°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
عيـســـى ابــراهـيـم

الضوء الأخضر

لم يكن الأسد الابن ليجرؤ على التصريح ببقائه في منصبه الى 2021 لولا إشعار أمريكي – اسرائيلي بذلك وبشكل واضح لا لَبْس فيه ، ودون الدخول في مدى جدّية أو صدقية هذا الإشعار من قبلهم ، فإنه إشعار يتضمن بالمآل خراب سوريا وصولاً لمرحلة الترميد ، خاصة مع الأسد الابن الذي يعتبر نفسه مُنتصراً طالما لم يُصب بأذى هو أو زوجه أو أولاده ، أما ما دون ذلك لديه فهو قابل للتعويض ولا أسف عليه، سواء أكان تشريد ملايين السوريين داخلاً أو خارجاً أو مقتل حوالي مليون سوري ، أوإعاقة أو تيتّم أو ترمّل مئات ألاف السوريين الأخرين ، فالمهم لديه ” سوريا الأسد ” ولا سوريا تعنيه غيرها ، وما فيديو العميد النمر الأخير وتأنيبه للصحفي شادي الحلوه عندما نادى بسوريا “حاف” ، إلا تأكيد المؤكد في ذلك وفي مقولة ” الأسد أو نحرق البلد ” ، وأي حديث عن تغيير ما عبر مؤتمر وطني للحوار في دمشق ، هو حديث خرافة ، لإسباب موضوعية مُتعلقة بالطبيعة القانونية والدستورية لما يُطلق عليه رسمياً في سوريا ” نظام حكم ” فهذا ” النظام ” “وهو واقعيا ً يعني فقط شخص الأسد الابن ولا أحد سواه ” الذي يملك كل الصلاحيات القانونية من قضائية وتشريعية وتنفيذية وعسكرية بموجب اللائحة التعليمات التنفيذية التي تُسمى ” دستور الجمهورية العربية السورية ” ولا يُعطي أي صلاحية لمن هم معه من الجمهور الموالي في ” الحزب ” أو ” الدولة ” كما لم يُعط ذلك أبوه لأحد منهم ، أو الذي لا يثق بأحد من رفقائه في ” الحزب ” أو ” الدولة ” ليكون مُرشحاً حقيقيا ً منافساً له في منصب ” الأمين العام للحزب ” أو منصب ” رئيس الدولة ” بل ينتقل الأمر وراثة من الأب للابن بعد وفاته … !!! هكذا ” نظام ” لن يُعطي أي صلاحية لمن هو مُختلف عنه أو معه بإدارة هذه ” الدولة -المزرعة ” ، ولن يسمح بأي تنازل عن أي مساحة وفي أي مجال ، لأن طبيعته القانونية والشخصية لا تسمح له بذلك ، وأي تنازل حتى لمعاون نيابة عامة في مدينة القرداحة بأن يقبل ادعاء شخصي بشكل قانوني ضده سواء أكان مُتعلق بالمسؤولية التقصيرية عما جرى، وهي أبسط أنواع المسؤولية المتوجبة على رأس الدولة في حالة الحرب ووفقاً للقانون بما فيه الحالي ، أو بتطبيق نص المادة المُتعلّقة بتسليم شخص ما سلاحه للعدو ، بما يخص الكيماوي مثلا ً، ووفق قانون العقوبات العسكري السوري المعمول به حالياً ، أو السماح لمواطن سوري أن يقول رأيه الشّفّاف في إدارة البلاد على التلفزيون الرسمي بشكل دوري ، أو السماح بالتظاهر السلمي حتى داخل القرداحة نفسها … أيّاً من هذه التصرفات اذا سمح بها ” النظام ” سيكون ذلك بمنزلة بداية النهاية له في مدة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أشهر ، لذلك ” الاٍرهاب ” والتنظيمات الإرهابية المتعددة في سوريا تُشكِّل دعماً مهما ً للأسد الابن … وهي ليست رهينة نيّة بعض أعضائها المُضللين والمُشبعين بثقافة التطرّف ، من خرّيجي ” معاهد الأسد لتحفيظ القرآن ” وتوابعها في التربية والتعليم وبقية المفاصل ، التي أسسها ورعاها القائد الخالد وابنه الرئيس الشاب العلماني ، بل هي رهينة إرادة الدول الممولة لها ، وهي دول لا يعنيها البتّة الديموقراطية في سوريا ، بل ترى في ذلك تهديد جدّي لها ، لذلك يبدو من الملائم تغطية الموت والخراب واستمرارهما وتسويقهما عبر ” مؤتمر للحوار الوطني في دمشق ” وهنا لا يشفع لأحد حُسن النية في التفاؤل ، فالحياة لا تقوم على حُسن النية بل تعتمد حُسن الفعل ومآله ، كنت أقول في بعض لقاءاتي ليس مطلوب من الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب ” روسيا وإيران من نافلة القول ” ليس مطلوب منهم دعم التغيير في سوريا بل المطلوب منهم الكف عن منع التغيير فيها عبر دعم الأسد بكل السبل المتاحة ، ولعل الجانب المُحق لديهم أن لا نخبة سياسية سورية حتى الآن قادرة على فهم لعبة المصالح الدولية وبالتالي تجعل المدخل للتغيير ممكناً ، وبذات الوقت لم يعد الأسد الابن قادراً على أداء اللعبة عينها ، فلم يعد لديه الإمكانية واستنفذ الشعارات الكبيرة الجوفاء التي خدمت المصالح الدولية لعقود ومات في ظل ضلالها مئات ألاف السوريين وبصمت طوال تلك العقود وعلى حساب المصالح السورية العليا .. من المهم تَدٓبّر فهم ما تقدم من خارج مفهوم ” معارضة – موالاة ” فهما بالاضافة لكونهما مفهومين لا يحملان أي معنى سياسي أو قانوني في مزرعة كسوريا ، فهما مفهومان يُعيقان القراءة الجادة والمفيدة ، وحتى ذلك الوقت وحتى يحين مدخل للحل …سيكون السوريين جميعاً والعلويين ضمناً ” مكسر عصا” المصالح الدولية المتباينة المُعلّقة على “مسمار” التصرف غير المسؤول وغير الأخلاقي للأسد الابن على حائط الوطن السوري ، الأسد الابن الذي يُصرّ على عدم ترك ” وظيفة ” رئيس الجمهورية وعدم السماح بتداول السلطة … هذا في البعد السياسي ، أما في البعد الثقافي الجمعي للسوريين فهنالك إرث ثقيل من ثقافة يباس تطبع ثقافة السوريين ، ثقافة -بألأغلب الأعم – لا تحترم أحداً ولا إنجازاً ولا مختلفاً ولا تبني على مشترك…الخ تحمل نظرة عن العالم فوقية – دونية بذات الوقت ، تجاهه وتجاه كل أمر ، تنعكس في المعايير المزدوجة وفي تناول الخير والشر ، والحلال والحرام ، والصح والخطأ ، وهي بذلك لا تعترف بالقانون كمعيار في التقييم بل تعتمد البلاغة والمصلحة الأنوية المتبدلة القوام والمعيار وعلى طول الوقت ، وبالأغلب الأعم ، ليس لدينا مفهوم مشترك للعيش والحياة والمصلحة المشتركة ، وبذا نتائج اتفاقية سايكس – بيكو التي قسّمت سوريا التاريخية الى أجزاء ، هي أرقى مما لدينا من وجدان جمعي … ولعل الأخطر في ثقافتنا الجمعية كسوريين هي مسألة تسييس الدين عبر ” طبخة ” خرّبت الحياة السورية ليس فقط على الصعيد العام بل داخل كل طائفة من أدياننا … فكيف إذا اجتمع ذلك مع العنصرية والشوفينية التي نمارسها بحق أنفسنا وحق الأخرين حتى ممن يشتركون معنا بنفس الجنسية … إنها ثقافة لا تصلح لبناء حياة لائقة بالبشر، وقد اختبرنا طويلاً وملياً صلاحيتها لإنتاج الموت والخراب واليباس …

18 تشرين ثاني 2016