سورية الغد… قانون الأحوال الشخصية تحت النقاش
المسألة لا تقف عند حد القانون فقط، بل تطال منهج النظر للمجتمع السوري، وطريقة التفكير بالمستقبل أو بالعودة للماضي، فنحن أمام مشروع دفع معه حملة واضحة المعالم بما أثاره من “حساسية” طالت الثقافة الاجتماعية، ورسمت ملامح قاتمة للحداثة والمواطنة وللقيم التي اعتادها المواطن السوري منذ الاستقلال.
وما أثاره القانون يبدأ من “مخالفته للدستور” ويستمر حتى الوصول إلى تفاصيل الحياة التي فصلها مشروع القانون على سياق ثقافة القرون الوسطى، وهو ما دفع “سورية الغد” لعقد ورشة عمل مع مجموعة من المحامين والإعلاميين لدفع جملة الأسئلة إلى مساحة النقاش.
قضاء الحوائج بالكتمان
مشروع القانون وحسب عدد من المتابعين كان يسير في الظل، وحتى اللجنة التي كُلفت بوضعه تم إحاطتها بهالة من الكتمان، الأمر الذي يدفع للتساؤل حول هذه الآلية رغم أن القانون يخص جميع السوريين بلا استثناء، ويقول المحامي كابي عوض، أحد المشاركين بالورشة، أن تشكيل لجنة إقرار القانون كانت سرية، ولكن يبدو بأن ناظمي القانون الجديد عملوا على القضاء على المدنية السورية الموعودة بالزور والبهتان.
يضيف عوض بأن القانون يجب أن يكون معبرا عن أفراد المجتمع وإرادتهم، فيشمل كل أشكال الطيف السوري، وليس فرض شروط فقه خاص، و “كان يجب مشاركة كل الطوائف الأخرى حتى ينسجم مع كل فئات المجتمع “.
الدفع للخلف
انطلقت الورشة بتحديد الأسباب التي تدفع إلى معالجة هذا المشروع بجدية، رغم أن المناخ العام يوحي بأنه “جُمد” بانتظار البحث فيه بشكل معمق، لكن هذا الأمر يشكل دافعا جديدا للحديث عن قانون مدني بالكامل، فالغاية حسب رأي الإعلامية سعاد جروس ليس الاعتراض على المشروع أو إيقافة “لأننا بالفعل نحتاج لقانون أحوال شخصية جديد يأخذ طابعا مدنيا وبعيدا عن المرجعيات التراثية”.
وفيما اعتبر رئيس تحرير سورية الغد مازن بلال أن الحملة اليوم يجب ان تتجاوز مسألة انتقاد القانون باتجاه البحث عن صيغ جديدة تدخل مجتمعنا إلى “عالم المستقبل”، فإن المحامي نورمان الماغوط اعتبر أن القوانين أحد معايير ارتقاء المجتمع و تطوره، ولكن عندما يُسن مثل هذا المشروع القانوني فانه” يضعف من روحية المواطنة ومكتسبات أخرى” .
و يضيف نورمان قبل كل شيء علينا ان نسأل أنفسنا نحن كسوريين: هل شهدنا تطورا أو تراجعا في المجتمع السوري؟ وبرأيه هناك تراجع كبير في العلاقات الإنسانية ودرجة ارتقائها، فمجتمعاتنا تخسر الآن و لا تربح، و لو أن الامور تمشي بحسب المنتج الاجتماعي في هذا البلد لكانت الأمور مقبولة، لكن ما يحدث هو شأن مختلف تماما وما نحتاجه هو آلية المواجهة، فنحن نتجه الى الجهات المسؤولة لأننا نحتاج الى صاحب قرار. قديما كانت الثورات توجه التاريخ و المجتمع، وهذا القانون الجديد يحتاج الى رؤية ثورية واعية لأهمية قانون الاحوال الشخصية في لحمة المجتمع لأنه يشكل جزء من حياة المواطن السوري، فإذا قبلنا القانون كعقد اجتماعي نحتاج الى قانون حديث يدفعنا الى الامام و ليس الى الخلف .
عجز القانون أم قانون العجز
و أكد مجمل الحضور في الورشة على عجز القانون المنتظر عن معالجة قضايا حساسة وملحة مثل الزواج المدني الذي أصبح ضرورة تتطلبها الحياة و سن الحضانة والتبني وزواج القاصر، فالقانون لم يسْمُ بقضايا المرأة والطفل إلى مكانها الطبيعي كحقوق وطنية وعامة، بل أتبع أحكام الزواج وكل آثاره الملموسة إلى طائفة كل مواطن، وفرّق بين مسلم ومسيحي ودرزي، فأعاد سنين من حملات نضال الجمعيات الأهلية والمجتمع المحلي إلى نقطة الصفر، ونثر للريح الحلم ببيئة قانونية آمنة تحمي المرأة من الاغتصاب ومن جرائم الشرف وتجنب الطفل التشرذم بين حضانة أبويه كما قال أحد المدافعين عن شؤون المرأة.
إشكالية الطعن بدستورية القوانين
أما شكوى عدد من الحقوقيين بشأن دستورية هذا القانون وغيره، سأل مازن بلال حول كيفية الطعن بدستورية القوانين، وهو ما أوضحه المحامي بسام نجيب، أحد المشاركين، بأنه يحتاج إلى موافقة رئيس الجمهورية أو ثلث أعضاء مجلس الشعب للطعن بدستورية أي قانون.و اشتكى نجيب من استثناء رجال القانون من إبداء الرأي القانوني و المشاركة في حركة التشريع و الإصلاحات القانونية، و ما يثير الاهتمام أن المواطن العادي أو القانوني المختص غير قادر على الطعن بدستورية القانون، مقترحا أن يكون للنقابة ولمجلس القضاء وكلية الحقوق دورا في هذا الموضوع.
علي الحسن، إعلامي ، أحد المشاركين في الورشة أكد على ضرورة و جود مرجعية للطعن و يجب على القضاء مراقبة تطبيق القانون حتى يصبح لدينا آلية لمراجعة القوانين، كما يجب إعطاء الحق لجمعيات ومؤسسات أهلية مرشحة تنوب عن المجتمع للطعن في القوانين.
و يستشهد المحامي نجيب بقانون مشابه لقانون الأحوال الشخصية الجديد صدر في عام 2006 يخص الطائفة الكاثوليكية في سورية، واعتبره الثغرة الاولى التي وضعت لتنهش من الوحدة الوطنية، حيث أثار آنذاك العديد من ردود الأفعال لدى شرائح المجتمع، فهذا القانون يتيح للكنيسة سلطة التدخل في القضايا القانونية للسوريين الكاثوليك .ومن بنوده ألا يرافع في قضايا كاثوليكية أمام القضاء السوري الا محامي كاثوليكي وخصوصا في قضايا الزواج، التبني، الميراث.
يقول نجيب: أن ذاك القانون سار على نفس الآلية التي اتبعت في مشروع القانون الذي سن اليوم، فهو حدث في الكواليس ثم تم تمريره، وبعض أعضاء مجلس الشعب لم يعلموا فيه، والقانون شكل ردة فعل، ووزير العدل في تلك الفترة محمد الغفري لم يخبر احد عنه، وهو احد أعضاء اللجنة التي قامت بوضع قانون اليوم .
خالف تعرف
يقول نجيب أن مشروع قانون الأحوال الشخصية يخالف المادة 25 من الدستور السوري التي تتحدث عن حرية الاعتقاد و المساواة، ويجب عند سن القوانين أن تهم كافة المواطنين و تكون منسجمة مع الدستور ولا تخالفه، و نستطيع ان نقول ان القانون الحالي غير منسجم مع الدستور ويخالفه من جهة المساواة بين جميع المواطنين السوريين والمنصوص عليها في المادة الخامسة والعشرين من القانون.
ويرى أن الصورة التي صيغ فيها جاءت كردة فعل لمجموعة متعصبة على حالة اجتماعية موجودة منها طروحات المطالبة بقانون مدني، وإذا تكرس المشروع فسوف تكون آثاره سلبية جدا، لانه يأتي بعد 56 عاما على سريان القانون الحالي، وعلينا تصور الوضع إذا بقي القانون الجديد لستين عاما فنكون انهينا اي فرصة لتشكيل قانون مدني لمجتمعاتنا.
” القوانين اصلا وجدت اما لحاجة اجتماعية أو ضائقة لدى الحكومة أو أن المجتمعات لا تستطيع الخروج من حالة معينة فتقوم الحكومات باصدار قوانين للنهوض بالمجتمع.
قانون الطوائف
أمام نص دستوري صريح في تساوي المواطنين السوريين ، فإننا سنقف أمام إشارات استفهام حول قانون أحوال شخصية الذي يتيح عمليات “تقسيم” متتالية، فعلى سبيل المثال هل يتفق المسيحيون الشرقيون أو الغربيون على قانون معين؟!!
حسب رأي نجيب فإن ظهور قانون خاص بـ”الكاثوليك” منح الحق لباقي الشرائح في تشريع القوانيين الخاصة بها .
متساوون في التهميش
“جميع المواطنين السوريين متساوون أمام القانون من دون تفرقة بين دين أو جنس أو عرق” ولكنهم غير متساويين في مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد ،الذي يناقض هذه المادة الدستورية.
أنا ضد كل استهداف طائفي يقول نجيب :” علينا أن نبني اسرة تحت اطار المواطنة فكل انسان حر و لكن هناك قانون مدني يجب العمل به وتطويره. “
المصداقية و الكفاءة
الاستاذ المحامي رياض طاووس يشير الى نقطة أساسية بنظره وهي ان الزواج في الإسلام هو عقد مدني، واعتبر أن رجل الدين ليس له دور في سن القوانين و تشريعها بل دوره، ديني فقط مثلما الطبيب هو طبيب والمهندس مهندس، ونحن لسنا بحاجة إلى قانون أحوال شخصية جديد بل لسد ثغرات القانون القديم وأعطى أمثلة كثيرة حول هذا الامر وكيف يتم التحايل في التنفيذ في قضايا أساسية كالنفقة وغيرها التي تفرغ القوانين من معناها .
ويفسر المحامي كابي عوض تعيين موثق مهمته التحقق من شروط صحة الزواج، بأنه ألغى دور الكاهن و الزواج الكهني و أعطى الحق للموثق الأمر الذي يحيل الزواج في المسيحية الى المحكمة و يؤدي الى جنوح في الزواج .
و يشارك المحامي وسيم أديب عيسى الرأي فيما قاله الأستاذ رياض بالنسبة لرجال الدين فيقول: أنا ارى أن المشكلة عيب في رجال الدين الذين وضعوا القانون وبرأيي يرجع السبب الى عدم القيام بتدريب رجال الدين و اختبارهم قبل القيام بوضعهم في اماكن صنع القرار.
وخلال الورشة تم الاتصال بالمطران أسيدور بطيحة الذي أكد أن المشروع انتهى، ولا يوجد أي إجراء لاحق بعد تدخل جهات معنية، وأكد أننا بحاجة الى قانون مدني يتطلع للمواطن السوري كجزء أهم في المشروع قانون متعالي عن الخلافات الدينية.
الحسبة و حسبي الله و نعم الوكيل
نصت المادة 15 من مسودة القانون على اختصاص المحاكم الشرعية ومنها الفقرة التي تختص بــ”دعاوى الحسبة” التي شجعها القانون بلا حدود لدرجة أنه أعفاها من الرسوم والطوابع والنفقات بل وتكفل بندب محام أيضاً مجاناً للمدعي وأخطر ما في النص الفقرة الأولى منها ولو لم يكن للمدعي مصلحة.
قانون الحسبة يتيح لأي شخص برأي المحامي رامي جلبوط أن يشهد زورا في المحاكم على أي شخص بأنه ارتد، ونجد أنفسنا أمام مرجعية من يحدد “صحة الردة” أهو القاضي!! ومن ثم اذا ارتد الزوج أو الزوجة على دين من سيكونون!! يعني نحن نختصر الإنسان في أمور معينة الحياة و القيم الانسانية اكبر و اهم من أي شيء اخر .
نفي النسب والقرون الوسطى
أبقى مشروع القانون على أحكام نفي النسب من طريق اللعان للمسلمين وأفرد مواد متخصصة (215 -221)، لتنظيم أحكام اللعان، وهو ما يعرف بأنه شهادات مؤكدة بالقَسم، تجري بين الزوجين في مجلس القاضي، من أجل نفي النسب عن الطفل الذي يشك الأب بأنه ليس من صلبه، من دون اعتداد بأي فحوصات مخبرية، بل بالحكم القاطع بالتفريق ونفي النسب عن الصغير بعد القسم أو الحلفان مباشرة.
القدرة على التحمل
مجتمعنا لم يعد يحتمل مثل هذا المشروع، تقول نضال الخضري، اعلامية مشاركة بالورشة، فنحن بحاجة لقانون يحمي الجميع و لا تحكمه عقليات متخلفة، وأوضحت الخضري أن الجدل الدائر حول هذا المشروع مؤشر على ضرورة القانون المدني الذي يتعامل مع المواطن السوري بغض النظر عن انتماءه الديني والمذهبي والاتني، ينظم الامور المدنية التي تترتب على الزواج والطلاق وما ينتج عنهما من آثار لها علاقة بالحضانة والنفقة للأولاد والأقارب والأمورالمالية، و بحاجة أيضا الى قانون زواج مدني وإلى إلغاء تعدد الزوجات وتعديل القوانين المتعلقة بالاغتصاب وجرائم الشرف، ومنح الام جنسيتها لابنائها.
مشروع قانون الأحوال الشخصية يتراكب اليوم مع النقاشات المستمرة، وهو لا يقف عند مساحة الورشة التي أقامتها سورية الغد، لأن القضايا المطروحة تحتاج إلى الاستمرار في عملية الحوار والبحث كي لا يكون هذا المشروع مجرد محطة في حياة وثقافة مجتمعنا.