°
, April 18, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

المتبرع بدمه – إلى حسين بن حمزه . قصة قصيرة للقاص السوري خطيب بدله .

 

القاص خطيب بدله

هذا الرجل النحيف الذي لا تأخذونه بالاعتبار , وتقولون ساخرين إن ميزان ” ربيعة ” الخاص بالدجاج يمكن أن يزنه . . رجل ذو شأن واعتبار , ولديه من العملة والممتلكات والأرصدة ما تقف لمجرد تخيله شعور رؤوسكم . . وأما النحافة فتكاد تكون عاهة فطرية مستعصية على الحل , فهو لا يأكل إلا المواد التي من شأنها زيادة الوزن , دهون ونشويات وسكريات , ويتصل دائماً بمعارفه من الأطباء ويشكو لهم حالته , فينصحونه بقلة الحركة والجلوس المتواصل وكأنه ” قرقة “ جالسة تحتضن البيض , فينفذ , ويحكي لزوجته وأبنائه , أثناء جلوسه الطويل , عن بعض معارفه الذي يسمنون على نحو ملحوظ , يومياً , وكأنك تنفخهم على الكهرباء عند ” كومجي الدواليب ” , وكيف أن واحداً منهم وزن الفروج قبل أن يأكله ووزن نفسه قبل الطعام وبعد الطعام , فوجد أنه ازداد وزنه أكثر من وزن الفروج الذي التهمه بحوالي ” 200 غرام ” ! !

وعندما وقعت الحرب ازداد نحافة , فقد خاف على مصالحه الكثيرة المنتشرة هنا وهناك من أن يطالها القصف أو التخريب زاعماً أنهم يناطحون بالبلاد قوى عاتية لا قبل لنا بها , ثم وجد الكفة تميل لصالح الوطنيين , فمال معهم لأنهم , في المحصلة , ” قاعدون في خلقتنا” فأين المفر ؟ وأصبح يجاملهم ويبدي استعداده للدفاع عن الوطن بالغالي والنفيس , . . وعندما تلقف منه أحدهم هذا التصريح وطلب منه التبرع للمجهود الحربي ببعض الملايين الطائفة على قلبه كالقش بكى وقال :

أية ملايين يا حاجي ؟! إنني مضروب بحجر كبير , وكل الناس يصدقون الإشاعات التي يطلقها عليّ أعداء الوطن !

ثم وقف وكور صدره وأنبق عظامه وقال للرجل :

بربك هذا ” موديل” رجل يمتلك الملايين ؟!

فانفض الرجل عنه مبربراً بالشتائم متوعداً إياه بفضيحة ذات جلاجل , فما كان منه إلا أن تبعه واستوقفه وقال :

سمعت أن العدو قد ارتكب مجزرة شنيعة , وأن ثمة جرحى كثيرين يعانون من نقص الدم في المستشفيات , وأنا أرى من واجبي التبرع لهم بدمي , وأظن أن الدم أغلى من المال والولد .

فلما شهقت زوجته , فيما بعد , وقالت له :

يا اللي ما في بوجهك دم , كيف تتبرع بالدم ؟!

ضحك وقال :

الحكي بيننا , أحد معارفي من الأطباء نصحني بالتبرع بالدم على أنه وسيلة لتحقيق شيء من العافية .

ولكنه ,حقيقة , خاف عندما سطحوه على الشيزلونج , وفكر بكلام زوجته , وسرعان ما انخطف لونه وغامت عيناه, وعاد لا يميز ما أمامه من أشياء .

لاحظ الممرض ذلك فصرخ , فتجمع حوله الأطباء وأسعفوه بعد التداول فيما بينهم وجدوا أنه بحاجة إلى نقل الدم إليه , ففعلوا .

من مجموعة قصص, للقاص السوري خطيب بدله, بعنوان ” حادث مرور “ صادرة عن الدار الوطنية الجديدة . دمشق . سوريا . الطبعة الأولى .2002