°
, December 8, 2024 in
آخر الأخبار
دراسات اجتماعية

ريف ومدينة وسُلْطة . دكتور صلاح نيّوف

ريف ومدينة وسُلْطة
(1)
(…) كانت نسبة سكان المدن في سوريا عام 1960 من عدد السكان الكلي فقط 37%، كما قدمت الدولة نسبة بشكل رسمي عام 1995 وكانت نسبة سكان المدن فيها 53% من عدد السكان. الاستنتاج الأول من هذه النسب أن البلاد ذات عمران سيئ للغاية مقارنة بالدولة المجاورة لها، حيث لا يوجد في سوريا مدن ضخمة كما القاهرة وبغداد مثلا. كما ينقسم سكان المدن بين مدينتين كبيرتين هما حلب ودمشق بالإضافة لمدن أخرى أقل كثافة وعددا في السكان بفارق كبير.
المفارقة الكبيرة أن ازدهار المدن السورية في الخمسين سنة الأخيرة كان على حساب الأرياف أو المناطق الزراعية التي تنتج ما يستهلكه سكان هذه المدن. نشاهد ذلك في حلب، حماة وحمص حيث أرياف هذه المدن هي السبب الرئيسي في ازدهارها. بمعنى آخر، الكيان السوري مبني على الاستغلال والظلم والتوزيع السيء جدا للثروة بين المدن والأرياف، لذلك كان من الصعب بناء دولة وطنية حقيقية.
العاصمة دمشق هي أداة تسويق هذه الفوارق ومكان وضع سياسات الظلم والاستغلال والمعاملة التفضيلية بين الأقاليم والمناطق السورية، هذه السياسات التي منعت الاندماج الفعلي للأقاليم السورية في إطار وطني واحد، حيث يوجد مناطق “متفوقة” ومناطق “منحطة” استنادا إلى ما قدمته السلطة ونظامها خلال هذه المرحلة.
نجد في جنوب البلاد “جبل الدروز” حول السويداء، وحوران حول درعا، منطقتان تشكلان انفصالا واضحا بينهما تنافس تاريخي يصل إلى مستويات من العداء أحيانا كثيرة. نسبة السكان فيهما من نسبة السكان الكلية تصل إلى 7%. يوجد اختلاف اجتماعي كبير بين المنطقتين، أما التعبيرات الثقافية الطائفية/الاجتماعية فلديها دور كبير في التجانس الداخلي لكل منطقة منهما، كالعلاقات العائلية مثلا داخل كل إقليم. شكل الإقليمان الزراعيان جدا خزانا للهجرة باتجاه العاصمة، ولكن أيضا خزانا للمنتجات الزراعية التي تزود العاصمة بمعظم احتياجاتها والتي تشكل أهم أسس الغنى المادي لدمشق. كذلك أصبحت أحياء كبيرة بكاملها في دمشق تقطنها غالبية من هذين الإقليمين: درعا والسويداء.
إذا انتقلنا إلى اللاذقية وطرطوس نجد أنهما تشكلان حوالي 10% من عدد السكان. أما سكان المدينتين فيشكلون ما نسبته 30 إلى 35% من سكان الإقليم الساحلي. يتصف الإقليم الساحلي سياسيا، ثقافيا، اجتماعيا واقتصاديا بظاهرة محلية وهي نزول السكان من الجبال إلى المدن. تاريخيا، كان التنظيم التقليدي لهذا الإقليم مؤسسا على مدن صغيرة/أسواق يسكنها المسلمون السنة والمسيحيون الأرثوذكس.
أصبحت بنية السلطة في دمشق مركبة أو قائمة على رافعات متعددة ومختلفة المستويات: فلاحون سابقون، سكان الجبال…الخ وأصبحت هذه الرافعات من السكان المدينيين، أحدث هذه البنية الجديدة للسلطة شبكات جديدة من العلاقات المعقدة بين مختلف هذه الأقاليم والمناطق. إن الإقليم الساحلي ككل يقع تحت هيمنة المركز في دمشق، هيمنة البنية السلطوية التي ظهرت في الخمسين سنة الأخيرة، من صفات هذه الهيمنة أنها قائمة على علاقات طائفية وإثنية ولكن أيضا قائمة على مضاعفة الوظائف لأبناء هذا الإقليم في منطقة المركز والذي أنتج ظاهرة يمكن تسميتها “الاستغلال الطفيلي parasitic للعاصمة. لم تعرف حلب هذه الشبكة من العلاقات التي تتجاوز التنظيم الإداري للبلاد (أعضاء في مجلس الشعب يمثلون سكان دمشق وهم من الساحل أو بعيدين جدا عن مصالح العاصمة)، حيث لم توجد ظاهر هجرة أبناء الإقليم الساحلي إلى حلب كما إلى دمشق .

المصدر : الصفحة الشخصية للدكتور صلاح نيوف على الفيسبوك :

http://Salah Nayouf