علينا أن نتذكر دائماً متى , بصورة عامة ينمو العصاب ؟ إنه ينمو بمجرد أن يكون الفرد مُعاقاً في سيره نحو الحرية الداخلية , نحو الاستقلال , ونحو تحقيق الذات وتنمية شخصيته الخاصة تنمية منسجمة .
وينمو العصاب بمجرد صراع لا شعوري ومؤلم بين الأنا الشخصية وبين الأوامر المفروضة من الخارج . ويفعل الفرد عندئذ أي شيء ليجد شخصيته وتوازنه مجددا . وذلك أمر طبيعي . ويتبين المرء إذن إلى أي حد يمكن أن تكون الأنا العليا نقطة انطلاق مثالية .
من الأخلاق المغلقة إلى الأخلاق المفتوحة
من المؤكد أن ثمة فرقا كبيرا بين الأخلاق اللاشعورية للأنا العليا , التي يفرضها ” الآخرون ” من آباء ومجتمع وثقافة ووضع جغرافي واجتماعي , الخ , وبين أخلاق فردية يرضاها يتبناها كل فرد حقق كماله واستعاد حريته الداخلية . ويرى المريض سريعاً , في أثناء التحليل , ترتسم حدود أناه العليا . ويشهد انفتاح متاهات يسود فيها الخوف من العذاب , والواجبات المرضية , وضروب التألق المزيّف , والفضائل المزيّفة . ويصعد ظل الآباء المهدّد إلى النور ويختفي . ويحس المريض تدريجيا بانبعاث أناه الواقعية متخلِّصة من مجسّات الأنا العليا . وينقلب , في الوقت ذاته , أسلوبه في النظر إلى الأخلاق .
الأنا العليا هي الأخلاق المغلقة , الصارمة , والمنطوية على ذاتها , والمتوقعة بفعل الأثمية والخوف .
وإذا تتحرر الأخلاق من الأنا العليا , تصبح أخلاقاً ” مفتوحة ” . فهي تشعّ نحو احترام أصيل لذات وللآخرين .
وأخلاق الأنا العليا هي الأخلاق – السجن . إنها أخلاق الشخصية المسجونة في الجبس . إنها الأخلاق المهجورة , راسب مخاوف الطفولة . وعندئذ يصبح الإنسان شبيهاً بمواطن ( الأنا ) يطيع قوانين يعود تاريخها إلى أيام القيصر ( الأنا العليا )
وليست الأخلاق الفردية ( والأصلية ) بحاجة لرجال الأمن حتى تكون محترمة . إنها أخلاق الفضيلة . ويصبح الفرد فاضلاً بسبب الاستحالة في أن يكون غير فاضل , أي أن يسبّب الضرر لنفسه أو للآخرين , لا بفعل المجهود أو الصرامة الداخلية .
وثمة كذلك فرق كبير بين دين يرتكز على الأنا العليا التي فهمت فهما سيئا وظلّت طفالية , ومستندة إلى الخوف والحذر والأثمية المرضية والهواجس الطفالية , وإلى ” إسقاط ” أب مرعب , وبين رؤية لدين ” منفتح ” , مرتكز على ثقة راشد أقام ” صلات أصيلة بذاته وبالغير وبالمطلق .
مقطع من كتاب ” انتصارات التحليل النفسي” لـ ” بيير داكو ” .” ترجمة وجيه أسعد ” صادر عن الشركة المتحدة للتوزيع . بيروت .