ما رأيكم أستاذ عيسى المحترم بهذا الميثاق الصادر عن جماعة الإخوان المسلمون ، وهل تعتقد أنه مفيد في الفترة الإنتقالية وبعدها ، من أجل الوحدة الوطنية ؟
الرابط :
ردّي :
صديقي المحترم Yassin Oudaima قرأت سؤالكم لي حول ” ميثاق وطني لمواجهة تقسيم سورية ” بنقاطه الإثنى عشر الواردة بمشاركتكم لي على صفحتي قبل هذا البوست ، وحيث إنني إطلعت عليه قبلاً وقمت بإرسال رأيي به كتابة لأعضاء في “جماعة الإخوان المسلمين ” في سوريا ، فإني سأعيد ما أرسلته من رأي مع التّوسع قليلاً عما أرسل :
– أرى أن ” ميثاق وطني لمواجهة تقسيم سورية ” يتناقض مضمونه جذرياً مع عقيدة ورؤية الإخوان المسلمين السياسية والفكرية في فهم الإجتماع الإنساني في سوريا وفي العالم ، فشأنه شأن أي حزب قائم على عقيدة فئوية ببعد ديني أو إثني لا يمكنه موضوعياً أن يتبنى المواطنة كمفهوم جدي قابل للتحديد والتعيين وفق القانون لأن ذلك يتناقض جوهرياً مع معياره الفئوي في فهم الحياة .
– فكما أن حزب البعث قام على خلفية إثنية ، بعد إختزاله العروبة كبعد ثقافي وتأطيرها سياسياً عبر حكم عائلات محددة ، حرّض بالوجدان الجمعي السوري المتنوع ، حرّض الجانب الإثني لدى كل إثنية سوريّة بسبب تبنيه بالأساس مفهوم إثني في إدارة دولة متنوعة إثنياً وطائفياً ، فكذا الأمر في ” جماعة الإخوان المسلمين ” في سوريا ، هي جماعة إختزلت الدين الإسلامي كبعد ثقافي روحي بأهل السنة والجماعة ومن ثم إختزلت أهل السنة والجماعة من المذاهب الأربعة بمناصريها ، ومن ثم بإطارها التنظيمي السياسي ورؤيتها الفئوية للإجتماع الإنساني السوري ، وهما يشتركان بالنزعة الفئوية وبعدم إحترام أو إعتبار مفهوم الوطنية في مجتمع متنوع إثنياً ودينياً كسوريا . فليس فقط ما هو دون وطني ، غير وطني ، بل ما هو فوق وطني ، غير وطني أيضاً .!
– هذا البيان يُشبه حديث الأسد الإبن في إجتماع مجلس وزرائه الأخير ، حينما أشار إلى محاربة بعض مظاهر الفساد وضرورة عدم وجود مرافقة تُعرقل السير وأنه ينزل بدون مرافقة ويقف على الحواجز قبل ” الأزمة ” وبعدها … إلخ .. حيث حلو الكلام وتنميقه في بيان الإخوان المسلمين وفي تصريح الأسد الإبن ،قد يأخذك من حقيقة الواقع المرئي من تصرفات جهتي البيان والتصريح ، إذا غَفُل عقلك للحظة عما يقوم به وتصرف به ويؤمن به صاحبي الأمرين الآن ومنذ عقود .
– إن المواطنة هي مفردة واضحة محددة شرطها الديموقراطية وعَلمَانية الدولة ، وهي أمور يجب أن تكون واضحة محددة قابلة القياس من نسب الطرح والإنجاز،أمّا مزج التعابير اللغوية ببعضها وطرح مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية في تعابير بلاغية ليس لها أصل في علم الإجتماع السياسي أو مدلول قانوني فهي بمنزلة ذر للرماد بالعيون وخداع سياسي ، يُشبه خداع الأسد الابن بضرورة العودة للشعب فيما يخص بقاءه …
– يُعيد لذهني هذا الميثاق حوادث الثمانيات عندما قام الإخوان بحرف انتفاضة السوريين بحماه عن مسارها وتجييش الشارع السوري على أساس طائفي وإستفادة الأسد الأب من ذلك في سحب السوريين العلويين وبقية المجموعات الإثنية والدينية وسكّان دمشق وحلب من معارضته الى موالاته بإستحضار الخوف التاريخي عبر تجييش الإخوان المسلمين خطابهم ، ومن ثم ووصولا لعقد الإتفاق بينهم وبين الأسد الأب سواء بالمشاركة في السلطة أو الخروج خارج البلاد ، وهو الأمر عينه الذي حرّض عليه الإخوان المسلمين في هذه الثورة الأخيرة كما الأسد الإبن من خلال تجييش طائفي للخطاب الثوري العام ، بشكل غير مُعلن ، ولكن عبر خلق ودعم تنظيمات ذات مظهر ديني تقوم بخطاب طائفي يبرر للأسد الإبن ما يقوم ، وهو خطاب حرف الثورة عن مسارها ، وقُتل بالمحصلة عبره السوريين السنة وتم ّ تظهيرهم داخلاً وخارجاً كمتطرفين وصولاً الى تظهير الصراع أنه بين ” الدولة ” و” الإرهاب ” ! …
ربما ينتهي الأمر بتقاسم ما بينهما للخراب الذي أنتجاه بحيث يكون ” الموالي ” و” المعارض ” قد دفع الثمن من دمه وماله ووجوده ، ليصل سببا الخراب الى تقاسم لسوريا الموحدة ” إن بقيت ” صورة ، والممزقة واقعاً من مآلات تصرفات كليهما .
– البنود الستة الأولى تتحايل لغوياً على مفهوم المواطنة وتدغدغ عواطف الناس بألفاظ ليس لها مدلول حقوقي قابل للقياس بل تعابير بلاغية يمكن التحلل منها بأي لحظة على سبيل المثال لا الحصر : ” المجتمع المدني الموحد، والدولة المدنية الحديثة الجامعة ، قيم العيش المشترك في أنقى وأرقى صورها ، الأخوة الوطنية …. ” إلخ من التعابير البلاغية غير الممسوكة وليس لها مدلول حقوقي أو مدلول في علم الإجتماع السياسي الإنساني ..
– أما بخصوص النقاط الستة الأخيرة فهي جمل إنشائية تُشبه لحد بعيد حديث الأسد الأب عن ” النظر بإزدراء لمن يقطع إشارة المرور وضرورة محاربة الفساد ……..” أو حديث إبنه الأخير ” على أنه يذهب بدون مرافقة لعمله ويقف على الحاجز وضرورة محاربة الفساد….. ، والكل يعرف أن هذين الشخصين يستحوذان على كامل الصلاحيات في الدستور ويقومان بإستغلال موقعهما غير الشرعي على حساب بقية السوريين ، وهو الأمر عينه عندما يدعو حزب مؤسس على أساس فئوي لتبني قيم المواطنة ووحدة سوريا !
– أضع هنا بعضاً من الملاحظات التي ضمنتها رسالة شخصية لأحد أعضاء ” جماعة الإخوان المسلمين ” في سوريا ، وقد حذفت هنا بعضاً مما أرسلت مع حذف إسم المُرسل إليه لداع موضوعي :
– ( قرأت الميثاق أستاذ….. المحترم : يؤسفني أن أقول لكم بكل إحترام ، أنه لا يعكس نظرة الإخوان المسلمين العقائدية الواضحة في أدبياته ومنطلقاته الفكرية ، بل يبدو كمناورة سياسية مُخادعة ، في حين بلدنا في مهب الريح …
– حتى الآن أنتم كإخوان مسلمون في سوريا لم تقوموا بأية مراجعة جدية لرؤيتكم السياسية ، ولا تتحدثون ضمن إطار وطني “واضح ومحدد وقابل للقياس ” يستفيد من الثقافة السورية ، بما في ذلك الثقافة الإسلامية والعربية التي هي جزء مهم وأصيل منها كما غيرها من الثقافات الفرعية السورية ، بل تتماهون مع مشاريع مجاورة وتتصرفون كتابع لأي فكر إسلامي خارجي …
ليس إبتداءاً بأردوغان وليس إنتهاء به …
في فهم طفولي تجاوزه كل الإسلاميين في العالم الإسلامي المتمدن …كتركيا أو ماليزيا أو غيرها …
حيث قام الإسلاميون هناك بإستلهام ما في الإسلام كدين وكثقافة من أجل خدمة الوطن الذي يعيشون فيه وزاوجوه مع ثقافتهم الوطنية ، إلا عندنا فأنتم تضعون سوريا والسوريين بما فيهم السنة في هامش إهتمامكم وهدفكم ، و أنفسكم في خدمة أي مشروع ” يدّعي ” إسلاميته في خارج سوريا وتلتحقون بأي مشروع بهذا الصدد….
– وليست لدمشق الحاضرة ” الوطنية – العربية – الإسلامية – الإنسانية ” المتمدنة سمِّها ما شئت … أي إعتبار رئيسي فيما تقدمون عليه من تصرفات وأفعال وتحالفات ، على الأقل ما ينتج عن مآل تحرككم وتصرفكم في الواقع “حيث النوايا لا يعلمها الا الله عز وجل” ، ترفضون في سوريا مثلاً ما أنتم معجبون به في تركيا..
– فمثلاً هل إطلعتم على الدستور التركي العلماني الذي سمح بوصول حزب ذَا نزعة إسلامية الى السلطة بطريقة ديموقراطية !؟
– وهل أنتم جاهزون بشكل جدي وصادق لتبني ذلك في سوريا حقيقة ، وليس على طريقتكم في التقية السياسية وإعتمادكم على فقه موروث في التفريق بين فترة ما قبل التمكين وما بعده ، حيث لكل منهما خطاب ” … !؟
– تصرفكم كحزب وبشكل غير مسؤول حتى تجاه السوريين السنة ضمناً جعلنا كسوريين وكسنة ضمناً في مهب الريح وتحت وطأة الخراب .
بدلاً من تكونوا ذراع سوريا الديني والحضاري والسياسي في هذا العالم …تحولتم الى ذراع العالم في سوريا ، بل جعلتم شخصيات مشكوك بأخلاقها وبدورها كالإرهابي المحيسني وغيره من شذاذ الأفاق وعملاء المخابرات الدولية والإقليمية يتجولون في قرى السوريين السنة يُعلّمون ” الاسلام ” ويعتدون على أعراضنا ونساءنا ويتزوجون قاصراتنا !!! وتاركين عشرات آلاف من مجهولي النسب والنساء الثكالى …!
– وكذا في حمأة إعجابكم بالسيد أردوغان ” الذي أحترمه لما يقدمه لبلده ولا أحترم تصرفه بالإساءة لبلدنا سوريا ” نسيتم سرقته النفط السوري ومياه الفرات ودجلة وحرمان السكان السوريين السنة ضمناً من الشرب وسقاية مواشيهم ومزروعاتهم في وادي الفرات ودجلة …الخ
– ونسيتم إقتطاعه اليومي والمستمر لمئات آلاف الدونمات لسوريين سنة على الحدود ” كل هؤلاء سنة وليسوا علويين أخذ رزقهم لمصلحة بلده ”
– على أمل منكم ، وخداع لكم من غيركم، ونظرة طفولية لديكم في السياسية ..جعلتكم تعتقدون بأن لا فرق بمن يحتل أرضنا ويسرق ثرواتنا ورزقنا ،طالما هو مسلم ” سني ” بل وصل الأمر بالسيد طيفور للقول بأن لواء إسكندرون ليس سوري بل تستخدمون اسم اقليم هاتاي !!!
– في طفالة سياسية لا تليق بأشخاص يشتغلون بالشأن العام ويغرقون في مقولة دعائية ” أنتم المهاجرون ونحن الأنصار ” غير مدركين حجم “التجارة “التي مورست عبر هذا الشعار على حساب سوريا والسوريين والسنة ضمناً “وما يصح في العلاقة مع تركيا يصح بالعلاقة مع إيران بهذا الشأن ”
– أستاذ … المحترم : أستطيع أن أقول كلام غاية في اللطف وغاية في الدبلوماسية معكم بهذا الشأن بل والمدح بهذا البيان وبغيره حتى لا أحصل على عداوة منكم أو أظهر بمظهر الوقح …. ولكني ملزم أخلاقياً ” كما أفهم الأخلاق ” بأن أقول لكم ذلك ، خاصة أن سوريا كبلد موحدة قد تكون في طريق الزوال … مع الإحترام )
أقول لكم أخيراً أستاذ ياسين :
إن ” سوريا موحدة ” يتقاسمها الإستبداد المستند الى الوطنية المزعومة والتطرف المستند الى الدين المفترض هي وصفة الخراب النهائي لسوريا … والتقسيم أقل وطأة في الخراب منها موحدة على هذه الطريقة …
23 حزيران 2017