أولاً ـ المواطنة السياسية
تقوم على قاعدتين أساسيتين: ما تتضمنه من محتوى قانوني و ما يتعلق بالجنسية. بالنسبة للمحتوى القانوني فإننا نعني به الحقوق المدنية. هذه الحقوق حصل عليها الفرد بعد صراع طويل مع “ممثلي” الله على الأرض وتذخر بهم كافة الأديان، و المتسلطين على رقاب شعوبهم من ملوك وزعماء، ولم يبق من هؤلاء الكثير (إذا استثنينا بلاد العرب) التي تحتفل بحكمتهم و منجزاتهم وهذا سر استمرارهم رغم غياب كل أنواع الحقوق.
طبعا يجب أن نميز بشكل دقيق بين ما نسميه حقوق الإنسان و حقوق المواطن. بالنسبة للحقوق المدنية فإنه من حق المواطنين المشاركة شخصيا أو عبر ممثلين لهم بوضع القوانين، أيضا تكفل هذه الحقوق حرية الرأي بكل أشكاله بما فيه الديني، وتضمن حرية الكلام، الكتابة ، الطباعة والملكية الخاصة..الخ. أما ما يتعلق بالجنسية فإن الصفة الأكثر وضوحا للمواطنة هنا هي حق الاقتراع والترشح لجميع أشكال الانتخابات في حالة حصول الفرد على جنسية البلد الذي يعيش فيه (وهو حق يختلف من دولة لأخرى حتى في الأنظمة الديمقراطية).
بمعنى آخر، الجنسية ليست فقط من حقوق الإنسان، بل تمتلك أيضا قيما محددة لا يوجد إجماع عالمي عليها. إذن، ليس كل من يحمل الجنسية هو مواطن وهذه صفة متجذرة في المجتمعات العربية (يعني ما يسمون “البدون” في دولة عربية عليهم أن يعرفوا أن معظم الشعب العربي هو “بدون”). فإذا كان بعض رجال الدين (العلماء) يرفضون وجودك في مجتمعهم فقط لأنك لست من طائفتهم، فكيف ومن أي منطلق يمكننا الحديث عن مواطنة في داخل هذا الجحيم والاستبداد ذي الرأسين ديني/سياسي!.
ثانياً ـ المواطنة الاقتصادية
لا يمكن للسياسة أن تحتكر مفهوم المواطنة والحقوق المتعلقة بها لأن المواطنة تتضمن كل جوانب حياتنا في المجتمع. بمعنى آخر، السياسة الاقتصادية التي تتبعها الدولة لها تأثير كبير على ممارسة المواطنة. فالفقر و البطالة أو العيش في قاع وعلى هامش المجتمع هو تدمير منهجي للمواطنة التي يجب أن يتمتع بها الفرد، ويؤدي ذلك إلى تفكك التضامن الاجتماعي ونشؤ أجيال أقرب للقطعان منها إلى الإنسان/المواطن لاسيما عندما يفتقد هذا الأخير أسباب حصوله على التعليم، العمل، الصحة..الخ. أيضا التعبير الاقتصادي عن المواطنة يأتي من خلال الحق في تأسيس نقابات وجمعيات أهلية تدافع عن حقوق العمال والموظفين في جميع ميادين النشاط الاقتصادي؛ لكن ليست كتلك النقابات الموجدة في العالم العربي والتي تشكل ذراعا من أذرع استبداد الجمهوريات،الممالك و الجملوكيات.
ثالثاً ـ المواطنة الاجتماعية
يرى العديد من القانونيين أن مفهوم المواطنة الاجتماعية ناتج أو متطور من الشكلين السابقين لها، أي السياسي و الاقتصادي. وهذا يدعونا لطرح السؤال التالي: ما هو مفهوم المواطنة عند إنسان يعاني الحرمان و الإقصاء، ليس له الحد الأدنى من الضمان الصحي أو من شروط الحياة الكريمة؟ هذا الإنسان مستعد لفعل أي شيء دون سقف للتوقعات، فهو لا يمتلك أي شعور بالانتماء للجماعة أو أنه يعيش في دولة تعطيه صفة المواطن، إنه رقم لا يتم عده إلا في حالة الموت. مع ذلك، لا بد من الانتباه على عدم التركيز فقط على المواطنة الاجتماعية، لأن هذا التركيز وحيد الجانب ربما يفرّغ المواطنة من محتواها السياسي. فالمواطنة الاجتماعية هي الحد الأدنى من المواطنة التي يمكن أن يحصل عليه الفرد في دولة القانون وليس دولة العصابات.
إذن، المواطنة مفهوم غير قابل للتجزئة، والحقوق السياسية،الاقتصادية والاجتماعية تتكامل وعندما يحصل الفرد عليها مجتمعة يمكن أن نسميه مواطنا، وإلاّ فهو ربع أو نصف مواطن أو أنه مواطن على الورق ومن ورق. أخيرا، لا بد من التأكيد على أن المواطنة ليست هي العيش في مجتمع أو دولة وفق القوانين السائدة أو هي،فقط، حقوق وواجبات الفرد. بل هي الانتماء لقيمٍ، يمكن أن تكون متناقضة، ولكنها تشكل مرجعيات كبرى لمجتمع من المواطنين وليس الرعايا. هذه القيم تختلف من أمة لأخرى وتتطور عبر الزمن، لكن بشرط أن تكون قيما ديناميكية قابلة للتطور وليست جامدة أو فاقدة للحياة.
المصدر : الصفحة الشخصية