°
, December 7, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

المواطن زياد الرحباني

إنو بيِسْوا واحد يعطوه مأذونية كل 30 ـــــ 35 سنة؟»، أن تأخذي نَفَساً من هذه الكمية من الكذب اليومي الذي دخلنا فيه كلّنا لنمشّي حالنا.

 

 

 

لأنّ الناس ينتظرون منه أكثر من أغنية، لأنه طبع وعينا ببصمته غير العادية، فإن زياد الرحباني بدا لمحبّيه شديد الغياب أخيراً. وما زاد الإحساس بفراغ مكانه في حياتنا العامة، مناخ التوتر المشغول عليه بعناية، ليبقى على حافة الانفجار. مع ذلك، واظب المواطن زياد الرحباني، على الاختفاء. تعب مثلنا؟ مرهق من هذا التكرار الحزين لتاريخنا المشترك؟ أين زياد؟ تكاد مقطوعة «طيران الشرق الأوسط» من ألبومه «إيه في أمل» أن تكون الموسيقى التصويرية لحركته: مصر، أبو ظبي، مشاريع للشام، كأنه يدور حولنا، يماطل في العودة إلينا. أما حين عاد إلى حفل بيت الدين، فقد اعتذر قبل أسبوع، بتقرير طبي، بسبب إرهاق آتٍ من «هنا»، كما يضيف في هذه المقابلة، مشيراً إلى رأسه

■ في مقابلة، مباشرة قبل «صحّ النوم» في بيال عام 2006، وردّاً على سؤال: ما العمل؟ أجبت «العمل الدؤوب واليومي، نوع من التمرين الذهني والجسدي لزيادة طاقة التحمُّل». لكن، يبدو أن طاقتك على التحمّل، تحمّل البلد طبعاً، تخفّ بنحو ملحوظ.

– زياد الرحباني (مقاطعاً) إيه… صحيح.

■ منذ «الهروب الخليجي» الأول لستة أشهر، إلى إلغاء بيت الدين، إلى الاختفاء عن الشاشة العامة بكل فروعك. واليوم، مجدداً إلى الخليج؟ ما هذا؟ لن تتحمل حرباً جديدة؟

– لا أبداً. لا علاقة للقصة بحرب جديدة، لأن الحرب على سيئاتها، وعلاقات الناس فيها، أوضح من هذه الأيام التي اسمها «سلم». ففي الحرب تتحدد النشاطات، تتحدد المشاريع… لا ليست القصة «عدم تحمّل حرب جديدة» بقدر ما هي عدم تحمّل لهذا النمط من العلاقات التي نعيشها بعضنا مع بعض كناس. لم تعد المشكلة «مين إجا بالحكومة، ومين طلع نايب»، هذه مشكلة أكيد، لكن المشكلة أنك حتى لو استورَدْت وزراء ونواباً، من البلد الذي تريدين، اختاريه من الناجحين (يضحك) و«شغيلة وعندهم شفافية»… كيف تريدين أن يتجاوب الناس معهم؟ الناس لم يعودوا معتادين على القاعدة، ولا على القانون، رغم المطالبة به. «إنّو وينيّة الدولة؟ وين القاعدة؟ (شخصية ترمز إلى القوانين في مسرحية لولا فسحة الأمل) وين بوليس السير؟ وين الإشارات؟ وين الكهربا؟ وين الماي؟ كل هذا صحيح، لكن، أين كنت أنت، كل هذا الوقت، مثلاً؟ منذ متى وأنت تقول هذا الكلام؟ «أفظع شيء أن تسمعي أحدهم يقول لك: ما بقى فيني إتحمَّل». وأنت تراه منذ 15 سنة يقول ذلك وباللهجة نفسها. إذاً، كيف مرّت السنوات الخمس عشرة الأخيرة؟ كان «مش عم يتحمّل والله كان عم يتحمّل؟».

■ هذا يجعلك تهرب إلى الخليج؟

– ليس هروباً إلى الخليج، مجرد… كيف أقول؟ نَفَسْ؟ «إنو بيِسْوا واحد يعطوه مأذونية كل 30 ـــــ 35 سنة؟»، أن تأخذي نَفَساً من هذه الكمية من الكذب اليومي الذي دخلنا فيه كلّنا لنمشّي حالنا. هناك نسبة قصص عليك قولها، ليمشي الحال. إذا كان أحدهم «مسكّر عليكي» بسيارته، وقد دخل محلاً لشراء شيء ما، إذا دلّوك عليه فدخلت وراءه المحل، يجب أن تقولي له إنك مستعجلة ولو لم تكوني مستعجلة. لا يمكن أن تنتظريه «تتشوفي شو عم يشتري (يضحك) إذا الدوا بينفعو… بمعنى أنه عندما ينتهي سيخرج ويزيح سيارته من طريقك. عموماً، تريدين الخروج، فطبيعي إذاً أن تكذبي. لِمَ؟ لأنه بالأساس هو المخطئ. يعني بتطلع واحدة بواحدة. يعني: عين بعين.

■ بعد حرب تموز كنت بحالة فوران وتفاؤل عارم، وإذا تدريجاً انزلقتَ بهدوء إلى مرحلة سكوت. هل أصابك تسارعُ الأحداث بعسر هضم، فنياً خاصة؟

– بتعرفي، ولا مرة فكّرت فنياً في الوضع. أكثر مرة فكرت في الوضع عندما كنا بالجريدة. تحسّين أنَّ من غير الضروري التعاطي فورياً مع أي شيء يحصل، إلا إذا أردت أن تري شيئاً مثل «شو عم يركّبوا تبع اللي بيصير اسمن كلن: مدرسة الساعة العاشرة». يتحول الأمر إلى حفلة تقليد شخصيات سياسية، مع إمرار اسم القرار 1559 والقرار 1701، بإطار «فوفاشي». وانتبهي: أخيراً فقط بدأت المحكمة الدولية تصير شأناً عاماً. كانت شأناً خاصاً اسمها المحكمة الخاصة بالرئيس رفيق الحريري، اليوم… ربما أخذت بقصة الأمس (العيادة) انطلاقة جديدة.

■ كيف؟

– يقولون إن هناك «مدّ وعلّ» حتى آذار… هذا إذا لم يصدر مجلس الأمن قراراً لإدانة ما حصل هنا. هناك سؤال حشري، ليت المواطن يسأله لنفسه: أولاً أنا لا أصدق أن حزب الله قتل رفيق الحريري، فلا غاية لديه من قتله إطلاقاً. وحزب الله منذ عام 2000 وأنا أحسّ أنه يريد «السترة بالمجتمع». وأثبت بسياسته أن هناك حكمة. فمؤكد لا يرتكبون أغلاطاً بهذا الحجم. واحد، عدا عن ذلك: بمَ سيستفيدون من قتله؟ لكن السؤال الذي يليه فوراً هو: لماذا يصرّ بلد مثل أميركا، لهذه الدرجة، على أن تستمر المحكمة؟ بلد تعاطى مع اغتيال الحريري بشويّة برود؟ لمَ هم مصرّون على أنه لا أحد يوقف المحكمة. ولِمَ؟ وهم من أكثر الناس ضد المحاكم الدولية؟ «إنو ليش مصرّين هالقدّ إنو: أوعا حدا يعرقلها أو أوعا حدا يوقفها؟ مصرّين أكثر من جزء من اللبنانيّين؟ لأ. هذا يقول إنهم يريدون شيئاً منها، وليس إنهم يريدون معرفة من قتل الحريري. مؤكد أن الأميركان غير مهتمين بمعرفة من قتل رفيق الحريري. لكن، هناك شيء «يخصّهم» بالموضوع. «ع البساطة يعني. في شي بيخصّن، إنو تكمل المحكمة الدولية وتتسارع وما حدا يوقّف لها أعمالها».

■ بعد حرب تموز كنت دقيقاً بتوصيفك لإنجاز المقاومة قلت: هذا اسمه صمود غير متوقع.

– وقلت لك ذكّرني بشعور أول الحرب اللبنانية. الشعور بالاندفاع الذي كنا نشعر به بالأول، قبل حرب السنتين.

■ اليوم عندما نراجع أداء الحزب داخلياً، ما هو تقويمك للمقاومة؟ لا يزال هو نفسه؟

– مهما كان حزب الله حذراً في خطواته، وحكيماً في قراراته، ومهما كان يجرّب «يفوت بالحكومة وبالمجلس النيابي»، تحصل حوادث صغيرة يقولون لك هذا جمهور المقاومة وليس المقاومة ـــــ مع الوقت، كلهم: مسؤولين وجمهوراً، سيحتكّون بباقي اللبنانيين. ولا يستطيعون أن يكونوا أقوى من اللبنانيين. اللبنانيون مجموعون على عادات حميدة، تاريخية ومؤصلة، عرفت كيف؟ لا يستطيعون تفاديها. ابتداءً من الفيسبايات الصغيرة، وصولاً إلى

«منكسّرلو أزاز السيارة»… والوقت يفضح.

■ قصدك ما داموا «بارمين» إلى الداخل فهم يخسرون؟

– إيه طبعاً. عندما كان همّهم الجنوب ـــــ ولا يعني هذا أننا نتمنى لهم كل يوم عدواناً كعدوان تموز ـــــ لكن حين كانوا هناك، كانوا «بغير وارد» (يولّع سيكارة، ثم يتابع مقطّباً) هناك كمية أشياء تبدأ بكلمة «اللعبة»: اللعبة السياسية، اللعبة البرلمانية، اللعبة الديموقراطية… خلص، بمجرد أن توافقي بعنصر واحد على شيء فيه لعب، شطارة ولعب، يصبحون مضطرّين إلى الشطارة واللعب، بالمعنى اللبناني الرديء. بمعنى: توفّقت فيه قبل ما يتوفّق فييّ. و«توفّقت فيه» فيها جزء بلا أخلاق، وهم عنوانهم الأخلاق. لكني أقول إنهم باحتكاكهم باللبنانيين، ومع تراكم الوقت، لا أعرف. في النهاية لن يستطيعوا أن يحجروا على الناس لئلا يختلطوا بها المجتمع…

■ نحكي عن اثنين: المقاومة وجمهورها؟

– نحكي لأننا كنّا «مميزينهم». كذا مرة سألت أسئلة من نوع: أين رُبّي هؤلاء الناس، إيجابياً يعني، كنت أتمنى أن تبقى هذه الصورة عندي عن الكوادر وعن المقاومين، بس…

■ تحولت هذه الصورة؟

– تحولت بقصص داخلية كما قلتِ. لم يكن الحزب يستطيع ألا يدخل فيها.

■ ولا يستطيع إلا أن يأخذ هذه القرارات…

– ولم يكن يستطيع إلا أن يدخل بالحكومة، وإلا «بيصير مزبوط حزب إرهابي»! لا شك أن وجوده بالحكومة مربك لكثير من السياسيين الذين يأتون إلى البلد، من حيث يضطرهم إلى التعاطي معه، مثلاً سياسي يجب أن يجتمع مع وزير الزراعة، وهو من حزب الله. يقيسونها بهذا المقياس. بقيت المقاومة لفترة لا تريد الدخول إلى الحكومة.

■ وبرأيك إنهم ذاهبون إلى مزيد من اللبننة بالمعنى السيّئ للكلمة؟

– كل شيء يعود للوضع الأمني العام، الوضع الإسرائيلي… إذا استقر وضع البلد فقط على بعض المناكفات، وعلى «جو» ممكن أن ينقلب «سنّي شيعي»، أين سيذهبون بكل هؤلاء الناس؟ عندما نفكر شيعياً، نجد أنها صعبة كتير. لأن هذا الجمهور أيضاً يحسّ بأنه مستهدف بسبب انتمائه ودعمه للمقاومة. هذه أصبحت راسخة عند الناس، عند جمهور حزب الله. فعندو استعداد إنو : إيه، في شي ضدي عم يتحضّر. ضدي يعني ضد الشيعة.

■ عودتك إلى الخليج نوع من تقويم لمستقبل الوضع الداخلي؟

– لأ. أبداً. صدقيني الأشغال هنا «مش مقتّلة بعضها». قلت لنفسي عندي عقد عمل لشهر، عزف في أحد المحلات بالليل، ليس حفلة أو مشروع على مسرح… كان هناك محل ببيروت كنا نعمل فيه، سكّر. الجاز لاونج. كان هناك سمّيعة يأتون للسمع بدون «مناقمة»أو «إذا ما غنّيتو عايشة وحدا بلاك منكسر المحل». (يضحك) كما أني اكتشفت سهولة في التعرف إلى موسيقيين مقيمين هناك، هذا فاجأني وأغراني. عملنا فرقة وعزفنا بكذا محل. كل واحد منّا من بلد. الآن سأعمل معهم هناك.

■ رغم تأزّم الأوضاع، ولفترة طويلة، من زمن لم نسمع لك شيئاً مثل «قوم فوت نام» أو «بما أنّو»، هذه الأوضاع كانت دائماً تنتج عندك شيئاً ما.

– هناك كمية مواد كتبت من زمان، وبقيت ولم تكمّل بعد جوزف صقر. وفعلاً، بيّن هذا الإنسان اليوم، وبعد مرور كم من السنوات؟ 13 سنة؟ (على موته) ظهر أنه لم يكن إنساناً من الهيّن تعويضه. وإلا لكنت رأيت «حدا عم يغني هالأغاني».

■ تقول إنك كتبت أغاني كهذه، لكنها مهملة لأن لا صوت يغنّيها؟

– إيه، والحل ليس كما يظن بعض الناس حين يسألونني «إنو ليه أنا ما بطلع غنّيها»؟ أنا غنّيت كمساعد مطرب (يبتسم) وطوارئ. وحقيقة، بالحرب، اضطررت إلى التدخل بعض الشيء لقول أشياء لم يكن هناك من يستطيع قولها… من ينطقها باللفظ بشكل صحيح، أكتر من الغناء. كان هذا أيام أنا مش كافر. بعد غياب جوزف صقر صار الناس، يخلطون بيني وبين جوزف، ملتبسة القصة، «بمصر مثلاً مفكريني أنا مغنيهن». وكما قلت لك كان هناك الكثير من المواد، ولكن بعد وفاة جوزف، انتركت.. ومع الوقت راحت وراحت.

■ قضية إرث الأخوين رحباني، وبغض النظر عن كل التفاصيل والمحاكم، بالنهاية تطرح هذه القضية إشكالية حقيقية: من يحق له التصرف في إرث وطني ثقافي فني؟ من يحق له المنع أو السماح ووفقاً لأي معايير؟

– أولاً، ليس هناك عادة شركة من اثنين، أي خمسين بخمسين. أقصد بطريقة لا أحد يملك فيها القرار. وعادة إذا بدك تعملي مشاكل بتعمل شركة من اتنين، لأنو واحد بيقول لأ وواحد بيقول إيه، بتضلّها واقفة، بس الأخوين رحباني هيك شاؤوا يعملوا بوقتها. وأنا برأيي، احتراماً لهم، وخاصة أنهم ما عادوا موجودين، يجب أن يبقى هذا الشيء بأي طريقة. شركة من اثنين: لا يقال لهذا 70% وللآخر 30%، ولا العكس. حتى لو لم نكن نعرف ما الذي كان بين هذين الشخصين. وكم كان كل واحد منهما يشتغل وبماذا كان يشتغل. نعرف أو لا نعرف، «ما خصّنا بقى بهالشي. يعني هيدي هيك انعرفت ومسجلة للأخوين رحباني. من هما هذا الاثنان اليوم؟ الورثة. هذان الاثنان، وبما أنهما موجودان بالمحاكم، (وعلى فكرة هذه الدعوى بدأت قبل وفاة عمي منصور، الله يرحمو، وليس الورثة من رفعوها. هم فقط يتابعون الدعوى التي بدأت أيام «صح النوم») «بدون أن ندخل بتفصيل شو صار في ادعاء من جهة عمّي على فيروز، وإذا كان مزبوط أو لأ» أنا كنت أحاول… بين الاتنين يعني شو بتقولي؟

■ وسيط؟

– وسيط، صحيح. وقعدت مع عمي مرتين ومع إمي مرتين لنجرب سحب هذه القصة من المحكمة والتوصل إلى صيغة. لكن، عمّي لم تساعده صحته وتوفّي. كنا بهذه المرحلة. توقعت بعد وفاته أن تطرّى الأمور من أولاد العم، وأن يجدوا صيغة ما، لا أعرف ما هي… لكن إذا أردت أن ألخص لك المشكل، ممكن أن نصل إلى وقت، إذا لم يستطيعوا التوصل إلى الاتفاق على صيغة معينة، فإن هذه الشركة من اثنين، يحكمها: الحسد المهني، وصغر العقل اللي بيجيب نكايات، والمصاري. ماذا تريدين أسوأ من هيك؟ كيف سيتعاطون بعضهم مع بعض؟ والقضاة المستلمين الملف، يؤجّلون ويعطون مهل «إنو بلكي بيوصلوا لصيغة»؟

■ والحل؟

– برأيي إذا بقيت الأمور على ما هي عليه، ربما يجب طرح طريقة على مسؤولين كبار بالبلد يعني… رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة… إلخ. بمعنى «إنو بدنا خيّي حدا يحطّ إيدو ويتبنّى هالتراث، ويعطي حقوق للورثة»، لأن هؤلاء غير جديرين بأن يكونوا ورثة، فصغر العقل هذا على شيء لا دخل للناس به وهو لكل الناس وهو للأخوين رحباني، ويجب أن يبقى كذلك.

■ بالمعنى العملي، كيف يترجم هذا الاقتراح؟ هذه اللجنة الوطنية من هي؟ ماذا تقرر؟ من يحق له الغناء؟ إعادة تقديم المسرحيات؟ إعادة التوزيع؟

– ستكون قيّمة على الإرث، ما يشابه حارساً قضائياً على مؤسسة موضع نزاع، وبالطبع يجب أن يكون ضمنها شخص مختص، وقد ينتدب فيها «حدا من العيلة» لأنو موسيقي ، وبرأيي هو موجود، أعني الياس، الأخ الأصغر للأخوين رحباني.

■ كلام «تبقى أساميهن» في ألبوم «إيه في أمل» موقف أيضاً؟

– هذه «غير قصة». أساساً كان يجب أن تنزل إلى السوق منذ أكثر من سنة، فقد سجلناها إثر وفاة عمي منصور بشهر. وكانت بصوت فيروز، لكنها عادت وطلبت نزع صوتها عنها لتقليل المشاكل. و«إذا بدك أنا كيف شايفهن؟ ببساطة هاي الغنيّة» ولو أني لم أكن مع عمي في ما كان يأخذه من مواقف «آخر شي»، لكن له محل عندي «ملزّق بتاريخه الماضي». كنت صريحاً معه بكل الأمور. إذا سألني رأيي في عمل من الأعمال التي كان يعملها كنت أقول. من الأعمال التي كتبها أخيراً، قلت له «حبّيت هاي والباقي كلّه ما حبّيتو». كان يسبّ لي بمودّة يعني «يلعن ر..ك، ما بيعجبك شي»، بس أنا ما كنت كذّب عليه. وكان دائماً يطلب مني «سمّعني شو عم تعمل».

■ وهل كنت تسمعه؟

– إيه.

■ وأسمعته ما أعدت توزيعه في أسطوانة «إلى عاصي»؟

– طبعاً.

■ ما كان عندو مشكلة؟

– أبداً. علاقتي بعمّي، وبسبب العمر، أطول بقليل من علاقة أولاده به. أنا الأكبر، وأقرب واحد ورايي هوّي ابن عمي مروان.

■ أنت أكبر منه؟

– في فرق سنة أو سنتين، لكن أكثر بكثير من أسامة وغدي. من أيام التسجيل بالاستديو، للتنويط، للقصص التي كانا يكلفانني بها، بمعنى: وزّع هالمقطع، تمرّن فيه يعني. لحّن هالغنية. بعرف شوية من جوّا القصص كيف كانت. وبرغم ذلك أصرّ على أن كل هذا يجب أن يوقّع باسم الأخوين رحباني. هكذا كانا يريدان. من بينهما كان يريد هذا؟ مَن مِن الاثنين؟ «ما حدا خصّو». (يضحك) إنو مين عمل هالشركة «الخـ..ائية»؟ كمان ما حدا خصّو.

■ كان عندك مشروع بألمانيا؟

– أجلّناه. لأجل غير مسمى.

■ وألبوم جديد؟

– (يضحك) والله يفترض إذا ضلّت فيروز محمّسة كما هي الآن وعملت حفلتين، وأفرجت عن الألبوم، يعني، بلّشت تسأل: شو عنا مواد لألبوم جديد؟ قلت لها مثلاً عندنا هول (6 أغاني خالصة) فقالت لنبدأ بالتسجيل، فقلت لها لشو؟ عيب أن ننزل أسطوانتين بفترة قصيرة لهالدرجة. بس تعملوا الغلاف (يضحك) بمجرد ما تصيروا عارفين شو الغلاف؟ نبدأ بالتسجيل.

■ من التحليلات عندما اختفيت كل هذه المدة، أن زياد «عامل أزمة منتصف العمر».

– والله؟

■ إيه… بمعنى جدوى ما فعلت حتى الآن، الإشيا اللي مش عم تتغير، يعني شو الفايدة؟ وهل اللي عملناه كان منيح أو لأ؟

– إذا هاي كريزة منتصف العمر، أنا هيدي كل يومين بعملها (يضحك) مش واقفة هلّق ع تموز.

■ تموز؟

– نعم حين تعبت صحياً، كان ذلك فعلاً بتموز. لكن السبب نفسي، يعني من راسي. لأني جئت ببرنامج لبيت الدين، ما إن وصلت بيروت، بدأت الأسئلة: شو رح تغنّوا؟ شو رح تغنّي؟ أنا يعني!

■ لذلك ذكرت قصة جوزف صقر؟

– إيه… أحسست كمن خطط لشغلة وماشي فيها، ومسهلة وجايب فرقة موسيقية ع أساس هالبرنامج، يللي ما فيه ولا غنيّة. لكن ما إن عرفت أن 4 آلاف تذكرة قطعت وبوقت بسيط، أحسست «إنو لأ في حفلة هيصة»! لن تقطع بلا أغاني، وابتدأ التدهور وعدم الأكل وعدم النوم، ولم يعد ضغطي ينزل. أردت حفلاً موسيقياً. وبلحظة قلت لنفسي: لا أصدق، معهم حقّ من أتوا يسألونني ماذا سنغني، لا أصدق أن هناك 4 آلاف شخص راحوا قطعوا بهالسرعة، من أجل أن يسمعوا بس موسيقى. كانوا أيضاً يفاوضونني على ليلة ثانية كون التذاكر بالأولى بيعت بسرعة. وفوق ذلك، رجعوا حطّولنا «جاز كونسرت» قبل ما أوصل أنا من أبو ظبي. وصلت… قلت لهم: «رجعتوا جبتولنا البلاء؟ خلّونا نرجع نوضح هلق… واللي اشترى أكيد قاري «جاز كونسرت»، بس متل إجرو». (يضحك) أكيد فيها عايشة وحدا بلاك. (يضحك) عاملينها جاز بيكونوا. حسّيت إني ما بصدّق إنو في 4 آلاف بيسمعوا مني موسيقى، مش حتى جاز. قررت فوراً مطربة، و«علقت نقي أيّ أغاني بيزبطوا لأنّو الأغاني بالأصل مش لبنات». فجأة، أصبحنا بحاجة إلى مطرب ومطربة، أي كورس أيضاً، يعني؟ «نطّت» الفرقة للدوبل عن الحجم الموافق عليه. هكذا، أحسست بأنني لا أستطيع، فعلاً لن أستطيع. أحسست بأنني طالع ع (بيت الدين) لأعمل شي اسمه فشل… (ينظر إلى المسجّل فجأة: هلّق تأكديلي ماشية هالمسجلة؟) سألتيني إن كان معقول إني غاطس بأزمة منتصف العمر؟ لأ. الأمور بدأت معي من زمان. هناك أزمة «إذا بدك»، الماركسية تقول: هيك صار، يعني هيك كان لازم يصير. بمعنى أنا قررت البقاء بلبنان و«هيدا اللي طلع معي أنا وبلبنان». قد يجب أن يحلّ الوقت الذي أتقبّل فيه هذا الشيء. أحياناً أتقبّله «بمساعدة» أصحاب، بجلسة ربما الناس مبسوطين فيها، يمكن عم يشربوا شغلة، معيْدين، ويقولولك: والله منيحة هالأعمال، عظيمة..

■ لكنك أنت غير راضٍ؟

– كالكثيرين، أحيانا تقولين لنفسك: صحيح، «طرقتنا» الحرب الأهلية. لو خرجنا من لبنان أيامها، ربما لتعلمنا أشياء كثيرة ولعملنا أشياء كثيرة. في الوقت ذاته «يمكن لو ضهرنا كمان ما صار شي». لكن يبقى هناك في رأسك شيء يطالبك: انت ونايمة يطالبك ـــــ عندما تكونين مستيقظة تتلهين عن التفكير وبيمشي الحال ـــــ يعني أهم شي إنو ما تفكري: أضعت 30 سنة من عمري. ما الفائدة من التفكير؟ ما الذي بإمكانك أن تزيديه على هذه الجملة؟ أن أحاول تعويضها؟ ليس أكيداً أن معي 30 سنة أخرى، وحتى لو كان معي، الأكيد أن نوعيتها «مختلفة» عن الـ30 سنة الأولانية..(يضحك) هذه هي قصة الحرب تحديداً، أنا بقيت في البلد. لكن، من جهة ثانية، لم تكن هناك قوة لتخرجني من البلد وقتها: بمعنى: فائدتي هنا، ويجب أن أبقى لأفيد… إيه. مع الوقت، بعدما قطعت الحرب، لا يعود الإنسان يعرف إن كان فعلاً قد أفاد. «بس إنو أبو الزوز سمّعنا شو آخر نكتة! بتعملّك مشكلة». وهذه الحالة، «بتغيب وبترجع». وقد تأخر الواحد ليفكر أن يرحل، إلى أي محل. ولذلك يصبح ضرورياً القيام بالتمارين التي ذكرتها في بداية المقابلة.

■ هل يعقل أنك تشكّ في قيمة ما فعلته خلال الحرب الأهلية؟ هل هناك وثائق أصدق وأهم من كل ما وثقت به هذه الفترة؟ كيف دمغت الوعي السياسي والفني لأجيال بكاملها؟

– إيه، بس بتعرفي إنو الواحد ما بيهمّو شو أكل مبارح، بيهمّو شو طابخين الليلة.

حاورته: ضحى شمس (الأخبار)