°
, March 29, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

ظاهرة التدين البديل

بقلم : علاء الأسواني

صاحب رواية : عمارة يعـقـوبيان

في العام الماضي هاجم الوزير فاروق حسنى الحجاب ، فوقف أعضاء الحزب الوطني في مجلس الشعب يدافعون بضراوة عن الحجاب والمحجبات ، وبلغ الحماس بأحدهم أن صاح في وجه فاروق حسنى ‘ على الإسلام أنت فتنة ثم سقط مغشيا عليه من فرط الانفعال… ووجدتني أتساءل : إذا كان ممثلو الحزب

الحاكم يحرصون على الإسلام إلى هذا الحد ، ألم يفكروا قط في أن تزوير الانتخابات واعتقال الأبرياء وتعذيبهم وهتك أعراضهم ونهب أموال المصريين وإفقارهم وغيرها من الجرائم التي يرتكبها النظام الذي يمثلونه لا يمكن أن تتفق مع مبادئ الإسلام ؟ من المعروف أن كثيرا من ضباط أمن الدولة ملتزمون دينيا ، يؤدون الصلاة في أوقاتها ويصومون ويحجون إلى بيت الله ، لكن ذلك لا يمنعهم أبدا من ممارسة عملهم اليومي في التعذيب والضرب واستعمال الكهرباء في صعق المعتقلين في نفس السياق تربطني علاقة مصاهرة بمسؤول بارز في الحكومة اشتهر بتزوير الانتخابات والاعتداء على استقلال القضاء وهو معروف في محيط الأسرة بتدينه العميق ، حتى إنه يعطى أقاربه دروسا في فقه الدين ..

 

الأمثلة لا تحصى – كثير من المصريين يؤدون فرائض الدين بإخلاص لكنهم في حياتهم اليومية يتصرفون بطريقة أبعد ما تكون عن الدين ففي شهر رمضان الماضي نشرت جريدة المصري اليوم تحقيقا ممتازا عن المستشفيات العامة ساعة الإفطار ، لنكتشف أن معظم الأطباء يتركون المرضى بدون رعاية ، حتى يتمكنوا من أداء صلاة التراويح! والذين يفعلون ذلك ليسوا جهلاء ، بل هم أطباء متعلمون ، لكنهم ببساطة يعتبرون أن صلاة التراويح أهم بكثير من رعاية المرضى ، حتى ولو كانت حياتهم في خطر المسألة إذن ليست مجرد نفاق أو جهل ، وإنما هي وعي فاسد بالدين ، يؤدى إلى نوع من التدين الظاهري الذي يشكل بديلا عن الدين الحقيقي ، وهذا التدين البديل مريح وخفيف ولا يكلف جهدا ولا ثمنا لأنه يحصر الدين في الشعائر والمظاهر . فالدفاع عن مبادئ الإسلام الحقيقية ، التي هي العدل والحرية والمساواة ، مسألة محفوفة بالمخاطر في مصر ستؤدى بك حتما إلى السجن وقطع الرزق والتشريد . أما التدين البديل فلن يكلفك شيئا ، وهو يمنحك إحساسا كاذبا بالطمأنينة والرضا عن النفس .. الذين يتبنون التدين البديل يصومون ويصلون ، ويحيون الناس بتحية الإسلام ويلزمون زوجاتهم وبناتهم بالحجاب والنقاب ، وربما يشتركون في مظاهرة ضد الرسوم الدنمركية أو منع الحجاب في فرنسا أو يكتبون إلى بريد الأهرام منددين بالكليبات العارية . وهم يعتقدون بعد ذلك أنهم قد أدوا واجبهم الديني كاملا غير منقوص . وهم لا يكترثون إطلاقا للشأن السياسي ولا يهتمون بموضوع التوريث ( توريث السلطة )، بل أن بعضهم لا يرى بأسا في أن يورث البلد من الأب إلى الابن وكأنه مزرعة دواجن. المتدين البديل لا يعتقد أساسا أن له حقوقا سياسية كمواطن ، وفكرة الديمقراطية لا تشغله ، وأقصى ما يفعله بهذا الصدد أن يدعو الله ‘أن يولى ، ثم يحدثك بحماس عن الخلفاء العظام مثل عمر بن عبد العزيز …. التدين البديل مرض محزن أصاب المصريين فأدى بهم إلى السلبية والغفلة . وجعلهم قابلين للاستبداد والقمع . . ولم تكن هذه طبيعة المصريين ، فمنذ 1919 وحتى عام 1950 خاضت الحركة الوطنية المصرية بقيادة حزب الوفد نضالا عنيفا وقدمت آلاف الشهداء من أجل طرد الاحتلال البريطاني وتحقيق الديمقراطية . والحق أن انتشار التدين البديل له أسباب عديدة : فحتى نهاية السبعينات كان المصريون .. مسلمين وأقباطا أقل اهتماما بمظاهر الدين وأكثر تمسكا بمبادئه الحقيقية ، حتى جاء أنور السادات الذي استعمل الدين لترجيح كفته السياسية ضد اليسار المعارض . ثم اندلعت الثورة الإيرانية لتشكل تهديدا حقيقيا للنظام السعودي المتحالف مع الفكر السلفي الوهابي ، وعلى مدى ثلاثة عقود أنفق النظام السعودي مليارات الدولارات من أجل نشر الفهم السعودي للإسلام الذي يؤدى بالضرورة إلى التدين البديل وكل من يجادل في هذه الحقيقة عليه أن يراجع التناقض الفاحش بين المظهر والجوهر في المجتمع السعودي وفى القنوات الفضائية السعودية يظهر يوميا عشرات المشايخ الذين يتكلمون على مدى 24 ساعة عن تعاليم الإسلام . ولا أحد منهم يتكلم أبدا عن حق المواطن في انتخاب من يحكمه ، أو قوانين الطوارئ والتعذيب والاعتقالات على أن النظام الإستبدادى في مصر قد حرص دائما على انتشار التدين البديل ، فالمتدين البديل هو المواطن النموذجي في عرف الحاكم المستبد ، لأنه يعيش ويموت بجوار الحائط ، دائما في حاله ، لا يعترض أبدا على الحاكم ، ويقصر اعتراضاته إما على ما يحدث خارج مصر ،أو على أشياء لا تزعج النظام في شيء ، كرقصة أدتها دينا أو فستان ارتدته يسرا في فيلم لها

‘مجموعة من المتدينين البدلاء ينشطون الآن بحماس على النت من أجل توقيع عريضة إدانة للمغنى تامر حسنى لأنه نظر إلى جسد بطلة فيلمه الجديد بطريقة غير لائقة ‘. .. ……. النظام المصري يرحب تماما بالتدين البديل لأنه يعفيه من المسؤولية . ففي عرف الإسلام الحقيقي يكون الحاكم المسؤول الأول عن مشاكل المواطنين في بلاده ، أما المتدين البديل فعندما يعانى من الفقر والبطالة لن يفكر أبدا في مسؤولية الحاكم عن ذلك بل سوف يرجع ذلك إلى أحد احتمالين : إما أنه قد قصر في العبادة ولذلك فإن الله يعاقبه ، وإما أن الله يختبره بهذا الشقاء فعليه أن يصبر ولا يعترض . إن شهداء نظام مبارك فاقوا في عددهم شهداء كل الحروب التي خاضتها مصر ضحايا القطارات المحترقة ، والعبارات الغارقة ، والعمارات المنهارة ، ومرضى الفشل الكلوى والسرطان بفضل مبيدات يوسف والى وغيرهم – كل هؤلاء في نظر الإسلام الحقيقي ضحايا الفساد والاستبداد ، والحاكم مسؤول مباشرة عن موتهم وتشريد أسرهم .. أما التدين البديل فيعتبر هذه المآسي جميعا من القضاء والقدر لا أكثر ، ويعتقد أن هؤلاء الضحايا قد انتهت أعمارهم ، وبالتالي كانوا سيموتون في كل الأحوال ، فلا معنى إذن لأن نلوم أحدا باعتباره متسببا في موتهم …. إن الإسلام العظيم قد دفع بالمسلمين يوما لكي يحكموا العالم ويعلموا البشرية الحضارة والفن والعلم ، أما التدين البديل فقد أدى بنا إلى كل هذا الهوان والشقاء الذي نعيش فيه …..إذا أردنا أن نغير واقعنا ، علينا أولا أن نتبنى منهج الإسلام الحقيقي ، وليس التدين الظاهري بديلا عنه ….

من : نضال .