°
, December 7, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

القومية العربية في سورية … بقلم : . . جاد الكريم الجباعي

 

القومية العربية في سورية

من حركة شعبية جاذبة إلى سلطة شمولية نابذة

“إن نظرتنا هي التي تحتجز الآخرين في انتماءاتهم الأضيق، في أغلب الأحيان.

ونظرتنا هي القادرة على تحريرهم أيضاً”

أمين معلوف

 

على سبيل التمهيد

تعيش سورية منذ أكثر من عام ثورة وطنية، هي، في أعمق دلالاتها وممكناتها، وأهم وجوهها، عملية إعادة تشكيل ذاتها دولةً وطنيةً ديمقراطيةً حديثة، وإعادة تشكُّل سكانها جماعة سياسية، أمة سورية حديثة، تتخطى الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والثقافية والأخلاقية التي أنتجها “الاستبداد المحدث”، ولا سيما توتر العلاقات ما بين الجماعات القومية، وداخل الجماعة العربية ذاتها، والارتكاس إلى سياسات الهوية ما قبل الوطنية.

“الشعب السوري واحد”. كان هذا الشعار من بين الشعارات الأولى التي رددهها المتظاهرون في مختلف المدن والبلدات السورية. وفي الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الثورة كتب شباب من الكرد في بلدة عامودا لافتة تقول: “صار عمر الشعب سنة”، وهذه في نظر الباحث، من أهم اللافتات التي رفعها الشباب السوريون، لأن دلالتها تتخطى وعي النخبة السياسية التقليدية ووعي مثقفيها، وتطرح ضرورة إعادة التفكير في مفاهيم الشعب والأمة والدولة والقومية والوطنية وما يتصل بها وإعادة تعريفها.

أحد رهانات هذه الثورة أن تعاود سورية سيرتها الاستقلالية الأولى في تاريخها الحديث، بشروطها الراهنة، الذاتية والموضوعية، وهي شروط تناقضية ومعقدة بطبيعة الحال. ويبدو أن هذا الرهان هو ما كان يحركها في العمق، منذ تشكلها دولة مستقلة، عام 1946، ولم يبارح ساحة الوعي الاجتماعي والذاكرة الجمعية، التي شكلتها تجربة السوريين المشتركة في مقاومة الاستعمار ونيل الاستقلال وبناء الدولة وتبلور العقد الاجتماعي نظاماً ديمقراطياً وضع حداً للدكتاتورية والانقلابات العسكرية عام 1954. ثم عاجلته الوحدة الاندماجية بين مصر وسورية عام 1958. فانتقلت سورية إلى سياق جديد، هو سياق “القومية العربية”، الذي تحولت معه “الحركة القومية” تدريجياً من حركة سياسية ذات مضامين اجتماعية وميول ديمقراطية إلى حركة توتاليتارية ذات بنية تسلطية، وكان لتسييس العروبة واعتبارها جنسية للمواطن ومعياراً للوطنية وهوية سياسية للمجتمع والدولة، تنفي وجود “قوميات” أخرى، أثر حاسم في ذلك.

لا يتعلق الأمر بعصبية “قومية” أو تطرف “قومي”، يولِّد لدى “القوميات” الأخرى تطرفاً مضاداً فقط، وهذا أمر مطَّرد لدى جميع “القوميات”، بل يتعلق بنفي الاختلاف والتنوع والتعدد نفياً يؤول إلى تساوي المواطنين في كونهم لا شيء، مجرد كائنات بيولوجية مسلوبة الإرادة ومجردة من مقومات حياتها وكرامتها الإنسانية، جعل منها الاستبداد موضوعاً هامداً ومادة مطاوعة للسلطة. لذلك نعتقد أن هذه الثورة نابعة من القاع الوجودي لشعب صار الاستبداد يهدد وجوده الإنساني، فلا تنتمي إلى أي أيديولوجية أو حزب سياسي أو أي جماعة إثنية أو دينية أو مذهبية. الاختلاف يثأر لنفسه من وهم النقاء والتجانس ومطلقية التشابه والتماثل، فيستدعي الحرية، بما هي شرطه الوجودي؛ ويعيد الاعتبار للفرد الإنساني، فيستدعي المساواة وحقوق الإنسان والمواطن، وينفي جوهرية الكلي المتعالي واللاتاريخي وأسبقيته في الوجود، ويحصره في الدلالة اللغوية والمفهومية، إذ ليس من وجود عياني لغير الفردي، الذي هو الموضوع المباشر للمعرفة والعمل.

1 – جرثومة الاستبداد في البنى الإثنية

نفضل استعمال مفهوم “الجماعات الإثنية” و”الإثنيات” والبنى العصبية، البطريركية، بدلاً من “الجماعات القومية” و”القوميات” والبنى القومية، لسببين: أولهما أن هذه الأخيرة لا تعدو كونها جماعات طبيعية تحكمها العلاقات الأولية، ما قبل المدنية وما قبل الوطنية. أو عصبيات، بالمعنى الخلدوني، لكل منها بنيتها وعلاقاتها الداخلية، التي تحدد علاقاتها بغيرها “وكلتاهما تتضمنان قوى فاعلة تؤدي إلى الهدر الإنساني، بمعنى هدر كيان الأعضاء، على مستوى البنية الداخلية، وهدر الآخر / الغريب، الذي تتكون بنية العصبية من خلال التنكر له والصراع معه. ومع هذا الهدر المزدوج يأتي هدر المؤسسات وهدر الوطن، إذ لا تعترف العصبية بشيء فوق كيانها، ولا حتى خارج كيانها [1]”. والثاني لأن مفهوم القومية، كما حاولنا إعادة بنائه[2]، مرادف للوطنية والأمَّوية ومقترن بالدولة الحديثة، الليبرالية ثم الديمقراطية.

قد يخطئ التحليل مرة ويصيب مرة أخرى، ولكنه يخطئ في كل مرة إذا لم يلتقط جذور العصبيات وما تولِّده من نزاعات إثنية وعشائرية ودينية ومذهبية، وميول عنصرية ملازمة للاستبداد ومقترنة به اقتران العلة بالمعلول. أفترض أن من هذه الجذور اعتبار العرق هوية سياسية ومرجعية سيادية، واعتبار الدين أو المذهب هوية سياسية ومرجعية سيادية أيضاً، وافتراض النقاء والتجانس فيهما، وكذلك تنسيب الفكر والثقافة[3]، وحذف الإنسان منهما. يضاف إلى ذلك تحيين وقائع الغزو أو “الفتح” والإخضاع، بـخطاب تاريخي – سياسي يحكي “تاريخ المنتصرين”، وما تستحضره تلك الوقائع من تواريخ وسرديات مضادة لدى المغلوبين، تحول دون نسيان الماضي واجترار مراراته، على نحو يؤدي إلى نسيان الحاضر وإهماله. ولعل نسيان الماضي أحد العوامل المهمة في تشكل الأمم الحديثة والدول الحديثة[4].

هذا كله متصل بواقع الاختلاط والسديمية، وانتفاء الحدود، لا بين الأصل والهوية فقط، ولا بين الديني والسياسي فحسب، بل بين مجالات الحياة الاجتماعية المختلفة، واعتبارها جميعاً مجالاً للسلطة الشمولية. وكذلك انتفاء الحدود بين الدولة والسلطة، وبين الدولة والمجتمع (المدني)، واستمرار أو استحضار ذهنية الغالب (أو الفاتح)، التي تعتبر الحرب علاقة اجتماعية، وسياسية، فتقيم مبادئ الحق والأخلاق على مسبقاتها وقناعاتها الذاتية ومصالحها الخاصة العمياء، لا على مبدأ التعاقد والتشارك الحر، أو على مبدأ المساواة في الحقوق المدنية والسياسية، والواجبات والالتزامات القانونية.

تكمن جرثومة الاستبداد، في البنى العصبية، في الاحتكار والإنكار والتنكر؛ إذ يسعى سدنة هياكل العصبية الغالبة وأركان هرمها البطريركي إلى احتكار الحقيقة، أي احتكار المجالين الثقافي والسياسي، واحتكار الثروة ومصادر القوة. وإنكار الكيان الإنساني للفرد، داخل العصبة ذاتها، والتنكر لا لحقوق الآخر وحريته وكرامته، فقط، بل لمجرد وجوده واستحقاقه للحياة. هنا يمكن توسيع مفهوم العصبية الخلدوني ليشمل الحركة التوتاليتارية في المجتمعات المتأخرة.

ولا بد من الإشارة إلى اقتران العصبية الإثنية غالباً بعصبية دينية أو مذهبية تغذي كل منهما الأخرى وتتغذى منها، فإذا ما زُرعت أي منهما في الحقل السياسي، لا بد أن ترافقها الأخرى. لذلك رأينا في تسييس العروبة وتسييس الإسلام وجهين لعملية واحدة، على الرغم من التعارض الظاهر بين الإسلاميين والقوميين، الذي لا يلبث حتى ينقلب إلى تحالف ينم على هشاشة علمانية القوميين، لا على تعلمن الإسلاميين وانفتاحهم على الآخر المختلف، وقبولهم بالمبدأ القومي، العلماني، “المستورد من بلاد الكفار”[5].

وإذ لا يستقيم البحث في موضوع “القومية العربية” في سورية وعلاقاتها بالقوميات الأخرى، إلا من خلال تجلياتها في مؤسسات سياسية وثقافية وتربوية وشعارات ورموز وبنى فكرية وأيديولوجية وخطاب سياسي / تاريخي، وما يقابلها لدى “القوميات” غير العربية، لا نماري في واقع أن الحركة القومية كانت وجهاً من وجوه الحركة الشعبية في مرحلة نزع الاستعمار، ومحاولة للإجابة عن سؤال الهوية، الذي كان يقلق الضمير العربي، ولا يزال، ويبعث القلق في نفوس غير العرب، مثلما كان يقلق الضمير الكوردي، على سبيل المثال، ويبعث القلق والتوجس في نفوس غير الكورد. ولكن “الحركة القومية” ما لبثت أن تنكرت للحركة الشعبية، وأجابت عن سؤال الهوية إجابة غامضة وملتبسة غلبت عليها فكرة “الأصل” مقترنة بفكرة الدين، (الرسالة الخالدة) وحاولت تسويغ ذاتها بتأويل التاريخ و”إحياء التراث” وتقديس اللغة، فكان لعمليات التأويل والإحياء (البعث) والتقديس أثر عميق في هشاشة علمانيتها وازورارها عن الديمقراطية وعن منجزات الحداثة بوجه عام، سوى جانبها التقني وأصدائها الأدبية والفنية. وكانت في الوقت نفسه تعبيراً عن شعور مرير بالانتهاك الاستعماري وسمها بالنزق والانفعال.

من جانب آخر تقدم لنا دراسة هذه الحركة وما آلت إليه صورة من صور ثوران “الهامش”، وقد تحول إلى متن مهلهل، من دون أن يقطع مع ماضيه الهامشي ومركَّبات هامشيته وما عاناه من حصر وجودي وثقافي، جراء تموقعه المديد في الظل. وهذا على الأرجح أساس شعبوية الحركة القومية وطابعها المحافظ اجتماعياً وثقافياً [6]وتطرفها وعنصريتها وعجزها، إلا عن إعادة إنتاج التأخر والتبعية، والتعويض عن العجز بالتسلط والاستبداد، وتقنيعهما بغبار حرب كونية على الرأسمالية والإمبريالية والصهيونية العالمية والرجعية العربية، سلاحها الوحيد فخفخة لفظية جوفاء. وتعظيم مؤسسة الحرب الفعلية، التي ابتلعت معظم الاقتصاد الوطني، وقصر وظيفتها على حماية السلطة والنظام القومي الاشتراكي، وإخضاع المجتمع، والسيطرة على الفضاء العام. بهذا المعنى نفسه وبهذه الدلالة يمكن التفكير في علاقة الريف بالمدينة وعملية إعادة تشكيل المركز والهوامش، على الصعيد المحلي وآليات المركزة والتهميش أو الجذب والنبذ.

لذلك كله، يدعي الباحث أن الحركة القومية العربية ذات السيماء السورية أساساً[7]، التي تبلورت في مرحلة نزع الاستعمار مختلفة جذرياً عن إرهاصات الحركة القومية التي ناهضت الاستبداد العثماني، وكانت نوعاً من يقظة أو نهضة فكرية طرحت الأسئلة وصاغت الإشكالية التي لا يزال الفكر العربي يحوم حولها[8]، بقدر ما كان الاستعمار الأوروبي لسورية الكبرى قطيعة مع تاريخها الوسيط والقديم. يتجلى هذا الفارق في انفتاح الأولى على أفق ديمقراطي، بحكم اتصالها بالثقافة الغربية ومناهضتها للاستبداد العثماني، وازورار الثانية عن الديمقراطية وعن منجزات الحداثة بوجه عام، وتأثرها بالنظرية القومية الألمانية، التي قوامها العرق واللغة والتاريخ، وافتتانها بأدلوجة “الاشتراكية القومية” ومحاكاتها بالاشتراكية العربية التي تعارض كلاً من الليبرالية والماركسية، فضلاً عن رد فعلها على الاستعمار “الغربي”، وانحيازها إلى النازية[9]، في أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم انحيازها إلى ما كان يسمى المعسكر الاشتراكي، في أثناء الحرب الباردة. ولنا أن نتلمس آثار ذلك الافتتان وهذا الانحياز وذاك في تحولها إلى حركة توتاليتارية تسلطية حولت الدولة إلى حامية حمى “القومية العربية” و”الأمة العربية” النقية عرقياً ولغوياً، وحامية “الثورة القومية الاشتراكية”، كمثاليها النازي والستاليني. فإن فكرة الأمة النقية عرقياً ولغوياً والعروبة المعتبرة هوية سياسية ومرجعية سيادية هي التي استدعت الواحدية، ونفي الفروق، ونبذ المختلف، وأنتجت، أكثر من ذلك، نموذجاً لمن هو “القومي العربي”، بل لمن هو العربي، يستبعد من العروبة غالبية العرب، ويعدهم “عملاء” للاستعمار والإمبريالية والصهيونية، تحت اسم “الرجعية العربية”.

اللافت في حال القومية العربية في سورية والعراق أن حزب البعث الذي يتمحور خطابه على فكرة الأمة العربية الواحدة لا يعترف بوجود الأمة إلا مجسدة في شخص “القائد الرمز”، “سيد الوطن” و”القائد الضرورة”، الذي لم يتبوأ هذه المنزلة إلا بعد إنجاز عملية / عمليات “تأنيث”[10]، بالمعنى الشرقي، أو خصاء، متدرجة وشاملة لأتباعه ومريديه، من قمة هرم الاستبداد إلى قاعدته، ما يحيل على العلاقة المركزية الأعمق غوراً، التي تؤسس السلطة عندنا، والتي أشبه ما تكون بعلاقة “الشيخ والمريد”، إن لم تكن هي هي. فإن تماهي عضو الحزب بـ “الأمة العربية” وتصوره عن ذاته بأنه نموذج “الإنسان العربي” إنما يمران من شخص “القائد الرمز”، “سيد الأمة” و”سيد الوطن”، فلا وجود للأمة العربية، خارج الذهن وخارج الخطاب السياسي – التاريخي، إلا في رمزية القائد الذي هو أمة في قائد. ولما كانت الأمة العربية خالدة بذاتها ورسالتها، فإن القائد الرمز خالد أيضاً، وحين يموت، بصفته فرداً طبيعياً، تنتقل رمزيته إلى ورثته من صلبه. وقد أطلقت صفة “القائد الخالد” بالفعل على حافظ الأسد، في الخطاب البعثي.

“البيعة” الممهورة بالدم لحافظ الأسد، بعد مجزرة حماة 1982، وزيارة ضريح باسل الأسد ثم ضريح حافظ الأسد، كما تزار الأماكن المقدسة، والسجود أمام صورة بشار الأسد وتقبيلها، بعد كل مجزرة يرتكبها في سورية، وغيرها من الطقوس، فضلاً عن المسيرات المليونية ومظاهر الهستريا الجماعية في الاحتفالات بذكرى “الحركة التصحيحية”، التي تجسد الظاهرة الجماهيرية، كلها تنم على بنية الحركة “القومية العربية” في سورية، وتعيِّن من ثم علاقتها بالجماعات القومية الأخرى. ذلكم ما يستدعي تقصي معنى القومية ومعنى الأمة في الخطاب القومي في سبيل إعادة تأسيس المفاهيم انطلاقاً من الواقع القائم هنا والآن. فإن “تاريخ مفهوم ما لا ينحصر في إرهافه التدريجي وتقدمه في اتجاه الدقة والضبط، وسعيه المتزايد نحو المعقولية وارتقائه نحو التجريد، بل هو تاريخ مختلف حقول تكوينه وصلاحيته، تاريخ قواعد استخدامه المتتالية وميادينه النظرية المتعددة التي تواصل فيها بناؤه واكتمل[11].

موت المعنى في الخطاب القومي

يلاحظ أن معاني “الأمة العربية” و”الشعب العربي” و”القومية العربية”، في الخطاب القومي العربي تستمد معقوليتها فكرياً من جوهرية أمة أخرجتها السماء (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وسياسياً من مبدأ “الفتح”، بدءاً من غزوات النبي العربي، محمد بن عبد الله، إلى آخر الفتوحات العربية الإسلامية، أي إنها تستمد معقوليتها سياسياً من مبدأ الحرب والغلبة، انطلاقاً من لحظة تدشينية تقع في الماضي البعيد. وتستمد قيمتها من مبدأ “الأصل” المبارك أو المقدس. وهذا وذاك مما يجعل الحاضر لحظة فارغة، إلا من الماضي وأمجاده، وما يجعل العروبة مجرد ذاكرة، يتحدد في ضوئها وعي “الذات القومية” وعلاقات العربي (الغالب) بغير العربي، (المغلوب)، والمسلم، (الغالب)، بغير المسلم، (المغلوب). يؤطر هذا الوعي نفسه بإطار من تاريخ “عربي إسلامي” هو سلسلة من الانتصارات والأمجاد، وثقافة “عربية إسلامية” كانت ولا تزال “مشعلاً للهداية” وموئلاً للحكمة والعقل والأخلاق ومعياراً للحقيقة، ولغة لم تعد مفهومة إلا في هذين الإطارين ومن خلالهما. ولنا أن نتصور أي مرارة تتركها هزائم الحاضر على هذه الذات، وكيف تعمل الذات الجريحة على تحويرها وتحويلها إلى انتصارات كاذبة.

الأمة، عند زكي الأرسوزي (1900 – 1968)، مشتقة من الأم، ما يحيل على فكرة الأصل، التي تنكشف لأفراد الأمة بالحدس، فإن “الاختلاف بين فرد وفرد من أبناء الأمة إنما هو اختلاف في درجة الوضوح في الأمور المتعلقة بالأصول؛ فما هو حدس مبهم عند الجمهور يتحول إلى بصيرة نيرة عند القادة. وذلك ما يحمل على الاعتقاد أيضاً بأن ما يتجسد من شبه بين الأفراد المنحدرين من ذات الأصول وبين ما يظهر من انسجام في المؤسسات العامة يرجع إلى آية الأمة المتحققة عبقريةً في الطبيعة، يرجع إلى تجربة الأجداد المثلى في أصول الحياة. وليس التاريخ إلا سجل هذا التحقيق كمصير حصل من انتصارات الحياة على القدر”. ليس ذلك فحسب، بل “تبدو الأمة البديئة في الكون حاملة سيماءها بصورة مجملة، فتنفتح عنها بتجاوب تجلياتها بين (قطبيها): قطب ترسم به في بنية أبنائها معرفة متبلورة، وفي الكون عالماً تنعكس عنه الطبيعة محددة إمكانية إدراكهم، وقطب آخر ترتقي إليه النفوس من خلال هذه التجليات المستشفة في تساميها بنور ذاتها”. “تلك هي الأمة العربية عبقرية أبدعت أداة بيانها فأفصحت بهذا الإبداع عن حقيقتها … إن الحدس في الكلمة العربية من صرح الثقافة بمثابة البذرة من الشجرة. ذلك ما دعانا إلى القول: بأن أمتنا ليست محصلة ظروف تاريخية، بل إنها معنى يبدع تجلياته ويوجهها نحو المزيد من الحرية. وذلك ما دعانا إلى الاعتقاد بأن مثل ظهور الأمم البديء على مسرح التاريخ كمثل ظهور الأنواع الحياتية على مسرح الطبيعة [12]”.

الأمة العربية والقومية العربية تنبثقان، في منظومة “الفكر القومي”، من الكلمة، التي هي الدال والمدلول، بلا فروق ولا حدود، تنبثقان من اللغة وسجل تحققها (التاريخ) بحدس العبقرية الكامنة فيها. فـ “الفكر في حد ذاته قوة تاريخية، قوة تاريخية لا تقدر. فمجرد وضع القضية العربية القومية في صيغة فكرة شاملة كان أول مساهمة في تركيز الحركة الثورية العربية على أسس صلبة ..” بتعبير ميشيل عفلق[13](1911 – 1989).الفكرة القومية فكرة مطلقة وحية، بتعبير عبد الله عبد الدايم، والإطلاق والحياة فيها هما طابعها الجوهري، لا مجرد نعتين من جملة نعوت يمكن أن تطلق على القومية العربية. “إنها فكرة حية لأنها فكرة قومية قبل كل شيء، تريد أن تبعث أمة، فلا تنسى الروابط التاريخية الحية التي تربط بين أفرادها. وفكرة مطلقة لأنها تريد أن تجعل من الحياة القومية حياة حية لا ضيق فيها ولا فقر، تستمد قوتها من قوة العقل وحقائقه”[14]. يبدو ذلك كله مفهوماً إذا عرفنا أن القومية العربية والوحدة العربية “قدر محبب” بتعبير ميشيل عفلق، “فمتى انتبه الإنسان إلى قدره يخرج من حالة الحياة السطحية، ويدخل في جريان الحياة الحارة القوية، فإذا رافق عنده هذا الانتباه إلى القدر القبول به اتخذت حياته اتجاهاً واتسمت بالرجولة”[15]. القومية عند ميشيل عفلق “ليست نظرية ولكنها مبعث النظريات، ولا هي وليدة الفكر بل مرضعته، وليست مستعبدة للفن بل نبعه وروحه … كل تفسير للقومية العربية لا ينبعث من صميمها انبعاث الغرسة من الأرض والسنبلة من القمحة يكون تفسيراً ضالاً جامداً ميتاً .. لا يحتاج العرب إلى تعلم شيء جديد ليصبحوا قوميين، بل إلى إهمال كثير مما تعلموه حتى تعود إليهم صلتهم المباشرة بطبعهم الصافي الأصيل، القومية ليست علماً بل هي تذكر، تذكر حي .. ما عسى أن تكون دهشتهم عندما تظهر فيهم نقية كاملة بسيطة بساطة المعجزات ..![16]… القومية عند ميشيل عفلق حب قبل كل شيء. وكان يخشى أن تسف إلى المعرفة الذهنية والبحث الكلامي، فتفقد بذلك قوة العصب وحرارة العاطفة … (فإن) “الإيمان يجب أن يسبق كل معرفة ويهزأ بأي تعريف، بل إنه هو الذي يبعث على المعرفة ويضيء طريقها”[17].

هذه الرؤية “الحيوية” والإحيائية هي مبعث العنصرية التي “تضمن وظيفة الموت (موت الآخرين) في اقتصاد السلطة الحيوية؛ إنها “تقوية بيولوجية للذات”، بتعبير ميشيل فوكو، و”آلية تسمح للسلطة بالعمل والممارسة، باستخدام العرق، للقضاء على الأعراق الأخرى ثقافياً وسياسياً على الأقل”.و”التاريخ المتصل هو الرديف الملازم للدور التأسيسي للذات؛ فهو الذي يضمن لها أن تستعيد كل ما ضاع منها، ويؤكد أن الزمان لا يفرق بين الأشياء إلا لكي يعيد لها وحدتها .. إن جعل التاريخ خطاباً للمتصل والوعي البشري ذاتاً هي مصدر كل صيرورة وممارسة هما وجهان للنظام الفكري نفسه.[18]يعبر القوميون عن ذلك بقولهم: “الوحدة القومية هي عودة الأمور إلى نصابها”، بحكم القدر المحتوم والمصير المعلوم. ويتحدث بعضهم عن “الزمن العربي” القادم الذي سينقذ البشرية الضالة من شقائها ويعيد للتاريخ بهاءه ونضارته.

العقيدة القومية التي تأسست على مثل هذه الهوامات لا تنتج منها سوى سياسة عنصرية؛ ولما كانت “السياسة” لا تنتج من خواء اللغة “القومية” وفراغها وخلوها من المعنى وانعدام الصلة بين الدال والمدلول، أو بين الفكر والواقع، بل من العلاقات الموضوعية ونسبة القوى الاجتماعية السياسية، كان من البديهي أن تمتلئ عروق الحركة القومية العربية في سورية بقيح العصبيات والأصوليات العرقية والعشائرية والدينية والمذهبية، الذي بات المحتوى الفعلي للسياسة. القوميون وحلفاؤهم أعادوا إنتاج هذه العصبيات والأصوليات، التي تحمل جرثومة الاستبداد، في المؤسسات التي يفترض أنها مؤسسات وطنية حديثة، كـ “المنظمات الشعبية” والنقابات والأحزاب وفي مؤسسات الدولة، ولا سيما المؤسستين العسكرية والأمنية وأجهزة المخابرات، فأفرغوا هذه المؤسسات من محتواها الوطني الذي كان آخذاً في التشكل، وذلكم هو التعبير العملي عن موت المعنى، أو انقطاع الصلة بين القول والفعل، أو بين الفكر والواقع. هذا لا يعني أن العيب في الممارسة أو في “التطبيق”، كما يدعي كثيرون، بل في ما سمي “الفكر القومي” ذاته، و”الفكر الاشتراكي” (الشيوعي) ذاته، على اعتبار الفكر شكل العالم وصورته في ذهن من يفكر ويعمل.

بإزاء الإشراقات القومية التي ملأت القوميين العرب بالكلام الفارغ والبلاغة الجوفاء، وكانت قناعاً للعسف والتسلط والاستبداد والفساد والممارسات العنصرية والعشائرية والمذهبية، ولها ما يقابلها عند القوميين غير العرب، لا بد من إعادة تعريف الأمة والقومية أو الوطنية، (ولا فرق)، انطلاقاً من الحاضر والراهن أولاً، وبدلالة المجتمع المدني الحديث والدولة الحديثة، بوصفهما حدين جدليين في كلية عينية، ثانياً. بكلام بسيط ومختصر يمكن القول: الأمة NATIONجماعة سياسية وأخلاقية منظمة في دولة حديثة، أو مجموعة الأفراد المتحدين سياسياً اتحاداً قائماً على حرية الإرادة، والذين يشكلون دولة باعتبارهم جسماً اجتماعياً، في مقابل الحكومة، بغض النظر عن انتماءاتهم الإثنية والدينية والمذهبية. “يكمن مبدأ كل سيادة جوهرياً في الأمة. فما من جسم وما من فرد يمكنه أن يمارس سلطاناً غير مستمد منها صراحة”. (إعلان حقوق الإنسان 1789). ومنها الأمَّوية أو القومية أو الوطنية NATIONALITY ، وترادف الجنسية، وهي سمة حقوقية تلازم الأفراد بوصفهم مواطني الدولة المعنية[19].

القومية الحديثة (Nationality) صفة اجتماعية وقانونية وسياسية وأخلاقية تنشأ عن الاشتراك في الوطن الواحد وعضوية الدولة السياسية [20]، أي الدولة القومية أو الوطنية ولا فرق، وترادفها الجنسية، والهوية الوطنية. نقول الجنسية السورية والجنسية المصرية والجنسية الفرنسية .. ومبدأ القوميات أو الجنسيات هو اعتبار كل أمة شخصاً معنوياً له الحق في الوجود والتقدم وفقاً لطبيعته. واعتبار الأمم / الدول أعضاء متساوين في المجتمع الدولي.

هذا السياق المختلف الذي تكتسب فيه الكلمات دلالات واضحة ومفهومة، على صعيد عالمي لا يعمل انطلاقاً من نقطة “أصلية” هي الفتح أو الحرب أو الغزو، ولا يكترث بفكرة “الأصل” والعقيدة الملازمة له، بل يستمد معقوليته وقيمته من الحاضر والراهن، بجميع مفرداتهما وتلاوينهما، أي من اللحظة الأكثر كثافة وحيوية، والتي “تملأ الوجود”، لأن الحي لا يعيش إلا في الحاضر مهما اختلفت الأمكنة والأزمنة، وتباعدت أو تدانت. رهان المعاصرة، في موضوعنا وفي غيره هو التكلم بلغة مفهومة للعالم كله، لأن “العلم كله في العالم كله”، بتعبير أبو حيان التوحيدي. ولأن “ما هو عقلي متحقق بالفعل،وما هو متحقق بالفعل عقلي (في زمان المتكلم ومكانه).ولو كان التفكير أو العاطفة، أو أي صورة شئت من صور الوعي الذاتي،تنظر إلى الحاضر على أنه شيء باطل،وتسعى إلى تجاوزه بمنظار حكمة أعلى ،فإنها تجد نفسها في فراغ؛ولأنها لا تكون موجودة بالفعل إلا في الحاضر فحسب فإنها هي نفسها مجرد عبث باطل”، حسب الفيلسوف الألماني هيغل.

إن إمكانية إنتاج خطاب سياسي حديث مشروطة بالانطلاق من الحاضر، أي من لحظة تحقق الدولة الوطنية، الجمهورية السورية، في موضوعنا، وتحول ذلك الخليط من الجماعات المختلفة إلى مشروع أمة حديثة وصيرورة الوطنية السورية أو القومية السورية صفة للدولة، في نظر غير السوريين، وجنسية وهوية سياسية لأعضائها على قدم المساواة، ما يعني انقلاباً في المفاهيم وفي “سلَّم المعقولية”؛ إذ ليس بوسعنا معرفة الحاضر انطلاقاً من نقطة محددة في الماضي، على طريقة السلفيين، بل إن بوسعنا معرفة الماضي انطلاقاً من الحاضر.

الجماعات الإثنبة في سورية

يبدو التركيب السكاني في سورية شديد التعقيد والتداخل، بسبب الهجرات القديمة والحديثة إليها، وتتالي الممالك والإمبراطوريات والدول التي كانت سورية على الدوام جزءاً مهماً منها، حتى الحرب العالمية الأولى والاستعمار الفرنسي. فإن الثروة الحضارية التي تتوفر عليها، والتي يقل نظيرها، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتركيب السكاني والنسيج الاجتماعي، على أكثر من صعيد. ولعله من الصعب إنشاء صورة قريبة من الواقع عن الجماعات الإثنية السورية، وفق شروط البحث العلمي، لأسباب تتعلق بأهلية الباحث أولا، واختلاط السرديات التخييلية بالوقائع التاريخية، وغلبة الخطابات التاريخية – السياسية، وعدم وجود إحصاءات موثوقة ودراسات اجتماعية وثقافية وإثنوغرافية وإثنولوجية تتناول هذه الجماعات.

1 – الآشوريون Assyrians والسريان syriac: تعود أصول الآشوريين إلى أقوام من الجزيرة العربية[21]، هاجرت مع الأكديين إلى بلاد الرافدين واستقرت في المناطق الشمالية الشرقية منها، واختلطت بهم هناك أقوام جبلية. “ويدل اسم آشور على كبير آلهتهم، وعلى مدينة آشور حاضرة ملكهم وعلى المنطقة الجبلية الشمالية من بلاد الرافدين، التي كانوا يطلقون عليها بلغتهم الآشورية اسم (مات آشور)[22].

يدين الآشوريون بالمسيحية، ويعيشون في محافظة الحسكة وبعض المدن السورية، وليس من إحصاءات موثوقة تبين عددهم، لكن عددهم يتناقص باطراد نتيجة الهجرة النهائية إلى الولايات المتحدة وكندا وغيرهما. ولهم جمعياتهم المدنية الخاصة، في الوطن والمهجر، وينشط بعضهم سياسياً في إطار “المنظمة الآثورية الديمقراطية”.

أما السريان فينتسبون إلى آرام بن سام بن نوح المذكور في التوراة. وقد دخل اسم سوريا وسوريين والسريان على الآرامية قبل السيد المسيح، في عهد السلوقيين الإغريق. ففي الترجمة السبعينية للعهد القديم (280 ق.م) استعمل المترجمون كلمة سورية بدلاً من آرام، وأخذ الاسم السوري يتغلب على الآرامي شيئاً فشيئاً بعد انتشار المسيحية. وقد تمسك الآراميون المسيحيون بهذه التسمية نسبة إلى الرسل الذين كانوا يبشرون باللغة السريانية. ويرى اغناطيوس زكا الأول عيواص أن السريان هم الآراميون من سكان سورية الأصليين استوطنوا بلاد آرام الشام وآرام النهرين في القرن السادس عشر قبل الميلاد، وامتزجت بهم عبر العصور بقايا الشعوب السامية القديمة من بابليين وعموريين وآشوريين وفينيقيين وكنعانيين وسومريين. وانتشرت لغتهم التي تعرف بالآرامية انتشاراً واسعاً وهي اللغة التي تكلم بها السيد المسيح وتلاميذه .. ولكنها ضعفت بعد انتشار العربية منذ القرن السابع الميلادي. ولا تزال متداولة اليوم في بعض مناطق تركيا وشمالي سورية وبعض القرى القريبة من دمشق مثل معلولا وجبعدين[23]. يرجع أصل السريان Syriac إلى أجدادهم الآراميين الذين ينتسبون تاريخياً إلى آرام بن سام بن نوح الوارد ذكره في التوراة، وهم الشعب السامي الثالث بعد الآموريين والكنعانيين.و قد دخل اسم سورية وسوريين والسريان على الآرامية قبل السيد المسيح في عهد السلوقيين الإغريق، ففي أثناء الترجمة السبعينية [ر.التوراة] للعهد القديم 280ق.م. استبدل المترجمون كلمة سوريةب دلاً من آرام وأخذ يتغلب الاسم السوري على الآرامي شيئاً فشيئاً، وانتشرت على نحو ملحوظ بعد انتشار المسيحية حتى كادت تُمحي التسمية الآرامية. وتمسك الآراميونالنصارى بالتسمية الجديدة نسبة إلى الرسل الذين بشروا باللغة السريانية، فتركوا اسمهم القديم (الآراميين) واتخذوا لهم اسماً جديداً(السريان) ليتميزوا عن بني جنسهم الآراميين الوثنيين.

وقد طرح الباحثون آراء كثيرة حول تأصيل معنى السريان، ولكن من الثابت أن التسمية جاءت من لفظة Syriaوهو الاسم الذي أطلقه الاغريق على بلاد الشام قديماً.

ويذكر مار اغناطيوس زكا الأول عيواص، أن السريان هم في الأصل الآراميون سكان سورية الأصليين، استوطنوا منذ القرن السادس عشر قبل الميلاد بلاد آرام الشام وآرام النهرين وقد امتزجت بهم عبر العصور بقايا الشعوب السامية القديمة المندثرة من بابليين وعموريين وآشوريين وفينيقين وكنعانيين وسومريين.

2 – الكورد، وهم الجماعة القومية الأكثر عدداً في سورية بعد العرب. “تقدر نسبتهم بنحو 8 – 10% من المجتمع السوري. وليس هناك إحصاءات دقيقة يطمأن إليها لمعرفة العدد الحقيقي لأكراد سورية”، لا لعدم وجود إحصاءات دقيقة فحسب، بل لأن الكثيرين من الأكراد السوريين وغيرهم من الإثنيات انصهروا كلياً في النسيج العربي، وخاصة في المدن الكبرى، مثل دمشق وحلب وحماة. كما أن الإحصاءات الوطنية الرسمية تدمج الكرد بالمسلمين، فتعرفهم بالدين، لا وفق الأصل الإثني، أو اللغة.

ينتشر الكورد في معظم أنحاء سورية، وخاصة في المدن الكبرى، كدمشق وحلب وحماة، و يتركزون في بعض أحيائها، التي تجمعوا فيها تاريخياً، مثل حيّي “ركن الدين” و”جبل الرز” في دمشق، وحارة “البرازية” في حماة … وكذلك في المنطقتين الشمالية والشمالية الشرقية من سورية وخاصة في مدينتي الحسكة والقامشلي (قامشلو) والدرباسية وعامودا وغيرها.وهم الأكثر حيوية ونشاطاً، على الصعيد السياسي، ينضوي كثيرون منهم في عدة أحزاب هي انشقاقات متتالية عن الحزب الأم، الحزب الديمقراطي الكوردي (البارتي) وينضوي بعضهم في الأحزاب الشيوعية وحزب البعث.ويتكلم معظمهم العربية بطلاقة، إلى جانب اللغة الكردية، وغالبية المتعلمين والمثقفين منهم، إن لم يكن جميعهم، يقرؤون ويكتبون بالعربية، كسائر أبناء الجماعات القومية الأخرى، ولا يعزى هذا إلى عمليات تعريب قسرية، وإن لم يخل الأمر من قسر في بعض المناطق، بل يعزى إلى أسباب تاريخية أخرى.

3 – العرب، يؤلف العرب الجماعة القومية الأكثر عدداً في سورية (نحو 80% من السكان)، وليس من تطابق، هنا، بين العنصر “القومي” والعنصر الديني أو المذهبي، فثمة عرب مسلمون سنة وعرب ينتمون إلى مذاهب إسلامية غير سنية، وعرب مسيحيون على مذاهب مختلفة أيضاً، برز منهم عدد لا يستهان به من رواد “محاولة النهضة العربية” الأولى والثانية، ومن قادة الحركة القومية، ما يطرح مشكلة أو إشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام، التي لا تطرح بالوضوح نفسه في بلدان أخرى. وقد انعكس على موقف الكثيرين من العلمانية ونسبها إلى “الأقليات”. “وثمة جدل كبير بين المؤرخين والمفكرين حول أصول العروبة السورية، ففي حين يرى المؤمنون بالإيديولوجية القومية العربية أن سورية عربية منذ بدايات استقرار السكان فيها (أي من الألف الثامنة قبل الميلاد)، يرى أنصار القومية السورية أن أصول سورية ليست عربية وإنما استعربت مع الفتوحات العربية الإسلامية واستمرت كذلك حتى يومنا.وقد عززت الحكومات السورية المتتابعة على الحكم، منذ 1958هذه الصفة القومية، فاسم الدولة، منذ عام 1962 هو الجمهورية العربية السورية، والدستور الدائم يثبت عروبة الدولة صراحة، ويعدها جزءاً من الوطن العربي، ويعد شعبها جزءاً من الأمة العربية.

4 – الأرمن: جماعة قومية تدين بالمسيحية، يبلغ تعدادها ما يقرب من مئتي ألف ممن لجؤوا إلى بلاد الشام هرباً من المجازر التي ارتكبها القوميون الطورانيون أواخر شهر نيسان عام 1915وانتهت بقتل ما يزيد على مليون أرمني وتشريد مئات الآلاف.ويرجع بعضهم وجود الأرمن على الأراضي السورية إلى القرنين الرابع عشر والسادس عشر، تدل على ذلك كنائسهم في دمشق وحلب. كما تدل المدارس التي بنيت في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على عنايتهم بالتربية وأهمية تعليم اللغة الأرمنية. وتدل الأندية الرياضية والجمعيات الثقافية والاجتماعية الأرمنية على نشاطهم الثقافي والاجتماعي وخدمة المجتمع المدني ومفهوم التطوع لديهم. كما ظهر وجودهم في المجال العسكري، والحياة النيابية من خلال تمثيلهم في البرلمان السوري، وإسهاماتهم في المجالات التجارية والاقتصادية والثقافية[24].

5 – “الشركس” من الجماعات التي هاجرت إلى بلاد الشام أو أُسكنت فيها، في القرن التاسع عشر. ويقدر بعض الباحثين أن عدد هؤلاء المهاجرين الذين غالبيتهم من (الجراكسة) إلى بلاد الشام قد قدّر في العام 1878 بـنحو (100) ألف نسمة[25]، بعد هجرتهم من روسيا القيصرية إلى البلاد العثمانية منذ ستينات ذلك القرن. تذكر بعض المصادر أنه “نتيجة لسياسة الحكومة القيصرية في التوطين والتنصير أضيف نحو مليوني شخص على الأقل إلى سكان الدولة العثمانية، وفق تقديرات مبنية على الأرشيف العثماني ( فاروقي وآخرون، التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدولة العثمانية، المجلد الثاني 1600-1914، ص 538.) وقد أسكن العثمانيون بعضهم على حافة البادية السورية وفي منطقة الجولان، وفي حمص وعمان، وقرب السلمية، وفي خناصر ومنبج، ورأس العين، والريحانية في العمق[26].

على غرار الأرمن، ظل الشركس متآلفين، على الرغم من تحدّرهم من أربعة أصول قبلية مختلفة (الأبازاخ، القبرطاي، البجدوغ، الحتقواي)، تربط بينهم بعض الخصائص الاجتماعية والثقافية حرصوا على صونها والمحافظة عليها. فهم يتخاطبون بلغتهم، بلهجات متعددة، ويحافظون على تقاليدهم الاجتماعية وخاصة في قضايا الزواج وأشكال التعبير الثقافية. ويمتازون بانخراطهم في الوظائف العامة كالجيش والإدارة، وفي أماكن استقرارهم، إذ لا يزال قسم كبير منهم يقطنون في البلدات الريفية التي سكنها أجدادهم.

6 – جماعات قومية أخرى، تدين بالإسلام، كالتركمان والأتراك والأرناؤوط .. وقد اندمجت هذه الجماعات في المجتمع السوري محافظة على بعض خصائصها. ويرى بعضهم أن صفة (التركمان) تطلق على سكان الريف، من الترك، وصفة (الأتراك) تطلق على سكان المدن منهم. وأن وجود بعض هؤلاء وأولئك في سورية سابق على الفتوحات العثمانية، وأن عدداً من العائلات العربية المعروفة في دمشق وحمص وحماة وحلب من أصول تركية.

في ضوء هذا العرض، لا بد أن نلاحظ جملة من المسائل الشائكة: أولى هذه المسائل أن سائر الجماعات القومية في سورية عابرة للحدود الوطنية، ما يطرح مسألة ازدواج الولاء، الذي يعبر عنه التعارض بين “القومية” والوطنية، ويتجلى بوضوح في أوقات الأزمات الاجتماعية والسياسية، في سورية وجوارها، كالنزاع العربي الكوردي، في العراق في عهد البعث، أو في سورية عام 2004. يدعي الباحث أن للأيديولوجة القومية أثراً بارزاً في إنتاج هذا التعارض وتعميقه، ولا سيما بعد انتقال سوريا من العهد الليبرالي إلى “العهد القومي العربي”، مع صعود الناصرية والميل الشعبي الجارف إلى الوحدة العربية، حتى بعد إخفاق تجربة الوحدة المصرية السورية. ولا يقل عن ذلك أثر الأيديولوجية الإسلامية وشعار الدولة الإسلامية. هاتان الأدلوجتان السياسيتان تتسببان دوماً بتفجير الهوية الوطنية وتشظيها إلى هويات متجابهة بالقوة وبالفعل، وتنتجان، بفعل هذه المجابهة، أشكالاً من التعصب والتطرف والعنصرية.

المسألة الثانية هي استثمار الكم في إستراتيجيات الهيمنة والصراع، بدءاً من إستراتيجية السلطة. الأصل النظري، في هذا الموضوع، أن كثرة العدد لا تضيف شيئاً إلى ماهية أي قومية، وقلة العدد لا تنقص منها شيئاً. والواقع العملي يؤكد أن هضم القوميات وتمثلها عسير، وقلما ينجز بغير إرادة القومية الأصغر أو فئات واسعة منها هي الأكثر حيوية وقابلة للادماج. فالعدد ليس سوى معيار مضاف أو إضافي، لا تبرز قيمته إلا في آليات الهيمنة والصراع وإستراتيجيات السلطة. هنا يلعب العدد دوراً مهماً في تمكين الاستبداد، وهو دور مقرون بصراع الأعراق أو مشروط به وبالصراعات المذهبية أيضاً. هذه الصراعات لم يختف من التاريخ بعد، ولا سيما في المجتمعات المتأخرة. الخطاب القومي العربي حافل بالمضامين العرقية الصريحة منها والمضمرة، ولا يخفى ذلك على العامة والخاصة، من العرب وغير العرب.

المسألة الثالثة هي اتصال الهويات وانفصالها في الوقت ذاته وأثر ذلك في بنية النسيج الوطني أو الوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي والسياسي. فمن المسح الإثنوغرافي أعلاه يلاحظ أن القومية العربية منفصلة عن القومية الكوردية عرقياً ولغوياً ومتصلة بها دينياً ومذهبياً، بحيث يستغرقهما الإسلام معاً، باستثناء العرب الذين يدينون بالمسيحية، وذلك كلما كان الإسلام أكثر شمولاً وأقل تضمناً، أي كلما كان صفة عامة لجميع المذاهب الإسلامية، وهذا لا يزال في الأفق. وقل مثل ذلك في شأن اتصال القومية العربية بالقوميات الوافدة، باستثناء الأرمن، وانفصالها عنها في الوقت ذاته. وضعية الانفصال الاتصال هذه هي بالأحرى حركة جذب ونبذ تتحدد قوة كل منهما بشروط متغيرة تحد من القوة الذاتية للقومية المعنية أو تطلقها، وللخطاب التاريخي السياسي، خطاب السلطة، أثر تحريضي حاسم، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالصراع مع قوى خارجية تستهدف “الأمة العربية ومقاومتها وعزتها وكرامتها وصمودها”، وتستهدف بوجه خاص قيادتها وقائدها. للصراع مع الخارج ومعاركه اللفظية وظيفة مركزية هي تثبيط “القوميات” الأخرى ووضعها في حالة مراقبة دائمة، ذاتية وخارجية، بإشعارها دوماً بأنها مشكوك في ولائها للوطن، وتثبيط المعارضة السياسية أيضاً، ورميها بالعمالة والتواطؤ.

المسألة الرابعة هي تصلب التشكيلات الاجتماعية ذات البنى البطريركية المؤسسة على العائلة الممتدة والعشيرة. فالقومية العربية الأكثر عدداً تخترقها انقسامات عمودية وعصبيات عشائرية ودينية ومذهبية، فضلاً عن اتساع الهوة بين الريف والمدينة وبين الأغنياء والفقراء. والإثنيات الأخرى كذلك منقسمة إلى عشائر مختلفة ومذاهب وطوائف مختلفة، فلا يزال الولاء للعائلة الممتدة والعشيرة مقدماً على الولاء للمذهب والطائفة، وهذا الأخير مقدم على الولاء للوطن وعلى الولاء “القومي”. ولكل واحدة من هذه البنى ما قبل المدنية وما قبل الوطنية آلياتها الخاصة وموقعها في إستراتيجيات الهيمنة والصراع وممارسة السلطة. ومن يتتبع هذه الآليات سيجد نفسه أمام لوحة موَّارة ورمال متحركة تبعاً للأنظمة المختلفة التي تحكم هذه البنى وتعيِّن علاقاتها المتبادلة. فالهوية “القومية”، وهذه الحال، هويات متفاصلة ومتفاوتة في درجة تماسكها الداخلي، لا ينطبق عليها مفهوم الهوية المركبة التي تتوجها الهوية الوطنية أو القومية، وتمنحها مضموناً مدنياً يكسبها نوعاً من المرونة والتسامح والانفتاح على الآخر المختلف.

يمكن أن يستنتج المرء من ذلك أن القومية الأكبر والأكثر عدداً هي الأكثر هشاشة وتشظياً والأقل حيوية، بدليل عجزها المزمن عن التحول إلى مركز جاذب يأخذ على عاتقه مسألة الاندماج الوطني وبناء دولة حديثة، وتعلق أنظار نخبها وأفئدتهم، منذ الاستقلال، بالمؤسسة العسكرية، بصفتها القوة الضاربة التي تعوِّض هذين الضعف والهشاشة لأكثرية لم تستطع بعد أن تكون قوة سياسية، ومن ثم لمجتمع لم يستطع بعد أن يكون قوة سياسية، لذلك كانت المؤسسة العسكرية، ثم العسكرية الأمنية، ولا تزال ضابط الإيقاع لحركة المجتمع تحدد اتجاه سيره و وتائر نموه[27]. ولذلك أيضاً كانت السياسة ولا تزال حرباً وامتداداً للحرب بوسائل أخرى، بعكس مأثور كلوزفيتز، على ما في ذلك من مفارقة تاريخية، تتعلق باستمرار الحرب ونتائجها في الجسد الاجتماعي وسيادة خطاب تاريخي سياسي هو خطاب حرب مفهومة على أنها علاقة اجتماعية دائمة وأساسية لجميع علاقات السلطة ومؤسساتها[28]، خطاب يقيم الحقيقة والحق والقانون، انطلاقاً من علاقات القوة العارية، ويعمل على تنمية هذه العلاقات وتطويرها باستبعاد الذات التي تتحدث عن القانون، وتبحث عن الحقيقة الكونية والقانونية والفلسفية [29]. أي إنه يقيم مبادئ الحق والأخلاق وفق الاقتناعات الذاتية للمنتصر، ويجهل أو يتجاهل أنه يولِّد خطابات قومية أو تاريخية – سياسية ، مضادة. فلا نستطيع أن نفسر ما يجري في سورية اليوم إلا بمنطق الحرب ومركزية المؤسسة العسكرية الأمنية في الحياة العامة[30]، ودولنة الحرب، وقد غدت منذ عام 1973، أي منذ احتواء المعارضة، واستكمال احتكار الحقل السياسي الوطني، بقيام ما سمي “الجبهة الوطنية التقدمية”، حرباً مفتوحة تشنها السلطة الشمولية على المجتمع.

المسألة الخامسة تتعلق بعلمانية القومية العربية، إذ تبدي هذه الأخيرة وجهين متناقضين، ديني وعلماني؛ يتجلى تناقضهما في خطابها وممارستها. فمنذ نشوئها، بعد الحرب العالمية الثانية، قرنت القومية العربية العروبة بالإسلام على اعتبار “العروبة مادة الإسلام، والإسلام روحها ورسالتها الخالدة”، ما جعل خطابها يتأرجح بين علمانية شكلية وتوظيف الدين في الممارسة الثقافية والتربوية والسياسية، فيضفي على القومية، بوجهيها العلماني الشكلي والديني، بل المذهبي، الفعلي، قيمة تفاضلية تمنح العربي المسلم امتيازاً مادياً ومعنوياً على سائر العرب غير المسلمين، وعلى المسلمين غير العرب. والإسلام دوماً هو إسلام المتكلم، يتغير بتغير الذات المتكلمة، فيغدو أقل شمولاً وأكثر تضمناً، وتتغير مواقع رموزه وتقدير كل منها، وتتباين قراءات النصوص المقدسة والسرديات التاريخية وتأويلاتها تبايناً يبلغ حد التكفير المتبادل، ناهيك عن أفضلية القومي العربي المتحزِّب، المؤمن بالأيديولوجية القومية، (البعثي أو الناصري)، على العربي وغير العربي، الرجعي أو العميل. والتخوين هو الصيغة السياسية للتكفير.

العقيدة القومية والنموذج الثقافي

الثقافة، بمعناها الواسع، الذي يتقاطع مع الحضارة والمدنية، عابرة للزمان والمكان، وعابرة للغات، قادرة على التأثير وقابلة للتأثر، بحكم الطبيعة الإنسانية، وهذا لا ينفي، بالطبع، واقع تعدد الثقافات واختلافها باختلاف شروط تشكُّلها. لكن المذاهب أو العقائد القومية لا يكتمل أي منها إلا باصطناع “نموذج ثقافي” ناجز وثابت، يميزه من غيره، ويحاكي في نقائه وتجانسه نقاء العرق وتجانس الدين أو المذهب، بحكم التلازم بينهما، ويحل فيه العرق والمذهب محل الإنسان. وقد لخص الدكتور عزمي بشارة هذه الإشكالية بقوله: “المشكلة تكمن في اعتماد الثقافة وحدها أو افتراضها ثابتة ومرتبطة بجماعات بشرية، مثل صفة يحملونها على نمط “العقلية” .. والمشكلة الثانية هي تحويل مركبات حضارية وتقاليد وإرث ثقافي وغيره إلى ثقافة سياسية واعتبارها كياناً ثابتاً أصدق تعبير عنه هو فكرة العقلية (Mentality)”[31]. إن تحويل مركبات حضارية وتقاليد وإرث ثقافي إلى ثقافة سياسية وفرضها على المجتمع بالقسر والإكراه، كما حصل في سورية، هو ما أسميناه تسييس العروبة، أو اعتبارها هوية سياسية ومرجعية سيادية. أجل الثقافة هنا تتحول إلى “كيان لاتاريخي يحل محل العرق أو العنصر في الفكر العنصري”، حسب عزمي بشارة [32]. لذا يجدر بنا التفريق بين الفكر العربي والفكر القومي، وبين الثقافة العربية والثقافة القومية، وتفنيد الزعم القائل بأن الفكر القومي يستنفد الفكر العربي ويستغرقه، والثقافة القومية تستنفد الثقافة العربية وتستغرقها، أو أن الفكر القومي هو ذاته الفكر العربي والثقافة القومية هي ذاتها الثقافة العربية، كما يتوهم القوميون العقائديون.

الجماعات غير العربية لا تشذ عن هذه القاعدة، إذ يصطنع قوميو كل منها نموذجاً ثقافياً، يميزهم من غيرهم، ويحل محل العرق المسكوت عنه، أو يقنِّعه. في حين نلاحظ أن معظم المثقفين في هذه الجماعات يقرؤون ويكتبون بالعربية، وبعضهم متمكنون منها أكثر من العرب أنفسهم. لا نتحدث هنا عن مستعربين، بل عن قوميين يكافحون في سبيل حقوق ثقافية وسياسية لبني قومهم، وأن القاع الثقافي المشترك بين مختلف الإثنيات السورية كان يمكن أن يكون عاملاً رئيساً من عوامل الاندماج الوطني لولا النزعات العنصرية الصريحة والمقنَّعة.

يبدو أن هذا التسوير الثقافي للذات “القومية” هو ما يحفظ بقاءها ويصونها ويحميها من الذوبان والتلاشي في القومية الأكبر أو الأكثر عدداً ونفوذاً. وقلما يدرك القوميون العرب وغير العرب أن هذا السور الثقافي الذي يحمي قوميتهم إنما يحبسها ويعوِّق نمو الثقافة وتطورها. فلكي تكون الثقافة “القومية” سوراً لا بد أن تكون ثابتة وناجزة، كالجماعة (الافتراضية)[33]التي تسورها، ولا بد أن يحل فيها العرق مرموزاً إليه باللغة محل الإنسان. فـ”اللغة التي لا تحكي الإنسان الذي يحكيها ليست لغة”، بل أقرب ما تكون إلى علامة على التمايز أو الامتياز. إن وظيفة التسوير التي توكَل إلى أي ثقافة قومية هي ما يجعل هذه الثقافة عنصرية. مرة أخرى نذكر بالفرق بين الثقافة العربية أو الكوردية أو الآشورية، أو غيرها، بما هي ثقافة تواصلية وتبادلية، وبين “الثقافة القومية” التي يصطنعها قوميو هذه الجماعات، بما هي ثقافة تفاصلية وإقصائية، ولا تعدو كونها تعبيراً عن النزعة العنصرية في أي قومية، على الإطلاق. ويمكن القول إن القوميين في كل جماعة أو أمة هم الجزء المتطرف منها.

لهذه الأسباب وغيرها مما يتعلق بتجربتنا السياسية في العقود الماضية نعارض النزعة القومية، لدى العرب وغير العرب، بالوطنية السورية التي تشكلت في خضم الكفاح الوطني من أجل الاستقلال وبناء الدولة الوطنية الحديثة. ونعارض الثقافة القومية بالثقافة الوطنية، بما هي فضاء روحي مشترك بين جميع السوريين وحاضنة لتطور الثقافات واللغات العربية وغير العربية، بقدر انفتاحها على الثقافة الإنسانية ومنجزاتها الفكرية والفنية والعلمية والتقنية. ويعتقد الباحث أن الثقافة الوطنية التي يحتل فيها الفرد الإنساني (الواقعي) والروح الإنساني المتعيِّن فيه موقعاً يليق بهما لا تنفي الاختلاف والتعدد، بل تنفي التجانس والنقاء الداخليين عن أي جماعة قومية. الإنسانية أساس الوطنية ورافعتها؛ وهذه، أي الوطنية، أساس الديمقراطية. فالثقافة الوطنية، بصفتها ثقافة الاختلاف والتنوع والتعدد، شرط لازم للانتقال إلى نظام ديمقراطي.

مفارقات الخطاب والممارسة

يمكن تلخيص الوضع السوري، في خلال نصف القرن الماضي، بالمفارقة الآتية: خطابات ما فوق وطنية وممارسات ما دون وطنية. وكل خطاب يستند إلى نظيمة أيديولوجية، قومية أو إسلامية أو اشتراكية، أو إلى تركيب هجين من هذه جميعاً، يستمد منها شروط إمكانه وتحققه خطاباً. الخطاب القومي العربي هو هذا التركيب الهجين، الذي لم يكن ممكنا لولا الطبيعة السجالية والتفاضلية المشتركة بين تلك النظائم.

فقد لا تدرك الذات “القومية” أنها حين تحدد الآخر المختلف، بالإيجاب أو السلب، تحديداً نهائياً وماهوياً إنما تحدد ذاتها تحديداً نهائياً وماهوياً؛ وأن هذا التحديد الماهوي (العنصري) المتبادل يخفي دوماً ما هو عام ومشترك، ويظهر ما هو خاص وحصري، فتتسم الهويات المتقابلة بالكتامة والانغلاق. يصدق هذا على القوميين العرب والقوميين الكورد والآثوريين خاصة، بالقدر نفسه، لأسباب إثنولوجية وتاريخية، على الأرجح. هذا النوع من التحديد الماهوي المتبادل يجعل من الثقافة، التي يغلب عليها ما هو عام ومشترك عادة، مجالاً خاصاً وحصرياً مغلقاً، أشبه ما يكون بمرآة محدبة تضخِّم الذات، وتعظِّم خصائصها، فيبدو الآخر إزاءها تافهاً وضئيلاً، وخطراً يهدد “الوجود القومي” وعقبة في طريق “وحدة الأمة” وتقدمها[34]، في الوقت نفسه. ولما كان الاعتدال سمة كل ما هو عام، والتطرف سمة كل ما هو خاص، يتحول النسق الثقافي الخاص والمغلق إلى نسق إقصائي مولِّد للتطرف والعنف. لا يخفى على أي متابع أن “الخصوصية”، خصوصية “المجتمع العربي” و”الأمة العربية” .. ركن أساسي من أركان الخطاب القومي العربي. هذه “الخصوصية” لم تضع القوميين العرب خارج العالم الحديث وفي مواجهته فقط، بل وضعتهم في مواجهة العرب وغير العرب من أبناء وطنهم.

تتعامل “القومية العربية” في سورية مع “القوميات” الأخرى بحسب أوضاع كل منها؛ فالموقف من الجماعات القومية المتجذرة في المكان / الزمان، أي في الأرض والتاريخ، كالكورد والآشوريين، يختلف عن الموقف من الجماعات الوافدة، كالشركس والأرمن والأتراك والتركمان ومن في عدادهم، ويرجع السبب في هذا الاختلاف، على الأرجح، إلى أولية علاقات الحرب أو الغزو (الفتح) والإخضاع، وما يمكن أن يؤول إليه الإخضاع من ثورة أو تمرد، على الرغم من دخول الكورد في الإسلام. وقد يعود أيضاً إلى واقع أن اضطهاد المختلف لغوياً وثقافياً يبدو ضرورياً لتوكيد الذات، التي تحتاج إلى توكيد، وتوثيق اللحمة الداخلية للجماعة، والدفاع عن هويتها القومية، التي يتهددها الخطر، لا من الخارج فقط، بل من الداخل هذه المرة، والخطر بالتحديد هو تكدير النقاء العرقي والتجانس الديني والمذهبي. يمكن أن يلاحظ هنا اختلاف طفيف بين الموقف من المسيحيين العرب والموقف من المسيحيين غير العرب، المختلفين إثنياً ودينياً. ولا يجوز التقليل من أهمية العنصر الديني والمذهبي، بحكم طبيعة العلاقة بين العروبة والإسلام السني، في نظر القوميين العرب، فلم تكتمل عروبة ميشيل عفلق إلا بإسلامه.

ولما كانت السياسة نوعاً من استثمار في مصادر القوة، والكم أو العدد أحد هذه المصادر، فإن علاقة القومية العربية بالقوميات الأخرى محكومة بهذا المعيار، إلى جانب معايير أخرى بالطبع؛ القومية الأكثر عدداً تعد الأكثر خطراً على القومية العربية. لذلك تركزت المعاملة التمييزية والاضطهاد القومي على الكورد السوريين بوجه خاص، ويليهم الآثوريون، المسيحيون، على الرغم من قلة عددهم وهجرة الكثيرين منهم. وقد تكون الهجرة، بعواملها المختلفة، التي يبلغ السياسي منها مبلغ التهجير، أحد مصادر الشعور بالتمييز في المعاملة لدى المهاجرين والمقيمين، فلا يجوز إغفال أثر التنظيمات الكوردية والآشورية في الخارج في إذكاء الشعور القومي، فضلاً عن التنظيمات والأحزاب القومية في الداخل. وما يزيد من توتر العلاقة بين القومية العربية والقومية الكوردية حصراً الطابع الكفاحي المتفجر للثانية في كل من تركيا وإيران، وفي العراق بوجه خاص، إذ ينعكس النزاع العربي الكوردي في العراق على علاقة العرب بالكورد في سورية بصورة مباشرة.

لعل أول وثيقة خطية تبين موقف القومية العربية الأيديولوجية، قومية حزب البعث، من الكورد، بعد استقلال سورية، الدراسة التي أعدها محمد طلب هلال، عام 1962، بعنوان “دراسة حول محافظة الجزيرة من النواحي السياسية والاجتماعية والقومية”، ورفعها إلى قيادة الحزب، تضمنت الاقتراحات الآتية:

1 – أن تعمد الدولة إلى تهجير الأكراد إلى الداخل، مع التوزيع في الداخل، مع ملاحظة عناصر الخطر أولاً بأول.

2 – سياسة التجهيل، أي عدم إنشاء مدارس أو معاهد، لأن بناءها أثبت عكس المطلوب بشكل صارخ.

3 – سحب الجنسية منهم ومن ثم تهجيرهم.

4 – سد باب العمل أمامهم حتى نجعلهم في وضع غير مستقر وغير قادرين على التحرك، كي يكونوا أمام الرحيل في كل وقت.

5 – شن حملة من الدعاية الواسعة بين العناصر العربية مركزة على الأكراد.

6 – نزع الصفة الدينية عن مشايخ الدين عند الأكراد، وإرسال مشايخ بخطة مرسومة عرباً أقحاحاً.

7 – ضرب الأكراد في بعضهم، وهذا سهل وميسور، بإثارة من يدعون أنهم من أصول عربية على العناصر الخطرة.

8 – إسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكردية على الحدود، فهم رقابة على الأكراد ريثما يتم تهجيرهم، ونقترح أن تكون هذه العشائر من شمر لأنهم مضمونين (هكذا) قومياً مئة بالمئة.

9 – جعل الشريط الشمالي للجزيرة منطقة عسكرية كمنطقة الجبهة توضع فيها قطعات عسكرية مهمتها إسكان العرب وإجلاء الأكراد.

10 – إنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تسكنهم الدولة في الشريط الشمالي، على أن تكون هذه المزارع مدربة ومسلحة عسكرياً كالمستعمرات اليهودية على الحدود تماماً.

11 – عدم السماح لمن لا يتكلم العربية بأن يمارس الانتخاب والترشيح في المناطق المذكورة[35].

صحيح أن حزب البعث لم يتبن هذه المقترحات رسمياً، وأن “حزب البعث العربي الاشتراكي اليساري” اعترف عام 1963 بحق تقرير المصير للأكراد، في ما سمي آنذاك “الكراس الأزرق”، من دون أن يذكر أكراد سورية، لكن الممارسة العملية لم تخرج عن هذه المقترحات كثيراً. فلم تستجب الحكومات (البعثية) المتتالية لمطالب الكرد برفع الحيف عمن حرموا من الجنسية السورية بموجب إحصاء عام 1962، وتقدر مصادر الحركة السياسية الكورية عدد هؤلاء بنحو 160000نسمة، ويخفض بعض الباحثين العرب هذا الرقم إلى النصف، وتخفضها جهات رسمية إلى أقل من ذلك. ومن الصعب التحقق من صحة الأرقام، فقد يكون مبالغاً في تكثيرها وتقليلها لدواعي السجال السياسي. وقد صدر مؤخراً مرسوم رئاسي بإعادة الجنسية لمن حرموا منها.

تتالت الإجراءات العملية والممارسات التمييزية، بعد استيلاء البعثيين على السلطة، بدءاً من تعريب أسماء المدن والبلدات والقرى ذات الكثافة الكردية، وصولاً إلى الحزام العربي، ومنح بعض أراضيهم التي استصلحوها من أملاك الدولة لأبناء بعض العشائر العربية، الذين غمرت مياه سد الفرات أرضهم، وهذا ليس من قبيل الإسكان الإحلالي بالطبع، فضلاً عن حرمانهم من تعلم لغتهم وتعليمها، ونعتهم بالانفصاليين والشك في ولائهم للوطن السوري، والتضييق عليهم في جميع مجالات العمل وفرص التعليم، وآخرها حتى اليوم توسيع نطاق (القانون 49) الذي يعتبر المناطق الحدودية مناطق عسكرية، ليشمل محافظة الحسكة كلها، ويقيِّد فيها جميع النشاطات المدنية والاقتصادية من بيع ورهن وشراء واستئجار وإنشاء واستثمار …. ومعروف أن القوانين في سورية لا تطبق إلا استنسابياً، لذلك رأى الكرد أن حد القانون موجه ضدهم بصورة خاصة، ولعله كذلك بالفعل.

في ضوء ما تقدم، يبدو أن “القومية الأيديولوجية”، بتحولها إلى حركة توتاليتارية، تتغذى على أوهامها الذاتية، أنتجت نظاماً سياسياً وأخلاقياً على صورتها ومثالها، شعاراته ما فوق وطنية وممارسته ما دون وطنية، فأعادت إنتاج العنصرية والمذهبية، وسياسات الهوية، وانحطت بالممارسة السياسية والقيم الأخلاقية إلى أسفل سافلين، وكانت وبالاً على سورية وعلى العرب والعروبة. وها هي تشن حرباً على الشعب السوري هي من أقذر الحروب وأكثرها همجية ووحشية.

القومية العربية والقوميات الأخرى في سورية

الخطاب والممارسة

ملخص تأشيري

سيتناول البحث المحاور الآتية:

1 – مقدمة، يليها مسح إثنوغرافي للجماعات “القومية” في سورية، بما هي جماعات عابرة للحدود الوطنية، ووصف علاقاتها المتبادلة، منذ قيام الكيان السوري، وأثر هذه الحيثية في هشاشة النسيج الوطني السوري أو تماسكه، وفي تعريف الجماعات القومية، ولا سيما الجماعة العربية، لسورية على أنها جزء من ..، وفي تعريف غير العرب للعرب.

2 – محاولة ضبط المفاهيم والمقولات، ولا سيما مفاهيم القومية والوطنية والأمة بدلالة الدولة الأمة، أو الدولة القومية، لإيضاح ازدواج دلالة كل منها في الخطاب السياسي وتغير دلالاتها باختلاف الزمان / المكان واختلاف السياق. وفض الاشتباك الدلالي بين العروبة والقومية العربية، على اعتبار الأولى فضاء روحياً، ثقافياً وأخلاقياً، مشتركاً بين العرب والناطقين بالعربية، والثانية مذهب سياسي مستند إلى بنية أيديولوجية تتوفر على تماسك صوري لا يفصح عن مضمراته إلا بمواجهة الخطاب بالممارسة.

3 – الجماعة / الجماعات القومية والنموذج الثقافي / النماذج الثقافية وأثر النموذج الثقافي في تحديد الذات أو تعريفها، لتعيين الحدود المتداخلة بين المجال الثقافي والمجال السياسي، في ضوء جدل الخاص والعام والوحدة والاختلاف، وانعكاس ذلك في إشكالية الهوية / الهويات “القاتلة”، بتعبير أمين معلوف. وتتضمن هذه الفقرة علاقة العروبة بالإسلام والآثار الناتجة من تسييس العروبة وتسييس الإسلام، وأبرزها التباس علمانية الحركة القومية وهشاشة موقفها من الحداثة بوجه عام ومن الديمقراطية بوجه خاص.

4 – اتصال الهويات وانفصالها، وفق التحديدات الذاتية لكل جماعة “قومية” وآليات تحول القومية العربية من حركة شعبية جاذبة ذات ميول ديمقراطية/ حتى عام 1958، إلى حركة توتاليتارية نابذة، وأثر ذلك في استفزاز الجماعات القومية الأخرى وسعيها إلى إبراز تمايزها واختلافها وميلها إلى الانعزال والانفصال، تحت مقولتي “حق تقرير المصير”، وضمان حقوق “الأقليات”.

5 – قراءة الخطاب القومي العربي بالممارسة الواقعية للحركة القومية، ولا سيما البعث والناصرية، وأثر هذين الخطاب والممارسة في الأوضاع السياسية الراهنة، في ضوء علاقات القوة ومنطق الغلبة، وانطلاقاً من كون السلطة ممارسة والسياسة علاقات قوة.

6 – جرثومة الاستبداد في خطاب “القوميات” وممارستها. وحظوظ التحول الديمقراطي في سورية، في ضوء الثورة السورية والتيارات الفكرية والسياسية البارزة في العمل الميداني والتعبير السياسي، ومحاولة تفسير الهوة الفاصلة بين الفعل التاريخي الشعبي والخطاب السياسي الذي لا يزال وفياً لماضيه القريب، القومي أو الإسلامي أو الاشتراكي.

7 – خلاصة ونتائج

 

[1] – راجع، مصطفى حجازي، الإنسان المهدور، دراسة تحليلية نفسية اجتماعية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب وبيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2005، ص 48 وما بعدها.

[2] – راجع جاد الكريم الجباعي، وردة في صليب الحاضر، نحو عقد اجتماعي جديد وعروبة ديمقراطية، فصل بعنوان: نحو إعادة بناء مفهوم الأمة، صدر عن رابطة العقلانيين العرب، دار الفرات، بيروت، ودار بترا، دمشق، 2008، ص 115 وما بعدها.

[3]- للتوسع في هذا الموضوع، راجع جاد الكريم الجباعي، المرجع السابق، ص 129 وما بعدها.

[4] – راجع محاضرة أنست رينان، بعنوان “ما هي الأمة”، منشورة على موقع سؤال التنوير، www.assuaal.net.

[5] – يقدم لنا موقف الأخوان المسلمين المتناقض من حكم البعث في العراق وحكم البعث في سورية دليلاً واضحاً على اقتران العصبية الإثنية بالعصبية المذهبية. وكذلك محاباة حافظ الأسد للإسلام السني، لإضفاء نوع من المشروعية على حكمه، من ذلك تكريم رجال الدين والعلماء السنة في كل مناسبة، وتلبية مطالبهم، (مع وضعهم تحت المراقبة الصارمة)، وفتح وسائل الإعلام لهم على مصراعيها، وتشجيع بناء المساجد ومعاهد تحفيظ القرآن والمدارس الشرعية للبنين والبنات والسماح بفتح جامعة إسلامية (جامعة الفرفور) كانت تمنح درجة الدكتوراه. وقلما نجد قومياً عربياً من المسيحيين أو المسلمين غير السنة لا يحابي الإسلام السني ويظهر الاعتزاز برموزه، ويتغنى بتاريخه وفتوحاته، وقد بلغ كثيرون من هؤلاء في ذلك مبلغ النفاق، في إنكار عصبيتهم الدينية والمذهبية أو تقنيعها.

[6] – بخلاف أطروحة سمير أمين حول المركز والأطراف، ندعي أن هوامش السلطة المركزية أكثر تشبثاً بالأصل والأصول وأكثر انغلاقاً ومحافظة على الأعراف والعادات والتقاليد والقيم الموروثة، وأن الثورة التي تتشكل في أطراف النظام العالمي وتنطلق منها هي بالأحرى نكوص عن المدنية، وتحمل في طياتها جرثومة البربرية. (لم تحتفظ الاشتراكية القومية من المدنية الغربية والثقافة الغربية إلا بما تحاربهما به، ولم تنتصر إلا على شعوبها)

[7] – نقصد سورية الكبرى، ونذهب مذهب ياسين الحافظ إلى أن قومية عبد الناصر ذات أصول مشرقية، بتأثير عزيز المصري، مدرب عبد الناصر في الكلية الحربية. راجع في ذلك ياسين الحافظ، الهزيمة والأيديولوجية المهزومة، الفصل المعنون بـ “تطور وعي عبد الناصر الوحدوي”، دار الحصاد، دمشق.

[8] – راجع في ذلك، عبد الله العروي، “الأيديولوجية العربية المعاصرة”، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، وبيروت، 1995، ص 22 – 24

[9] – للمقارنة بالنازية، راجع الموسوعة العربية، بحث النازية، المجلد العشرون، ص 356

[10] – حول فكرة التأنيث هذه راجع عبد الله حمودي في “الشيخ والمريد”، ترجمة عبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط4، 2010، ص 12 وما بعدها. يعتبر عبد الله حمودي علاقة الشيخ بالمريد علاقة نموذجية لفهم علاقات السلطة.

[11] – ميشيل فوكو، حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، بيروت لبنان، المغرب الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1987، ص 6

[12] – راجع، زكي الأرسوزي، الأمة في الحدس العربي، في كتاب “القومية والوحدة، المقالات”، تحرير وتقديم محمد كامل الخطيب، وزارة الثقافة، دمشق، 1994، ص 576

 

[13] – ميشيل عفلق، معالم القومية التقدمية، عن المصدر السابق، ص 685

[14] – عبد الله عبد الدايم، فكرتنا حية، عن المصدر السابق، ص 555

[15] – ميشيل عفلق، القومية قدر محبب، عن المصدر السابق، ص 316

[16] – عن القومية والوحدة، المصدر السابق، ص 323

[17] – عن القومية والوحدة، المصدر السابق، ص 313

[18] – ميشيل فوكو، حفريات المعرفة، مصدر سابق ص 13

[19] – راجع المعجم الفلسفي لجميل صليبا، وموسوعة لالاند الفلسفية، وللاستزادة يحسن الرجوع إلى مقالة إرنست رينان: ما هي الأمة.

[20] – راجع المصدرين السابقين: القاموس الفلسفي، الذي وضعه الدكتور جميل صليبا، وموسوعة لالاند الفلسفية، وقد وجدنا تشابهاً كبيراً بينهما.

[21] – لا نعوِّل على الأصول العرقية للجماعات القومية، موضوع بحثنا، ولا على ما يسمى الخصائص القومية الثابتة، لأنه ليس من أصول عرقية نقية، وليس من خصائص قومية ثابتة، بل نميل إلى وصف هذه الجماعات، كما تصف نفسها اليوم، بغض النظر عن مسألة “الحقيقة”. لأن وصف أو تحديد أي جماعة لذاتها هو ما ينتج آثاراً اجتماعية وثقافية وسياسية في علاقاتها بالجماعات الأخرى، لا “الحقائق التاريخية”، فهذه الأخيرة للباحثين والأكاديميين يقررون مدى حقيقيتها.

[22] – راجع الموسوعة العربية، إصدار الهيئة العامة للموسوعة العربية، دمشق، المجلد الثاني، ص 591.

[23] – راجع الموسوعة العربية، المصدر السابق، المجلد العاشر، ص 648.

[24] – د. نورا اريسيان عن موقع شام تايمز، على الرابط: http://www.chamtimes.com/60936.html

[25] – إضافة وتصويب مشكوران من أحد الزملاء مستنداً إلى كتاب الدكتور عبد الرحمن حميدة، لم يتسن لنا الاطلاع عليه.

[26] – عن الزميل الذي نوهنا بمساعدته في الحاشية السابقة (26) مستنداً إلى كتاب “التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدلولة العثمانية”، (فروقي وآخرون)، لم يتسن لنا الاطلاع عليه.

[27] – وسمت الانقلابات العسكرية الناجحة منها والمخفقة الشطر الأعظم من تاريخ سورية، بدءاً بانقلاب حسني الزعيم عام 1949 إلى محاولة انقلاب رفعت الأسد على سلطة أخيه، حافظ الأسد، عام 1984.

[28] – ميشيل فوكو، ينبغي الدفاع عن المجتمع المدني، مرجع سابق، ص 70

[29] – ميشيل فوكو، ينبغي الدفاع عن المجتمع المدني، مرجع سابق، ص 74.

[30] – الضمور التدريجي لسلمية الثورة السورية وطابعها الديمقراطي نذير شؤم، من هذه الزاوية.

[31] – عزمي بشارة، في المسألة العربية، مقدمات لبيان ديمقراطي عربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 2007، ص 93- 94.

[32] – عزمي بشارة، المصدر نفسه، ص 94

[33] – الفكر القومي والأيديولوجية القومية والثقافة القومية هي فكر وأيديولوجية وثقافة لجماعة مفترضة، لا وجود لها إلا في رؤوس القوميين، لا للجماعة الواقعية الحاملة بالضرورة للتبادل والتواصل.

 

[34] – الوحدة العربية، في الخطاب القومي شرط لازم للتقدم والتحرر من الهيمنة الإمبريالية وتحرير فلسطين، لذلك ظل التقدم مؤجلاً ومعلقاً على الوحدة القومية ومرهوناً بها، وكذلك التحرر والتحرير، وغدت هذه الشعارات غطاء ومسوغاً لاحتكار السلطة والثروة ومصادر القوة. راجع بحث ياسين الحافظ، بعنوان “نحو منظورات وحدوية جديدة”، في كتابه “في المسألة القومية”، دار الحصاد، دمشق.

[35] – عن عبد الحميد درويش، أضواء على الحركة الكردية … ص 107 –