ليس ممكناً أن تنتصر الثورة السورية إلا عبر مدخلٍ وحيد وهو إعادة الاعتبار للانتماء الوطني بوصفه الانتماء الرئيس للأفراد المكونين للشعب السوري ، أما باقي الانتماءات فإن وجودها يجب أن يكون متساوقاً مع الانتماء الرئيس وليس متعارضاً معه .
لا يعني إسقاط النظام – والذي هو شرطٌ لازمٌ لانتصار الثورة لكنه غير كاف – أن الثورة قد انتصرت، فالثورة، ولكي تنتصر، يجب أن تكون مفضيةً – ولو بعد حين– إلى سوريا جديدة، مختلفة بشكل كبير عن الشكل الذي صاغه حكم آل الأسد، سوريا سيادة القانون والمواطنة الحقيقية والمؤسسات وحرية الرأي والتعليم المتطور و..و….
يجب أن نعترف أن الانتماء الوطني لدى معظم الشعب السوري، هو في أسوأ حالاته، فالموالون لا يزالون متمسكين بالفهم الذي صاغه حافظ الأسد والذي استبدل كل الانتماءات بانتماءٍ وحيد هو الانتماء له، أي لرأس النظام حصراً، وهم بالتالي يلخصون الوطن بالرئيس أو المصلحة أو الطائفة، والمعارضة أيضاً وقعت في نفس المطب لكن من جهة أخرى ، فأولوية الانتماء لايديولوجيا ما سواء أكانت دينية أم غير دينية هو استبدالٌ للانتماء الوطني، واعتبار الطائفة أهم من الوطن هو أيضاً استبدالٌ للانتماء الوطني، كذلك الانتماء لمصلحةٍ ضيقةٍ حزبيةٍ أو عصبوية ما أو فسادٍ ما هو أيضاً استبدالٌ للانتماء الوطني .
لا يمكننا الآن أن نصل للسلم الأهلي إلا عبر ترتيب سلم الانتماءات، فمن يعتبر أن الانتماء مثلاً لطائفته هو أهم أو يوازي الانتماء للوطن، هو غير قادرٍ على صياغة سلمٍ أهليٍ حقيقي، قد يكون قادراً على إنشاء هدنةٍ بين مكونات المجتمع، لكنه بالتأكيد لن يكون قادراً على صناعة سلمٍ أهليٍ راسخ .
كما أنه لا يمكننا صناعة مشروعٍ سياسيٍ وطني ينهض بسوريا بوصفها وطننا جميعاً إلا عبر حوامل تنتمي فعلاً للوطن أولاً وعاشراً، مع احترام الانتماءات الأخرى التي نتبناها بما ينسجم مع الانتماء الرئيس ولا يتعارض معه .
لا يمكننا أن ننزع السلاح من المواطنين بعد سقوط النظام، إلا بأولوية الانتماء للوطن، ولا يمكننا منع الحرب الأهلية أيضاً إلا عبر هذه الأولوية ، حتى الفساد الذي يجتاح المعارضة والموالاة الآن ، مرده الأساس إلى ضعف هذا الانتماء، وتضخم انتماءات أخرى لا وطنية .
نحن بحاجة الآن إلى إطلاق مشروعٍ كبيرٍ وواسعٍ وهو إعادة الاعتبار إلى انتمائنا الوطني، وهذه مسؤوليةٌ كبرى يجب أن نعمل عليها جميعاً وخصوصاً المعارضة والقوى السياسية، وبغير هذا فإننا قادمون على انهيارٍ شاملٍ لسوريا بالمعنيين التاريخي والجغرافي .
علينا أن نثق أن بإمكاننا صياغة الأسطورة السورية، هذه الأسطورة التي ترتكز على أن شعباً كالشعب السوري استطاع وبعد عقودٍ من حكم نظامٍ هو الأسوأ في التاريخ، وبعد تدمير معظم مقومات وجوده، وبعد مجازر تعدُّ من أفظع مجازر التاريخ، وبعد تواطؤ المجتمع الدولي برمته عليه، استطاع أن يبني دولةً حديثةً وقادرةً على الحياة والتطور .
لست شاعراً، ولا واهماً، لا أزال أرى أن الشعب السوري قادر على اجتراح هذه المعجزة .
هي فكرةٌ أوليةٌ تحتاج لعملٍ واسعٍ وحثيث ومكثفٍ وفوري.