°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
عيـســـى ابــراهـيـم

” الوطنية ” السورية …

العالم وطن واحد ،  ومُلْك مُشترك للبشر ، وهذه الحدود التي تُشكِّل داخلها أوطان جزئية ، هي بوجودها ، رهينة إرادة أبناءها  ومستوى انخراطهم معاً في حدود إدارية تُمكّنهم من تطوير سردية ثقافية عامة مشتركة بينهم ، مستندها الثقافة الانسانية ، من حيث كونها واحدة ، ومن حيث كون لكل منا فرداً وفئة و مجتمع ، فرادة خاصة ، في هذا المضمار  المشترك الواحد:  “الإنسانية “ 

سوريا الحالية ،  هي ما تمّ التوافق عليه بالمآل والسياق ، وبمعزل عن النوايا الطيبة من عدمه ….الخ ، بين الفئات  السوريّة عبر أفرادها و نُخبها ، والتي بدأت حدودها  ” المأمولة ” في المؤتمر السوري الأول من طوروس الى العريش ، ومن المتوسط الى الموصل . حسب أفرادها ونخبها الممثلة بشكل أو بأخر ، واقعياً ، الممثلة لفئاتها ، والتي تقلّصت مع الوقت الى الحدود “الواقعية ” الحالية ، فيما يُسمّى رسمياً ( الجمهورية العربية السّوريّة ) …..

وحيث فئات محشورة حشراً وعلى مضض منها في هذه المساحة، التي ساهمت نخب من أفراد في بلورتها ، كمشترك مفترض منها وفي سياق ظرف دولي ، ظرف دولي حاول تقديم حل  لشكل المناطق الأكثر إنسجاماً ، عبر سايكس بيكو ، لتلك المناطق الناتجة عن تفكك الدولة العلية العثمانية ، جراء صراع قوى ودول ، يخرج فيها الطرف الأضعف ، في لعبة وسياق الحياة المستمرين …

فكانت إرادة هـولاء الأفراد مع هذا الظرف الدولي ، هي مرتكزات هذه “الجمهورية” الواحدة المفترضة والتي هي مزيج من قراءة الدول المنتصرة لشكل الدول الوليدة من رحم ما سبق ، ومن إرادة هذه النخب وتصورها القائم على الأمل والرغبة وغيرها من العوامل الشخصية والفئوية ، وبكل تأكيد كانت باب مفتوح على طريقين ، يحتاج كل منهما عمل دؤوب ، فإما تأسيس وطن وشعب في هذه الجمهورية المفترضة بشكل طبيعي وبنمو مع الوقت عبر تأسيس قيم ومناقب ثقافية مشتركة يؤسس لمواطنة . أو فرض ذلك كعملية صهر  ، يرتكز لتصور مسبق لشكل الوطن والشعب وهذا ما تم كما يبدو لي .

ويجعلنا الآن نتساءل هل نحن شعب واحد !ظ بمعنى أننا نمتلك وجدان جمعي مشترك بحد أدنى في المسائل الأساسية لوجودنا الآن ، أم لدينا ، سرديات أساسية ونهائية وحاسمة مختلفة في كل المسائل الأساسية المشكلة لهذه الجمهورية !..

وحيث بدأت السردية المؤسسة ، بالعروبة والإسلام، الأولى كمفهوم مُفارق عن العثمنة ، التي هي جوهر التركمانية التركية- التاريخية للدولة العلية العثمانية ،  والثاني كروح وجوهر لها ، و كمعنى غير محدد وغير ممسوك  ومتروك للخيال الفردي والجمعي في الهلال الخصيب على الأقل .

بحيث أصبحت العروبة بروحها ، المتجسدة في الإسلام ، هي الحاجز الطبيعي  الذي يضمن الحفاظ على حدود نتائج الصراع الجديدة ، بما يخدم الدول المنتصرة ، مُتشاركاً ذلك مع نقمة محلية لهذه الدول الجديدة بما فيها سوريا الحالية والعراق الحالي ومع مستوى من حد أدنى يجمع هؤلاء البشر المشلوحين في الهلال الخصيب كفئات دينية وإثنية ، لا يربطها  رابط ، يُعوّل عليه في علم الاجتماع الانساني الحديث ، يجمعها كهوية مشتركة مُفترضة ، تجعل هناك إمكانية واقعية للبدء ببناء ما إنساني حديث ، في هذا الخراب  ” بالأغلب الأعم ” التاريخي الممتد منذ قرون  ، وصولاً لتزواج  أكثف ، بين العروبة والإسلام ، أنتج مع الوقت فكرة البعث العربي الذي روحه الاسلام  ، بخلطة كانت هي الممكنة والواقعية والمقبولة ، في هذه الفئات المتلاطمة ، بالأغلب الأعم ، وإن كان ذلك محى هويّات حضارية كاملة لفئات أخرى . وحقق إنجازاً هنا أو إخفاق هناك ، وحيث كان تداعي المنطق يقتضي بعث عربي روحه الاسلام في سوريا عبر علويين ، وفي العراق عبر سنة ، وبما يحافظ على تخوم الصراع ، لا يمكن تجاوزها ، واقعياً وموضوعياً ، وما تقدم لا علاقة له  بالمأمول أو الأفضل ، بل لعل ،جملة ( ليس بالإمكان أفضل مما كان ) كانت ملائمة وصحيحة وواقعية حينها ، وليس لنا نحن القاعدين على ” أريكة ” معارف ومعطيات جديدة بعد قرن يزيد أو ينقص ،…

 تلك الصيغة التي كانت مرحلية ومُلهمة حينها ، وبسبب نمط التفكير السائد في منطقتنا بالأغلب الأعم ، التفكير الصنمي ، الذي إذا  أُعجب بفكرة لا يستطيع تجاوزها والتّخلي عنها ،  وإن تجاوزها  وتخلّى عنها الزمن ، وكذا بسبب أن الوقت ، بالأغلب الأعم ، لا أهمية له، بسبب كون الحياة هنا في القديم من وسط العالم ، الحياة هنا هي دار ممر مرذول لمصلحة دار مقر مأمول ومفترض ومزخرف باللغة ، وحيث انتقل كل  ذلك  الى السياسة وتلك المرحلة السياسية ، فأصبحت نهائية ومقدسة وملهمة ونقطة تاريخية ندير رأسنا اليها ، قاصدين المستقبل ، ونحن الذين عند حدوثها ، كنّا ملتهين عنها ، بنقطة تاريخية أعمق كمقدس خلاصي ، هو مأمولنا للمستقبل ، في جنون تاريخي نمتاز به ، بالأغلب الأعم ، وبسبب انتشاره بيننا – ونحن المهووسين بالعدد والغلبة به – بسبب انتشاره ، نعتبره عقلاً أو كلام عقل …

 حيث من المفارقات أن هذه الصيغة الخليط من العروبة والإسلام والعَلمَانية ، المفترضة ، أُسست بالأغلب الأعم من أفراد ونخب الأقليات الاثنية والدينية خاصة ، وذلك بحث أخر ……

بعد قرن، يزيد أو ينقص ، تبين أننا لم نستطع بناء وطنية ( المعنى الاصطلاحي لكلمة وطنية )  سورية مشتركة جرّاء تلك السردية المؤسسة ، وسوريا بالنسبة لسوريين هي دار ممر الى الوحدة العربية الكبرى ، أو كردستان الكبرى ، أو ابنة أمها الخلافة العثمانية  …الخ والتي يجب التضحية بها في كل ما تقدم لأجل أمها الكبرى المفترضة لدى كل التيارات السورية العابرة التي تنادي بما تقدم وعلى حدا ، في كل منها ..

 وهذا أمر يجب أخذه بجدية  وبواقعية وعدم تجاوزه بأمل من بَعضنَا دون بَعضنا الغالب تأثيراً وعدداً ً وظرفاً دولي .

 لذلك لدينا أسئلة صعبة الوقع على النفس ، بسبب تربيتنا الاحادية ، ولكن لا يستقيم الحديث عن المستقبل بدون إجابة واضحة وصريحة وصادقة وواقعية عنها ( المعنى اللغوي لهذه المفردات بدون بُعدها الديني أو الأيدلوجي )  على سبيل المثال :

   هل يمكن للسوريين التوافق على  نفس الصيغة السابقة بهذا المزيج من العروبة السياسية والإسلام السياسي وعلمانية مُفترضة ليس لها محتوى  واقعي ؟

– هل حل عدم التوافق فيما تقدم يكون بالغلبة العددية ، وهل فعلاً يوجد غلبة عددية واقعية في سوريا ، خاصة ضمن الافتراضات التي يعتبرها بَعضُنَا بديهية في سوريا ( وهي برأي ليست كذلك )  العرب أو السنة ، وبالتالي فرض صيغة الحكم والعقد الاجتماعي بالقوة ومن ثم إعطاء ” حقوق ” للأخرين ، في لعبة خليط من التمكين والتقية والمؤلفة قلوبهم …الخ ؟

 

– ماذا نفعل بأهواء السوريين الوحدوية من قبيل الوطن العربي وكردستان الكبرى والخلافة خاصة العثمانية، التي أحيا أمجادها أردوغان بذهن سوريين يعتبرونه إمتداد لإرث مجيد  …الخ ؟

– هل يمكن الإقرار جدياً وبشكل واقعي مثلاً بأبسط حقوق الانسان من قبيل الحق في الاعتقاد الديني أو غيره ، وتداعيات ذلك في البنية والتفكير والقانون ، من قبيل قدرة أحد منا على تقبل زوجته أو أخيه أو جاره أو أبيه أو أمه أو أخته …الخ  في حقه بإعتقاد ديني مختلف وإعلان ذلك بالمحكمة والحياة وبنفس الوقت تمتعه بكل حقوقه وواجباته كبني أدم ؟

– هل لدينا معايير واضحة محددة ونهائية في تقييم المسائل وعلى قاعدة المعيار النسبي المشترك ، لا الفئوي الغالب أو القائم بالتواطؤ على مفهوم الضدية تجاه الأخر فرداّ أو فئة ؟

– ما هي مصادر القانون التي نريد بها بناء قانون مشترك لنا جميعاَ ، هل هي دينية وما هي !ووفق أي مذهب ، أو تصور فردي داخل المذهب ، وهل نحن جاهزون فعلاً لا رغبة دون واقع ، هل نحن جاهزون لتبني فانون مدني مشترك ، أو بناء دولة كجهاز اداري محايد حياد ايجابي ؟

– كيف يمكننا بناء نظام عقد اجتماعي جديد يستتبع نظام سياسي مُعاصر ، بالثقافة عينها التي أوصلتنا لما نحن فيه من كارثة ممتدة ومستمرة  ؟

– هل مشكلتنا مع الأسد الاب او الابن كشخص أو كعائلة أو كإنتماء طائفي ، أم  كتجلى أتم لثقافتنا ، التي نريد بنفس الوقت تغييره بها ! وكيف السبيل الى ذلك منطقاً وعقلاً في ظل هذه الثقافة ؟

– هل يمكن المُضي قُدُمَاً في الطريق ، والعين والقلب والوجدان  عندنا ،تمضي قُدُمَاً  نحو الخلف والتاريخ المجيد المُختلف فيه وحوله وبكل تفصيل  ؟

– اذا أردنا تطبيق الشريعة الاسلامية فعن أي تصور نتحدث في تطبيقها ، وهل هي فعلاً ملائمة لكل زمان ومكان ، وإذا كان كذلك ، ما الداعي للعقل كرسول أول من الله ، أو الطبيعة حسب إيمانك ؟ 

هذه بعض أسئلة تحتاج إجابات غير مُلتبسة ، على الأقل في ذهن ووجدان ” إن لم يكن بشكل معلن وواضح فيما بيننا جميعاً ” كل حامل للجنسية السورية الحالية ، فبتلك الإجابات غير المواربة وغير المتبوعة ب ” لكن ” سيكون المستقبل ؟

حتى الآن من يمنع تقسيم سوريا هي حدود الصراع الجاري ،والذي يقتضي بمعزل عن النية من عدمه ، الحفاظ على الحدود الحالية ، الحدود الحالية التي لا تعبر أبداً عن تطلعات السوريين كواقع ، بعيداً عن رغبة بعض الأفراد والنخب  ، وهذا الحفاظ قد يكون الى حين باعتباره رهن نتائج صراع  جديد ، جاري ويجري الآن ..

فالمستقبل وشكل سوريا الجديدة يُصنع الآن ، الصيغة القديمة وما شاكلها من حيث المضمون والجوهر  وإن اختلف من ناحية المظهر ، لا يمكنها الاستمرار ، نحتاج ثقافة جديدة إما مشتركة ، أو ستكون ثقافات مختلفة يلتحق كل منها بفضائه الواقعي . ليؤسس لبوسه السياسي الملائم .