°
, March 19, 2024 in
آخر الأخبار
دراسات اجتماعية

حول العلويين ، د. محمد عبد الله الأحمد

تكفير العلويين

امتنعت كثيراً عن الحديث في هذا الموضوع فلا آخذ دور المدافع عن طائفته فأنا لا طائفة لي إلا المظلومين . و بحكم هذا المبدأ سأتحدث عن الظلم التاريخي الذي وقع على العلويين على أساس اعتبارهم ملة كافرة ، و الكفر عندنا ليس موقفا فكرياً بل موقف أمني و حياتي و مستقبلي .
لقد نشأت في أسرة كان جدي يحفظ القرآن الكريم و يصلي في كل صباح ثم يغني الأشعار الدينية ، و كنا جميعاً و لازلنا اذا حضرنا مجلس صلاة يكون القرآن الكريم عماد الصلاة و الحبل بين المؤمنين و خالقهم ، و توحيد الله تعالى لهج الألسن و القلوب ، و حب علي بن أبي طالب و اعتباره كمال ايماني و قرآن حي في العمل و القول … كل هذا في مجلس الصحبة الايمانية أساس لا حيد عنه .
لكن العلوية أخذت فلسفة أرسطو لتفسير صيرورة الحياة و تبيان ماهية الوجود ، حيث يمكن القول أن ارسطو ذاته لو استفاق من موته و عرف أن جماعة من البشر أخذت فكره و اعملته كمنهج تطبيقي في نظرية الوجود لفرح فرحاً كبيراً .
فأرسطو يصف مبادىء أصل الوجود و متغييرات الوجود و يفرق بين الوجود و ماهية الوجود، و لقد استمتع العقل العلوي تاريخياً في الاجابة الايمانية على أسئلة أرسطو ، و ما أرى المؤمنين العلويبن الا دعاة له لكي يأتي فيرى و يسمع كيف يجيبون من قلب القرآن على أسئلة ك
١ – ما هو العقل الالهي و هل هو موجود؟
٢ – أين حافة تحويل المادة إلى شكل؟
لقد قال أرسطو بوحدة المادة و الشكل مع كون المادة هي إمكانية تجسد في الشكل .. و طبق العلويون هذا القانون الارسطي عبر الايمان بثنائية ( الشكل و الجوهر ) في كل ماهيات الوجود .
رأى العلويون في ارسطو عبقرية مؤمنة عاقلة و هو يتحدث عن حركة العالم و اعترافه بأن هذه الحركة ستتوقف أن آجلاً أو عاجلاً( يوم الدين ) .
و لست هنا في معرض كتابة كل شيء في فلسفة الدين عند العلويين ، و لكني أردت أن أضع أساساً للتفكير الصحيح عند الناس كل الناس بشأن الفلسفة و الايمان العلوي ، الذي قرر أن ينشط الرياضيات العقلية و ان يترك النمط الذي ( يقمع العقل ) .
أما القضايا المتعلقة بالخروج عن الشيعة الظاهرية و السنة الظاهرية في ( النمطيات) الطقوسية، فليس في هذا خروج عن الايمان و المبدأ أن من قال لا إله إلا الله فقد عصم نفسه .
في القرون الأولى و البعض التي تلت لنشوء المذهب على قاعدة الاختلافات الدائمة ضمن المذاهب و تشظي الفرق المسلمة عند السنة و عند الشيعة ، بدأ الشكل الاولي للمذهب مع محمد بن نصير ثم ابي عبدالله الخصيبي و لكن القرون اللاحقة التي تضافرت فيها العوامل الاجتماعية الاقتصادية و حتى الحربية، أدت لنشوء جماعة مسلمة سكنت ساحل المتوسط التركي و السوري و توزع بعض المنتمين اليها سراً و علنًا في الداخل العراقي وصولاً للحجاز و اليمن هي الجماعة العلوية ، التي أخذت أسماء أخرى مثل ( قزولباشية، بك تاشية ) حيث رفضت هذه الجماعة الدخول في النسق الطقسي الديني للدول المتحاربة على الايمان في الداخل المسلم ، و حاولت انشاء دولتها هي فكانت الدولة الحمدانية التي اطمئن أغلب العلويين العرب لها و سكنوا فيها .
……
الخروج عن الملة
اذا كانت الملة هي ملة المؤمنين بالله عز و جل فالعلوييون ليسوا خارجين عن هذه الملة .
اذا كانت الملة هي ملة الايمان بكتب الله و ملائكته و رسله و القضاء و القدر و اليوم الآخر ، فالعلويون ليسوا خارجين عن الملة .
اذا كانت الملة هي الايمان بالتراث الذي صنعته اقلام الاحتراب الاسلامي و التنافس و الصراع على ( الملة الناجية ) فالعلويون نعم خرجوا و هم ليسوا من هذا كله .
…..
الهرطقات
في مراحل اشتد فيها الظلام على العقل المسلم و ذلك ابان عصر الملل و النحل ، كان العصر عصرا ذهبيا للهراطقة و المشغوذين في كل اصقاع و اعمال المسلمين، حيث تم تأليف كتب رسمت بخط اليد فيها طلاسم و حكايات بلهاء ترافقت و تزامنت مع الجهل و التخلف و المرض ، حيث كان لب المعضلة في أمرين:
١ – الضعف و الهوان العام لدى المسلمين في الشؤون السياسية الاقتصادية الاجتماعية
2 – الخلافات الاسلامية الداخلية الناشئة عن السياسة ثم التي تأخذ اشكالا دينية فقهية مذهبية
كل هذا فتح الباب أمام المتخلفين الذين امتهنوا استغلال جهل الناس و أسسوا لفكر هرطقي منحرف كثر في أيام الدولة الفاطمية في مصر و اشتد اواره و ذلك بسبب اطلاق فكرة العصمة على ال بيت النبي و نسله كله ، و تحول العصمة الى التقديس ، حيث نشأت مظاهر التبرك بهم إن كانوا أحياء أو موتى ، و هذا حال الانسان منذ بدء الخليفة! ميال للتبرك بشيء أو أحد يراه و يلمسه أو يرى رسمه في كل شعوب الارض .
..
تكفير العلويين
المسألة السياسية

لابد من الاقرار أولاً بأننا منطقة الأديان الأولى على الكرة الأرضية، و عليه فأن الدين يخرج لك في فطورك الصباحي ، في ركوب سيارتك ، في عملك ، في علاقتك مع الآخرين، أو في علاقتهم هم معك .. أنا لم أعرف أن المسلمين اخترعوا دعاء الأسانسير إلا في القاهرة .. و لكل سلوك ألفوا دعاء دون أن يقدموا على أية نهضة فعلية في عصرنا هذا .
هذا ليس هجواً للإيمان طبعا فأنا رجل مؤمن.. إلا أنني و أنا المقيم في بلغاريا منذ عام ١٩٨٨م و كنت أذهب لصلاة الجمعة في مسجد صوفيا كنت أعجب لأن البعض ممن يعرفني جيداً ما كان يقبل صلاتي كمؤمن بل كشخص سنن أي ترك طائفته و قد قالوها لي وجهاً لوجه .
في سبعينيات القرن الفائت و قبل جريمة حماة التي ارتكبها النظام و الإخوان معاً ، الأول بحماقة مدير الازمة بسياسة الحرق و الدم و الثاني بإصراره على ثورة دم مسلحة ، قبلها بسنتين استأجر لنا والدي رحمه الله بيتاً سرياً في قرية عيون الوادي لأن اسمه و عائلته كان على قوائم الاغتيال .
كنت أقرأ منشورات الإخوان آنذاك كلها لأن والدي كان يأتي بها مع عدد كبير من الصحف من كل الألوان فبحكم منصبه كان يأتي بالصحافة اللبنانية و المصرية و ما تسمى خطأ صحافة سورية ، و هي مجرد منشورات حزبية ما عدا صفحة الوفيات و الصفحة الأخيرة .
…..
عندما كنت انتهي من قراءة أي منشور إخواني كنت أحس بدمي مهدوراً و أننا شاب في الثانوية كذا و دم أمي و إخوتي و أبناء حارتي في حمص ! و كنت أتساءل هل يكتب هذه المنشورات تنظيم الطليعة المقاتلة فعلاً ؟! و هل هم حمقى و عنصريون الى هذه الدرجة ؟؟ حتى فعل ابراهيم اليوسف فعلته في مدرسة المدفعية ، فوعيت أن في الأمر كراهية أعمق من صراع على كرسي الحكم… ( إنه التكفير السياسي ) .
كانت عبارات ك ( الفئة النصيرية الكافرة ) الموضوعة في السياق العام الحربي، تضعني دون إرادة مني كشاب في مواجهة بشر هم من أبناء شعبي و جلدتي و كنت أحار أيما حيرة ، اثناء تشكل وعيي السياسي الأول .
….
لماذا هي فئة نصيرية كافرة ؟
قتل الكفار و عدم التسامح معهم أوو مع من نرى فيهم كفارا لأنهم لا يشبهوننا في العقيدة و السلوك و النمط ، هو أخطر مواريث عصر الانحطاط الذي نعيش فيه . فهي دورة دموية دائمة منذ بدء عصر الملل و النحل ، القوي يأكل الضعيف ! و اذا كان الأمر أقل من القتل فهو الإهانة و الضرب.. حيث كان على أبناء الأقليات ان (يطورقوا ) في السوق منذ قرون ، و الطورقة تعني ان تضع عينيك في الارض و انت تمشي.
لماذا ؟
لأنك صاحب عقيدة مختلفة ! خارج عن الملة و تستحق في الحقيقة ما هو أكثر من ( طورق ) و من كرم النفس أن ذاك في السوق اكتفى بذلك .
عندما انتهت دولة بني حمدان حصلت مذابح كبرى اعادت من بقي على قيد الحياة من العلويين إلى الجبل هاربا من حلب مع أنه من أهم المقامات الدينية لمشايخ الطريقة هو في حلب .
…..
أيام التركي و الفرنسي
كان التركي مع العلويبن موغلاً في ظلمه، و كان الكثير منهم يدعي المسيحية، لأن المسيحيين دخلوا في حمايات الفرنسيين و الانكليز و الطليان .. حتى أن عشيرة المتاورة العلوية ( مثلا ً) تضم عائلات مسيحية من آل خوري و غيرهم حتى الآن .
كان لرجل حمصي كبير من آل دروبي يداً عاقلة كريمة في حماية العلويين من الذبح ، بعد أن جاءه قرار الصدر الأعظم بأن يفعل و لكنه رفض و سافر إلى الأسيتانة و عاد برتبة باشا وواليا على حمص بقرار من سميه السلطان عبدالحميد .
و من وقتها حصلت تحالفات بين عائلات علوية بعينها و السلطنة لحماية طريق الحج و نشأت في العلوية أول الجماعات العسكرية و كان اسمها ( البارودية ) . و صار الاقطاع العلوي يحالف السلطنة أحياناً و يحاربها أحياناً .
في ايام الفرنسي انقسم العلويون إلى فريق وحدوي و هو الأكبر و فريق انفصالي و هم فئة أقلية وقعت وثيقة طالبت بدولة للعلويين بينما رد عليها الوحدويون و على رأسهم الزعيم صالح العلي بوثيقة أخرى لا يتحدث عنها الآن أحد بينما يتم تكرار وثيقة المطالبين بالانفصال لإظهار العلويين كقليلي وطنية ! و هم الذين كان بإمكانهم أن يقبلوا عرض الفرنسيين ببساطة مثلما فعل اللبنانيون، الا أنهم رفضوا بعنفوان السوري الوطني الذي التزم بعهد الثورة .
..
الاستقلال
لابد من ملاحظة علمية هامة للغاية و هي أن نواة الجيش السوري إبان الاستقلال كان ( جيش الشرق ) و أن الكتائب و الفرق المسلحة فيه و المشاة ضباطاً و صف ضباط و عسكر كان أغلبهم من العلويبن أصلاً عام ١٩٤٦م ! حيث لا ينتبه الكثيرون لهذه الحقيقة اثناء دراسة الواقع السياسي العسكري لسورية المستقلة . ( يرجى العودة لمذكرات النقيب محمد معروف ) .
اذن الظاهرة العسكرية العلوية ظاهرة قديمة ، تشبه في قياسات علم الاجتماع السياسي ظاهرة عسكر السلاجقة ابان الخلافة العباسية ، و المماليك في العصر الايوبي، الجماعة الشركسية العسكرية.. …الخ.
و لقد لعب هذا الأمر دوراً حساساً ابان عهد الاستقلال ، قام خلاله رجال الدولة العقلاء بالبدء بعمليات توازن داخلي في الجيش لم تأخذ طابع الديمومة العاقلة بسبب انقلاب الزعيم و سرقة الديموقراطية البرلمانية الوليدة من عيون السوريين ، فعمل الحاكم العسكر اللاحقون على علاج الموضوع بشكل متخلف فصار داخل الجيش السوري من الطبيعي ان تتحدث بمصطلح( ضباط الشوام ) ( ضباط الديريين ) ( الحوارنة )
و ضباط ( الاقليات الدينية ) .. و الدليل على هذا قيام الضباط الشوام عام ١٩٦١م بالانفصال عن مصر .
من هنا فإن تحليل الظاهرة العسكرية العلوية، لابد أن يبنى على أخطر عامل حكم حياتنا كسوريين و هو أن الضباط دهسوا منذ بدايات البدايات على مؤسسة الدولة و حكموا بلا أية حكمة .
…..
حكم البعث
ليتك لم تحكم أيها البعث ، و ليت البلاد بقيت تراكم نفسها في إطار العملية البرلمانية ،و اني واثق أنه كان بإمكانك أن تحصل على أكثرية تجعلك قادرا على الحكم بشكل ديمقراطي يوما ما دون أن تعتدي بالعسكرة على حياة البلاد فنصل الى عمق الكارثة .
كان العلويون كطائفة لم تشكل لنفسها مرجعية دينية هم الأكثر انتساباً لحزب البعث ،و لقد كانوا يوصلون المرحوم أكرم الحوراني بأعلى الاصوات قبل الوحدة الى قبة البرلمان .
و كان وصول البعث للسلطة ، يعني فيما يعنيه وصول تلك الموجة العالمية الاشتراكية الفلاحية للسلطة ، و لقد كان الأمر ظاهرة عالمية و ليس سورية فقط !!! فمن الصين لاوروبا لامريكا اللاتينية وصل المزارعون للسلطة … في سورية كان للأمر جانب آخر ، فحيث منطقة الأديان الأولى على الكرة الأرضية أنت علوي قبل أن تكون فلاحاً !!! .
..
المرحلة الأسدية

كان الارتكاب التاريخي الكبير هو تبوأ المنصب الاول عام ١٩٧٠م و لقد كان على ولاة الأمر أخذ مسألة التكييف الواقعي مع البيئة الشعبية بعين الاعتبار .
يكرر أحد التجار المشهورين هنا في بلغاريا و هو دمشقي عبارة ( لو الشام فيها زلم ما استلم حافظ الأسد ) بالطبع كان يقولها بشكل استنكاري احتجاجي و لطالما سمعنا و كنا نعلم أن الأمر غير مرضي عنه ، من فئات غير قليلة و السبب هو المحتد الطائفي، فكيف به و هو يتوقف عن بناء الدولة لصالح توريث ولده ؟! لقد كانت هذه اللحظة و هذا القرار هو الأخطر في تاريخ سورية الحديث و الأخطر في تاريخ طائفة لا قبل لها بتحمل عقابيله، خصوصا بغياب الاقتدار .
كان اسوأ ما حصل في الرد على الطليعة المقاتلة بخلق طبيعة مقاتلة علوية منذ عام ١٩٧٠م على يد رفعت الأسد ( سرايا الدفاع ) و كانت الطبيعة الطائفية للسرايا ، مدمرة للوعي الوطني الذي يفترض على الدولة بناؤه ، و لكن نيكولا ميكافيللي كان يمد لسانه في وجه كل عاقل .
كان البعض يراهن على نهضة اقتصادية – كنت منهم – او على نمط ميكرو صيني في سورية يجعل الناس في بحبوحة انتاجية لابد ستؤدي لتطور سياسي ، اضف الى كل هذا أن العام ٢٠٠٠م حمل الى الحكم شابا طبيبا تعلم في دولة حرية و حقوق انسان و ديموقراطية…. كنا جميعا نحمل الأمل الكبير .
…….
أكبر كارثة في تاريخ العلويين

برغم عشقي للواء اسكندرون و بعد الحرب الأكثر قذارة في التاريخ (الحرب السورية ) صار العقل الذي يأكل نفسه حزنا ًو كمداً يقول : لقد ساهم سلخ اللواء بحماية أهله من المحرقة .
و قد يرى البعض فيما أقول أنحيازا للعلويبن، و ليس الأمر كذلك فالظلم و القتل و الدمار و التهجير الممنهج كان سياسة النظام ضد كل من قال له لا ! و كل من أراد التغيير ، و ليست الصدف هي التي تشاء أن يكون أهلنا السنة في بوز المدفع كما يقال بل ( الحتمية الاجتماعية السياسية ) ، فلقد رأى و يرى أغلب أهلنا السنة أن الحكم في سورية ( حكم علوي ) .
و لأن هذا الأمر هو واحد من أهم خلاصات هذا الشرح أفند بأن الحكم في سورية خلق ( نظرية ارتكاس علوية ) و لكنه لم يخلق علوية سياسية كما يظن البعض.
إن العلوية السياسية تقتضي وجود ما يشبه الحزب العلوي الحاكم و هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة في سورية .
انها نظرية دفاع
انها نظرية ارتكاس

ما المقصود؟
وضع كل من النظام و تطورات ( الطليعة المقاتلة ) و هم أكثر من مئة فصيل حربي ديني اشتركوا في الحرب السورية ، وضعوا العلويبن بين فكي كماشة، و ليس امامهم الا ان يحاربوا ، فلقد نجحت خطط النظام و عماله في استنهاض الخوف القديم ، سيما و أن جرح ( حماة ) لا يزال طريا و الثأر قادم! و هاهي القنوات الفضائية العاملة من العراق لا تكف ليل نهار عن الشحن الطائفي، و هاهو العرعور و أمثاله يقدمون اكبر الخدمات للنظام بإعلانها حرب جمل جديد. .
و برغم عزوف الشباب عن شعب التجنيد عامي ٢٠١١م و ٢٠١٢م في كل أنحاء سورية بلا استثناء ، الا أن الجمر القديم تم تحريضه و استشعاله، بحكم فكي الكماشة ، و لقد كان أول من خان هتاف واحد واحد واحد الشعب السوري واحد هي قيادات المعارضة الرسمية و تلك ذات التأثير الديني و الاجتماعي، حيث قدموا أكبر خدمة لنظام قرر خوض المعركة بقسم المجتمع و ضرب كيان الدولة ، فحصل بينهم حلف اعداء ضد الشعب السوري كله .
……
دروس مستفادة

أولاً : لا يمكن انتصار الثورة السورية دون ضم العلويين اليها
ثانياً : لا يمكن ضم العلويبن للثورة اذا بقي المشروع الثوري يقاد من اللحى و اصحاب المشاريع القروسطية
ثالثا  : المشروع الثوري حتى الآن غير واقعي و لازال يصطدم بالواقع السوري الداخلي و الواقع العالمي
رابعاً : لايمكن أن ينتصر السوريون دون مشروع فصل الدين عن الدولة
خامساً : لابد من العودة لسلمية الثورة
سادسا : لابد ان تكون حرا حتى تصنع حرية

يتبع المسألة الاجتماعية

تكفير العلويين
المسألة الاجتماعية

في خمسينيات القرن العشرين عاشت عدة اسر علوية قرب قلعة حمص( حي الخضر ) و كان يعمل بالفاعل منهم رجل بعين واحدة لو قبه يوسف الخاين ( كان ابوه علوي و امه سنية و يلعب على الطرفين ) فقد كان حربوقا و من النوع ( اللقيط) يعني لقيط الرزق بالفهلوية . و كنت تراه يمشي مع الكل في كل عرس له قرص ، و القليلون كانوا يعرفون حكايته و كل قوم يظنونه منهم ، ربما لهذا أطلق عليه متطرفو الطرفين خاين ، مثل نبت الطرخون تزرعه في حرستا يطلع في دوما .
في صبيحة عيد الأضحى كان الرجل يمشي بقرب بيت البيك الكبير و كان من آل الأتاسي ، و قد لمحه البيك ماشيا قرب حوش الدار فصاح به : لك يوسف الاعووووور
– نعم يا بيك
– تعا لشوف خود دباح هالديوك الهندية و انتفها
– أمرك يا بيك
انتهى يوسف من ذبح الديوك و كانت أكثر من عشرة و ما إن خلص على آخرها حتى خطرت بباله فكرة ( اللقيط الحربوق) فصاح : يا بيك انت بتاكل دبيحة نصيري ؟
صاح البيك : ليش أنت نصيري ولاك ؟ انقلع الله يلعنك
فخرج يوسف الاعور من حوش البيك الذي بدأ برمي الطيور واحدا وراء الآخر ، حيث التقطها يوسف كلها فصار لأهله و جيرانه ( الفقراء ) من السنة و العلويبن عيد أي صار لهم ( دجن) .
……
قد لا يعرف الكثيرون عبارة( صرلي شهرين ما دقت الدجن) و هي عبارة فلاحية خالصة تعني ان الفلاح لم يذق اللحم لشهرين. فلقد كانت حياة الجبال حياة فقر و كانت تقتضي الحفاظ على النوع ، فاتخذ أولو الامر قرارا بتحريم انثى الحيوان لا بل  و أعطوا الأمر صيغة دينية ، حتى لا يجادل فيه أحد ، فأمن هذا التحريم الديني ( الدر ) اي الحليب و ( البيض ) و اقتصر اكل اللحم على (الدجن) و هو ذكر الطير الذي يأكل في الأعياد فقط الا ماندر ! و صارت مسألة الاعياد هامة للغاية لأنها اجتماع تضامن اقتصادي اجتماعي قبل كل شيء .
……
من الأعياد العلوية :
عيد الغدير ،عيد الفراش  ،عيد الرابع ،عيد المهرجان ، عاشوراء ، عيد المباهلة ،عيد الفطر ،عيد الأضحى ،عيد الغطاس ،عيد البربارة ، عيد الميلاد ، عيد الزرع .
و نلاحظ من أسماء الاعياد أنها مسلمة و مسيحية و كيف لا و الله سبحانه في محكم كتابه أمر بأن الاسلام بدأ من ابراهيم عليه السلام ، فكيف لا نحتفل باعياد المسيحيين و هي أعيادنا ؟؟
كما أنه من الواجب الانتباه إلى ان كلمة ( عيد ) تحمل معنى التكافل و المحبة و الفرح و ليس معنى الابتهاج الآني فقط .
ففي العيد
يأما الفقير و يساوى بالأمير
في العيد للعيد اصحاب و صاحب العيد من توفرت امكاناته لكي يعمل العيد، فيذبح ليس لكي يأكل وحده بل ليطعم اكبر قدر من الناس ، فترى صحون الطعام تتجول بين البيوت ، و قد اعتاد الناس على صنع البرغل ( برغل العيد ) .
و قد يصنع العيد في الايام الدافئة قرب المقامات و هنا يشهد المكان احتفالا انسانيا رائعا ، يقوم فيه عدد كبير من البشر لا يعرفون بعضهم بتوزيع الطعام على بعضهم البعض، و التعارف و قد يكون التعارف للبحث عن عروس لإبنهم او البحث عن عريس لابنتهم .
يبدأ طقس العيد بالصلاة التي يؤديها الرجال في قلب المقام و يكتمل بالتكافل الاجتماعي .
..
المرأة العلوية
لا يقبل العلويون التزمت ابداً ، و لا يحملون عصا في التعاطي مع قضية العفة ، بل تكون بالتربية و لكن الكثير من الآباء يكسرون القاعدة و يقسون بشدة على بناتهم . و القاعدة هي أن الحجاب هو حجاب النفس و منعها عن ارتكاب المعاصي و الحب العفيف ليس معصية .
كثيرا ما يحصل أن تاتي الصبية الى أبيها و تقول له انها تحب و أن فلانا سيأتي ليتعرف اليه و الى الأسرة ، و لا يشترط الآباء و الأمهات ان تبدأ الرسميات بقدوم الأهل و اعلان الخطبة ، بل انه التعارف أولاً و هذا يسمح بأن يتقصى الأب عن الخاطب أولاً ، و يسمح لأهل الخاطب بالتقصي هم أيضاً . و هذه الفترة من حياة الشابين هي أجمل الايام.
و لا تضع المرأة العلوية على رأسها حجابا بالفرض بل هو خيار شخصي ، فالحجاب هو حجاب النفس . و السر في الأمر هو تفسير الآية الكريمة المتعلقة بالحجاب بلبس محتشم و تغطي النساء رؤوسهن عادة في متقدم العمر، و تفعل بعضهن منذ سني الشباب و لكنه كما قلنا خيار حر لا اجبار فيه .

سيف المجتمع
يعتبر العلويون من أكثر الفئات الاجتماعية الاسلامية التي ثارت ضد سيف المجتمع المسلط على رقاب الناس . و لا يجور الآباء و الأمهات بسلطتهم على الأبناء و البنات بل ينصحون.. و اما ( مفهوم الأخ الأكبر ) فهو مفهوم ( رعاية حنونة ) و ليست أبداً ( ممارسة الاستبداد الاجتماعي المبكر ) و حتى ربما يكون مفهوم الأخ الأكبر غائبا عند العلويين .

السلطة المشيخية
لا يوجد معهد أو مدرسة أو جامعة لتخريج المشايخ العلويين، و لقد عمل النظام على تحويل المتقاعدين العسكريين لمشايخ و لكن أغلب هؤلاء لا يحصل على الاحترام إن لم يثبت نفسه في العلم و المعرفة ، و كثيرا ما يصير المعتدون على المشيخة مادة تنكيت و سخرية .
يزوج العلويون بناتهم على المذهب السني الحنفي و كذلك تتم بينهم كل معاملات الأحوال الشخصية، و من الضروري ان نشير إلى وجود قامت مشيخية محترمة للغاية و هؤلاء لا يحبون اظهار أنفسهم لكنك تسعد في جلسات يكونون فيها ، فالقرآن الكريم رياض قلوبهم و سير آل البيت ، و هؤلاء بالذات اعلنوا عدة مرات رفضهم المطلق للقتل و الظلم و التعفيش و السرقة ، و منهم خطف و قتل و هدد ، و ليس كل ما يعرف ( الآن ) يقال . و لا مرجعية دينية للعلويين لا مرجعية دينية للعلويين ، و لكن تحصل لقاءات بين المشايخ الكبار في مناسبات الأعياد ،و من الضروري القول أن حضور عمال النظام في هذه الاجتماعات و مراقبة سيرورة الامور و مراقبة كل متكلم و عد الحركات عليهم و عد الكلمات أمر اساسي و شديد الأهمية عند النظام .
….
اليوم
العلويون اليوم مثلهم مثل كل الشعب السوري يعيشون كابوساً تاريخياً لم يخطر ببالهم أن يعيشوا يوماً فيه .
فروح الثورة بالأصل أصيلة لدى العلوي ، و هو الآن في معاناة مزدوجة ففي داخله يعرف أن السلطة جائرة و ظالمة ، لكنه بين فكي كماشة ، و لا يشعر أبداً أن ( الثورة ) فاتحة بابها له ، بل يخشاها و قد قدم القائمون عليها أسوأ الأمثلة في التعاطي السياسي و الأمني، و المضحك المبكي أنهم يدعون أن لهم في رسول الله أسوة حسنة ، و قد فعلوا عكس كل ما فعل في مكة و المدينة ، فحتى الثائرة الحرة رزان زيتونة قتلوها و هي ثائرة ضد النظام ، فكيف بنا و قد تحكموا بسورية و أهل سورية ؟؟؟؟؟؟؟
أعيد الاستنتاج:
١ – لا نهاية للمأساة الوطنية دون ضم العلويين للثورة
٢ – لا يمكن ضم العلويبن للثورة و هي تقاد من أشباه طالبان ، فسورية هي أهم ساحة تنوير تقدمي في العالم الإسلامي و لا يمكن للمشاريع القروسطية ان تنجح فيها.
٣ – من يظن أن العلويين مع النظام حبا به مشتبه .