°
, April 20, 2024 in
آخر الأخبار
قضايا

مدى نجاعة عسكرة الثورة

بعد أشهر من انتفاضةٍ سلميةٍ حملت معها صور المقاومة المدنية اللاعنفية ضد ديكتاتورية شرسة, بدأ الترويج والتحريض إعلامياً و بإيعاز

إقليمي إلى الانتقال لمرحلة أخرى من مراحل المقاومة بالدفاع المسلح عن النفس, وهو حق مشروع أخلاقياً ودينياً وحتى ثورياً, لكن كان هذا التحريض حق يراد به باطل, مع التغاضي عن فكرة أن من يملك الحق يتوجب عليه الإمساك باعتبارات هذا الحق وشروط ممارسته، على أساس القاعدة الفقهية “ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب”.تتلخص هذه الاعتبارات والشروط بعدة نقاط لم يتوفر أيٌّ منها منذ بداية خلق العسكرة إلى اللحظة الحالية.
بدايةً, لم ينجح هذا التسلح أبداً في أن يكون تحت راية قيادةٍ سياسية, بل كان يتبع قيادات عسكرية مناطقية, فبات العسكر يوجهون الساسة لا العكس, بخلاف الفصائل والميليشيات المقاتلة مع النظام كميليشيات عسكرية تتبع لقرار سياسي. ثانياً, لم يكن حملة السلاح أو مابدأ عسكرياً تحت تنظيم ’الجيش الحرِ‘ موحداً بل أقرب إلى الميليشيات منه إلى الجيش وهذه الحالة ماثلة حالياً، ناهيك عن أعمال القتل والخطف المتبادلة والنزاعات المستمرة . ثالثاً, العسكرة و المتعسكرين حطموا ولم يبنوا, حيث ارتكزت استراتيجيات قتالهم منذ البداية على الانطلاق من الداخل إلى الخارج, أي من الأحياء السكنية ومن بين المدنيين إلى المقرات الأمنية و القطع العسكرية الموجودة خارج المدن, سبب هذا الشيء خسائر كبيرة في الحاضنة الشعبية للفصائل المسلحة المعارضة, بحيث لم يؤخذ بالاعتبار أن النظام سيقتل المدنيَّ بذريعة المسلح, بل ما تم الأخذ به هو أن التواجد بين الإحياء السكنية سيكون حماية لحملة السلاح من المواجهة المباشرة مع النظام, فانقلبت الآية من حماية المدنيين إلى التحامي بهم, لتكون النتيجة الحالية إفراغ المدن من سكانها وحلول الفصائل محلهم, وتحول الحاضنة الشعبية للعسكرة من التأييد إلى الخوف من المتعسكريين.
باسم الثورة تم اغتيال كلُّ مقوماتها, فكانت في البداية أخطاءً ما لبثت أن تحولت إلى جرائم, وكان الجواب الدائم النظام هو المسؤول. كل هذه الأعمال سهلت تواجد الجهاديين في سورية, مع تحول كثير من جنود الجيش الحر من ثوار ضد الديكتاتورية إلى مجاهدين ضد المختلف عنهم في العقيدة, وتحول ليصبح الجيش الحر خزاناً بشرياً يرفد الجماعاتِ المتطرفة بالمقاتلين .
لم يكن العنف خياراً بقدر ما كان إجباراً، بدايةً من النظام لجرِّ الثورة إلى منطقته, وليس انتهاءاً عند بعض أطياف المعارضة ممن نظّروا إلى حتمية العنف في الثورة.للحقيقة تم التلاعب في الثورة السورية من وجهة نظر إسلامية إخوانية, تنص على أنه لكي تنتصر الثورة السورية يلزمها ثلاث, أولاً: عسكرة الثورة, لأن الرسول دعا للالتحاق بجيش الشام ومن ثم سيكون الانطلاق للقضاء على الصفويين والشيعة في كل من لبنان والعراق وإيران. ثانياً: طائفية الثورة, أي أن تتبنى التوجه السني الشيعي. ثالثاً: تحالف مع الغرب الرومي, لأن الرسول أَخبر بانطلاق تحالف إسلامي غربي من الشام لإنهاء العدو المشترك في إيران, حسب نظرية (حلول الصلح الآمن الإسلامي – الغربي ). للأسف علاوة على هذه الثلاثية التي باتت أساس العمل الثوري،أصبح النضال للتحرر من الديكتاتورية إلى صراعٍ أمنيٍّ عسكريٍّ إقليميّ، يتمثل بين قاسم سليماني وبندر بن سلطان و جميل حسن وحقان فيدان.

قد يقول قائل إن هذا الكلام فاتَ أوانه, وأنا اتفق بذلك, ليس هذا دعوةً للعودة إلى العمل السلمي, ولكنه دعوةٌ لنبذ جميع الفصائل المقاتلة في الصراع السوري وخاصة بأن أكثر الفصائل المقاتلة ليست مؤمنة بمشروع السوريين المستقبلي, ومن بابِ التذكير بأن من تأمل خيراً بالتسلح قائلاً إن المقاومة السلمية خيارٌ ساذجٌ ظاناً أن أيام النظام ستكون معدودة, يجب أن يقتنع بأن هذا الخيار هو من أبعد السوريين عن مطالبهم الأولية التي نادوا بها في آذار 2011 محوَّلاً سورية إلى جحيم, حيث كان هذا الخيار”أي العسكرة” توأمَ الحلِّ الأمني العسكري الذي انتهجه النظام بتحويل سورية إلى أخطر مكان في العالم .
و بعد أربع سنوات, هل لنا التساؤل أين الصراع العسكري من الثورة السورية؟؟ وماذا أنتج هذا الصراع المسلح ؟؟. من المؤكد إن الأجوبة سلبية. وإن ذهبنا إلى المنطق والتجارب التاريخية نرى أنه يخلو من مثال يكون فيه العنف طريقاً للانتقال إلى الديمقراطية ودولة القانون, وانتظار نتيجة من هكذا صراعات عبثية هو ضرب من الوهم , والحديث عن منتصر هنا وخاسر هناك لا يفيد بأي شيء سوى الشعور بالتشفي والانتقام الوقتي, لذلك على الجميع تحطيم أسطورة الانتصار العسكري الوهمية التي هزمت السوريين جميعاً والبحث عن حلول أخرى توفر ما سينتجه استمرار التصارع.

المصدر : http://mzikar.blogspot.no