لا يمكن للإنسان أن يستغني عن الطقوس , لأن الأنماط الأولية ( الرموز ) موجودة في قاعدة كل حياة إنسانية . وهو لا يستغني عن الطقوس أياً كان بعد الوجود الذي ننظر إليه : العلاقات الاجتماعية وعلاقات الحب والحياة الدينية .
ودراسة بول ريكور حول علم التأويل ( تفسير الرموز ) مفيدة في هذا الأمر . إن الرموز العظيمة , يقول بول ريكور , تعبّر في الوقت نفسه عن خفايا رغبتنا وعن المرمى الأساسي لوجودنا . إنها الوجوه العظيمة للرغبة الإنسانية , وهذا هو السبب الذي من أجله تغوص الرموز في ما يتصف بأنه أكثر نكوصاً فينا , ولكنها في الوقت نفسه , تستخدم هذا النكوص لكي تكشف عن إمكاناتنا . إنا تجعلنا نعيش طفولتنا مجدداً ( طفولتنا الفردية وطفولة الإنسانية ) وتسقط إمكاناتنا في الوقت ذاته . وهذا هو السبب الذي من أجله أيضاً ثمة , في الرموز , ضرب من قلب اللغة . ” أقول أن على المرء أن ينتقل تقريباً من لغة محكية , لغة نتكلمها نحن , إلى لغة موحية حيث يتجه الوجود إلينا . . . وليس هذا ببساطة ضرباً من المفتاح الذي نستخدمه لكي نفتح , ولكنه الوجود , بالحري , الذي يفتحنا بمفتاح اللغات الرمزية ” .
ولهذا السبب لا جدوى من تأمل الرموز فكرياً , ولا من دراستها فكرياً ومن الخارج : ولا بد من الاعتقاد بها , ولا بد من أن نعيشها , لكي نفهمها .
وليس الطقس شيئاً غير رمز من الرموز أو نمط أولي مُعَاشين .
إننا إنما ندخل في الشعر بطقس حقيقي . والموسيقى طقس تعزيمي . والمداعبات الغرامية طقوس حضور . والأسرار طقوس تجعل الله حاضراً .
إن المذهب العقلاني انحدر وجمّد علاقة العاشقين بسبب احتقاره طقوس الحب , وبسبب انفصاله عن الطقوس الحية والمعاشة . وهي نزعة عقلانية واحدة تلك التي تأمر بإهمال الممارسة الدينية , وإهمال الأسرار المقدسة . المنحط القدر كثيراً في بعض الأحيان وموضع الظن لكونه يعادي الدين بصورة خفية , ينصح بالمتواضع من الممارسات الدينية . فالإنسان التقني يتعرض باستمرار إلى خطر أن يصبح عقلاً محضاً , ومنطقاً صرفاً ( للمذهب الكانتي , كان بيغوي يقول , يدان طاهرتان , ولكن ليس له يدان ) . ومع غياب الطقوس . نضبت الينابيع ذاتها , ينابيع الحياة .
إننا , بفضل الرموز , بفضل الأنماط الأولية – وبالتالي بفضل الطقوس – ” إنما نملك الحركة دائماً لكي نمضي إلى ما هو أبعد ” ( مالبراتش ) .
مقتطف من كتاب : انتصارات التحليل النفسي . لـ بيير داكو . ترجمة وجيه أسعد . الطبعة الثانية . الشركة المتحدة للتوزيع . دمشق سوريا .