°
, November 12, 2024 in
آخر الأخبار
الشــيخ صالح العلي

تنويه الرئيس جميل ماميش .

الرئيس جميل ماميش هو أحد مستشاري وقادة هيئة أركان الثورة السورية الأولى بقيادة الشيخ صالح العلي , الذي أرسله  وزير الحربية يوسف العظمة  من الحكومة الوطنية بدمشق  بالتنسيق مع الملك فيصل ملك المملكة السورية حينها, حيث التقى الوزير يوسف العظمة – قُبيل استشهاده بفترة قصيرة –  والشيخ صالح العلي  في  “علّية بيت مسوكر” قرية السويدة جانب مدينة مصياف سهل الغاب .حيث  رافق وزير الحربية أبرز القيادات العسكرية التي شكّلت الجيش السوري الوليد , و تم الاتفاق على عدة نقاط  ,من ضمنها  قيام وزارة الحربية بتزويد الثورة  بالسلاح والعتاد  وندب عدّة ضباط  نظاميين لمساعدة الشيخ بقيادة  الثورة  السورية الأولى , وكذلك البدء  بتشكيل  ” الفوج المِلّي ” الذي ضم متطوعين مدنيين التحقوا بالثورة  من مدن الساحل والداخل السوري  بقيادة المجاهد ” عزيز بك هارون ” من مدينة اللاذقية وهو من ضمن هيئة أركان الثورة .

( لقد تأكد لي بعد الاطلاع والتجربة والبرهان ، أن الشيخ صالح العلي ، قائد الثورة العلوية ، رجل عظيم ، وعظيم جداً . وإن قيادته الحكيمة للثورة كانت مستوحاة من إيمانه ، ومن خبرته العسكرية التي كانت تُدهشنا نحن الضباط النظاميين .
وقد أظهر في جميع المواقع تفهماً صحيحاً لوضعية المعارك الفنية ، واستنتاجاتها ، وأنه خبير بالوقت الذي يجب فيه الكَرُّ والفَر، والتقدم والتأخر ، والالتفاف والهجوم .
وكان يرسم لنا الخطط الحربيه ، ثم يدعونا للتناقش فيها ، واقرارها . ويرسم لكل منا الخطة التي يجب عليه اتباعها وقت الهجوم ، وقبله وبعده ، . وإذا صدف واختلفنا معاً في تخطيط بعض المعارك ، فانه يُصر على رأيه – ثم تأتي النتائج فتثبت انه كان على صواب ، وأننا على خطأ .
وكان كثير الحذر ، فلا يُطلعنا على خططه أمام أحد ، حتى حرسه الخاص . وإنما كان يتكتم بها ، ويتستر . فلا يعرف أحد من أمرها شيئاً حتى نبدأ بالتنفيذ .
وكان يُحسن الرماية وإصابة الهدف . وإذا نصبت مباراة بين الجنود ، فأنه دائماً يكون الأول . ولَم يتغلب أحد عليه، حتى ولا مرة واحدة . وكان يُصرّح لنا قبيل المعركة أنه سيقتل مائة جندي فنعرف بداهة أنه يحمل مائة طلقة .
رجل حديدي الإرادة ، شديد المراس . لا يعرف الخوف سبيلاً الى قلبه . وكان أجرأ الناس على اقتحام المصاعب ، وتحمّل المشاق . ولَم يصدف مرة أن دارت معركة الا وكان في طليعة المهاجمين أو المدافعين .
لم يكن ينفر من الخشونة ، ولا يهرب من الصعوبات .وسيّان عنده أبات ليلة على الأرض في ظل شجرة ، أو الى جانب صخرة ، أم بات على فراشه ، أم قضى ليله يُراقب ويُفكّر ..
وإذا جاءت أخبار من خفراء الحدود فأنه يستيقظ عند اقتراب وقع الأقدام ، وقبل أن ينتبه حُرّاسه أنفسهم .
وصدف مرة أن بقينا في احدى المعارك ثلاثة أيام دون طعام . فلم يَشكْ من ذلك ، ولَم يتألم . وكان يؤثر الجنود على نصيبه من الزاد حتى لا يتسرّب الإعياء الى نفوسهم .
عظيم الثقة والإيمان بالله . كنّا نستيقظ مبكرين كل يوم فنجده وقد استقبل الكعبة الشريفة وشرع بالصلاة .
وكان يدفع الى المعركة ما تحتاجه من الرجال ، ويحتفظ وراء الجبهة بجنود كثيرين بمثابة احتياط . وهي نفس الخطة العسكرية الصائبة التي يتَّبعها القواد العظام .
وكان يستعرض الجنود ، ويتفقد أحوال ضباطه قبل الهجوم – كما يفعل القادة الماهرون المحنكون . وكثيراً ما كان يغيب عنا فننتظر مجيئه من جهة ، وإذا به يجيء من جهة أخرى ، وكثيراً ما كان يُفارقنا عند احتدام المعركة ، ثم يقول سنلتقي هناك . وفعلاً كنّا نلتقي في المكان الخطير الذي كان يُشير إليه .
وكان في المعارك التي يزداد علينا الضغط فيها ينتظرنا بشدة ، ويأمرنا بالثبات . ويظل يُحارب معنا حتى آخر لحظة . فقد كان دائماً أول من يُهاجم وآخر من يتراجع . وأشهد أننا كنّا نقتدي به . وإن المجاهدون كانوا يخجلون في المواقع العسيرة أن يتراجعوا وقائدهم لا يزال في الميدان . وكثيراً ما كان يعود الفضل في ربحنا المعركة الى ثباته ونضاله العجيبين .
وكان مهيمناً على جميع مرافق الثورة . فكان يعزل الضباط ، ويُعيّن آخرين ممن يجدهم موافقين . وينقلهم من هنا الى هناك ، ويستبدل بأحدهم آخر . لم يكن يستمع الى نصيحة أحد ، ولا يُصغي الى ملاحظة إنسان في القضايا التي قد كوّن فكرة عنها .اذ كان يحتفظ لنفسه بجميع السلطات والصلاحيات . فلا سلطة الا سلطته ، ولا إرادة الا ارادته . ولم نكن نتبرم من ذلك نحن الضباط النظاميين . اذ كنّا على ثقة ويقين أنه لا يقصد الا حفظ الثورة من الفوضى والبلبة ، ولولا صرامته وقساوته ، واحتفاظه لنفسه بجميع الصلاحيات لما بقيت الثورة كل ذلك الوقت الطويل .
وأمّا عد المجاهدين فإننا لا نستطيع الجزم به ، اذ أنهم كانوا يتزايدون ويتناقصون حسب الحاجة وحسب الطلب . قدرنا مرة عدد المجاهدين بعشرة آلاف في جميع الجبهات ، من الشمال الى الجنوب .
وكنا حينما نحتاج الى الذخيرة نستوردها من تجار حماه ، وندفع لهم ثمنها بعد انتهاء المعركة ، إذا موعد الدفع بيننا وبينهم كان هجومنا على الحملة أن هجوم الحملة علينا .
والأغرب من ذلك أن الأهلية أنفسهم كانوا يستدينون حوائجهم حتى تطلع الحملة ، فيدفعونها منها .
وأمّا عدد الجيش الفرنسي المحارب الاحتياطي فقد كان يزيد في بعض الأوقات عن الخمسين ألفاً مُجهّزاً بأحدث أنواع السلاح .
وقد لعبت النساء العلويات دوراً هاماً في الثورة . اذ كن يُحمّسن الجنود ، ويحملون الطعام الى الجبهة . وكثيراً ما كانت تجلس المرأة وراء زوجها تجهز له البندقية ، وتعبئها بالطلقات .
وكانت الثورة العلوية أشبه بحرب نظامية منها بثورة عادية . ولولا الظروف السياسية التي رافقتها وخيانة بعض المارقين الذين كانوا يشكلون طابوراً خامساً داخل الثورة وخارجها ، لكنا نأمل أن تكون الأداة الوحيدة لتخليص البلاد من ربقة الانتداب .
وسوف يتحدث التاريخ المنصف عن هذه الثورة بكثير من الفخر وعن قائدها البطل الشيخ صالح بكثير من الاعتزاز الشكر . ويتحدث عتها. عن صحائفه الذهبية بأحرف من نور .
ولو ألفت بالشيخ صالح عدة كتب كبيرة لم وفّيته حقه من الإطراء والإطناب .
الرئيس
جميل ماميش )

 

 

المصدر :

شهادة الرئيس جميل ماميش حول الشيخ صالح العلي والثورة السورية الأولى , الواردة في كتاب النائب في البرلمان السوري الدكتور عبد اللطيف اليونس ” ثورة الشيخ صالح العلي ” الصادر عن وزارة الثقافة والارشاد القومي – مديرية التأليف والترجمة الطبعة الاولى 1947 الجمهورية السوريّة .