°
, October 6, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

قراءة في رواية “ كأن شيئاً لا يحدث ” المؤلف منذر بدر حلوم

الأيام؛ أحمد العربي
إنها روايته الثالثة بعد سقط الأزرق من السماء وأولاد سكيبه، راسماً وبتفاصيل دقيقه صورة ريف الساحل السوري ومتغيراته في السنوات الأخيرة، في رواية تعتمد طريقة السرد على شكل لوحات حكاية بطلها القرية وأهلها في رحلة الحياة والمتغيرات التي حصلت.

القرية تعيش تلقائيتها وكأنها من الأبد تسير بهذه الآلية، أناس يعيشون بريف عصي، يتعيشون بتينه وزيتونه وغلاله وحيواناته ركوباً وغذاء، وعبر علاقة مباشرة مع الإله الحاضر من خلال المزارات والتعايش على الأحداث الصغيرة المعاشة يومياً، فهذا شيطانه إلهه، وذاك يموت بعشقه، والأغلب يصنعون ألوهيتهم الصغيرة فينزلون أسماء اختاروها على زيتونهم الذي يمثل قوتهم وخلودهم.

تدخل المتغيرات بطيئة إلى حياتهم؛ فالجد كان ممن ذهب إلى حرب فلسطين (1948 وما قبلها) التي حضرت في الوجدان الاجتماعي، وجاءت الدراسة والمدرسة التي أصبحت معبراً إجبارياً لكل أبناء القرية، وحضرت (كاترينا) السيارة التي أكدت تواصل هؤلاء البشر مع غيرهم في البلاد.

الناس هنا ممتلئون بذواتهم فالحب حاضر، والمراهقة والخير والشر والله حاضر في كل الوقت وعلى كل التلال، وإن كان بغير رضى كامل عنه؛ لأنه لم يستطع أن يغير من فقرهم وشقائهم شيء.

كان هناك الأستاذ الذي بدأ ينمي وعي وعلم الأولاد إلى ما يتجاوز غرائزهم إلى عالم أوسع من قريتهم الصغيرة وعالمها المغلق.

في القرية المرأة حاضرة بقوة بصفتها الحبيبة والأم والمرأة المرغوبة واللعوب والضحية والحاضنة للأسرة وربها الحاني عليها.

في القرية كل أصناف البشر؛ المعلم خيراً يسير على الأرض، و(الوحش) الذي يربط ابنته مع البقرة ستة أشهر في الزريبة، ويضرب زوجته إلى ما قبل الموت، ليقتله أولاده بعد ذلك دون تأنيب ضمير، ولتعزي به القرية مع إقرار له بحقه أن يفعل بملكه ما يشاء، في القرية الشيخ الورع، وللشيوخ وظيفة للموت وللأعياد الكثيرة وكل متغيرات الحياة.

المتغير الأهم في حياتهم كان دخول العسكر على خط الحياة في القرية؛ من مجيء اللجان للالتحاق بسرايا الدفاع والأمن العسكري؛ وليبدأ اللون المموه يدخل حياة القرية بقوة (الكلاشن-البندقية الروسية) وبالبدلة العسكرية، بالذهاب بعيداً للمدينة عسكراً وضباطاً، وليدخل الجيش للقرية وأسلحته الخضراء المصوبة للسماء، والتي تأخذ حيزاً أخضر. الأرض بـ مناطق عسكرية ممنوع الاقتراب والتصوير، ويقترن هذا مع وباء ترك الدراسة والالتحاق بالجيش لملاحقة وهم القوة والرجولة ووفرة المال، وصاحب هذا مجيء الغرباء لشراء أراضي القرية لضباطها الحكام الجدد، الأرض المبعثرة حولها في كل الاتجاهات، الكل يجب أن يبيع بالترغيب أو الترهيب، فالأرض التي لاتباع تصبح أرضاً عسكرية مغلقة ممنوع اقتراب صاحبها منها، العسكر يملؤون فضاء القرية وفضاء الحياة فيها، أبناؤها أيضاً عساكر وضباط، السلاح حاضر، وتمجيد (القائد حافظ الأسد)، وصناعة الولاء، الكل يتحرك على وقع عسكرة الحياة وتغليب لونها على كل ألوان الحياة .

تنتهي الرواية عند مفصل مهم فالمعلم يموت وتموت معه آمال؛ عرس لا يحترم عزاء، سلاح يحضر في عرس ليقول لمن المستقبل، وعبادة قائد، يتفاخر الكل بولاء أكبر، أولاد قلائل في القرية يساقون للمعتقل لأنهم لم يفهموا الحياة، أشجار الزيتون تقلع من الأرض ليقلع معها أي أمل أمام وباء العسكر الجارف.
الرواية كتبت قبل الربيع العربي تفسر جزئياً تصرف عسكر النظام مالكين جدد للبلاد والعباد في مواجهة أهلهم وكل الشعب، ولنعرف أن التخريب في إنساننا يحدث منذ زمن بعيد. وأن المطلوب منا لصناعة الشخصية السوية كثير.
وهذا ما هيأ سورية مع غيرها من الأسباب إلى ثورة الحرية.

المصدر :

http://ayyamsyria.net/%d9%85%d9%8a%d8%ab%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a