°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
دراسات اجتماعية

العلم والفلسفة .1/3- الدكتور صلاح نيّوف .

الدكتور صلاح نيّوف

(مختصر صغير جداً قد يعطي فكرة أوضح عن العلاقة بين المصطلحين)

أمر لا يمكننا المجادلة فيه: العلم يهيمن اليوم على حقل المعرفة. هذه الهيمنة هي نتيجة للتقدم غير المنقطع في العلوم والتي بدأت من أصل مشترك مع الفلسفة إلى أن تحررت من وصاية الفلسفة. لكن هذه المعاينة تحتوي مسبقا على تناقض: حيث نستخدم كلمة العلم بشكل مفرد أحيانا وبصيغة الجمع أحيانا أخرى، لماذا؟ وماذا يعني هذا التمييز بين المفرد والجمع هنا؟ حيث أن وحدة العلم نفسه هي في محل شك.

إن ظهور العلم بالمعنى الحديث هو حدث فريد من نوعه في تاريخ البشرية. ما أنتجه الغرب في بضعة قرون لم ينتج في أي مكان آخر كنظام معرفي متكامل يستند إلى طريقة تجريبية واحدة يتم التعبير عنها بنظام منهجي للقوانين الرياضية.

1ـ مصطلح العلم

تمت استعارته من اللاتينية ” scientia” والذي يعني “المعرفة”
knowledge/connaissance بالمعنى الواسع مع أخذ جوهر المصطلح اليوناني “إبستيم” أو “المعرفة النظرية”. يشير مصطلح العلم إلى المعرفة المؤلفة من المهارات والمعارف ثم ليصبح لاحقا المعرفة المكتسبة في موضوع معين له حدود واضحة بشكل أكبر. سوف يشير العلم بشكل تدريجي إلى المعرفة الكاملة، الدقيقة والصارمة والتي تهتم كثيرا بالإجراءات الشكلية (أي ما حصل في العصر الحديث من خلال استخدام الأدوات الرياضية التي تجعل من الممكن أن تعادل بين طرائق ونتائج البحث).

يشير التطور الدلالي لمصطلح العلم إلى عدد من اللحظات الحاسمة في تاريخ الفكر “الغربي” حيث نشأت عنها العقلية العلمية الحديثة بشكل تدريجي ومن خلال تعاقب النجاحات النظرية والعلمية التي لم تتوقف حتى اللحظة على الرغم من أزمات كثيرة تعرض لها العلم.

2ـ الأصل المشترك للعلم والفلسفة

كان العلم في خطواته الأولى مستوعبا بشكل كلي داخل الفلسفة ضمن معنى أن الفلسفة تتبع البحث المنهجي عن الحقيقة وهذا يعني قطيعة مع الراي العام، أي القطيعة مع الأحكام المسبقة الناتجة عن تفكير عادي غير علمي. الفلسفة هي العلم، هي المعرفة الحقيقية “إيبستيم” كما كانت عند الفلاسفة الإغريق حيث هدفت إلى الوصول إلى عالم الأفكار الأبدية، غير القابلة للتغيير ومن أجل الهروب من عالم الخداع المضلل المبني على الوهم والخطأ.

هذا هو المعنى الرمزي “للكهف/المغارة” في الكتاب السابع من “جمهورية أفلاطون”، حيث يصف أفلاطون السجناء البؤساء كمقيدين، أرجلهم وأيديهم مقيدة بالسلاسل، وجوههم باتجاه جدار الكهف والتي تظهر عليه ظلال منعكسة تنتجها شخصيات تمر في الخارج أمام فتحة الكهف وتحمل على أكتافها تماثيل تمثل كل أشكال الحيوانات وشخصيات أخرى. لا يمكن لهؤلاء السجناء المقيدين أن يخلطوا بين الظل على جدار الكهف والواقع الحقيقي الذي يمثله من هم خارج هذا الكهف.

هؤلاء السجناء ليسوا سوى نحن، وعادة عندما نكون عبيدا لأجسادنا، رغباتنا ودهشتنا للعالم من حولنا. لا نفهم أن العالم، عالم التصورات الذي نسبح فيه، ليس إلا مملكة من الظل، عالم من المحاكاة، المظاهر والتظاهر.

الفلسفة إذا هي تحرر من الإغراءات الناتجة عن طبيعتنا الجسدية وميولنا، ويتطابق هذا المشروع الأول للفلسفة مع أول ظهور للمعرفة العلمية. سيتم الحفاظ على تعريف هذا المشروع الفلسفي حتى العصر الحديث ونرى ذلك مع ديكارت في القرن السابع عشر، الذي سيظل يعرِّف المنهج الفلسفي باعتباره “الفصل بين العقل والحواس” حيث لا يوجد معرفة موثوقة مبنية على الأعضاء الحسية.

العلم، أي الفلسفة، يرتكز بالتالي على قطيعة مع مجمل الآراء المسبقة والأفكار التي يتم التسليم بها (كما هو أيضا أي قطيعة مطلقة مع الأديان مهما كانت)، وكذلك مع الأفكار التي نستقبلها في طفولتنا.

المصدر :

صفحة  الفيسبوك الشخصية للدكتور صلاح نيّوف.