°
, December 7, 2024 in
آخر الأخبار
دراسات اجتماعية

المرأة والرجل وأدوار التنازع على السلطة – روزا ياسين

  

  روزا ياسين

 

“أشكّ في محبة لا تقوم على الحرية”

الربة ليليت، سفر التكوين

أول ديانة للرجل كانت المرأة . حقيقة ما تزال جدران الكهوف والرّقم الحجرية تؤرّخ لها. وما تزال رسوم سيدة براسمبوي العائدة إلى سنة 36000 قبل الميلاد حاضرة، كذلك رسوم فينوس دي سيروي الموجودة منذ 25000 سنة قبل الميلاد. حينها كان المجتمع المتريركي (الأمومي) يسود الأرض، واستمر كذلك حتى استطاع الرجل تحويل الحصان من حيوان للجر/ السلم إلى حيوان للحرب/ العنف، وسخّر قوته الجسدية للتغلب على سلم الأنثى وخلقها، بدل أن يستخدمها في الزراعة والرعي والصيد. الأمر الذي حوّل التجمعات النسائية المسالمة إلى مدن ذكورية مسوّرة، تخترع الحروب والغزوات كوسيلة للسيطرة والفاعلية.

بما أن الأساطير هي الوجه الآخر للحقائق، أو بمعنى آخر تدوين لذاكرة الشعوب وتفسيراتها للكون، فهي تحكي الكثير عن السيطرة الأنثوية الأولى على الأرض، ابتداء بالربة إنانا في الأسطورة السومرية الأولى، ربة البشر والشجر والخصب، وحتى ربات الفنون السبع المقيمات على قمة جبل الأوليمب في الأسطورة الإغريقية، مروراً بتعامة الأم، أو ربة العماء الأول، خالقة الكون في الأسطورة البابلية.

في ذلك الوقت ولدت ليليت المقدسة، ربة المهد، التي كانت ترعى الأطفال وتسهر على تربيتهم. وليليت تلك، التي أضحت تعبيراً عن فرادة الأنثى وحريتها وتمسكها بحقوقها، كانت سمراء طويلة بشعر كالليل تهدهد عليه الصغار، ورموش طويلة تضيء لهم الأحلام. ليليت الجدة الحانية الفاعلة، كانت من أهم الرموز الأنثوية الأسطورية. فقد كانت الشخصية الرئيسية في كتاب العهد القديم: سفر التكوين. وهي الزوجة الأولى لآدم قبل حواء، لكنها الزوجة التي خلقت من طين مثله، وليس من ضلعه المائل كما حواء، وبالتالي كانت نداً له. اختلفت ليليلت الحرة مع آدم، حين حاول أن يفرض عليها نظام التراتب الذكوري، أن يقيد حريتها ويستعبدها، فهربت من الجنة مفضّلة أن تتوه في العالم على النعيم المقيّد.

محاولات لقلب التاريخ

مع قدوم السيطرة البطريركية، التي بدأت تثبت أقدامها حوالي الألف الثالثة قبل الميلاد، عملت السلطات الجديدة على قلب المعطيات بناء على مصالحها، وبالتالي حاولت تشويه سمعة وصورة العدو، الذي هو هنا المرأة. ولكن ليست أية امرأة، بل التي رفضت الخضوع لتلك السلطة. وفي المحاولات اللاحقة راحت السلطة الذكورية تسعى لامتلاك ناصية اللغة، كحال أية سلطة ديكتاتورية، كي تقوم بتدوين التاريخ كما تريده، تاريخ ذكوري بامتياز، يعمل على إقصاء أية سلطة للأنثى. وبالتالي تبقى النقوش الحجرية شاهدة على العبقرية الذكورية، وشاهدة كذلك على هامشية العقلية الأنثوية، بل وشرورها التي راحت تعمّ الأرض.

عاهرات المعبد مثلاً، كانت تسمية تطلق في العصر الأمومي على النساء اللواتي يهبن أجسادهن ومتعتها للرجال في المعابد. وأولئك النسوة كن يعاملن كقديسات محترمات. فعاهرة المعبد امرأة لا تقدم فرجها من أجل لذّتها الأنانية، ولا بهدف متعة عابرة، وإنما كصلاة وتقدمة لتحقيق المثل الأعلى. كان يوم البغاء، وهو عيد الربيع، يسمى يوم المومسات. فربة الربيع تأتي لتمارس هذه المهنة لبعض الوقت.

في تكامل للفكرة ذاتها، كانت العذرية عقبة في طريق الخصب، والمرأة التي اختُبر خصبها مطلوبة ومرغوبة، فيما ينظر إلى العذراء كناقصة للأنوثة. مع الزمن أضحت العذرية ضمانة ومطلبا، والعذراء تُراقب عن كثب، لأنها ملكية للرجل وحق له فحسب. حتى أن ممارسة حقّ التفخذ، أي افتراع علية القوم لنساء مناطقهم ليلة العرس، ظلّ حتى مطلع القرن الثامن عشر سائداً في أوروبا.

تعامة الأم الأولى ستغدو في الأسطورة البابلية رمزاً للشرور، يتخلّص منها الذكر الشاب مردوك، ويقتلها صانعاً من جسدها العالم. وليليت، التي لم ترض أن تتنازل عن حقها كربة للمهد، تتحول إلى قاتلة في الخرائب، تتربص بالأطفال وتغوي الرجال لقتلهم، ويغدو شعرها، أرجوحة النوم المهدهدة، أنشوطة للخنق. فيما تبقى إنانا، التي تنازلت للسلطة الذكورية الجديدة، على حالها، أي ربة للجمال.

الانقلابات تلك راحت تطال كل الأعراف والقيم التي كانت سائدة. المرأة الكاهنة/ حاملة العلم، باعتبار أن العلم كان حكراً على الكهنوت حتى وقت متقدم، صارت رمزاً للخطيئة والشرور. فواجبها أن تتنازل عن علمها للسيد الجديد! وراحت البوم، التي كانت رمز ليليت، تتحول من حيوان حكيم عميق إلى ناعب للخراب. أما الحية، التي كانت رمزاً للمرأة الشافية، فتحولت إلى أكثر الحيوانات شراً وفتكاً. حتى أنها تلبست لباس إبليس لتغوي المرأة بالمعرفة. المعرفة صارت إثماً في الديانات البطريركية، والمرأة التي تستخدمها تحرم نفسها ورجلها من النعيم!

وتُقتل هيباثيا، ابنة ثيون الاسكندري، في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس، على يد جماعة من المتعصبين المسيحيين عام 415م. فقد كانت المرأة الوحيدة التي يذكرها التاريخ كمعلمة في مكتبة الإسكندرية. كما أنها أول امرأة يذكرها التاريخ كمعلمة رياضيات، حيث درست على يد والدها عالم الفلسفة والرياضيات.

إذن، التخلص من المرأة بقتلها الفعلي، أو قتل فاعليتها، أو تشويه سمعتها، كان من أهم الركائز لاستتباب السيطرة الجديدة.

الأمر يبدو جلياً في الكتابات اللاحقة. فأجاكس مثلاً يقول في الإلياذة: أيتها المرأة إن السكوت هو زينة جنسك. ويسطّر هوميرس اليوناني في ملحمتيه: الإلياذة والأوديسة، رموزاً للفكر البطريركي في نظرته للمرأة: فهي هيلانة جالبة الحروب، التي شُنت حرب طروادة من أجلها، وهي الربة هيرا جالبة الشرور، والتي تنتقم من كل النساء اللواتي يعشقهن زيوس الفحل.. وهلم جرا.

في بلاد الفرس أضحى ممنوعاً على المرأة التلفّظ باسم زوجها. وقد قضى المشرّع البابلي، وهو أول تشريع أرضي ذكوري، أن ترمى المرأة في النهر إن هي رفضت زوجاً. وما محاولات ترسيخ انتقال النسب من الأم إلى الأب، والذي استمر عقوداً طويلة، إلا تأكيد على تجيير الأجيال الجديدة برمتها إلى خانة المالك/ الرجل. وما كان يسمى على سبيل الفخر: تربية النساء، كناية عن التربية المسالمة والمهذبة، أضحى مذمّة في العصر البطريركي، عصر الحرب والقوة والسلاح، وراحت الحروب الطاحنة تدور لأخذ حق ليليت الربة في تربية الأطفال.

ناقصات عقل ودين

تقول الكاتبة الأسترالية جيرالدين بروكس فكرة أجدها في صميم الموضوع، وذلك في كتابها الذي بعنوان: تسعة أجزاء للرغبة، والذي ترجم إلى العربية بعنوان “الأنوثة الإسلامية”. ففي معرض حديثها عن خديجة، الزوجة الأولى للرسول محمد والوحيدة لمدة 24 سنة، تقول: أن الرسول لم يتلق الوحي الخاص بأوضاع النساء إلا بعد تسع سنوات من وفاتها. فالآية 34 من سورة النساء: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”. ستبدو غريبة على شفاه محمد لو أن خديجة كانت على قيد الحياة وتدفع له مصاريفه!

اليوم تُتّهم المرأة بأنها غير قادرة على الإبداع وخلق الفنون، رغم أن ربات الفنون في جبل الأوليمب كن نساء. واسمهن musesكان هادياً لإطلاق اسم الموسيقى على ذاك الفن الجميل: كاليوبيا إلهة الشعر الحماسي، تربسيكورا إلهة الرقص، طاليا إلهة الكوميديا، يوتربا إلهة الشعر الغنائي، بوليهمنيا إلهة الأناشيد الدينية، إيراتو إلهة الغزل والنسيب، ملبوميني إلهة المآسي. كما كان للفلك والتاريخ ربتان، هما أورانيا وكليو. يبدو واضحاً مما سبق أن العلم والتاريخ والفنون كانت أعمالاً للنساء فحسب.

لكن العلم أضحى مع الزمن، ومع استتباب السيطرة البطريركية على المجتمعات، صناعة شيطانية تضرّ بالبشر. وما إنزال اللعنة عليه في القرون الوسطى إلا لعنة على المرأة التي كانت في القديم صاحبة العلم الأولى. الفكرة تبدو واضحة في رواية غوته “الدكتور فاوست”، الذي باع روحه للشيطان مقابل المعرفة. وأسطورة ميديا، كاهنة هيكاتي، تفصح عن الأمر بجلاء: كانت هيكاتي الربة هي التي طورت العلم والفنون، وصارت ربة شمولية تعتني بالسماء والأرض والبحر. وميديا أتقنت العلم النبيل عنها، وعلمت زوجها جيسون ذاك العلم/ السحر، ليحقق مطالب والدها، فيوافق الأخير على الزواج. بعد أن وهبت ميديا سر العلم لحبيبها، أحب الأخير عذراء فتية، غير عالمة ولا متفردة ولا تملك زمام الفعل، وقرر الزواج منها. لكن انتقام ميديا من جيسون، وعدم رضوخها لأنانيته وجحوده، جعلها ربة السحر الأسود في الأسطورة! مع الزمن حولها الرجل من عالمة جميلة إلى ساحرة، تُصوّر في عتمة الليل بصوتها المخيف والأفاعي تلتفّ على عنقها.

أما باوبو، التي كانت من أعظم الربات وأحبهن، ربة الإثارة والطاقة الجنسية الخلاقة التي تبعث التوازن في الطبيعة والحياة، فقد صارت توصف بالماجنة الداعرة في الكتابات اللاحقة، وتُصوّر على إنها عجوز شمطاء. رغم أن اسمها، الذي يدل على عضو الأنوثة، لا ينسجم البتة مع شكلها الجديد المشوّه. وعلى الرغم من أن طقوسها الجنسية في الأساطير الأولى كانت طقوساً فصلية إنباتية، فالإنبات يحتاج إلى فرح، والفرح لا يكون من دون حياة، والحياة لا تكون من دون جنس متجدد.

في قصيدة لإنانا الأولى يقول دوموزي في الأسطورة السومرية الأم:

الشمس ذهبت لتنام، النهار انقضى،

فيما أنت في السرير تحدقين فيه،

فيما أنت تمسدين الرب،

فيما أنت تمنحينه الحياة،

امنحي الرب الصولجان والمحجن

تبدو سلطة المرأة الجنسية واضحة في هذه القصيدة، كذلك اعتدادها بهذه الطاقة، ومحاولات الذكر لأخذ السلطة عبر مطالباته بالصولجان والمحجن.

الأمازونات وساحرات محاكم التفتيش

في محاولات لعودة السلطة إلى النساء قامت جماعات الأمازونات في العديد من بقاع العالم. وهي تجمعات نسائية صرفة، تطرد أي ذكر قد يأتي إليها، إما بإبعاده أو قتله. لكن حرب الأمازونات ضد السلطة الذكورية، التي كانت تحاول على الدوام إبادة تلك التجمعات النسائية العدوة، كانت بطريقة الرجال، أي بالسيف والقوس والسهام. وكلمة أمازونة تعني فاقدة الثدي، حيث كن يحرقن الثدي بالنار، وتقول بعض الروايات بقطعه، كي لا يعيق الحركة في استخدام أدوات القتال. إذاً الحرب كانت بلغة ذكورية، فلم تكن لغة السلم والفن والعلم القديمة واردة في ظل كل ذاك العنف.

عرف التاريخ أمازونات الإغريق وأمازونات ليبيا. فيما بقي البربر، سكان المغرب الأصليون منذ آلاف السنين، محافظين حتى فترة متأخرة على سلطتهم الأنثوية، وهم أحفاد ليليت بامتياز، ويدل وضع المرأة البربرية المتقدم حتى اليوم على الأمر. حتى أن كلمة: لغة أمازيغية، مشتقة من أمازونات. حين هاجم العرب بلاد البربر سنة 700 ميلادية، تصدت لهم الكاهنة البربرية الشهيرة، وكانت حرباً بين السلطة الذكورية التي تجتاح العالم والسلطة الأنثوية في تلك البقعة.

أما الأمازونات الأميركيات اللواتي كن يقطن ضفاف نهر الأمازون، وقد سمي النهر باسمهن وليس العكس، فقد قام فرانسيسكو دي أوريلانا في سنة 1535 بشن الحروب الضروس عليهن، حتى استطاع إبادة تلك القبائل. ويقدر عدد القتلى في المجازر التي ارتكبها الأوربيون أكثر من أربعين مليون قتيل. وقد اكتشف في البرازيل سنة 1542 قبائل من الأمازونات. وفي القرن الثامن عشر وجدت كتائب نسوية أيضاً في مملكة نسوية في مملكة داهوتي.

في النهاية تم القضاء المبرم على الأمازونات، لم تبق إلا الفكرة، وبعض الفلول القبلية التي لا تشكل أي خطر على السيطرة البطريركية. لكن الثورات النسائية لم تقف، راحت تتبدى على شكل حالات فريدة في القرون الوسطى. وأية امرأة متفردة كانت تتهم بالهرطقة، وإن هي داوت بالأعشاب أو استخدمت العلم فهي مشعوذة، وإن مارست طقوس التعبد للربات فالأرواح الشريرة سكنت جسدها. في القرن السادس عشر، على وجه الخصوص، وفي ظل محاكم التفتيش، أحرقت عشرات الملايين من النساء المتهمات بالسحر والشعوذة. وما مسرحية آرثر ميلر الشهيرة: ساحرات سالم، إلا إعادة لإحياء تلك المجازر، حيث حاول إسقاط معاناة الساحرات، المطالبات بالحرية والتفرد الأنثوي، بما قام به النظام الرأسمالي ضد معتنقي الشيوعية. المثير للاستغراب أن ميلر في القرن العشرين حورب بسبب تلك المسرحية، وتعرض للمحاكمة أيضاً!

ساحرات لم يحرقن

المفكرة ميري فولستونكرافت، التي توفيت في العام 1797، كانت زعيمة ومفكرة. وهي أول شخصية في التاريخ استعملت تعبير: حقوق المرأة، كمصطلح سياسي على غرار المصطلح الجديد في ذلك الوقت، والذي أطلقه الثوريون الفرنسيون، وهو: حقوق الإنسان. الآن تعتبر محتويات أول كتاب نظري ألفته هذه الزعيمة: “الدفاع عن حقوق المرأة”، أساساً وقاعدة لكل حركات مساواة المرأة. ويعتبر أيضاً كتاباً بريئاً وبسيطاً في محتواه إذا ما قورن مع الكتب الحالية. وميري برهنت في عملها هذا على أن حقوق المرأة وحقوق الإنسان جزء واحد لا يتجزأ، لكن في ذلك الوقت أثار هذا الكتاب فضيحة وجدلاً حاداً لما احتواه من كلمات مطلقة مثل: الكلمات اللطيفة، طيبة القلب، الذوق الرفيع. وهي كلها كلمات مرادفة للضعف، مما أدى إلى انتقادها بشكل واسع من قبل أعدائها، وأطلقوا عليها لقب: ضبع في تنورة!

سوزان أنتوني، المتوفاة عام 1906، أول امرأة من المدافعات عن حقوق المرأة، قررت أنه لا يمكن الحصول على مساواة المرأة بالرجل بدون المشاركة في الصراع السياسي. وفي بداية عام 1860 أسست هذه المعلمة من ولاية نيويورك مع صديقتها ايليزابيث ستينتون جمعية الإخلاص النسائية الوطنية. وهي أول منظمة نسائية في العالم.

أميلينا بانهيرست، المتوفاة سنة 1928، أول امرأة في حركات حقوق المرأة رفضت مبدأ عدم استعمال العنف في الصراع من أجل حقوق المرأة. فقد ظهرت في بداية القرن العشرين منظمات نسائية تطالب بحقوق المرأة في الدول المتحضرة في العالم، وكانت أساليب النضال واحدة: محاضرات، مظاهرات، إضرابات، وفي بعض الأحيان رفض دفع المخالفات المالية المترتبة جراء القيام بمظاهرات غير قانونية، أو لصق الملصقات على الجدران وفي الشوارع بدون موافقة.

وقررت أميلينا، وهي الاشتراكية البريطانية، تغيير كل هذه المفاهيم في النضال، وذلك بتأسيسها في عام 1903 الاتحاد النسائي الاشتراكي السياسي، الذي أثار اهتمام الكثيرين في المجتمع البريطاني.

ليليت تقوم من بين الأموات

يبدو القرن العشرون قرن ليليت بامتياز. فمنذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى اليوم راحت تتوالد جماعات نسوية جديدة، محمّلة بأفكار وأساليب جديدة أيضاً، تحاول أن تعيد الاعتبار للربة الأنثى، ولأعراف المجتمع الأمومي. وما جماعة الحد الثالث للتثليث، وهي جماعة سرية حديثة تعود لخلق البغاء المقدس، إلا تعبير واضح عن تلك الرؤية المبتكرة.

اعتمدت معظم المدارس النسوية الحديثة على إعادة نبش التاريخ والأسطورة، حيث مثّلت مدارس ما بعد الحداثة الأوروبية، بإعادة تفكيكها للأسطورة والقص الشعبي والغيبيات المكرّسة، الرد الجريء على مدارس الحداثة التي نادت بالعقل وسلطته.

سيمون دي بوفوار (1908-1986)، رفضت الخضوع لمصيرها المرسوم كأم وزوجة وكان لقاؤها مع الكاتب جان بول سارتر حسب قولها:” الحدث الرئيسي في وجودها” (الكل مهم فعلا) 1972.

عاشت سيمون هاجس الحرية وعلى الخصوص حرية المرأة ومن خلال ذلك حرية الكائن الإنساني عموما. ويبقى مؤلفها ” الجنس الآخر” 1949 من أهم وأشهر مؤلفاتها داخل فرنسا وخارجها والذي كان المرجع والمُعبّر عمّا كتب عن المسألة النسوية. عالجت فيه وشخّصت الأوضاع التاريخية والاجتماعية والنفسية والخضوع الثقافي للمرأة لمجمل التابوهات. وبذلك اخترقت الصمت لتربط وضعية المرأة الفرنسية في القرن العشرين بالنماذج التحقيرية التي حاك خيوطها مذهب القديس توما الإكويني.

جوليا كريستيفا الناقدة النسوية البلغارية الكوسموبوليتية، تلميذة دريدا، عملت في فرنسا على الجانب اللغوي من النسوية، وكرست إلى جانب معاصراتها من الناقدات النسويات، أمثال هيلين سيكسو وإلين شوولتر ولوسي أريكاري وغيرهن، فاعلية المرأة، أي إعادة الصولجان الفكري واللغوي إليها، في محاولة لإعادة الربوبية الأولى إليها.

أدوار تبادل السلطة بين الأنوثة والذكورة لم تنته بعد. وريثما يأتي زمن يؤمن فيه الطرفان ألا سيادة لأحدهما على الآخر، وأن الاختلاف الجميل، المقولة التي راحت مدارس النسوية تنادي بها، ليس بالضرورة أن يكون تراتبياً أو تفاضلياً، بل هو ندي بالتأكيد، حينها فقط قد تنتهي أدوار التنازع على السلطة.

أهم المراجع المستخدمة:

— ليليت والحركة النسوية الحديثة، حنا عبود، وزارة الثقافة، دمشق 2007

— العشق الجنسي والمقدس، فيليب كامبي، ت: عبد الهادي عباس، دار الحصاد، دمشق 1992

— مقالة: قصة نساء حفرن أسماءهن على جبين الإنسانية، مرعي أبا زيد، موقع حواء الإلكتروني.

— طقوس الجنس المقدس، س. كريمر، ترجمة: نهاد خياطة، دار علاء الدين، دمشق 1993

— الأنوثة الإسلامية، جيرالدين بروكس، ترجمة: براعم سليمان، دار الكنوز الأدبية، بيروت

المصدر : . . موقع الأوان