°
, March 29, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

تعليق على مقال (في ضوء اللحظة السورية_مدارات يكتبها أدونيس)

يقول ميشيل فوكو:

“في زمن الثورات لا مكان للكلام عن ضرورة إيجاد البديل النظري للنظام الفاسد لأن عدم إتاحة الفرصة لوجود بديل نظري هو شرط وجودي لفساد هذا النظام واستمراره لذلك فليس من واجب أهل الثورة والقائمين عليها طرح البديل للنظام وإنما تكفي عملية هدم نظام فاسد لخلق بيئة صحية وبصورة تلقائية لتفرز بديلها أياً كان”

هذا يؤكد لنا أن النظم الاستبدادية لا تسمح بوجود بديل وعملية خلق البديل تحتاج لبيئة ومناخ صحي كي يتبلور لأنه ينبع من رحم هذه الثورات ويتشكل في قلبها وهذا البديل الملح الذي هو استجابة ضرورية لمتطلبات الشارع العربي بكافة فئاته وأطيافه يتمثل في الدولة الديموقراطية العلمانية الحديثة دولة الحق والقانون والمؤسسات التي تهدف إلى إقامة نظام سياسي يصون الحقوق والحريات العامة والفردية ويتم فيه الانتقال من حكم الفرد إلى حكم القانون والمؤسسات وإلى النظام الذي يكون فيه الحكم لسيد وحيد هو القانون , والحكم الديمقراطي هو منطلق ومآل دولة القانون والديمقراطية هي نمط حياة ونظرة إلى الذات وإلى الآخر نظرة إلى الإنسان بصفته إنسانا قبل كل شيء وهو صاحب الحق في التعبير عن ذاته وخياراته دون خوف ودون حدود إلا ما تفرضه مواطنيته بما له من حقوق وعليه من واجبات في ظل متلازمتي الحرية والمساواة, والحكم الديموقراطي لا يحتاج إلى أناس أطهار ومعصومين بل يحتاج إلى أناس عاديين يخضعون للسيد الوحيد(القانون), وهذا يخالف ادعاءات أنظمة الاستبداد القائلة بأن الديموقراطية تهدد المجتمع بالانفلات والانهيار بحجة أنه غير مؤهل الديموقراطية.

طبعا هي تؤهله فقط للمساواة المطلقة بالعدم لا لأنه كما يقول مونتسكيو كل شيء في المجتمع الديموقراطي , بل لأنه لا شيء أمام إرادة المستبد, وعلينا ألا ننسى في هذا السياق أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وضع في القرن الثامن عشر بينما هناك الكثير من بنوده لم تطبق إلا متأخرة(حق الاقتراع للمرأة لم يقر في بريطانيا وفرنسا حتى عام 1945).

ولنتذكر ههنا أيضا ثورة مصطفى كمال أتاتورك العلمانية التي نقلت تركيا من دولة إسلامية إلى دولة مدنية حديثة فكان التطور الديموقراطي نتيجة للحراك السياسي وليس العكس.

..

لا تكفي الإشارة إلى أن سورية هي المكان الذي تم فيه التأسيس لحضارة الإنسان الكونية بل ينبغي التساؤل كيف يمكن إعادة الاعتبار لهذا التراث الحضاري الإنساني برؤية عقلانية معاصرة كما فعل الغرب في إعادة إحياء التراث الفلسفي اليوناني والقانون الروماني التي شكلت نقطة بداية العقلانية الحديثة في أوروبا. خاصة أنه كانت هناك قطيعة معرفية على يد الفكر السلفي الديني اللاعقلاني المتمثلة في نموذج ابن تيمية الذي حرم تدريس الفلسفة لعدة قرون مما أدى إلى غياب الفكر العقلاني الفلسفي في التاريخ العربي الحديث والمعاصر, وبالتالي ينبغي التأكيد على ضرورة إعادة الاعتبار لهذا التراث الحضاري لشرعنة هذه البنوة الحضارية لتكتمل الإشارة وتأخذ بعدها المنطقي والعقلاني

….

إن الكلام عن أن تغيير الحكام لا يعني حتمية إقامة دولة مدنية وإن كان يمكن أن يأتي بحكام أقل تعفنا وأكثر ذكاء على حد تعبير أدونيس يصح في حالة واحدة هي حالة الانقلابات العسكرية التي تغير لون وطابع السلطة وحسب ولا تغير أسسها التي بنيت عليها.. أما في ظل ثورة تنطلق من قلب جماهير المتعطشة للحرية , فلا خوف على البناء اللاحق لدولة القانون والمؤسسات.

لذلك فإن التجربتين المصرية والتونسية كان لهما حاملهما الاجتماعي من علمنة قانون الأحوال الشخصية في تونس عام 56 ووجود النقابات والأحزاب المستقلة نسبيا عن النظام واستقلال القضاء بالإضافة إلى الانفتاح المعرفي على التغيرات العالمية نتيجة للثورة المعلوماتية ما يؤكد الاختلاف النوعي بينهما وبين ما حصل في العراق حيث إن النظام العراقي أكثر قمعا واستبدادا وشمولية وقد قام بهدم البنى الوسيطة ومراكز النفوذ الاجتماعي والسياسي إضافة إلى أن ما حصل في العراق كان تغييرا قسريا للون السلطة وتطويرا نوعيا لأدواتها التقليدية ما قبل القومية(طائفية وعشائرية وعائلية وقبلية) مع البقاء على حالة استعداء المجتمع والكيان الوطني ككل.

اعتدال الكفيري