°
, April 18, 2024 in
آخر الأخبار
قضايا

منذر مصري يكتب: تاريخ الخديعة.. تعالوا نضحك على الشعب السوري!؟

لطالما اعتبرت تقديم محمد الماغوط لمجموعة زكريا تامر: (النمور في اليوم العاشر) أجمل نصوصه على الإطلاق، خاصة وهو يقول بلسان بحّاثة في علم بقاء الأنواع: (سندرس كيف يتطور المخلوق البشري في هذه المنطقة من إنسانٍ إلى قرد، وأهله وحكامُه يتفرجون عليه من النافذة وهم يضحكون).

لا أظن سورياً لا يعلم عما يتحدث الماغوط. وكيف كانوا يسوقون الشعب السوري إلى الشوارع والساحات ومضارب الخيم، ويقومونه ويقعدونه وينطنطونه ويرقصونه، كالقرود. إلاّ إني مع إعجابي الزائد بالنص، لم يفتني الانتباه لصيغة التعميم: (هذه المنطقة).

يقول الماغوط  للمخرجة السورية هالا محمد في فيلمها: (إذا تعب قاسيون)، أنه عاش مذعوراً طيلة حياته، وأن لديه من الخوف ما يزيد عن احتياطي النفط الخليجي. ولكن ما لم أقبله هو قوله: (وأهله وحكامُه يتفرجون عليه من النافذة وهم يضحكون). ذلك أنني رأيت أهله يبتسمون ابتسامة مائلة، ولكنهم ما كانوا يضحكون أبداً، بل ربما يبكون.

نعم، ضحكوا على الشعب السوري، طويلاً. فالعثمانيون حكموه أربعة قرون، بالتجهيل والتجويع والموت، بخدعة أنهم مسلمون مثله. ثم لما جاء الفرنسيون، قسّموه وجزؤوه جغرافياً ومذهبياً، بحجة تطويره وتحديثه. وعندما قام بثورته ضد الاستعمار، ليحيا في سوريا ديموقراطية.. مدنية، لم يستغرق الأمر أكثر من ثلاث سنوات حتى راح أبناؤه العسكر، يقومون بالانقلاب تلو الانقلاب، معيدين سوريا في كل انقلاب مظفر، لنقطة الصفر، والمؤسف كثيراً، أن النخبة السياسية الوطنية، كانت تقبل به، صاغرة في البداية، ثم لا تلبث وتجاري زعيم الانقلاب الجديد، وتنشغل في توزيع المناصب فيما بينها.

ثم عندما نزل الشعب إلى الشوارع مطالباً بالوحدة، قام حكامه آنذاك، نتيجة تخوفاتهم من سوريين آخرين، وسلّموا سوريا بوحدة اندماجية كاملة مع مصر. واضعين كل أهداف هذا الشعب وأمانيه، في أيدي حكام يفتقدون لأي كفاءة، ويحسبون أنه بالخطب والكاريزما، والمخابرات طبعاً، يمكن حكم الشعوب الطيبة، بينما هم لاهون في صراعاتهم وملذاتهم. ثم عبوراً بفترة الانفصال، التي بقيت فيها صور جمال عبد الناصر في البيوت وعلى الجدران وعلى واجهات الدكاكين، إلى أن قامت ثورة 8 آذار، التي أول ما وعدت به، كان عودة الوحدة. غير أنه سريعاً ما ظهر أن هذا لم يكن سوى تكتيكاً سياسياً، وخاصة عندما قامت الثورة بتبعيث الجيش والدولة، كما كشف عبد الناصر في خطابه الشهير آنذاك. ولكن ذلك لم يثن حزب البعث من بذل الوعود بالوحدة والحرية والاشتراكية، وبأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. وبعد خمسة عقود من حكمه، وعلى لسان بعثي قديم في رواية (شارع الخيزران-2014) لحسن صقر: (هذا هو البعث. خرجنا لتوحيد الأمة فعجزنا عن توحيد حي الرمل الشمالي مع حي الرمل الجنوبي في مدينة اللاذقية). أمّا مآثر البعث الأخرى، فخسارة أرض تبلغ مساحتها /1860/ كم2، يتوفر بها 15% من المخزون المائي السوري، في حرب قامت منذ نصف قرن تقريباً، لكنها فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي وهو اسقاط النظام الثوري في دمشق!؟.

وبدل أن يكافأ هذا الشعب على خمسة عقود من الانصياع، لأسوأ آليات الحكم؛ والأحكام العرفية، والحزب الواحد، لكنه للأسف لم يكن مهيئاً لأي نوع من المكافآت، سوى زيادة 20% على رواتب الموظفين، من دورة رئاسية إلى أخرى، فقد وقع في روعه أنه يستطيع كما شقيقاه الشعب التونسي والمصري، القيام بمظاهرات سلمية، تصل صيحاتها: (الشعب السوري واحد) (سوريا بدها حرية) (الشعب السوري ما بينذل) إلى مسامع من يقطن القصر الجمهوري، فيقوم هذا الإنسان السوري، ابن الشعب، بكل قدراته لتلبيتها. لكن هذا أيضاً لم يحصل، وبدلاً عنه دخلت البلاد في دوامات الدم والموت والنزوح والدمار، وبفضل من؟؟ أولاً، بفضل من أطلقوا الرصاص الحي على من يمضون كاشفين صدورهم العارية، وذلك لإفهامهم بكل صراحة أنه لا شيء مما يطالبون به قابل لأن يُعطى لهم، فذلك علامة ضعف، لا يقبل بها الحاكم الذي انتخبوه هم أنفسهم. وثانياً، من وعدوهم، ومن وعد واعديهم، أصدقاء الشعب السوري! بأنه خلال شهرين أو ثلاثة سيسقط النظام، أو أنه سقط منذ أول يوم كتب فيه أطفال درعا (حرية) على جدران مدرستهم! وثالثاً بفضل من دفعوهم لاستخدام السلاح، باعتبار أن نظام كهذا لا يسقط بالمظاهرات السلمية، وأنه سيكون هناك جيش حر، لحماية السوريين وتحريرهم، فإذ بالجيش الذي لم يملك من حريته سوى الاسم، كونه مرهوناً لمموليه ومسلِّحيه، يختفي ويحل بدلاً عنه جماعات اسلامية متطرفة، حولت بإجرامها الكابوس السوري إلى استيقاظ داخل القبر.

ورابعاً، من أكّدوا له أنهم انتصروا على الإرهاب منذ الشهر الأول، فانتشرت ملصقات (خلصت) في كل مكان، لكنها بعد أربع سنين لم تخلص، وصارت بلا نهاية.

أخي سمير ذكرى، تستطيع اعتبار مساهمتي هذه اقتراحاً أولياً لفيلمك: (الخديعة الكبرى)، إلاّ أن ما أخشاه أن ينطبق هذا العنوان أكثر ما ينطبق على أن الشعب السوري ضحكوا عليه أكثر ما ضحكوا عندما جعلوه يصدّق أنه شعب.

 

المصدر : http://hunasotak.com