريج من السوربون بفرنسا – يقول في رده على تصريح لضابط منشق يسمى عمار الواوي:

” يعني إذا سقط النظام وأصيح عمار الواوي مسؤول كبير في الجيش، ماذا يمكن أن يفعل بالأقليات؟ إذن فليكن لكل طائفة دولة هيك أحسن إذا مو طايقين تعيشوا مع بعض”.

ويتابع دكتورنا الفاضل قائلا: “أصبح من الواضح ولحد بعيد بأن مصير العلويين هو الذبح والتهجير ومن هنا عليهم أن يأخذوا احتياطاتهم، فقد تحولت الثورة من اجتماعية سياسية إلى طائفية بامتياز، وعلى الأقليات ألا تصدق أحدا ستذبحون ذبح النعاج والفتاوي جاهزة”. يا له من خطاب مرعب ومخيف.

قرأت مقابلة الواوي لأعرف ما الذي يدعوا أستاذاً جامعياً خريج أفضل الجامعات الفرنسية للنداء بدولة علوية ويهدد العلويين بالذبح من قبل أعدائهم السنة، وبعد سماع مقابلة عمار الواوي وجدت أن خطابه تضمن إشارة طائفية بسيطة وعادية (النظام العلوي النصيري) وهذه العبارة جاءت في سياق الخطاب دون كثير من المعاني والدلالات الطائفية.

وقد تجرأت على صديقي فعلقت على صفحته بالقول: “خطابك يا دكتور أخطر ألف مرة من خطاب الواوي، وليس من المناسب أن يثيرك خطاب ألف واحد مثل الواوي إلى هذا الحد”.

فالثقافة الحقيقية ليست ردود أفعال عبثية جنونية الثقافة بل هي مسؤولية ومعرفة ورجولة. المثقف يحلل يفكر بتأمل، و يبحث في الأسباب، ولا يرتجل، وفي كل الأحوال المفكر لا يغضب ولا يكتب تحت تأثير الغضب. فعندما يقرأ مواطن بسيط عبارة الدكتور (وعلى الأقليات ألا تصدق أحداً ستذبحون ذبح النعاج والفتاوي جاهزة”)، فكيف سيكون سلوكه ونظرته إلى الأمور بالتأكيد، لاشك أنه سيصاب بحالة من الهلع والخوف والرعب، و قد يحمل سلاحه ويترقب.

أقولها بصراحة إن خطاب صديقنا الأستاذ الجامعي أخطر من خطب العرعور بألف مرة لأسباب عديدة أبرزها:

– “العرعور” رجل دين بسيط انزلق إلى الطائفية ويعيش ربما في أجواء طائفية بينما صديقنا ليبرالي يساري خريج أفضل الجامعات في فرنسا.

– العرعور تعرض لظلم النظام السياسي وقهره واقصائه وموقفه مبرر سياسيا بينما صديقنا عاش وترعرع في نعيم النظام وحصد امتيازاته وأوفد إلى فرنسا وعاد أستاذاً جامعياً مظفراً في الجامعات السورية.

– العرعور وفق التصنيف الطائفي من المظلومين أما صديقنا فهو من فئة الظالمين الحاكمين.

– خطاب العرعور قوبل بالرفض من الأكثرية الساحقة في الطائفة السنية الكريمة رفضاً للعنف والطائفية فهل يرفض خطاب الأستاذ الجامعي بين أبناء الطائفة العلوية أم سيكون له تأثير كبير على بسطاء الناس لأن تأثير الأستاذ الجامعي أكبر من تأثير رجل دين بسيط لم يحظ بامتيازات ثقافية كبيرة كهذه التي توجد في جامعة السوربون فخر الجامعات الفرنسية.

– الفكر الديني البسيط لا يعلم ربما منطق التفكير والتحليل والبحث الذي تعلمه الجامعات الفرنسية المتقدمة.

– لم يكن “العرعور” مفكراً سياسياً يبث الفكر القومي على مدى عقدين من الزمن كما هو حال الأستاذ الجامعي الذي قضى عمره في بث الثقافة اليسارية القومية البعثية البائدة.

هذا كله يجعلنا أمام مأساة حقيقية إذا عرفنا أن عدداً كبيراً من المثقفين في الطائفة العلوية ينحدرون إلى هذا المستوى من التفكير، وكان حريا بصديقنا أن يعرف أنه لولا الشعب السوري الذي يشكل كتلة بشرية هائلة لما كان له أن يدرس في الغرب ويتشبع بالثقافة الفرنسية، ولو كانت دولتنا دولة علوية لما كانت لنا أي فرصة في امتلاك الثقافة والمعرفة. ولذا لا بد أن أعترف أنا شخصياً بأن ما حصلته من ثقافة كان بفضل أحذية المزارعين في الحسكة والقامشلي ودمشق وحلب الذي زرعوا القطن والقمح. فكل درهم أنفق علي وعلى الدكتور الفاضل كان بفضل سواعد الفقراء السوريين على امتداد الوطن. وإني لعلى يقين بأن صديقنا لن يجد جامعة راقية يدرس بها لو قامت الدولة العلوية المجيدة التي لا تمتلك مقومات دولة كما هو حال الوطن اليوم.

طبعا هناك فئة من المثقفين التي تمثل هذا التوجه القائم على الخوف والتردد والقلق وعدم القدرة على قراءة السياق التاريخي للحالة الطائفية في سوريا تاريخيا.

من ثقافة “السوربون” إلى ثقافة العمامة: في مواجهة الدولة الطائفية

يقول كانط في تعريف الثقافة إنها منظومة من الغايات الكبرى التي يمكن للإنسان أن يحققها بصورة حرة وتلقائية انطلاقاً من طبيعته العاقلة. وبهذا تكون الثقافة في نظر كانط أعلى ما يمكن للطبيعة أن ترقى إليه. وتأسيساً على ذلك نقول بأن الفكر الطائفي ليس ثقافة والطائفية فعل مضاد للثقافة لأن ممارسة غرائزية بغيضة تقتل الإنسان وتنحدر به.

إذا كانت ثقافة “السوربون” تدفع إلى الانفصام في دولة طائفية وتدب الرعب والخوف من الآخر بصورة فظة وطائفية فلننظر إلى نموذج آخر من الثقافة الدينية في داخل الطائفة العلوية نفسها وموقفها من الدولة:

نشر موقع سيريا نيوز بتاريخ 4 نيسان 2012 مقالة عنوانها: “شيخ علوي: الكلام عن دولة علوية كذبة كبيرة.. وخيطوا بغير هالمسلّة”. لقد تتبعت هذه المقالة باهتمام لأرى كيف ينظر رجل الدين العلوي إلى الدولة الطائفية وكيف يقف من النزعة التعصبية التي وجدناها عند بعض المثقفين العلويين. يقول الشيخ: “حديث البعض في الإعلام العربي أن العلويين يخططون لإقامة دولة علوية، كذب كبير.. لا يوجد بين العلويين من يفكر بهذه الدولة.. نقول لهم خيطوا بغير هالمسلة”. وطبعا عندما يقول الشيخ إنه لا يوجد بين العلويين من يفكر بهذه الدولة فإنه لم يكن على إطلاع على ما يجري لدى بعض المخطئين في هذا المستوى من التفكير.

ثم يتابع الشيخ قوله:

في أيام الفقر والجوع والخوف والعزلة والظلم والاضطهاد لم نفكر بدولة علوية عندما رفضها مطلقاً الشيخ الراحل صالح العلي، فكيف سنقبل أو نسعى اليوم إليها حيث اختلط الريف بالمدينة وارتفعت نسب الزيجات لأهل المذاهب كافة من بعضها، واختلط الناس ثقافياً واجتماعياً في الجامعات وأماكن العمل العامة والخاصة. هذا الكلام يشبه الحديث عن قطع قلب الإنسان إلى قسمين، فهل يعيش الإنسان بنصفي قلب وكل نصف في جهة؟ هذا مستحيل.. ويا أخي بعيداً عن موضوع الوحدة والمشاعر الوطنية – لا سمح الله – هناك مصالح معيشية مشتركة فلا الريف قادر على العيش بلا المدينة ولا المدينة قادرة على العيش بلا الريف، ومن يريد هذا الفصل فهو مجنون عنصري.

ثم أضاف: “يا ريتهم كذبوا كذبة تصدق.. إن كل دولة تقوم على مكون ديني واحد هي دولة عنصرية، وستكون أكثر وأكثر عنصرية إذا قامت دولة من هذا النوع في منطقة جغرافية فيها تعدد ديني كما في الساحل السوري حيث توجد مذاهب وأديان متعددة، ونحن نرفض هذه العنصرية، ولا يمكن لعاقل أن يعيش منعزلاً في هذا العصر.. وقال الشيخ “هناك أمر يتجاهله الكثيرون رغم علمهم به، وهو أن من مقتضيات نشوء وتأسيس الدول على أساس ديني وجود مرجعية دينية لدى هذه الطائفة أو تلك التي تدعو وتدعم الفكرة، ونقول للذين يتحدثون في خيالهم عن دولة علوية، إنه لا مرجعية دينية للطائفة العلوية، ورجال الدين لا يتدخلون بالسياسة وانصرفوا لقضايا مجتمعية بحتة”.

ويختم الشيخ قائلا: “ندرك جيداً أن بعض الدول والقوى والجهات تتمنى أن ترى الشحن والتحريض في سوريا، ولكن من جانبنا لن يروا ولن يسمعوا كلمة واحدة تحقق لهم أحلامهم التحريضية، وسنبقى سوريين أبناء لهذا الوطن”. ثم قال مبتسما: “غدا سأكون في المدينة لأشتري بعض الأشياء من محل صاحبه من إخواننا وأهلنا السنة، ومنذ سنوات طويلة ونحن نتعامل مع بعضنا وأصبحنا أصدقاء، وكذلك أولادنا، وسأبقى أزوره وأشتري من عنده ونبقي أصدقاء.. نحن والسنّة إخوان وأبناء بلد واحد تحت علم سوري واحد”.

وهنا أريد المقارنة بين فكر هذا الشيخ الجليل الذي لم يتخرج من جامعات أوربية وفكر أصدقائنا أساتذة الجامعات وحملة الشهادات الكبرى من موسكو وباريس ولندن. وشتان ما بينهما.

التعميم الطائفي جريمة إنسانية:

“خليها على المكشوف وصادقة كمان شعبنا في سوريا وأقصد الأكثرية السنية هذه المرة أنبل وأعظم وأرقى من أن تكون طائفية أو على مذهب التعصب الطائفي، هذا ما برهنه التاريخ القديم والحديث في سوريا، ودلت عليه الأحداث ما قبل الثورة وما بعدها وخلالها ليس هناك أنبل وأعظم وأرقى من هذه الطائفة بسمو قيمها وعظمة تسامحها، وإنني لعلى يقين لو كانت السنة طائفيين لسقط النظام خلال أيام قليلة مع بداية الثورة. لو تصرف السنة بصورة طائفية لسقط النظام سقوطا كبيرا ومروعا ومدويا. لأنه لا يمكن لنظام سياسي في سوريا أن يستمر من غير السنة سويعات لأن السنة يشكلون المدّ والمداد للحياة السياسية في هذا الوطن.

إذا كان واحد في الألف من السنة قد أساء الفهم أو تصرف على نحوي طائفي فإن هذا يجب ألا يعمم، فمن الجنون أن نعمم حالات فردية حتى ولو كانت هناك جماعات متطرفة، فالسنة بأكثريتهم الساحقة ضد التعصب وأهل التسامح، وهذا ليس مدحاً شخصياً بل هذا القول يقوم على تاريخ وحقائق ووقائع سلوكية لمسناها جميعا خلال حياتنا وتاريخنا وثورتنا المجيدة. نعم هناك أشخاص غاضبون أشخاص فقدوا رشدهم..أشخاص فقدوا كرامتهم ووعيهم وتألموا وتعذبوا، فنضحوا ببعض الإشارات الطائفية تحت تأثير ظروف مرعبة هائلة، ولكن الكتلة الأساسية المطلقة من الأكثرية السنية هم أهل التسامح والمحبة وهم من أكثر دعاة المواطنة تألقا وجمالا ونبلا وسموا.

يا أبناء الأقليات لا تخافوا ولا تحزنوا! صالح العلي أنموذجا.

عندما دخل الفاتحون المسلمون دمشق قبل 1400 عام كان فيها نحو 11 كنيسة مازالت صامدة وحية حتى الآن وتوسعت وازدادت. ومن يزور كنيسة مار يوحنا في دمشق سيقرأ على بوابتها العبارة التالية “رممت هذه الكنيسة الخليفة عمر بن عبد العزيز خلال خلافته في عام 100 للهجرة”.

تقول الكاتبة الأديبة السورية رشا عمران (وهي من الطائفة العلوية) مخاطبة أبناء طائفتها “أشهد أنا التي قضيت 10 أشهر منذ بدء الثورة في دمشق أنني لم أر من هؤلاء (أي أبناء الطائفة السنية) إلا كل الحب والتسامح رغم كل استفزازت بعض أبنائكم لهم، أشهد أنا التي زرت عائلات شهداء في ريف دمشق وقابلت معتقلين تم التنكيل بهم ودخلت منازل تم نهبها من بعض أبنائكم أشهد أنني أنا العلوية لم أر غير المحبة ولم أسمع إلا خطاباً سورياً لا يعرف الحقد ولا يقرب البغض وقادر على التفريق بين القاتل والبريء حتى لوكانا من نفس العائلة… أشهد أنا التي زرت درعا وحمص وحماة وقابلت أهل دير الزور وادلب أنه لم ينتابني الخوف ولو للحظة على مستقبل ابنتي، أشهد إنني لم أر غير أهل لي حين هددت بالقتل من أقاربي، ولم أر غير بيوتا مفتوحة وحضنا دافئا حين اضطررت للاختفاء أو حين غاب عني حضن عائلتي، ولم أر غير سند قوي لي حين عرض بعضكم سمعتي وتاريخي واسمي للتشويه والأذى! أشهد أنني لم أر تعصبا ولم أر حقدا ولم أسمع تعميما يتهم الطائفة كلها بالقتل” (انتهى كلام الكاتبة السورية. للإطلاع على المقالة كاملة انظر الرابطة http://scagc.org/article.php?art=166#.T22XDkelIDo.facebook )

لا تخافوا يا أبناء الأقليات ولا تتوجسوا! إياكم والخوف وكونوا على ثقة أن السنة سيكونون أحرص عليكم من أنفسكم ومن النظام السياسي العتيد. السنة هم أهل الحكمة والرشد كما أنتم، وما يروج من فكر طائفي ومن التبشير لدويلات طائفية استراتيجية لإضعاف الثورة وإشعال فتنة طائفية قد تدوم لتقتل أرواحنا ونفوسنا قبل أجسادنا. ولكن علينا أن نثق كل منا أي كل طائفة بالأخرى وألا نحزن.

“‫عندما سئل الشيخ صالح العلي مرةً: كم هي نسبة المسلمين السنّة في سورية؟ أجابهم يومها: نسبتهم 100% فاستغربوا وقالوا: كيف و أنت زعيم المسلمين العلويين؟ قال يومها كلمة سجلها التاريخ: عندما يستهدفون السنّة في سورية نصبح كلنا سنّة! نعم نحن كلنا سنة سواء استهدف السنة أو استهدف الوطن، ومن غير السنة لا وطن ولا إسلام ولا كرامة، بورك الشيخ صالح العلي رمز الثورة والحب والتاريخ والإنسان.

ولسان حال السنة يقول اليوم: عندما يستهدف العلويون سنصبح كلنا علويين. لن يسمح السنة أبداً باستهداف العلويين أو غيرهم من الطوائف أبداً والتاريخ يشهد على ذلك أبدا. سلامٌ لروحك شيخنا الجليل صالح العلي وعهداً أن تبقى سورية كما عهدتها حين تستهدف فئة منها… تصبح كلها طائفة واحدة تدافع عن الحق وتناهض عن المظلوم.ولنتذكر أن حب الوطن من الإيمان و أنتم يا من تقتلون على الهوية.. والله لو تعلقتم بأستار الكعبة.. والله لو صليتم لله من الآن حتى آخر العمر فلن يغفر الله لكم قتل إخوتكم في الوطن… عاشت سورية حرة مستقلة موحدة نعم لوحدتنا الوطنية… لا لمثيري الفتن و الطائفية.

__________

أ.د. علي اسعد وطفة: جامعة الكويت