كتب لي صديق محترم لدي ، على الخاص ، تعقيباً منه على بوست سابق مني بخصوص دخول القوات التركية المحتلة الى إدلب وترحيب بعضهم بها…
أشار فيه إشارة مهمة الى إضمحلال مفهوم الوطن لدى السوريين بسبب الطبيعة الأمنية لإدارة الدولة السورية و مما ذكر وأراه جديراً بالوضع هنا :
( الحقيقة وقفت طويلاً عند مفهوم الوطنية عند السوريين في الظرف الحالي وكم تمنيت لو أطلت في تشخيصك لتستخرج كيف تحولت القرية الى وطن ثم صغرت الى البيت ثم صغرت الى الشخص الذي لم يعد له علاقة حتى بمناصرة ابنه وابنته عندما يلقي القبض عليهم المخابرات قبل الثورة ثم الشبيحة ثم كل مليشياوي… وهل كان مفهوم اسقاط العشيرة والقبيلة والحمولة والعائلة المناصرة هو هدف ، ومجموعها كان الوطن الحامي للفرد فالوطن مفهوم مرتبط بالأمان… بخصوص إدلب ….عندما انتهت الثورة قبل بضع أعوام في كل مكان في سورية تقريباً ادلب الوحيدة التي بقيت عصية على النظام ومنها استعادة الثورة جذوتها، في ادلب يكرهون جداً الاحتلال والاستغلال والاحتكار ولديهم نخوة من نوع ما، حاد أكثر ، ربما لطبيعتها الاجتماعية والصراع الدائم فيها بين التيارات الدينية والتيارات العلمانية والقومية وحتى الصراعات ضمن التيار الواحد وكذلك غنى المحافظة الكبير وثرائها بالعائلات السياسية والاقطاع السياسي وهذا يعني وجود طبقة كبيرة من صغار الفلاحيين والأقنان وصغار الملاك جعل الصراع شبه دائماً ولا تنسى أنها قريبة من أشهر منطقة هرطقة في العالم أنطاكية وبالتالي دخلت في هذا الصراع وتكاد تكون تربتها مجبولة بالدم! بالنهاية ترحيب أهل ادلب بالتركي ناتج عن سببين رئيسيين الأول الخوف من حجم الدمار الهائل الذي يسببه الطيران الروسي والأسدي، والثاني حسن تعامل الأتراك مع اللاجئ السوري مقابل البلاوي التي حصلت للاجئ في دول أخرى مجاورة كلبنان والأردن )
أشاطر صديقي المحترم في كل ما تقدم ، مُضيفاً عندما يتم إختزال الوطن بشخص ، ويتم تمليكه له واقعاً وبالذهن الجمعي العام ، في ظل إدارة أمنية تُحيل الوطن لمساحة من الخوف ويغيب القانون الذي هو أساس الإحساس بالأمان بمستوياته المتعددة ، عندها يكون الخلاص الفردي من الجحيم العام فرصة لمن يريد إنقاذ نفسه ، وأتفهم أن يستنجد بالشيطان من أجل ذلك ، نعم صدقت المقولة التي تقول ” الطغاة يجلبون الغزاة ” ويُشجعون التطرّف والارهاب .
كان من الأولى أن يكون الدعم والأفضلية والصلاحية والسلطة، التي أعطيت ” خلال حوالي خمسة عقود ” من أجل ترسيخ مفهوم الفرد الأب والدولة الأبوية ….و للأمن والمخابرات والجيش ، لتحقيق الأمان بمعناها البسيط الشبيه بعلامات الموت …
أن يُعطى كل ذلك ، ويكون ، للقانون ودعم القضاء ، ليساهم بضبط الحراك المجتمعي السوري العام وتصويب نموه وتحقيق نسب إنجاز حقيقية قابلة للقياس ، في ظل حياة سياسية طبيعية تسمح بتداول السلطة وحرية العمل السياسي ومقاربات جدية في تحقيق التوزيع العادل للثروة بدلاً من الإستئثار بها وترك الناس أسيرة حاجاتها وأولّها الأمان .والإستثمار في الخراب …
ففي ذلك كان مدخلنا الملائم كسوريين للبدء بحياة طبيعية يستمر فيها القانون بفرض إرادته في تحقيق الإنسجام ومستويات مقبولة تتطور الى الأفضل مع الوقت في العدالة والتنمية والأمن والأمان بمعناهما العميق والمتعدد المستويات ، الذي هو بالمحصلة المحتوى الحقيقي الملموس للوطن والوطنية .
النفس البشرية السورية تحتاج ” كما كل نفس بشرية في هذا العالم ” تحتاج ما تقدم ذكره لِتُفعّل جانبها الإيجابي ويُضبط جانبها السلبي في لعبة النسبية الناجحة لإنتصار التحضّر على الهمجية بدلاً من هذا المنع والدحض المستمر منذ عقود والمُكثّف منذ حوالي سبع سنوات في وضع السوريين كل السوريين ، وأيّاً كان موقفهم السياسي ، في الضغط الأكثر سوءاً الذي يُفعّل لديهم ، وبشكل متصاعد ، الجانب السلبي والمدمر في أنفسهم ، والموجود في أي نفس بشرية في هذا العالم !