°
, April 19, 2024 in
آخر الأخبار
تفاصيل

الفنان التشكيلي السوري صايل الكفيري

الفنان التشكيلي السوري صايل الكفيري: ثقافة شبه الجزيرة العربية طغت على غيرها فغلب النص الصورة !

ـ صايل الكفيري…قل لي من أنت؟


ـ أنا أنا، وأنا كأي آخر، أنا بلا هوية لأنني لا أحتاجها وكل مصاب بعقدة الهوية يقاوم إحساساً خاطئاً ولاشعورياً لديه بأنه نكرة. وأرجو ألا يُفهم من كلامي بأنني من أنصار العولمة التي وضعت الفرد في زحمة فقد فيها قدرته على التوجه والتعيين والممانعة، وهنا لا بد من التفريق بين ثقافة تحترم فرادة وخصوصية الإنسان وترتقي بها لمستوى وعي كوني، وبين ثقافة تسحق الفرد وتجعله كائناً مستلباً مجوفاً لا يستطيع أن يعي حقيقته.

عندما أعلن بتهوفن أمام نابليون أنه يوجد في العالم أباطرة كثيرون ولكن بتهوفن واحد، كان يعلمنا درساً في احترام الذات ولم يكن يبحث عن هويته المفقودة لأنها كانت منجزة وشعوره عارم وممتلئ بها. وعندما أعلن السيد المسيح أن الإنسان ابن الله لم يكن يتطاول على السماء، بل كان يحث الإنسان على أن يكون مسؤولاً ومشاركاً في إدارة هذا الكون.

وعندما أعلن غاليلي أمام محاكم التفتيش صرخته بدوران الأرض حول الشمس، كان يدافع عن حقيقة لك ولي ولكل الناس بمن فيهم أعضاء محاكم التفتيش.

وأنا ولدت وعشت طفولتي في بيروت التي علمتني معنى الشعر ومعنى الحرية، وأذاقتني طعم الفرح وطعم الحزن وأخصبت مخيلتي، وما زلت أنظر إلى بحر بيروت في حضرة صخرة (الروشة) وأساهم في كتابة الأبجدية الأولى مع الفينيقيين على جذع أرزة معمرة.

وأحزن مع عشتروت لموت أدونيس، وأمشي في جنازة غسان كنفاني، وأشارك طلاب الجامعة مظاهراتهم (رغم صغر سني آنذاك)، وما زالت روحي تلعب في أزقة وساحات المدن والضيعات التي شيدها الرحابنة.

وأنا سوري من مدينة السويداء التي حافظت على بكورتها رغم تعاقب الحضارات عليها عبر آلاف السنين، شمسها صريحة وشتاؤها قاسٍ، وإيقاع الطبيعة فيها ثقيل وواثق، وصخورها البازلتية مستقرة وهادئة رغم اندفاعها من رحم البراكين.

ـ كيف نشأ الفن التشكيلي لدى الإنسان؟

ـ لا نستطيع أن نقدم إجابات حاسمة حول ذاك لأن هذه المسألة موغلة في القدم، ولكن بإمكاننا أن نستقرئ التاريخ البشري ونضع فرضيات قابلة للتحليل دائماً، فقد يكون فن النحت قد تشكلت بدايته عندما أخذ الإنسان يصنع أدواته وخاصة أدوات الصيد والدفاع عن النفس وحفر الكهوف أو جعلها صالحة للسكن، فالحجر المدبَبُ الرأس أكثر قدرة على الاختراق من الحجر المفلطح أو المسطح، وبالنظر إلى الأشكال المتعددة لتلك الأدوات تحفزت ملكات الإنسان للتطلع نحو الشكل والتشكيل والتصور والتخييل ناهيك عن الأشكال والصور المخزونة في ذاكرته أصلاً بفعل المشاهدة لما حوله، والرسم كذلك قد تكون بداياته عندما بدأ الإنسان يشعر بأنه قادر على ترك أثرٍ ما على شيء ما. فالقدم تترك أثراً أو علامة أو رسماً على الأرض، والحجر المدبب يترك رسماً على حجرٍ آخر أو جدار كهف، ومع وجود ملكة التخيل، والقدرة على محاكاة الطبيعة، والنزوع نحو التوازن والجمال لدى الإنسان، وتراكم الخبرات لديه وتكرار التجارب بدأ ينمو حسه الفني شيئاً فشيئاً وبدأ هو بتوظيف هذا الحس لأغراض مختلفة.

ـ ما معنى فن تشكيلي؟

ـ الفن لُغةً هو ضرب أو حال من شيء، والتفنن هو تبديل الأحوال. والفنان هو القادر على التحول من حال إلى آخر أو إيجاد حال دون آخر، أو إيجاد شيء على حال ما دون آخر. والتشكيل هو إيجاد شكل ما أو صياغته وضبطه حيث يختلف عن أي شكل آخر.

والفن التشكيلي اصطلاحاً هو ما يطلق على الرسم أو التصوير والنحت والحفر، وقد يندرج تحت هذا العنوان، وفي حالات خاصة بعض الفنون اليدوية والتطبيقية، وهنا نشير إلى أن مصطلح الفن التشكيلي لا يفهم بمعناه الصحيح لدى عامة الناس، فهم يستخدمونه بقصد الإشارة إلى مدارس الرسم الحديثة وخاصة التجريد، بينما يدل ويحتوي على كل المدارس الفنية بما فيها الواقعية.

ـ في المقابلة لك على قناة الجزيرة أشرت إلى معوقات حضارية تاريخية منعت الفن التشكيلي من التجدد في بنية المجتمع العربي ولكنك لم تُفصِّل، هل لك أن تحدثنا عن ذلك؟

ـ الفن التشكيلي لم يحظَ بذلك الاهتمام الذي حظيت به اللغة وفنونها الأدبية، حيث تزاحمت المدارس النقدية وكثرت المناهج وتفرعت على مر العصور لتستطيع قراءة ظاهرة الشعر مثلاً بتعقيداتها وامتداداتها وتركيباتها المتنوعة. عندنا نحن العرب فإن تاريخ العلوم الإنسانية التي تعنى بالإبداع البشري هو تاريخ لغوي بامتياز حتى من كان مبدعاً وعبقرياً في قدرته على قراءة وتفسير وتأويل وتذوق الإبداع، وأذكر هنا عبد القادر الجرجاني مثلاً في ذلك، وفي أوروبا انظر إلى الكم الهائل من علوم اللسانيات التي تناولت اللغة تجد أن الفن التشكيلي لم ينلْ من ذلك الشيء الكثير، ولعل من أسباب ذلك (والأسباب كثيرة) أن اللغة تحقق نفعية مباشرة للبشر، فهم يتواصلون، ويقضون حاجاتهم ويسيرون حياتهم اليومية بوساطة اللغة.

ولكن وإذا جاز لنا القول إن من الناس من كان نمطاً بصرياً ومنهم من هو نمط سمعي، فإننا نستطيع أن نقول إن ثقافتنا نحن العرب هي ثقافة سمعية تسود فيها المشافهة أكثر من كونها ثقافة بصرية يسود فيها التدوين. ولعل من أسباب ذلك أيضاً سيادة ثقافة الصحراء، حيث الصحراء لا تمدك بمشاهد تغني ذاكرتك البصرية. ثم إن الضرورة إلى التنقل طلباً للكلأ والماء والعيش لا تتيح لك بناء مدن ثابتة وحاضرة وزراعة شجرة أو سهل قمح أو حديقة ورد، أي بناء مشهد بصري.

إن ثقافة شبه الجزيرة العربية الصحراوية طغت على ثقافة الشعوب العربية المجاورة لها تحت سلطة النص والتلقين على حساب ثقافة التخييل والتفكير، فسادت الأذن على العين، رغم أن الفنان العربي والمسلم عموماً استطاع أن يهرب إلى داخليته بخلق عوالم فنية مجردة ولكن على حساب العياني والمحسوس والمشخص.

ـ تقصد أن الفن العربي والإسلامي كان سباقاً بمنحاه التجريدي والرمزي؟

ـ ربما، ولكن هذه الأسبقية لا تحسب لصالح الفنان هنا لأنه مُنع من خوض تجربته بنفسه والخروج منها بنتائج تخصه، بل كان خاضعاً لنسق من التفكير محدد سلفاً من خارجه، فقام التجريد لديه على إيقاعات رتيبة وخافتة، مع أن بعض الفنانين العالميين الكبار (بول كلي وبيكاسو) قد أبدوا إعجابهم بذلك الفن لما يختزنه من ترفع عن المشخص، ومن صوفية عزوفة ومترفعة عن صغائر الحياة وشؤونها المبتذلة، وربما لأن أولئك الفنانين أنفسهم كان لديهم ميل إلى الاختزال والتعالي فأسقطوا ذلك على أعمال الفنانين العرب والمسلمين دون أن ينتبهوا إلى سعيهم للتفلت من حالة المنع الذي أقيم على التشبيه والتشخيص.

وهنا لا بد من الإشارة إلى مسألة على درجة عالية من الأهمية وهي أن مرتكز التجريد في الفن العربي والإسلامي عموماً مرتكزٌ سمعي والأذن أداة معرفية حشوية باطنيةٌ شعورية، فأنت لا تستطيع أن تكوِّن معارف عيانية مشخصة بوساطتها، فتبني عالماً هلامياً ضبابياً لا يرقى إلى حقيقة العالم الموضوعي فعلاً.

الأذن قدرتها على أن تعقل ضعيفة والعين أداة عقلية بامتياز.

ـ ولكن ألا ترى أن الفن وفي جزء من طبيعته هو وعي حشوي يتبع طرقاً للتعاطي مع الوجود غير طرق العقل؟

ـ أجل ولكن عندما تحطم جدار العقل بعد امتلاكه فهذا مستوى يختلف عن مستوى ما قبل العقل أو ما دونه.

6. هناك شبه إجماع على أن الفنان يعجز عن التكيف مع محيطه الاجتماعي، ما رأيك؟

ـ ربما كان الفنان أقدر الناس على التكيف ولكنه يمتلك قدرات أخرى، منها قدرته على الرفض وقدرته على التطلع. وأحياناً قد يبدو للآخرين وكأن قدرة المبدع على الرفض هي عدم قدرة على التكيف وهذه مغالطة كبيرة.

ـ ماذا عن عدم انسجام الآخرين مع شخصية الفنان أو عدم قبول الكثيرين لطبعه وسلوكه ولكيفية تعايشه مع الحياة؟

ـ الفنان والفيلسوف والشاعر والمبدعون عموماً هم أفراد يشتغلون في حقول المعارف الكبرى ونواظم الكون العريضة حتى نهاياتها الدقيقة والبعيدة، وإن تلك النواظم والمعارف تطال البشر بشكل عام وعلى اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، وتغطي مساحات واسعة من الحياة.

بينما تجد الآخرين لا يستطيعون أو لا يريدون تحمل أعباء تلك المعارف.

الفنان الحقيقي يمتلك الشجاعة والقوة والثقة بما يكفي ليواجه الحياة ويواجه نفسه بلا قناع فيفسد على الآخرين (الذين يعيشون الحياة حفلة تنكرية) متعة ارتداء الأقنعة.

الفنان يصغي إلى نجمة أو زهرة ويقرأ ذاكرة شجرة معمرة ويستطيع الطيران والقفز فوق أسوار الحظائر بينما ينعم الآخرون بصممهم وعمائهم وسياط الساسة، والفنان يستطيع أن يرى كيف يكون الإنسان مروضاً مدجّناً ويدعي النضج، وكيف يكون الإنسان مستلباً ومستباحاً وعديم الفرادة والتشكل ويدعي الالتزام بالنظام والقوانين والأعراف.

ونستطيع أن نتكلم كثيراً حول ذلك مما يثير حفيظة الآخرين تجاه الفنان، وقد يكون المبدعون في مجال العلوم والتكنولوجيا التي تثمر صناعياً أوفر حظاً بكثير لأنهم لا ينتجون أفكاراً وهم يكتشفون حقائق ذات طابع مادي ملموس ترضي حواس الآخرين ولا يستطيعون إنكارها، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن اكتشافاتهم ذات نفعية مادية مباشرة تسهم في زيادة رؤوس الأموال لدى البعض وترضي هوس التسوق والاستهلاك لدى الآخرين بل قد تزيد من اغترابهم عن أنفسهم وتعمق لديهم الكسل الروحي والمعرفي وترضي غرورهم الزائف بأنهم مقتنو حضارة.

ـ من هو المبدع؟

ـ لقد اجتهد في هذا المجال عالم النفس الشهير (كارل يونغ) وتوصل إلى أفكار رائعة في محاولته لفهم ظاهرة الإبداع، وأبحاثه حول مقولة (اللاشعور الجمعي) غنية عن التعريف والمبدع هو من يستطيع فتح قنواته مع ذلك المخزون الجمعي والأزلي المهول. والمبدع هو من استطاع أن يحمي الطفل داخله من إرهاب الكبار وطغيانهم، وهو من يسكن عين الشمس كي لا يظلله الوهم والزيف والنفاق.

ـ في تلك المقابلة على قناة الجزيرة قلت أيضاً إن الكلمة هي الأقوى، أقوى من الصورة، كيف ذلك؟

ـ رغم أن اللغة (الكلام) لا تملك طاقة تواصلية مطلقة، بل أحياناً قد تكون عائقاً أمام التواصل أو قاصرة على تبيان ما في الصدور، ولكن لا تستطيع أية لغة مهما عظمت قدرتها على التعبير والتواصل أن تنافس الكلمة بالقدرة على التكثيف والتجريد والتعين والتواصل دفعة واحدة، وحتى لو كانت لغة الرياضيات أكثر تجريداً فإنها لا تملك إمكانيات اللغة المتداولة الأخرى مثلاً.

فاللغة هي القاسم المشترك الأعظم بين البشر، وهي الخزان الهائل السعة للمعارف والمشاعر والعواطف البشرية وأحياناً تكون هي المحدد لطبيعة تلك المعارف والمشاعر والعواطف وحتى لو اختلفت الألسن واللغات المتداولة في ما بينها (الفرنسية العربية الانكليزية… الخ) فإنها تشترك وتتقاطع وتتحد في أسباب تشكلها (احتكاك الإنسان بالطبيعة ومع الوجود عامة) وفي مكان تشكلها (الدماغ البشري المشترك لدى جميع البشر).

وعندما أجد أو أكتشف علاقة جديدة وخاصة تجمع بين مفردتين فإنني أدخل في لغة ثانية متعالية. أدخل لغة المجاز ولغة الشعر.

ـ هل تقصد أن الشاعر هو أعظم المبدعين جميعاً؟

ـ بالتأكيد لا، لأن الشاعر يتكئ على منجز لغوي قام بإنجازه كل البشر عبر ملايين السنين، فهو مجرد راكب موجة في محيط، وليس هو من أوجد ذلك المحيط. إنما يحسب له، هو، إلى أي مدى يتقن ركوب الأمواج.

ـ من يعرفك شخصياً يدرك أن في داخلك مفكراً وفناناً كبيراً. لكنك لا تسعى إلى التحقق والانتشار، لماذا؟ ثم ما قيمة الإمكانات إن ظلت حبيسة داخل نفوسنا؟

ـ بدايةً أنا كائن نظري، كائن من حلم، ليس لدي أي توجه عملي، حاولت أن أكون محايداً وخارج لعبة الواقع ولكن فشلت فشلاً ذريعاً.

إن إحدى سمات هذه الحضارة التي نعيشها أنها لا تعترف إلا بالمتحقق والمجسد والملموس، والإنسان (للأسف) يرى ببصره وليس ببصيرته ويجب إعادة الاعتبار للكامن والخفي، فالخشب يختزن بالقوة إمكانية التحول إلى نار، والماء بصفته سائلاً يختزن بالقوة إمكانية التحول إلى غاز أو جليد، وأي نظرة إلى الماء تختزله إلى سائل فقط هي نظرة ناقصة ومثلومة، وأحياناً تكون علاقة الحامل بالجنين أكثر كمالاً وانسجاماً وسلاماً من مجموع العلاقات التي تتولد بعد الوضع. إحساسك بالذي سيفعلونه بالإنسان بعد أن يفقد فردوسه الآمن يجعلك تمتنع عن ولادته، وإحساس الجنين بالمصير الذي سيؤول إليه بعد الولادة يجعله يمتنع عن الخروج.

جرب أن تسأل عشرة أشخاص لماذا يحبونك؟ ما الذي يدفعهم إلى ذلك؟ ستجد أنهم يحبون شخصاً آخر سواك، قد يشبهك أحياناً، وربما كان لا يشبهك في شيء، ومعظم الناس تستهويهم هذه العلاقة ولا يعبأون بحجم الزيف الذي تختزنه بين ثناياها.

وبعض الناس يرسمون لك صورة لا يجوز لك أن تتلاعب بملامحها، وطريقا لا يجوز لك أن تحيد عنه.

وبدلاً من أن يكون الإنسان أكبر من صفاته جميعاً فإنه يختصر إلى مجرد صفة، فهو في نظر الآخرين مجرد طبيب أو عتَال أو مهندس أو ضابط أو سائق حافلة أو فنان أو زوج وما شئت من ذلك. وأحيانا يتشارك الناس في محبة شيء ما أو شخص ما أو يميلون لإتباع مذهب ما، ولكنهم في ذلك يختلفون في الدوافع فيعيشون حالة تشارك زائفة، أو يصبحون أعداء فيما بينهم في حال ظهر اختلاف الدوافع.

كل البشر أو معظمهم يحبون الله أو يعبدونه… إذاً لماذا الأحقاد بين أتباع الأديان والمذاهب؟

وصحيح أيضاً أن الوعي مشروط بظروف موضوعية مستقلة عن إرادة الإنسان ولكن البشر يمتلكون خاصية الفعل في تلك الظروف وإمكانية تغييرها، فلماذا لم ينجح البشر بتغيير شرطهم الاقتصادي والاجتماعي لخير الإنسان؟

ضمن هذه الفوضى يجب أن تعكس السؤال : ما فائدة الإمكانات إن هي خرجت من داخل نفوسنا؟

ـ ولكن على هذه الأرض ما يستحق الحياة على رأي محمود درويش، وأنت قلت سابقاً إن روحك ما زالت تلعب في الساحات التي شيدها الرحابنة؟

ـ المشكلة أن من مارس الذبح على الهوية الشخصية أثناء الحرب الطائفية في لبنان يستمتع باللعب ويشارك به في تلك الساحات التي شيدها الرحابنة. وهتلر كان رساماً وتقدم إلى أكاديمية الفنون الجميلة في برلين ولم يقبل.

ـ كنت أود أن نستزيد فيما يتعلق بالفن وأبعاده الفكرية والفلسفية، ولكن في ظل ما يحصل في العالم العربي ما هو رأيك كفنان حول ذلك؟

ـ بداية، الفن يرى الطغاة أعداء حقيقيين للحياة، وهو في جوهره نزوع أصيل نحو الحرية التي تمكن الإنسان من التواصل مع نفسه ومع الوجود ونواظمه العريضة، وما يحدث في العالم العربي يصب في هذا الاتجاه، والفن دائما في صلب الحدث ولكنه يذهب أبعد وأعمق من أن يطالب بحرية سياسية فقط، أو اجتماعية فقط، أو اقتصادية فقط. إنه يدخل في عمق الوجود وبأبعاده المعقدة ويصبو إلى التحرر من أي قيد يناقض شرط الوجود الإنساني بشكل عام.

وإذا نظرنا إلى ما يحدث في الواقع، ولنأخذ مصر على سبيل المثال، فإن ما فعله الشعب المصري عظيم حقا، والمصريون يبدون واعين لخطواتهم التي يخطونها تجاه النظام القديم ومفاعيله وتركته الثقيلة، لكن ثورتهم بدأت الآن وقد تستمر لسنوات طويلة، وفي هذه الأثناء تكون عرضة للالتفاف حولها وربما للارتداد عنها، أو عرضة لتدخلات خارجية لا تريد للعرب أن يحققوا نقلة حضارية من هذا القبيل، وللأسف فإن المجتمع العربي له قابلية كبيرة لتوليد الاستبداد بما يحمله من آيديولوجيا داعمة ومولدة لذلك، وبما يختزنه تاريخيا من وباء الاستبداد. ومن هنا فإن ما يفاقم أعباء الثورة في العالم العربي هو غياب منظومة فكرية متكاملة تستند إليها فالثورة الفرنسية مثلا تحمل أفكار مارتن لوثر ضد استبداد الكنيسة، وأفكار مونتسكيو ضد التسلط الشمولي للدولة، وأفكار فولتير ضد التعسف الفكري ومصادرة الحريات، وكذلك تولُد هناك توجه اقتصادي نوعي وأصيل (دعه يعمل، دعه يمر)، وكذلك وعلى الرغم من استبداد الكنيسة في العصور الوسطى، فإن الدين المسيحي قد جعل من الإنسان ابنا لله وليس عبدا فقيرا في الدنيا مقابل ثواب سيناله في الآخرة. وهناك مسألة أخرى مهمة تاريخيا وهي ديموقراطية (أثينا) وتداعياتها في الذهنية الأوروبية.

كل ذلك قد نفتقر إليه في العالم العربي ويجعلنا بعيدين عن تبلور وعي فلسفي وفكري وسياسي ومعرفي يشكل بديلا للفكر السائد ويستوعب خصوصية الواقع، ولا يبقى حكرا على مثقف أو مفكر أو فنان يعيش على جزر معزولة ويعاني من استبداد فكري واجتماعي أشد وطأة من الاستبداد السياسي.

ـ ما هو تصورك للمستقبل؟

ـالاحتمالات مفتوحة باتجاهات مختلفة وليست كلها مبعثا على التفاؤل، ويجب ألا ننظر إلى الغرب على أنه مجرد (فاعل خير) تجاه ما يحدث.

أجرى الحوار معتصم صالحة: صايل الكفيري فنان تشكيلي سوري، عاش في بيروت وإليها تشده ذاكرته، أقام عددا من المعارض الفردية والمشتركة وله نظرات في النقد الفني والأدبي.

2011-04-29

لقاء منشور في صحيفة القدس العربي