°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
عيـســـى ابــراهـيـم

محكمة خاصة بمجرمي الحرب في سوريا – عيسى إبراهيم

هناك إستحقاق قادم يقتضي تأديته ضمن سياقه …دون حذلقة لفظية أو شعاراتية وعدم اتباع الطريقة المشرقية التي تستخدم ما تقدم وغيره عبر التمادي في الهروب الى الإمام بدلاً من تأدية الإستحقاق …
لدينا في سوريا ” جرائم حرب ” مُصنفة وفق القانون الدولي بهذا التوصيف القانوني الجنائي . وهي بالعموم جرائم استهداف المدنيين دون تمييز شأنها شأن ” الإرهاب ” حسب المفهوم القانوني للكلمة …
وهي مستوى من القتل لا يمكن تجاوزه واقعياً ، لأن لا أحد يملك تبريرها أو العفو عنها ..
والأفراد- المجرمون المتهمون بجرائم الحرب هم الوحيدون الذين لهم مصلحة في الإفلات من العقاب و يريدون تجاوز هذا الإستحقاق وتجييش السوريين المؤيدين لهم لدعمهم في مسعاهم هذا ، بغية  هذا الإفلات من العقاب ، مع تلويحهم وسعيهم المستمر بالحرب والقتل والدمار …. في حال لم يتم ذلك …
ومن شأن تجاوز مسألة محاكمة مجرمي الحرب في سوريا” إفتراضاً” . تعميق سوء الفهم التاريخي في المجتمع السوري المُركّب مناطقياً وأيديولوجياً وإثنياً. ودينياً … الخ … خاصة سوء الفهم التاريخي الذي يتم يومياً تظهيره بين السنة والعلويين السوريين ،بسبب وقائع عدة تَمّت عبر الإستخدام الطائفي في هذا الصراع الذي بدأ بين مافيا مُستبدة تستولي على السلطة وعبرها على الدولة والوطن والثروة والوجود الإنساني السوري …. الخ
وبين الراغبين بتغيير ما تقدم إبتداءً ممن يريد كهرباء مستمرة طيلة اليوم ، لم يستطع هذا ” النظام السياسي ” تأمينها له خلال حوالي خمسين سنة ، الى المُطالب بإرجاع عائدات الخليوي والنفط وبقية الثروات العامة السورية الى الخزينة السورية العامة للصرف على معيشة السوريين وتحسين مستوى حياتهم، الى الراغبين بحياة سياسية طبيعية وتداول سلطة وإعتبار منصب الرئاسة وظيفة عامة للجمهور السوري ومن حقه ، وليست إرث عائلي … أو المُطالب بأمور أخرى وضيعة أو نبيلة …
هذا السوء فهم التاريخي لا يمكن موضوعياً تجاوزه… وإن تمّ تجاوزه عنوة، في مجتمع سوري ينتمي لثقافة مشرقية التسامح ليس سمة أساسية فيها ، والغلبة والقهر مفهوم راسخ لديها …. في حال تم تجاوزه عنوة وتجاوز محاسبة مجرمي الحرب بالغلبة والقهر ، فإننا سندخل الدوامة عينها وبتكثيف أشد وأعقد مما جرى في أحداث الثمانيات حيث تمّ مراضاة الطرف الأخر ببعض مواقع قيادية واقتصادية وسياسية واستمر حكم الفرد والعائلة على حساب الوطن السوري والأمة السورية…
ونمى في قبو الوجدان السوري حقد دفين متبادل بين السنة والعلويين السوريين استثمره و يستثمره مجرمي الحرب أولئك ..
وبالتالي على السوريين خاصة العلويين ، والسنة لاحقاً بعدهم أن لا يستغربوا ، إنشاء حكومة ” وحدة وطنية ” تضم الأسد الإبن والجولاني أو البغدادي أو ممثلين سياسيين عنهما تستمر في حكم سوريا على الطريقة العتيقة عينها وبذرائع مثل ” المصالحة الوطنية ” و” ضرورة السلم الأهلي ” و ” التغاطي عن الجراح ” وبقية كلمات الحق التي يُراد بها باطل ….
وهو أمر لا يمكن السماح به مجدداً الآن، مهما كان الظرف، لأن الثمن الذي دُفع من أرواح وممتلكات السوريين ( حوالي مليون قتيل من ضمنهم مائة وخمسين ألف علوي ، وحوالي مليونين ونصف مليون مُعاق تبدأ من فقدان أطراف أو أعضاء الى الشلل الكامل الشبيه بالموت … الى مئات ألاف الأرامل واليتامى. وفقدان المعيل وعشرات ألاف الأطفال المكتومين القيد ممن لا يعرف أباؤهم أو من سفاح القربى وكذلك ثلثي السكان مُهجّر داخلاً وخارجاً ومشكلة مئات آلاف السيدات العازبات ….. وبنية تحتية وفوقية مدمرة بشكل شبه كامل وما ينتجه كل ما تقدم من مستوى أخلاقي متدني بحكم الظرف والحاجة لا يصلح لبناء أي أمر قانوني متمدن بنسبة مقبولة … الخ )
وبالتالي لا يمكن إنهاء ذلك بالتربيت على الكتف وتبادل القبل والأقوال المأثورة الدينية أو الأخلاقية لدى  كل منا – والتي بطبيعة الحال لم نُفعّلها يوماً لوضع قانون ضامن – ….
لذلك لا بد من نزع هذه الوقائع من الذهن والوجدان الجمعي السوري العام ونزع تداعياتها ، من خلال تقديم المتهمين بجرائم الحرب الى محكمة خاصة من شأنها تهدئة النفوس والصفح التاريخي بين المجتمع السوري خاصة بين السنة والعلويين ، وأقترح البدء من “كلمة سواء ” قانونية مجردة ومشتركة بيننا كسوريين وخاصة كعلويين وسنة هي :
( كل متهم بجرائم حرب وفق تصنيف القانون الجنائي الدولي يتم رفع الحصانة المجتمعية والقانونية عنه ليتم تقديمه الى محكمة جنائية خاصة بمجرمي الحرب في سوريا )
بهذا الإعلان نحصل على عدة نقاط إيجابية مهمة لمستقبل سوريا ومهمة لمستقبل الطائفة العلوية قبل غيرها في سوريا وسائر المشرق ، منها :
– نكون كبشر أولاً وكسوريين بهويتنا الوطنية العامة المتضمنة هويتنا الفرعية الثقافية العلوية أو السنية ، قد تجاوزنا المعيار الفئوي في الإتهام الجرمي الى معيار عام مجرد قانوني إنساني ينقلنا الى مستوى متحضر في المحاكمة العقلية والقانونية .
– نضمن بشكل كامل عدم استهداف أي شخص أو فئة تبعاً لخلفيته أو خلفيتها الدينية و الطائفية ، سواء قلّ أو كَثُرَ عدد المتهمين من هذه الطائفة أو تلك طالما معيار الإتهام قانوني مجرد غير فئوي وغير مبني على الضغينة أو المظلومية المُفترضة .
– نؤسس في هذه الحالة لحالة ” السلم الأهلي المستدام” في سوريا التي من شأنها وحدها التأسيس لحياة طبيعية يمكن أن يُبنى بها أمر متحضر ومتمدن يساعد بالتعبير عن الإمكانات الإنسانية المتنوعة لدينا كوننا بشر سوريون يستأهلون حياة لائقة وقبل أن نكون علويين أو سنة فقط .
– نبعث برسائل طمأنة وثقة لكل من قُتل أهله وذووه أمام عينيه من الأطراف جميعاً ، ونسحب روح الإنتقام والثأر الخطيرة على مستقبلنا المشترك ، خاصة في تلك القرى السنية أو العلوية في الغاب مثلاً التي تمّ فيها إرتكاب جرائم حرب بحق مدنيين عُزّل قُتلوا بالسكاكين أو بالسلاح وكذلك قرى صلنفة وجبل الأكراد وبنفس الطريقة وبدون أي ذنب من أطفال ونساء وشيوخ ورجال ، أو من تمّ إغتصابهن .!
– إذا طَبّقْنَا ما تقدم فإننا نؤسس لمستقبل مختلف وفاصل وتاريخي في حياتنا ، خاصة وأننا نعيش في جغرافيا- بيئة واحدة لا يمكن موضوعياً تحييدها عن بعضها
– تأسيس هذه الحياة الطبيعية بيننا سيكون فيصلها تقديم مجرمي الحرب والتضحية بهم من أجلنا نحن : الوطن السوري والأمة السورية ، بدلاً من أن يقوم هؤلاء المجرمون المرتكبون لجرائم حرب بحقنا ، بالتضحية بنا أفراداً ووطناً ومجتمعاً ليبقوا ..! ومن ثم تتفجر كارثة أخرى في قادم الأيام ويتزايد الحقد بدون مبرر مصلحي موضوعي ، لنا فيه منفعة .
– نؤسس لمرحلة تاريخية مستندها الحق والواجب القانوني وتكافؤ الفرص والمصلحة والمنفعة … وليس المظلومية الفئوية ، التي لدى كل سوري مزيد من” الحكايا” عنها ، تلك المظلوميات التي يستغلها الطغاة كما الأسد الأب والإبن كأحد أدوات صراعه من أجل ” الكرسي ” فيورث السلطة والثروة والوجود لابنه فإبنه ويقاسمها مع مجموعة من الضباط المجرمين المحسوبون علينا كعلويين ، في حين نحن نرث كل تبعات تحولنا من مظلومين مُفترضين لظالمين واقعاً ومآل فعل ومآل أمور …

لا يُعفينا منها كلمة ” لكن كافرة ” تنسف ما قبلها من حقيقة .
هذه بعض الفوائد من ” الكلمة سواء ” القانونية المجتمعية المقترحة من قبلي
بعد ذلك يكون الطريق أقل صعوبة لبدء الثورة الثقافية السورية المؤسسة لحياة تضعنا على درب التمدن الطويل …..
“إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”
وهي بيت القصيد من كتابنا المقدس وهي بيت القصيد  المُشابه لما في الثورة الثقافية من فعل و التي ستتكفل بإزالة جذر جبل الجليد بعد الذهاب برأسه المتمثل بالديكتاتوية الحالية وطريق كل ذلك هو رسول الله- الحياة  الأساس :  ” العقل ” الذي عبّر عنه رسول الله محمد بحديث يدل على نبله وعلى مقصده وإدراكه حجم مسؤوليته في إعادة الإعتبار للعقل كمخلص :
” لمّا خَلَق الله العقل قال له : أَقْبِلْ ” , فَأَقْبَلَ , ثُمَّ قَالَ لَهُ : ” أَدْبِرْ ” . فَأَدْبَرَ , فَقَالَ : ” وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ , بِكَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِي , لَكَ الثَّوَابُ وَعَلَيْكَ الْعِقَابُ ”
كل ما مضى من رسل وحلول ووقائع . … قد مضى ….وحده العقل صنيعة الله – الحياة ، حاضر فينا أبداً …

مُتجاوزاً كل ما تقدم لصنع المستقبل اللائق بنا .