°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
ثقافة

من رواية “على تخوم الوجع” للأديبة السورية جمانه طه

لم يحتل التحارب مجمل الحياة السورية، بل كان هناك فسحات للحب وللزواج والفرح. فمعظم العلاقات العاطفية التي انتهت بالزواج، تمت في ظروف معقدة تراوحت بين القصف والتدمير والتجييش الطائفي والنزوح واللجوء والعسر المادي. فقصص الحب الناجحة والفاشلة تستحق أن يؤرخ لها لأنها تشير إلى استمرار الحياة.
1
غسان شاب من حلب، عسكري على حاجز قريب من بيتي. وبحكم الجوار وحشريتي، كنت كلما سنحت لي الفرصة أتوقف عنده في أثناء مناوبته ونتحدث. قال لي إن الله يحبه، لأنهم اختاروه لهذه المهمة ولم يأخذوه إلى جبهة القتال. في محادثة لنا، أخبرني أنه يحب فتاة تسكن في بساتين المزة وأنها تحبه أيضًا. وأشار إلى تخوفه، من رفض أهلها له. “لماذا يا غسان؟” “لأني عسكري وغريب”. ولكنك شاب طيب، وخلوق. هذا لا يشفع لي عندهم، فهم ميالون إلى المعارضة، ويرون في شخصي وعملي خصمًا لهم. كنت أتابع بنظراتي الفتيات اللواتي يسكنَّ في المنطقة، فلفتني جمال رولا وبراءتها وتهذيبها. كانت تحييني أنا ورفاقي في الذهاب والإياب، بابتسامة تشع نضارة وصفاء. كلمات رفاقي عنها كانت تغيظني، وتتركني مشوشًا من الغيرة. وقعت رولا في قلبي، ولم تفارقه. فلم يكن أمامي غير أن أتجرأ واستوقفها، وأخبرها بمشاعري نحوها وبرغبتي بزيارة أهلها بعد انتهاء عامها الدراسي. أربكها كلامي، ولم ترفضه. مع مرور الأيام بادلتني حبًا بحب، برغم عدم ثقتها من موافقة أهلها على ارتباطنا. ما يؤلمني هو أننا لم نلتق إلا في الطريق ولدقائق، أفيديني ماذا أفعل؟ أقترحُ عليكَ أن تطرق البيوت من أبوابها، وتعرف إن كان تخوفك في محله أو لا. شغلت تفكيري حالة غسان، وليس بيدي ما يمكنني من مساعدته. غبت عن الوطن أشهرًا عديدة، وفي عودة لي إلى دمشق لم يكن غسان على الحاجز، سألت عنه، فقالوا انتقل إلى حاجز آخر وتزوج من البنت التي أحبها. لا أجد صعوبة في التكهن بحال رولا وغسان، فهما بالتأكيد زوجان سعيدان.

2
قرأت على النت قصة حب لفتتني غرابتها، وظروف حدوثها. فالحرب التي تفرق بين المحبين، قد تجمع بينهم في بعض الأحيان. حين أحبت لمى وهي من مدينة دوما “شعيب” وهو من إحدى قرى الساحل، كانت تعرف أن الارتباط به سيكون صعبًا وربما مستحيلًا، ولا سيما بأن التجييش الطائفي في أعلى مستوياته. تعارفا عند أحد الأفران بدمشق، وكانا يلتقيان بين الفترة والأخرى في ظروف قاسية بسبب صعوبة خروج لمى من دوما المحاصرة. وبعد عامين من عمر الأحداث، صارت لقاءاتهما نادرة. فالحواجز التي تفصل دوما عن دمشق عديدة ومتشددة، ويصعب تجاوزها. وعندما تم استدعاء شعيب إلى الخدمة الاحتياط، أصبح الهاتف صلة التواصل الوحيدة بينهما إلى تم فرز شعيب إلى الجبهة الأمامية. وفي أثناء خدمته، أصيب شعيب بشظية في ظهره أقعدته. فقررت لمى أن تكون إلى جانبه، ولن تتركه يواجه مصيره وحيدًا. فتسللت خفية من بيت أهلها وهي تعلم أنها لن تستطيع العودة إليه، ولحقت بشعيب في المشفى وتم عقد قرانهما. لزمت لمى جواره، ترعاه وتخدمه وتعتني به. وعندما خرجا من المشفى ولا بيت لهما، حلّا ضيفين على أخوة شعيب وأقاربه. وحينما سئل شعيب عن أمنياته، كانت كلها تدور حول إسعاد لمى وتأمين بيت يليق بها. أما لمى فتمنت أن ترى أهلها، وتتواصل معهم. وردًا على سؤالها عن علاقتها بشعيب، قالت: لم أملّ الحياة معه، ولن أتعب منها.

3
أما قصة فادي وآية، فتشبه قصص الحوريات الخرافية “فيري تل” التي كنا نرويها لأطفالنا قبل النوم. فادي شاب سوري التجأ إلى السويد منذ بداية الأحداث في وطنه، ومن خلال مشاهدته شريط فيديو عن حفل زفاف صديقه في اللاذقية لفتته صبية فسعى إلى التعرف إليها والارتباط بها. وبرغم بعد المسافات وظروفهما المادية الصعبة، استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي أن تقصر المسافات وتنضج العلاقة بينهما. ولسوء الحظ وقبل الارتباط الرسمي، ظهر ورم خبيث في قدم آية وهددها بالبتر. لم يغير المرض المفاجىء من حب فادي لها، بل زاده ارتباطًا بها. في أثناء لقائهما المتفق عليه في بيروت تزوجا، وطارا إلى روما لتمضية شهر العسل. وهناك أوقف الأمن الإيطالي فادي لعدم حصوله على أوراق الهجرة، ورحّل آية إلى تركيا. وكما بدأت قصتهما بالمصادفة، تبنى مشكلتهما بالمصادفة زوجان إيطاليان أنقذاهما من ورطتهما وساعداهما بالعودة إلى السويد. وبعد صعوبات لا حصر لها، خضعت آية لخطة علاج قاس حفظ لها قدمها.
*وجدير بالذكر، أن وكالة الأنباء الإيطالية “أنسا”، وصفت علاقتهما بقصة حب حقيقية حدثت في زمن التحارب في سورية. كما رأت فيها قصة يتجلى فيها التضامن، وقد تم سرد تفاصيلها في كتاب باللغة الإيطالية بعنوان “قصة آية” للمؤلفين مارينيللا فياسكي Marineiia Fiascheو ماوريزو كويلتشي Maurizio Quilici

المصدر : الصفحة الشخصية للأديبة جمانه طه :

https://www.facebook.com/profile.php?id=100010467519986